حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 5008 - 2015 / 12 / 9 - 09:32
المحور:
الادب والفن
الرؤية البصرية هي أساس التصديق !!
يقول المثل العربي :"ليس من رأى كمن سمع" لأن البصر أهم وأكثر حواس الإنسان استخداماً في اكتساب المعلومات عن طرق المشاهدة التي تخاطب كل البشر، المتعلم والأمي، الصغير والكبير، وكل المستويات العمرية ، دون حاجة لإشغال الذهن وإجهاده ، لسهولة تلقيها وارتباطها بالملموس المحسوس والمحدد ، وابتعادها عن التجريد وكل ما يتصف بالتعميم والشمول اللامحدد من غير الملموس ، والذي يتطلب التأمل وجهد التركيز ، وتفكيك العلاقات القائمة بين كلمات النص المكتوب والمنطوق ، ما جعل الصورة تنتشر الصور وتكاد تغني عن الحرف والكلمة ، وصدقت مقولة : "الرؤية البصرية هي أساس التصديق" .
وقد عرفت الكلمة والصورة مفاضلات كثيرة بينهما ، وجرت نقاشات حادة وصاخبة بين أنصار كل منهما ، حيث استدل أنصار الكلمة على صحة نظريتهم ، بمقولة الإنجيل : "في البدء كان الكلمة،" يوحنا 1:1، وبفعل الأمر "اقرأ" الوارد في سورة العلق؛ الآية 1 ، وبرهن أنصار الصورة على صحة نظريتهم بالمقولة الشهيرة : "الصورة تساوي ألف كلمة" بما لها من نفوذ وقوة في التأثير على متداوليها ، اكتسبتها عبر السنين ، وزادها ثراء وسائل الاتصال وتطور تكنلوجياتها الحديثة ، سطوة تظهير لحظات الفرح والحزن في حياتنا ، وجعلها دائمة بيننا ، نعيشها معاً ونتقاسم تأثر إشعاعاتها مع غيرنا ، ونعيد مشاهدتها مرة بعد أخرى دون كلل، ما نتج عنه لغة جديدة يفهمها الجميع ، قوامها الصورة التي أضحت الشاهد والمدوّن والموثق الذي يحيطنا علماً بحوادث العالم بكل تفاصيله الخفية ، ليس في الماضي فحسب، بل وحتى في الحاضر، حيث أصبحت لدينا إمكانية رؤية ومعرفة ما يجري في عالمنا من حوادثه ، والتأمّل فيها عن طريق التدفّق المتصل للصورة التي تبقى في الذاكرة ، وتُستدعي بصفة دائمة كلما يسجله المصوّرون من مآسي الإنسانية ، التي تترك آثاراً بالغة على الناس في أرجاء العالم ، كما هو حال صورة الطفل السوري "إيلان" الذي لفظه البحر ، والتي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي ، فهزت الضمير ، وحركت مشاعر الغضب ، وحرضت على الاحتجاج ضد فظاعة الحرب واستمرارها ، وغيرت نظرة العالم لقضية اللاجئين .
خلاصة القول ، لقد غدا عالمنا الحالي في مرمى الكاميرا التي تمنحنا إمكانية التأمّل في حوادثه ، لكنها في المقابل ، أصبحت تشكل مصدر إزعاج من سطوة تأثيرها على حياتنا اليومية ، وأضحت تخلق إحساسا بالقلق من كثافة حضورها في أعمق وأدق خصوصياتنا ، وشرعت توقظ في دواخلنا الشعور بخطر انتهاك سدنة الصورة لخصوصيتنا.
حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟