أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - انتماء














المزيد.....

انتماء


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1368 - 2005 / 11 / 4 - 11:59
المحور: الادب والفن
    


"تكلم، تكلم لأسند رأسي على حجر، تكلم تكلم لأسكن وطناً من كلام"...
كانت أبيات الشاعر محمود درويش هذه هي التلخيص الحقيقي لقصتنا كما هي ودون أي رتوش. فأمين الفلسطيني أكثر من اللازم، الشديد العشق لوطنه، كان أكثرنا انتماءاً. كان منتمياً لكل شجرة، لأي حجر، كان كل شيءٍ فيه يذكركك بفلسطين، ويذكرها به. ويا ليتك تزور غرفته، ويا ليتك ترى الحائط هناك، أو الزاوية. غصنُ زيتونٍ هنا، "هذا من نابلس"، كان يقول بفخر، أحضره شاب أتى من هناك، وصورٌ شتى، والأقصى متناثرٌ في كل مكان، إنه محاصرٌ بفلسطين.
"أنا لا أنتمي إليها فحسب، إنها كل شيءٍ بالنسبة لي"، كان هذا أكثر من مجرد جملةٍ عادية يقولها أمين، فأمين كان يعي تماماً تكلفة هذا الأمر، ومن ينسى كم من مرة تشاجر أمين مع أيٍ كان أو أيٍ كانوا، لأجل فلسطين، فما كان أحدٌ يجرؤ على الإساءة إليها، أو على الأقل الحديث عنها باحترام أقل، إنها باختصار أمرٌ مقدس لا يمكن المساس به، والحذار إن فعلت.
وحالما تخرَّج أمين، تهيأت له الظروف فسافر إلى هولندا، وكان في غاية السعادة، والذي يعرف أمين فهم لماذا كانت سعادته بهذه الذورة، "سأرى فلسطين أخيراً"، أمسكني يومها من كتفي، وقال بقلبٍ يطير فرحاً: "سأراها أخيراً، ستلمس هذه الكف، تلك الأرض، سأرى البيارات، وغابات الزيتون، سأرى الشجر، والأرض والسماء، ساصافح الورود، وأصلي في الأقصى، وأركع في الكنائس، آه، كم هي جميلةٌ فلسطين". لم أعلِّق على كلامه يومها، وتمنيت له الخير، ولم أدرِ ما يخبئه له الزمن.
وتوالت الأيام سريعاً، إلى أن جائني يوم بريد إلكتروني من أمين، بريد يقول ببساطة، "حصلت على الجنسية الهولندية، وسأزور فلسطين غداً، سأحقق حلمي أخيراً" كانت رسالةً مختصرةً للغاية، لكنها توضح اللهفة والشوق، إنها كل ما يتمنى. وانتظرتُ، انتظرت بغاية الشوق رجوع أمين من هناك، انتظرت رسالةً منه تحكي عن الأمر، ومر شهرٌ وشهران، وثلاثة، ولا شي بعدُ من أمين، استشعرت شيئاً غريباً، وانتظرت، إلى أن مل الانتظار مني، فبدأت مرحلة البحث عن أمين.
أرسلت له عدداً من الرسائل الإلكترونية، لكن لا مجيب، الكثير من الرسائل العادية تلك الأخرى أيضاً لم تصل، وأخيراً استهديت إلى رقم أحد أصدقائه في هولندا، وسألته عنه فقال بأنه موجود في الجامعة، ولكنه لا يراه كثيراً، اطمئن قلبي قليلاً، ولكن الفضول امتلكني أكثر لأعرف ماذا حصل هناك، ولكن لا فائدة.
ومضى شهر على الحادثة، ولا شيء يذكر، سوى اننى أرسلت الكثير من الرسائل، ولم يصلني أي رد. إلى أن كان يوم كنت أجلس فيه في صالون بيتنا أقرأ بهدوء، وإذ بالباب يقرع، فأفتح لأرى أميناً يقف على الباب، وبلا "حطته" المعتادة التي تزين كتفيه بشكلٍ دائم، ضممته، فكان بارداً بشكلٍ لا يصدق، وحينما جلس كان حزيناً أيضاً، كما لو فقد عزيزاً.
بكى أمين، بكى أمين يومها كثيراً، "ليست هي فلسطين التي أعرفها، إنها أرضٌ عادية، أرضٌ من حجر وتراب وهواء عادي، فيها حشرات، فيها زحمة سير، فيها شمس حارقة، فيها أشياء كما غيرها من البلاد، يستحيل أن تكون هذه فلسطين، لا أصدق أنها هي نفسها الأرض التي عشقت، لا أصدق، أنا أحببت فلسطين التي لطالما حلمت بها، ولكن التي زرتها، لا تشبهها، لا تشبهها أبداً، هذه بلد مثل لبنان، مثل سوريا، مثل العراق، بلدٌ عادي، لا شيء فيها أكثر سوى أنها محتلة، فيها إسرائيليين". ثم التفت إلي خاتماً بشراسة: "أتعرف، أنا لا أحبها".
حاولت أن أقول له، بأنها بالتاكيد بلدٌ مثل، غيره، لكنه لم يسمعني، بل صرخ بي: "لا ليست بلداً كغيرها، ليست هكذا، لم يقل أحدٌ بأنها هكذا، لقد قرأنا الشعر معاً، وحلمنا بها، أنا وأنت، وكنا نتابعها شعراً، وصوراً، يا أخي هناك أناس في فلسطين لا يعرفون شيئاً عن الانتفاضة، هناك أناس لا يعرفون شيئاً، كيف؟ كيف لم يقل أحدهم شيئاً عن هذا، كيف؟".
لم أعرف بماذا أجبه، لم أعرف ماذا أقول له، أهو ذنبه فعلاً لأنه عاش في ظل القصائد والروايات، وأغاني فيروز عن فلسطين الخيال، أم لأن قدرة عقله على الاستيعاب لم تصدق بأن الأرض هذه هي نفسها الخيال المتصور، وبأنَّ الشعراء والكتّاب يزيدون الأمور إلى حدٍ ما.
أمين من يومها، لم يعد كما كان، ولكن من فترة، شاهدته من بعيد... كان يرتدي حطة(الحطة هي التسمية الفلسطينية للكوفية)...



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغاني المطر
- تأملات
- لليلٍ بلا انتهاء، تغني سحر
- قدميها
- لا يعني شيئاً
- عن البمقراطية
- عن البيمقراطية
- وقلت أعود بانتظاري القمر
- خوف موج - مهداة إلى روح حافظ الشيرازي
- ماذا سيأتي غداً
- لكن مثلي لا يذاع له سر...
- المقطع الثالث من الفصل الأول من رواية ينال نور
- الجزء الثاني من الفصل الأول من رواية - ينال نور
- مقاطع من رواية ينال ونور
- حينما كنت عميلاً
- لدي ما يكفي من الحزن
- بلا أسماء
- رواية مطولة...(تنشر على حلقات)
- أكتب لنفسي...
- أنتظره


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - انتماء