|
الشاعر علي الامارة/يرثي الناقد محمد الجزائري بالتذكير
وجدان عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5012 - 2015 / 12 / 13 - 17:26
المحور:
الادب والفن
الشاعر علي الامارة .. له مسار في الكتابة تعمق من خلال تجربة تصيرت عبر عشرات من السنين ، وتجذرت في موقف محدد وهدف انساني شغله كثيرا في البحث عن وجه الحقيقة .. خطى خطوة جديدة في التذكير بقصيدة كتبها قبل ثماني سنوات كان قد اهداها للراحل حديثا الكاتب محمد الجزائري ، وكانت خطوته فيها نوع من انواع الفرادة ، اراد من خلالها ان لايعمد الى رثاء استاذه وصديقه ، انما اثبات مكانته الخالدة في ذهنية الشاعر علي الامارة ، وكانت القصيدة تحمل ثورة خفية ، كونها حملت كلمة الجنوب ، وشجرة النبق ، والنخلة ، والاوجاع ، والعراق ، وقبل هذا الذكر ، كان قد قطّع مشهدية القصيدة الى لقطات اعتمدت تسلسل مضطرب ، كاضطراب واقع الحال .. (مظاهرة عند شط العرب) و(سجن نقرة السلمان) و(صباح بغدادي في مجلة "فنون") و(فوق الغيوم) و(ظل القلم) .. ساعود بسؤال لماذا الامارة لم يرثي الجزائري كما هو معتاد؟؟ قد ابرر بالاتي .. الاول : (نعت الاوساط الثقافية في العراق الكاتب العراقي محمد الجزائري أثر تمزق في الشرای-;-ی-;-ن بسبب ازمة قلبی-;-ة نقل علی-;- أثرها الی-;- مستشفی-;- الجامعة في مدی-;-نة خنت البلجی-;-کی-;-ة بعد العاشرة مساء الخميس وأجری-;-ت لە-;- عملی-;-ة مباشرة استمرت الى حد فجر ی-;-وم السبت ، لکن للأسف لم تنجح العملی-;-ة وقد غادر الحياة في الساعة التاسعة صباح ی-;-وم 24-7-2015 .وبهذا يودع العراق واحدا من ابنائه المبدعين الكبار الذين احتضنهم المنفى .. والراحل محمد الجزائري، ولد في منطقة الخندق بالبصرة 30 حزيزان / مايو 1939 ولقب الجزائري / التسمية جاءت من منطقة الجزائر « الچبايش » التي سكنها جدهم الاعلى السيّد محمد بن الحسين بن محمود بن غياث الملقب «شيبان »، وهي من الأسر العلوية الموسوية المشهورة في جنوب ووسط العراق. اشتهر كشاعر ثم كناقد فني واستقر في بغداد بعد الستينيات قبل ان يغادر العراق اواخر التسعينيات ويحط الرحال في بلجيكا التي فيها تواصل مع النقد الروائي والفني ، بل انه دخل قسم الرسم المسائي في أكاديمية سانت لوكاس ورسم العديد من اللوحات لكنه كان يعد نفسه هاويا ، وكان قد عانى كثيرا قبل هجرته في الثمانينيات وما بعدها ، وهو القائل عن ذلك (بعد أن تمّ غلق مجلة فنون عام 1986 وتجميدي كرئيس لتحريرها بدعوى إنها مجلة معارضة ،اعتكفت على مدى ستة عشر عاما من دون عمل وظيفي، هاجرت بعدها الى بلد عربي مجاور كما فعل كثير غيري ممن اكتظت بهم المنافي) والتبرير الثاني قول الامارة : (قصيدتي الى الراحل الكبير محمد الجزائري ( ارجوحة الكلام ) كتبتها عام 2007 حين جمعتنا سفرة الى دمشق في مؤتمر رابطة القلم الدولية ونشرتها فيما بعد في ديواني ( حواء تعد اضلاع آدم) الصادر عام 2008 كان الجزائري اول من نشر لي قصيدة طويلة عام 1980 في مجلة فنون اعطاها صفحتين من المجلة وكان رحمه الله من كتب دراسة عن ديواني الاخير ( رسائل الى الموصل ) الصادر 2014.. وضعتها مقدمة للديوان اعتزازا باسمه الكبير ها انا اضع بين ايديكم قصيدتي عنه) والتبرير الثالث : قصيدة (ارجوحة الكلام) ، فمن كتابة (ارجوحة الكلام) الى وفاة الجزائري 2015.. كانت كافية لتتوضح عرى العلاقة بين الامارة والجزائري ، ومن ثم التذكير بالقصيدة ووفاة الجزائري في منفاه وغربته ، وهنا قد اعطي معنى اخر للفهم وهو يتدرج من اعلان الوفاة والى التذكير بالقصيدة واسم القصيدة وما حملته من ثورة خفية .. والفهم قال عنه جون لوك : (انه العمل الذهبي الذي يشكل المدركات الحسية في صور جديدة) ، اذهب مذهب المخالف لما قاله النقاد والفلاسفة العرب ، لاعتمد قول احد المعاصرين الذي اعتبر (التعريض والتلويح والرمز والاشارة والايحاء والارداف والكناية بالتمثيل او المجاورة ، كلها طرق للكناية وان اختلفت ، حيث يضمها بُعد عن طريق المعنى القريب الذي يدل عليه ظاهر اللفظ لعلاقة بينهما)1 ، من هذه العلاقة احاول استدراج المعنى لمقصدية الشاعر علي الامارة في فعل التذكير .. يقول الناقد عبدالعزيز ابراهيم : (وامام هذه الشراكة الحداثوية يتوزع المؤلف والمتلقي الى مدرجين : الاول قدرة المؤلف على الابتكار والثاني قابلية القاريء على خلق المعنى او ما نسميه بالاسترداد)ص103 استرداد المعنى ، يقول الامارة :
(حشد من الاسئلة يسير مع الماء المنتفض الجامح الى الجنوب ... فاضت ثانوية العشار بالوجوه الحانقة فانهمرت الكلمات في الشوارع ازمنة معطوبة .. هذه سلتي ... قصيدتي اريد ان اجمع ايامك المتساقطة من ندم الشجرة .. سدرة النبق كتومة بما يكفي لاختبائك في المعنى والنخلة ... بيت الاحزان عمة ساهرة على اوجاع اولاد اخيها .. العراق)
فالشاعر الامارة جاء بحشد من الاسئلة مع الماء المنتفض الجامح الى الجنوب .. لماذا الجنوب؟ ثم تنهمر الكلمات في الشوارع ، كأزمنة معطوبة تلتهمها سلة القصيدة .. (ويؤرخ ابجدية البياض/الصحراء ورقة عذراء تغويك بالكتابة/وتقايضك بالرؤى) ، وهنا يتجلى لنا ان (النص الشعري الحديث حوار دائم ودينامي مع الاشياء، حوار ثر مبني على ديالتيك خاص، مشحون بقيم اصيلة تتسم بالتشابك والعمق والتعقيد، يقوم بمهمة تشكيل النسيج الداخلي عن طريق ربط الاجزاء المتوازية والمتقاطعة والمتضادة في النص الشعري، وينعدم في هذا الحوار ذلك التواطؤ التقليدي القائم بين عالم القصيدة ومساحة الفاعلية الذهنية المستقبلة عند المتلقي، والمعتمدة على خاصية الاشباع المحايد لمراكز الانتظار والتوقع فيه، لذلك فهي تصدم ذوق المتلقي التقليدي بما لاينتظر ، بمعنى ان المتلقي سيفقد فيها لذة تعود عليها، وتأسس نمط ذوقه على اساسها، لذلك فانه سوف يحتاج على هذا الاساس نوعا من تطبيع العلاقات مع عوالم النص الشعري الحديث،الذي ينهض بذوق المتلقي ويرتفع به الى مناطق جمالية طرية وطريفة ومباغتة، تضج بسحر غير قابل للنفاد فيكبر وعيه نحو استثمار قدرات العقل على نحو اكبروافضل واكثر جذبا ومتعة. على هذا الاساس يخرج النشاط الشعري من اطار اشباع الحاجة، فليس هو تمرينا جماليا مجردا، انما هو فعل خلاّق خصب، يلد قدرة لامتناهية على الابداع والخلق واستمرارية الانجاز)2 ، فالحوار الذي جاء في قصيدة (ارجوحة الكلام) ، حوار صراع بين الوجود واللاوجود ، لذا جاءت بحشد من المرئي من اشياء المحيط وواقع الحال بلغة هادئة شفافة .. يقول بودلير : (الشعر تجاوز للواقع العيني، فهو ليس حقيقة كاملة، سوى ضمن عالم مغاير وأخروي) ، ويؤكد هوسرل أنّ العبارة مناط المعنى والدلالة، ولذلك ينبغي ضبط مداها على نحو تكون فيه كلّ كلمة وكلّ تأليف بين كلمات ضمن وحدة قول ذات دلالة. فوحدة القول تناسبها وحدة الدلالة، أما المفاصل اللغوية وأشكال القول فتناسبها مفاصل الدلالة وتشكيلاتها. وينجز المتكلّم بنحو مسترسل دلالة باطنية حين يتحدّث، تتطابق مع الكلمات وتحييها، ونتيجة لهذا الإحياء تحلّ الدلالة بالكلمات والأقوال وترقى بفعل هذا الحلول إلى رتبة المعنى. ليتجلى حب الامارة للناقد الكبير الراحل الجزائري كحالة تتوهج عبر زوايا الموت بتوهج الخلود والحياة المستمرة ..
مصادر البحث :
1ـ كتاب (الاسس النفسية لاساليب البلاغة العربية/د.مجيد عبدالحميد ناجي /المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت/1984م ط1 ص229
2ـ كتاب (تمظهرات القصيدة الجديدة) أ.د.محمد صابر عبيد عالم الكتب الحديث ـ اربد ـ الاردن الطبعة الاولى 2013 م ص9
#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعرة مها الصافي /تحرك الذائقة بحضور نثري شعري متميز/ديوان
...
-
رباعيات القاسمي / مواقف باتجاه القبول والرفض
-
(إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاع
...
-
الثلاثية الشعرية الحوارية/والعبور بالحلم من اسيا الى افريقيا
-
خزعل الماجدي/كينونة شعرية مشرعة النوافذ !!
-
الشاعرة اسماء القاسمي/وميلاد يقظة اليقين
-
الشاعر صابر العبسي : يفترض ويرفض الافتراض
-
جرأة الطروحات في كتاب ( اجندة نسوية) للناقدة عالية خليل
-
معاني متخفية في صور متحركة /ديوان (ناي الغريبة) أنموذجا
-
الشاعرة سيدة بن علي تحاول احتواء غربة المكان بتأمل اصيل
-
مخاض الحيرة ورسالة الحب في ديوان (كوميديا الذهول)
-
لتجليات الجسدية والايروتيكية وتمظهرات الغياب والحضور في الشع
...
-
الاستثمار والتحول في رؤى الشاعر نمر سعدي
-
حنان بديع بين الهجوم ضد الاستلاب والبحث عن الجمال
-
الفن ولذة الحياة عند حيدر عبد الله الشطري
-
وجيهة عبد الرحمن تصعد مع المطر وتنزل مع الحب
-
ديوان (ألم المسيح ردائي ..) وانساقه الثلاث
-
عدنان عزيز دفار في رماد السنين بين أضرحة الوجع وصهيل الأماني
-
رائدة جرجيس نرجسة شعرية مضمخة بالقلق
-
قبعة حميد المختار شعريا نموذج القراءة قصيدة علي الأمارة
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|