|
الحرب الامريكية على تنظيم الدولة الاسلامية بين الوهم و الحقيقة
وارس نريمان
الحوار المتمدن-العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 22:30
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
الحرب الأمريكية على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) بين الحقيقة و الوهم
لقد كثر الحديث مؤخرا في الأوساط العلمية وما بين الباحثين و الأكاديميين عن انتشار ظاهرة جديدة لم تكن موجودة من قبل و التي أثارت العديد من نقاط الاستفهام حول نشأتها وأهدافها و تتمثل هدة الأخيرة في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام أو كما يطلق عليها في وسائل الإعلام (داعش). ولقد أضحى هذا التنظيم مصدر تهديد أمني لدول الشرق الأوسط وباقي الدول العربية. و من بين الفاعلين الأساسيين في هذه المعادلة الولايات المتحدة الأمريكية التي حشدت كل قواها من أجل محاربته و القضاء عليه في اقرب الآجال. لكن توجد العديد من الأسئلة التي ينبغي طرحها قبل القيام بدراسة هذا الموضوع و هي كالتالي: كيف تنظر أمريكا للإرهاب؟ فيما تتمثل الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة و القضاء على تنظيم الدولة ؟ و ما هي أهدافها من ذلك ؟ و هل حققت ذلك فعلا ؟ و هذا ما سنحاول معرفته من خلال هذه الورقة البحثية. نظرة أمريكا للإرهاب: لقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول رئيسة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن هذه الأخيرة حددت لنفسها هدفا جديدا وهو الحرب على الإرهاب التي أعلنت عليها إدارة بوش الابن. و تقوم فكرة الحرب على الإرهاب على استهداف عدو غامض وغير واضح المعالم إضافة إلى كونه يلجا إلى استعمال وسائل غير تقليدية، ومجرد محاولة تحديد هذا العدو تعتبر مهمة صعبة للغاية و من اجل تسهيل هذه المهمة أعلن جورج بوش الابن في خطابه الخاص بأحداث 11 سبتمبر 2001 أمام الكونغرس الأمريكي أنه "من ليس منا فهو ضدنا" ، حيث تهدف هذه المقولة و بالرغم من قصرها إلى إيصال رسالة مفادها أن أمريكا تفرض على جميع الدول الاختيار ما بين الاقتراحين التاليين: - إما مساندة السياسة الأمريكية التي تقوم على محاربة الإرهاب – أم مساندة الجماعات الإرهابية و إيوائها. فقدا أعلنت أمريكا نفسها المسئولة الوحيدة عن مكافحة الإرهاب في العالم و حددت جملة من المبادئ والقواعد التي تعتمد عليها في إستراتيجيتها الجديدة و على رأسها الحرب الوقائية التي نشنها في أي مكان بالعالم ترى فيه تهديدا لأمنها، واستخدام كل الوسائل بما فيها التدخل العسكري وتغيير الأنظمة السياسية القائمة، واستحداث “قيم أخلاقية” تصنف الدول على أساس الخير والشر. ولقد مثلت الحرب على أفغانستان ضد جماعة طالبان في 2001 نتيجة مباشرة لهذه الفلسفة الجديدة التي يقوم عليها الفكر الأمريكي لفترة ما بعد الحرب الباردة. فلا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر سمحت لأمريكا بإعادة ترتيب خريطة العالم بما يتلاءم وفلسفتها و بدت كأنها فرصة و ذريعة بالنسبة لها من اجل اتهام تنظيم القاعدة و زعيمها بن لادن و تحميلها المسئولية عن تحطيم مبنى البنتاغون وبرجي التجارة العالمية. بل هذبت إلى أبعد من ذلك حيث قام بوش في 29 جافني 2002 بالإعلان عن فكرة "محور الشر" وذلك في خطاب "حالة الاتحاد" state of the -union- adresse وتعني فكرة محور الشر، الدول التي تهدف إلى كسب أسلحة الدمار الشامل و تقوم بمساندة الإرهاب و تشمل كل من كوريا الشمالية، العراق و إيران. ومفهومه لحدٍ ما توجيه أصابع الاتهام للعراق وبالذات صدام حسين الذي يشكك في أنه يقوم بتطوير أسلحة الدمار الشامل و بالتالي قيام الأمم المتحدة بإصدار قرارات والتي تطالب العراق بالكشف عن كافة أسلحة الدمار الشامل التي يملكها، وقبول تدميرها، وحظر توريد أية أسلحة أو مواد لها صفة عسكرية وشكلت لجنة تفتيش خاصة، لكن صدام حسين رفض تطبيق تلك القرار المتعلقة بالسماح للجان تفتيش الأسلحة بمزاولة أعمالها الأمر الذي أدى بأمريكا إلى اللجوء إلى تهديده و إعطائه مهلة قبل البدأ بشن هجمات عسكرية ضده و هذا فعلا ما حدث حين قامت أمريكا في 20 مارس2003 بغزو العراق. فقد شكل غزو العراق أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأمريكا و ذلك من أجل تأكيد مكانتها و قواتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بحيث أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر و الحرب على الإرهاب قد منحا لها الحجة المناسبة. ووصل الأمر ببعض المسئولين في الإدارة الأمريكية إلى التحجج والقول بأنه ثمة علاقة تربط ما بين صدام حسين وتفجيرات 11سبتمبر أو بمعنى أخر بزعيم القاعدة بن لادن . وكنتيجة لكل هذا تم إعادة ترتيب قائمة الأعداء بالنسبة لأمريكا بحيث أصبح العدو الأول لأمريكا هو الإسلام والتطرف الديني وهذا مرتبط أساسا بنمط السياسة الأمريكية المبني على حتمية الصراع وافتراض العدو. ولقد استعمل معظم الساسة و الباحثين و الأكاديميين الأمريكان تلك الأحداث من اجل تدعيم موقفهم المعادي للإسلام و المسلمين و يأتي في رأس طليعة هذه الرؤية صمويل هتنكتون Samuel Huntington صاحب نظرية "صدام الحضارات" و برنارد لويس Bernard Lewis و جيلس كيبل gilles kepel هم يرون أن الإسلام يشكل خطرا على الغرب وخاصة أمريكا لذا لابد على الغرب وأمريكا إعاقة تطور العالم الإسلامي و خنق الحركة الإسلامية في مولدها. ولقد وظفت أمريكا لخلق المشكلة الإسلامية و تدويلها قدراتها الإعلامية و التنظيرية فبدأت تطرق على مسامع العالم خلال العقدين الماضيين مصطلحات تخدم مصالح أمريكا منها "الإرهاب الإسلامي" "اليمين المتطرف" "الأصولية الإسلامية" و غيرها من المفردات الغربية المنشأ و المحتوى.و من تم ربط الإسلام بالإرهاب . الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش): يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من بين العديد من التنظيمات الإرهابية التي أخذت صدى كبير في الساحة الدولية حيث انطلق من العدم ليصبح أقوى تنظيم خلال 12 شهر. تم الإعلان عن نشأته في سنة 2006 تحت قيادة الملقب ب ابوبكرالبغدادي، و أصبح يسيطر على أراض شاسعة في سوريا و العراق. ففيما يخص العراق يسيطر التنظيم على ثلاث مقاطعات رئيسية و هي : الفلوجة، تكريت والموصل في كردستان، أما سورية فهي تسيطر على محافظتي دير زور والرقة. ولا يزال التنظيم في توسع مستمر ويهدف إلى تكوين دولة الخلافة الإسلامية الكبيرة على حد قول عناصره. وعلى إثر الحادث الذي روج له معظم وسائل الإعلام في أوت 2014 و المتمثل في ذبح المراسل الصحفي الأمريكي جيمس فولي James Foley على أيدي تنظيم الدولة قامت أمريكا بحشد قل قواتها العسكرية وأعلن الرئيس اوباما في خطاب طويل و ذلك في 7سبتمبر 2014 عن بدأ الضربات الجوية الأمريكية ضد معاقل تنظيم الدولة و منع تقدمه إلى مدينة أربيل، وتلي ذلك قيام أمريكا بحملة عالمية لمكافحة متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية و ذلك من خلال تكوين تحالف عسكري دولي. ولقد بلغ عدد الدول المشاركة في التحالف 32 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومن أهمها فرنسا وكندا واستراليا بحيث تقوم هذه الأخيرة بالمشاركة في العمليات العسكرية والدعم اللوجيستيكي أما الدول الأخرى قتتقاسم المهام منها المساعدات الإنسانية والمساعدات الاستخباراتية. ولقد استندت الإستراتيجية الأميركية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الذي ألقاه من البيت الأبيض في واشنطن فجر يوم 9 نوفمبر 2014م، لمواجهة تنظيم الدولة في العراق وسورية إلى محوريين أساسيين هما: - ضربات جوية ممنهجة -ودعم قوات “سنية” تقوم بمهمات القتال البري وفيما يخص سورية فيتم تكثيف النهج الدولي من أجل إضعاف التنظيم في ثلاث اطر أساسية على الشكل الأتي: شن ضربات جوية على تنظيم الدولة في داعش وتبادل المعلومات الاستخباراتية سواء المتعلقة لهيكلة التنظيم أو بموارده. بالإضافة إلى الاعتماد على الجيش العراقي و المعارضة السورية. إذن يمكن استنتاج النقاط الرئيسية للإستراتيجية الأمريكية لمحاربة داعش و وقف زحفها إلى: - إقامة تحالف دولي و إقليمي و الذي ضم 32 دولة - الاعتماد على التدخل العسكري المحدود الذي يقوم على الضربات الجوية والنشاط الاستخباراتي وتجنب التدخل المباشر - تسليح القوات العسكرية الحليفة وتدريبها و إسنادها مثل قوات الجيش العراقي وقوات البشمركية الكردية والمعارضة "المعتدلة" السورية تقييم الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة: يرى العديد من المحللين السياسيين و الباحثين أن الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة داعش تعتبر فاشلة ولم توقف زحف قوات التنظيم بل توسع التنظيم إلى محافظة الرمادي وتم السيطرة عليها. إذ يبدو انه لاتوجد إستراتيجية أمريكية واضحة في حربها ضد التنظيم فالرئيس الأمريكي الذي وصف الهزيمة في الرمادي بأنها “انسحاب تكتيكي”، وقال: “سننتصر في الحرب”، عاد ليعترف بعدم وجود إستراتيجية للحرب على تنظيم الدولة. فأمريكا تعتمد في إستراتيجيتها على الضربات الجوية لكن بات واضحا بان ذلك لا يكفي إذ يتطلب إرسال قوات برية كذلك لتحصد التمشيط الجوي. بالإضافة إلى الاعتماد على تسليح قوات الجيش العراقي بكافة المعدات الضرورية و التدريبات أصبح يثير الشكوك بسبب تراجع القوات العسكرية العراقية أمام عدد ضئيل من قوات تنظيم الدولة في معركة جرت في محافظة الرمادي العراقية بل قامت القوات العراقية بالتخلي عن الأسلحة و المعدات الممنوحة لها من طرف القوات الأمريكية لتصل إلى أيدي التنظيم و بسهولة. إذ انه من الطبيعي أن أية قوة عسكرية في حالة حرب مع قوة عسكرية أخرى أن تعمل على تدمير قوة العدو، وحل جيشه في حالة المواجهة الجدية أما في هذه الحالة فقد جرى عكس ذلك و هذا ما يثير الشك في نوايا الحرب الأمريكية على تنظيم الدولة.إضافة إلى كل هذا تأكيد نواب عن التحالف الوطني العراقي ، قيام طائرات أمريكية بتزويد مجاميع تنظيم الدولة "داعش" الإجرامية بالأسلحة والمعدات بشكل مستمرفي مقاطعة الكوبان، مشيرين إلى استهداف طائرات التحالف الدولي مقرات للقوات الأمنية والمتطوعين وذلك لإطالة أمد المعركة. وقال النائب عن التحالف "علي البديري" في مؤتمر صحفي مشترك مع عدد من نواب عقده في مبنى البرلمان ، إنه "هناك ظاهرة غريبة تتكرر يوميا من خلال هبوط طائرات أمريكية محملة بالأسلحة والمعدات للمجاميع الإجرامية رافقها منع الطيران العراقي من التحليق فوق تلك المناطق بطلب من التحالف الدولي رغم أن هنالك قوات عراقية محاصرة في تلك المناطق وبحاجة إلى إسناد جوي لدعمها في قتالها ضد قوات التنظيم، إلا أنه تم الاعتراف من قبل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بحصول تنظيم الدولة على “جزء” من كمية الأسلحة والذخيرة التي ألقتها في مدينة كوباني السورية عن طريق "الخطأ". وما يثير التساؤل هو إعلان المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن Steve warm في مؤتمر صحفي إن القضاء على التنظيم المتشدد في العراق سيستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات بالرغم من قدرة الولايات المتحدة على القضاء على التنظيم في لمحة بصر نظرا لكل التكنولوجيا العسكرية والمعلومات التي تملكها من خلال وكالة المخابرات السرية كما سبق و أن فعلت عندما ألقت القبض "افتراضا" على قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن و العثور على مخبئ العقيد صدام حسين العراقي. وما يؤكد كذلك فشل قوات التحالف على القضاء على تنظيم الدولة هو تبني هذه الأخيرة هجمات باريس التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 127 شخص وهذا الأمر يشير إلى استمرارية توسع التنظيم عكس ما يتم الإعلان عنه من قبل أمريكا. إذن من خلال كل ما سبق يمكننا أن نفهم بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام ما هو إلا سيناريو مصمم بامتياز من طرف أمريكا من أجل إبقاء سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط و الحفاظ على أمن إسرائيل و بث الفوضى في الدول العربية و الأهم من كل هذا تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم، والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية ما هي إلا عملية وهمية وإستراتيجية محكمة وضعت من أجل الحفاظ على مصالح أمريكا وإظهار نفسها على أنها المخلص الوحيد للأزمات و المشاكل العالمية.
من اعداد:/ نريمان وارس باحثة و دارسة في الشؤون الأمنية الدولية
#وارس_نريمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|