ان المنجز الفني الروائي سوف لن ولم يرتق نحو
فضاءات شاهقة ما لم يمسك الكاتب بادوات وقنوات اللغة الحديثة المتصاعدة والنامية
داخل منظومة معرفيات وداخل حقله الاحصائي المعني باكتشاف المفردة اللاذعة المكونة
نسقاً من الجمل والصور المركبة فنياً وبطريقة تمت بصلة فكر الكاتب داخل ذلك الحقل
الخاص به , ولان الوقت دخل السرعة المحتملة وفق رؤى النقد التقليدية والمعاصرة في
اللحظة ذ اتها , اصبح من المنطقي هضم كل أمكنيات المنهجيات الحديثة المتعلقة بكتابة
النص الروائي او غيره اذ انه من الذكاء ان يحضى الكاتب الحي على القدرة
النقدية المتناغمة وتدفق فكره بموازاة النص النص الذي يجتليه او الذي يمليه عند
بداية الخيط الاول من بزوغ النص نفسه وبذلك يمكن للكاتب ان يسترسل في الكتابة
الروائية من غير ان ترتبك احاسيسه الفنية والابداعية لكن ومع ذلك يتعين على
الكاتب الحديث ان يطلع على جميع المحدثات والتقلبات والتحولات في المناهج
النقدية الحديثة المتعلقة في اللغة وجنس الادب وعلى سبيل المثال فأن البنيوية
والسيمائية والتفكيك تعد من اهم المنهجيات الاساسية التي نهضت على القوة اللغوية
المعاصرة وهذا من المؤكد سيقود الكاتب الى دراسة مناهج التحليل النقدي
واللغوي وبلورته وفق رؤية استقواء ابعاد الظاهرة اللغوية الحديثة .
الامر الذي
يدفع الكاتب الشغيل الى البحث عن مرتكزات العمق في المبحث اللغوي الحديث واهمها
اللغة والبيان والتزامن والتعاقب والدال والمدلول وعلاقات التتابع والترابط .
لم يفق الكاتب على استحلال عمله الا بشعوره الخالص , المثير ,
اللاهث وراء المنطقة الادبية التي يحتلها او يشتغل فيها نصه الذي نضج بعد انهاء
عصارة الافكار عملها المتواصل عبر ايام او أشهر او ربما سنين كما حدث
عند غابريل ماركيز او فؤاد التكرلي او حيدر حيدر وغيرهم , وهذا يعني ان أغارة
الكاتب على سطح اللغة وهواجسها وميكانيزم تطورها سوف يقلق اعماقها وعناصرها
المختفية ,
حيث سيتأهل قطعاً على السيطرة الكاملة على منابع كثيرة تخص مصادر
تدفق مياه اللغة التي ستخصب مساحات واسعة من الاخيلة والافكار الجامدة وبذلك يكون
للكاتب معاييره الخاصة في خلق الاتزان الجاد لأن يجر النص الروائي الى حيث يريد ومع
ذلك ايضاً فأن الصعوبات والمعيقات والمعقدات من الايحاءات اللغوية والصور المظلمة
التي تواجه الكاتب خلال كتابته للنص سوف تتحلل تحت قاعدة المكنة في ادارة اللغة
بشكل معاصر ودقيق حيث تتطلب تلك الادارة خصوصية في الحصول على معرفة احتياط تلم
بشواذ اللغة اذا ما برزت نتوءات مفتعلة داخل عملية الكتابة برمتها عندما تكون حالة
الكاتب النفسية متوترة او العكس هادئة جداً جراء اندفاعه السايكلوجي نحو الكتابة
.
اقول ان القوانين الوضعية الخاصة بكتابة الفن الروائي لم تكن على أية حال في
حالة استاتيكية بل هي في مجرى التطور الموجب , السائر في القانون الفني مادام مجرى
اللغة ينحدر هو الاخر بموازاته وعليه فأن مجمل العمليات الناشئة في العقل واللغة
سوف تأتي من الوعي النظري والتاريخي بالوقائع التي تخص الفن الادبي بوجه عام لكن
الكاتب الروائي يتوجب عليه ايضاً أن يتمتع بخيال حي خصب
ومرن. يحتوي على
واحات كبيرة يتربع عليها فكره بالدرجة الاساس واقصد هنا الموهبة بعينها .
ان
الذين أشتغلوا في الفلسفة والادب واللغة والذين عمدوا الى تحليل النص على اساس
الخطابين الادبي والفلسفي ضمن ابتكارهم نظريات فكرية ونقدية جديدة أو وفق تساؤلات
العصر اللغوي اذا جاز التعبير التي أثاروها لفهم واستدراك باطن النص أو خفاياه أو
انحداراته أو مواصفاته وأنتمائاته , لاح لهم وعبر مدارسهم الفلسفية المختصة بفكر
اللغة ونقدها , انه من المستحيل ايقاف الدور الحر للغة بوصفها متوالية
لانهائية من اختلافات المعنى على حد قول جاك دريدا صاحب مصطلح ( التمركز حول العقل
) .
ويبدو أن العقل النشط الذي يدور أبداً حول نقاط
الجذب اللغوي العالقة في مدارات فيزياء الشعر السردي واعني الحوارات النشطة في نص
المادة الروائية , سيفرز عاجلاً ام آجلاً رموزاً حرة تدغم في سيلها الطبقة السبكية
المحفزة لظهور الجدران المتدافعة في غموض النص ان كان الكاتب الحي أراد أن يجعل نصه
لغزاً حياً خلال تدافع اللغة المستحدثة عند ايقاع اللغة الموسيقية المشحونة
طبعاً بالشعر ,
اذ تبدو الفيزياء المعقدة مطلباً يجعل الموضوعات الادبية مادة
للنقد الادبي لكن كيف ؟ اعود لأخذ مثالاً على موضوعية العقل الداخل في فن
الكتابة واساس اللغة فيه أي بمعنى آخر فأن العناصر الثلاث , العقل ,
والكتابة واللغة تشكل بكل تأكيد مفهوم الاخلاق
وأعني اخلاق الكتابة , فجاك
دريدا يحاور وينتقد الفكر الغربي باعتباره فكراً متمركزاً حول المنطق بينما أودنيس
المفكر والشاعر الفحل يأخذ على الفكر العربي تمركزه حول الوحي . دريدا يدين التمركز
حول الصوت , وادونيس يدين الشفاهية او المحكية .
ادونيس وجاك دريدا يتفقان
بالدعوة الى الامركز والتعدد وعلم الكتابة فما يسميه دريدا التخريب يسميه
ادونيس الخلخلة والتفجير
ومن المؤكد ان ادونيس كانت لديه مصادره
المغايرة لمصادر دريدا ولكن عملها واحد , هي دعوة كليهما الى تأسيس
اخلاق للكتابة لا تستمد من اللغة المنطوقة بل من الكتابة ذاتها وبذلك تأخذ الاخلاق
المنابع الاهم خلال عملية الكتابة لكن القصد من هذا كله هو استدراك المعنى الجمعي
من القصدية الحائلة ما بين مفهوم متضادين هما الزمان والمكان باعتبارهما عاملين
ملازمين للاخلاق والكتابة واللغة .
هنا بالضبط يمكن القول ان فلسفة اللغة
والاخلاق تدخل في معايير الكتابة التي تهدف الى الكشف عن ما هو خفي ومجهول ومناط
باللازمان واللامكان وكذلك الاعلان عن معرفة الاخرين في غفلة او دراية . ان النقد
الادبي والفلسفة ومعاني الضد وعناصر اللغة الحية والتدوين التأريخي للسياقات النصية
ومفهوم الكتابة والاخلاق واستقصاء اوزان المدارس المعاصرة المختصة
بالادب والتجارب الفكرية النقدية والتحليلية منها هي نقاط او نجوم تظهر في
سماء الكتابة الروائية على وجه الخصوص , تعين الكاتب ان يظهر بمظهر ا لمبدع
الحي او النشط الذي يعطي لنا وللتاريخ وللفن الادبي ارقى انواع فنون العقل والعصر
وهي الكتابة وكان قد اتفق من ان الكتابة عمل بناء او مشغل لأيقاف الصروح
الانسانية بقوة فوق سطح الارض والعقل والقلب والروح والمعرفة . فهي ليست لعبة
يقامر الانسان من خلالها لأن يكون معروفاً , متوهماً اذ ان نسيج الاكاذيب
والادعاءات الزائفة والهلوسات المتصلة بالخرف هي نسيج الكتابة في حال انه لم يكن
مالكاً شيئاً ليقوله اذا ما تصور بان الكتابة الروائية هي ضرب من الخيال
المفزع فقط وعليه أفزاع الآخرين عبر قذفهم بالاباطيل والسب والشتم والادعاء
عليهم على سبيل المثال انهم شاذون جنسياً او قتله او
لصوص وهذا الانموذج الذي انا بصدده ينطبق على قله قليلة مهمتها
في الكتابة مجرد مهاجمة الاخرين ليهاجموهم طبعاً حتى يعلو نجمهم في عالم الكتابة
غافلين عن الكتابة الحية المنشودة التي تعمل ابداً على احالة الاشياء
والوجود الى اصرار جمالي .
ان هؤلاء الذين يسمون انفسهم
كتاباً مرموقين حسب رأيهم تناسوا تماماً بأنهم وبرغم عيشهم في
بقاع جميلة من هذا العالم غير قادرين على استدعاء القبح
واحالته الى الجمال عبر فن الكتابة وما عليه الا أن يعود الى
مناطق القبح ليعيشوا فيها ومع ذلك فأنا ادعوهم ليقرأوا شروط
الكتابة الحية فلربما يصبحوا كتاباً ولو أني في شك كبير من ذلك
…………….
اقول ان البدعة التي ابتكروها في سردهم التقريري المتواصل والذي يسمونه
بالكتابة الروائية والذي ة ينشأ على محور واحد فقط مبعثه الأساءة الى
الاصدقاء الذين التقوهم في منفاهم القسري فالمساكين لم
يكونوا سياسيين معارضين ولا مثقفين عراقيين
معارضين
وهؤلاء
لم
تكن لديهم القدرة على ترميم انفسهم من الاخطاء فعادوا ادراجهم ليفرغوا
شحناتهم عبر غدر الاخرين مرة اخرى فواصلوا ذبح انفسهم على عتبة
المرض الاجتماعي الذي اصابهم ..
هكذا يجب ان ننتبه
الى موضوعة او علم الكتابة فهي كمن يقوىعلى حب الناس مثل نبي همه الاوحد حب الجمال
والبشر والطبيعة والفضاء والمديات والكون الذي تعب الله في خلقهم لأن يتربع
على المعرفة , ان ندرك الكتابة على اساس انها الفكر الاعظم لخدمة الناس لا الاساءة
لهم فنصبح مجموعة من التقارير التي نبعثهم الى الجحيم
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- هادي الحسيني
-
شاعر عراقي يقيم في النرويج