|
مدرس سعودي يواجه الإرهاب فيكافأ بفصله عن العمل!
مها الحجيلان
الحوار المتمدن-العدد: 1367 - 2005 / 11 / 3 - 11:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
نعم لقد حدث هذا ومتى؟ قبل أشهر معدودة وبعد كل هذا الوقت من محاربة الإرهاب في السعودية. فقد أشار الأستاذ قينان الغامدي في مقالته (الإرهاب و"محضنة الفويلق": اقتراح "للديوان الملكي" قبل "ساعة مندم") التي نشرت في صحيفة الوطن السعودية بتاريخ 19 أكتوبر 2005 إلى ما حصل في ثانوية الفويلق بالبكيريّة ممّا يمكن اعتباره مشكلة حقيقيّة تواجه تعليمنا وطلاّبنا في هذه المدرسة وربما في غيرها من المدارس التي تخشى من مواجهة الأفكار المتطرفة لبعض المدرسين فيها.
المعلم محمد السلامة الحربي مدرس الكيمياء في ثانوية الفويلق ورائد النشاط فيها كان ممّن أخذوا على عاتقهم محاربة الفكر المتطرف في مدارسنا وكان ينتقد الإرهاب ورموزه في الأنشطة التي يشرف عليها؛ وهو عمل وطني محمود منه ومن كل معلم مخلص. وبدلا من مساعدته على جهده التنويري في المدرسة فقد حيكت ضده المشاكل من بعض المعلمين الذين لايؤيدون عمله ويرون أن عمله ضد مشروعهم في توجيه الطلاب توجيها دينيا معينا؛ ووصل الأمر أن دبروا له تهما أيديولوجيّة تتعلق بالنيّات واشتكوه إلى إدارة التعليم التي فصلته من وظيفته ثم أحيل للمحكمة بتهمة "موالاة الكفار والاستهزاء بالدين و الدعوة إلى تحرير المرأة والثناء على أمريكا".
تجدر الإشارة إلى أنّ انتصار هذا التيّار المتزمت في فصل من يخالفهم الرأي وإحالته للمحاكم ليست هي الأولى التي نسمع عنها؛ فهناك معلم آخر في الرياض مرّ بتجربة مشابهة لكن هذا كان قبل أحداث سبتمبر 2001 وأحداث مايو 2003 التي كشفت لنا الوجه الحقيقي للتطرف الذي يقود للإرهاب وتدمير مجتمعنا وحياتنا. وإذا كان هذا الأمر لايزال قائما بعد كل الجهد الذي بذلته الدولة للحدّ من التطرف والقضاء على الإرهاب فإنّ ذلك يقدّم لنا مؤشرا مهما على أنّ القضاء على الإرهاب يتطلب العمل الفكري بجانب العمل الأمني كذلك.
لم يكن خافيا على أحد مدى تغلغل هذا التيّار في التعليم وسيطرته على المواقع الإدارية فيه؛ فمدراء المدراس ووكلاؤهم والمشرفون التربويون وغيرهم ممن لهم صلة بالتعليم غالبا ما يُعيّنون وفقا لرغبة ذلك التيّار ويظلّون تحت سيطرته ولا يستطيع أحد منهم أن يعمل أو يتصرف دون مشورتهم. يقول من له صلة بالتعليم إن نظرة سريعة على مديري مدارس الرياض ومشرفيها تعطي الإجابة الحقيقية على مدى هيمنة هذا التيّار على التعليم وإحكامهم السيطرة على مساراته. وبهذا استطاعوا أن يقذفوا من يعارضهم إلى الهاوية لأنّ من سيرفع لهم الأمر يتبنّون الاتّجاه نفسه؛ فمدير المدرسة والمشرف التربوي وربما مدير الشؤون التعليمية والمسؤول في الوزارة يحملون الأفكار التي يحملها المتشددون. ومن الطبيعي أنهم يرون في فصل معلم يدعو إلى محاربة التطرف عملا يخدم مشروعهم الأيديولوجي. ومن هنا تتعاضد هذه القوى ضد فرد حتى يظهر أمام المسؤولين بأنه مذنب لأنّ منهجهم يقوم على تشويه سمعة الشخص وإلصاق تهم من نوع "موالاة الكفار" أو "حب أمريكا" أو "السخرية من العلماء" أو "الدعوة إلى تحرير المرأة" وغير ذلك من التهم الجاهزة وتأليب عدد من الطلاب ضدّه ثم وضع محاضر وتقارير ترفد بعضها بعضا حتى تظهر أمام المسؤول بأنّ هذا الشخص مذنب لأن الجميع قد أدانه! لكن هذا "الجميع" ليس سوى نسخة واحدة تنتمى إلى الفئة نفسها التي تكالبت على من يخالفها وتريد سحقه!
لا أدري هل ساهمت وزارة التربية والتعليم في نمو هذا السلوك لدى بعض المعلمين من خلال إعطائها الفرصة لقبول تأويلات أيديولوجية كموالاة الكفّار أو السخرية من العلماء واعتبارها تهما يعاقب عليها دون أن تفهم آليات التأويل التي يقوم بها هؤلاء؟ إن موالاة الكفّار تهمة يمكن إيقاعها بأي شخص، يكفي أن يتكلم الشخص اللغة الإنجليزية مثلا أو يمتدح سيارة من صناعة أمريكية مثلا ليكون بذلك -وفقا لتأويلهم- مواليا للكفّار على اعتبار أن أمريكا كافرة في نظرهم وكل ماله صلة بها يمكن إدخاله في موالاة الكفار. كما إنّ انتقاد أي عمل لشخص يحمل سمات شكليّة ذات دلالة دينية يعتبر سخرية من العلماء، لأنّهم يربطون العمل بالشخص ربطا يجعل الشخص منزّها عن الوقوع في أي خطأ حتى لو أخطأ خطأ لايمكن تجاهله سموه اجتهادا يثاب عليه! هذه الأيديولوجيا سائدة لدى هذه الفئة وتستخدمها سلاحا تحمي به نفسها من النقد وعن طريقها تتخلص ممن يخالفها الرأي بالإيقاع به ومراكمة التهم عليه حتى يقصى من عمله وربما يسجن ويجلد.
ومما يجدر التنبيه عليه هنا هو أنّ هذا التيّار يسعى إلى نشر هذه الأخبار لكي يعطي نفسه رصيدا أكبر من الحماية ويكسب قدرا من السلطة ولكي يقتل أي رغبة لدى الناس في الإصلاح. بل إن كل معلم أو معلمة ربما يصل إلى قناعة بأنه من غير المفيد انتقاد الفكر المتطرف ويؤدي ذلك إلى أنه لن يسعى أحد إلى العمل على إصلاحه أو تقويمه إذا كانت نتيجة هذا الجهد الوطني الإيجابي هو العقاب بالفصل من الوظيفة والإحالة للمحاكم وتشويه السمعة.
إنّ ما حصل للمعلم محمد سلامة الحربي في ثانوية الفويلق لا يمثل حالة فرديّة، بل إنه يمثل مشكلة حقيقية عامّة في تعليمنا. فالقرى التي كان من المتوقع أن تكون بعيدة عن الأيديولوجيا المغرقة في التطرف صارت سبّاقة للتورط فيها ومحاكمة نوايا الناس بناء عليها. هاهي القرية التي كانت مكانا للنقاء وصفاء النوايا بين الناس صارت موطنا للمحاكمات الفكرية المغرضة. مثال مدرسة الفويلق يكشف لنا عن تفشي هذا الفكر في التعليم بغض النظر عن المكان؛ فالقرى والمدن والهجر يبدو أنها أصيبت بالعدوى لأنّ مصادر تغذية هذا الفكر لاتزال فعّالة. هذه المحاكمات المحزنة أثرها أكبر بكثير من مدرس واحد لأنها تتضمن رسالة إلى المعلمين الآخرين الذين يريدون مواجهة الأفكار المتطرفة وتشعرهم بالعجز والضعف لخوفهم على مستقبلهم الوظيفي والاجتماعي! هذا إلى جانب أن انتصار الفئة المتشددة المدعومة من بعضها تعززهم معنويا مما يرجع بالخراب والشر على عقول الطلاب والطالبات.
لسنا بحاجة إلى معرفة مدى تغلغل الفكر المتطرف في تعليمنا، فالواقع خير برهان على ذلك؛ لكنّنا بحاجة إلى البحث عن حلول لهذه المشكلة التي تهدد مستقبل وطننا بأكمله. اقترح الأستاذ قينان الغامدي في مقالته -المشار إليها في بداية هذه المقالة- بضرورة "إيقاف نشاطهم أولاً، ثم إعطائهم حرية إعلان أفكارهم ومعتقداتهم أمام من يحاورهم، ويستطيع إقناعهم بضلال ما يعتقدون ويمارسون". وهي فكرة بنّاءة إذا وضعت لها وزارة التربية والتعليم خطّة طموحة تقوم على إعطاء هؤلاء المعلمين دورات مختصة لتعليمهم الفكر العلمي الذي لايقوم على شعارات عاطفية. إنهم بحاجة لمعرفة كيف يعمل العقل وكيف تُناقش القضايا بشكل منطقي وكيف تتطور الأفكار وكيف تبنى الحقائق وكيف تُنقض وكيف يمكن الاستدلال والربط والاستنتاج وغيرها من العلميات العقلية التي يجهلها هؤلاء المعلمون بسبب انغماسهم بالخطاب المؤدلج المعتمد اعتمادا كاملا على شحن العاطفة ومن ثم توجيهها إلى هدف معين لايوافق الأساسيات الفكرية لهذا الخطاب المتأزم. أعتقد أنهم ليسوا بحاجة للوعظ بترك الفكر المتطرف وليسوا بحاجة للإبانة بأن التطرف يقود إلى الإرهاب لأنّ فكرهم لايستطيع رؤية نفسه وبالتالي فهم لايعرفون أنفسهم على حقيقتها ويعيشون تحت دائرة من الظلام التي لايرون فيها حتى أنفسهم. لابد من تدريب المتطرفين على طرائق فكريّة تساهم في جعل عقولهم ترى مالم تره وتفكّر من خلال منطق لم تتعوّد عليه من قبل حتى يكتشفوا بأنفسهم ما كانوا عليه من انحراف فكري. ربما تكون هذه فكرة طموحة ولكنها جديرة بالتطبيق لأنّنا نريد إصلاح هذه الفئة وليس مجرد إزاحتها عن النظر لتفعل ما تشاء في الخفاء.
#مها__الحجيلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|