شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1367 - 2005 / 11 / 3 - 11:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1-
من الواضح، أن سياسة السبعينيات الاقتصادية والطفرة النفطية التي شهدتها دول الخليج وتأثرث بها باقي الدول العربية، كانت نتيجتها تحويل المجتمعات الخليجية خاصة والعربية عامة إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة ومستوردة، لا تصدر إلا النفط ومشتقاته. وقد قلنا هذا في كتابنا منذ عشرين عاماً (سعودية الغد الممكن: استشراف تنموي مستقبلي، 1985). ومن الملاحظ، أنه بعد مرور أكثر من ربع قرن (1979-2005) لم تستطع السياسات الاقتصادية للدول الخليجية خاصة حتى الآن ، أن تقلل من الاعتماد على أموال النفط بشكل رئيسي.
فهل ستستفيد الدول العربية من تجربة السبعينيات الآن، وكيف ستنفق هذه الثروة الجديدة الهائلة؟
-2-
يقول الغرب ، بشأن الذهب المتدفق على العرب الآن : "أموالنا رُدت إلينا". وقد سبق للغرب أن ردد هذه العبارة أثناء الطفرة النفطية الأولى (1973-1980). فيبدو أن الأموال التي دفعها وسيدفعها الغرب في شراء البترول العربي الغالي الثمن الآن، ستعود عليه بفوائد كثيرة، كما عادت عليه في الطفرة النفطية الأولى. فهذه الأموال ستعود إليه على شكل استثمارات عربية في العقار والسندات الحكومية والأسهم وتنشيط السياحة في الغرب (أكدت دراسة اقتصادية لمؤسسة "آي.بي.كي" الدولية أن إنفاق مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في السياحة الخارجية بلغ 27 مليار دولار في عام 2004) فماذا سيكون عليه الوضع في 2005؟
وهذا كله، نتيجة لضيق قنوات الاستثمار العربي، وعدم تحمّل الأسواق العربية الحالية كل هذا الذهب الذي يتدفق على العالم العربي، وعلى دول الخليج خاصة. وهو ما حصل في الطفرة النفطية الأولى تماماً.
ويبدو أن العرب لم يستفيدوا من تجربة الطفرة النفطية الأولى، ولم يعوا درسها المفيد، التي كانت تحتاج إلى عقل رشيد لكي يعيها، ويأخذ منها الخبر والعِبَر. فالمحللون الاقتصاديون الدوليون، يرون أن الغرب هو المستفيد أولاً وآخراً من الثروة النفطية العربية على المدى البعيد، ومن هذه الطفرة القائمة الآن. وأن ما يدفعه الغرب من أسعار مرتفعة لبرميل البترول الآن، يعود عليه على شكل استثمارات مالية مختلفة يُفصّلها هؤلاء الاقتتصاديون على الوجه التالي:
1- نتيجة لضيق فرص الإستثمار في العالم العربي، ونتيجة لأن العرب لم يستعدوا لاستقبال الطفرة النفطية الثانية القائمة الآن، ولم يحضّروا لها قنوات الاستثمار اللازمة، وتلهّوا بمشاكلهم السياسية الإقليمية وغير الإقليمية، تقول دراسة صدرت عن "المعهد الدولي للتموين"، إن ثروات النفط العربية سوف تُنفق على مشاريع خارجيه أجنبية .وسوف يقوم العالم العربي بشراء ما يساوي 360 مليار دولار من الموجودات الأجنبية من أسهم وممتلكات في العام 2005/2006؛ أي أكثر من مجموع مشترياتها في الخمس سنوات الماضية.
2- وأكدت هذه الأرقام، دراسة أعدها "معهد المالية الدولي" في لندن . وقالت هذه الدراسة التي نشرتها صحيفة "الاقتصادية" السعودية (13/8/2005)، أن دول الخليج ستنخرط في تكديس كميات هائلة من الأصول الأجنبية من السندات والعقارات خلال العامين المذكورين بزيادة 50 في المائة عن مشترياتها الكلية خلال السنوات الخمس الماضية. ويُذكر أن السعودية التي تُعد أكبر منتج ومصدر للبترول في العالم سوف تشتري هذا العام أصولا أجنبية تقدر بنحو أربع مليارات دولار في الشهر، وفق إحصائيات البنك السعودي الأمريكي "سامبا" . وهذا كله مما سينعش بالطبع الأسواق الأوروبية والغربية عامة، وكذلك الأسواق الآسيوية، ويعود عليها بالخير العميم. وكأن ما تدفعه الأسواق العالمية باليمين ثمناً مرتفعاً للبترول، تأخذه باليسار على شكل استثمارات عربية في العقار والسندات والأسهم الأجنبية.
3- وأوضحت تلك الدراسة، أن الدول الخليجية ستقوم بمشاريع ضخمة، تعزز قطاعات الطاقة لبلوغ الهدف البعيد في انتاج البترول ومشتقاته. ففي قطر سيكون الاستثمار في مجال الطاقة بقيمة 46 مليار دولار، و35 مليار دولار في الكويت ، و15 مليار دولار في العراق، و10 مليارات دولار في كل من البحرين وعمان . وأشارت إلى أن المبالغ التي ستستثمر في مصر وليبيا والجزائر لن تقل عن عشرات المليارات من الدولارات. ومن الواضح أن تطوير انتاج الطاقة البترولية العربية تقوم به شركات غربية ذات مؤهلات فنية عالية. وبالتالي فإن هذه المليارات التي ستصرف على تعزيز قطاعات الطاقة، ستصب في النهاية في جيوب غربية.
-3-
مشكلتان كبيرتان يعاني منهما العرب الآن: الفقر والبطالة.
ففي الطفرة النفطية الأولى، لم يستطع العرب القضاء على هاتين المشكلتين، وصرفوا معظم ثرواتهم على نواحٍ أخرى معظمها استهلاكية (بناء البيوت والقصور الفخمة، شراء اليخوت والسيارات الفخمة، شراء المجوهرات وأدوات الزينة، شراء كل متع الحياة.. الخ) ولم يتمكنوا من القضاء على ظاهرة الفقر والبطالة. ولا نعني هنا بالقضاء القضاء المبرم. فأغنى دول العالم (أمريكا مثالاً) ما زالت تعاني من نسب معينة من الفقر والبطالة ترتفع وتنخفض.
صحيح أن نسبة الفقر في العالم عموماً تزداد وليس في العالم العربي فقط. فتقارير البنك الدولي تقول بأنه في عام 2000، بلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 7و2 مليار انسان من أصل 6 مليارات نسمة في العالم . ومن أولئك 1.3 مليار مصنّفون " شديدو الفقر" كون دخلهم يقلّ عن دولار واحد يومياً. وفي العام 2003، ارتفع عدد الفقراء 100 مليون، ليصل الى 2.8 مليار نسمة، حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2003.
أما في العالم العربي حيث تسود المجتمعات اللامعلوماتية Non Informative Societies ، ولا أحد لديه أرقاماً محددة عن أية ظاهرة، حتى أن عدد السكان لكل بلد عربي غير معروف على وجه الدقة والتحديد. فالمعلومات الأساسية حول الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العربي في تفاصيله الميدانية الواقعية غير متوافرة. وهذا ما يجعل من البحث العلمي والتخطيط المستقبلي من دونها مهمتين شاقتين، إذا لم نقل مستحيلتين. (بول سالم، أبعاد وتحديات المرحلة، منشورات المركز اللبناني للدراسات). ولا نملك إلا أن نقول أن نسبة الفقر كبيرة. ويكفى أن نقول كبيرة، حيث تنقصنا الأرقام والمعلومات من المصادر الدولية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، والتي لا تتعاون الدول العربية معهما ولا مع غيرهما لمساعدتهما في جمع المعلومات والأرقام عن هذا العالم العربي الغامض والمقفل، الذي يعتبر الكشف عن أسراره، الطريق إلى اعادة استعماره من ناحية ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، الطعن والنقد لنظام الحكم القائم المسؤول عن هذه الأرقام المتدنية والمخزية للفقر وكذلك للبطالة.
لقد شهد العالم العربي خططاً كثيرة للتنمية، ودعوات متكررة لرفع مستوى المعيشة للمجتمعات العربية، إلا أنه لم يتم شيء ملموس على أرض الواقع. فمعظم الدراسات تشير إلى أن الفقر في الوطن العربي الذي كان في انخفاض مستمر خلال الفترة 1950-1980 بدأ بالارتفاع كنسبة من جملة السكان ، وكعدد مطلق خلال الفترة منذ منتصف الثمانينيات وحتى الآن. والبلدان النفطية لا تُستثنى من هذه الظاهرة. يقول علي عبد القادر في بحثه (العولمة وقضايا المساواة في توزيع الدخل في الدول العربية، 2005) ضمن منشورات "المعهد العربي للتخطيط بالكويت"، بأن البنك الدولي طالب في أحد تقاريره التي أصدرها احتفالاً بمناسبة انعقاد اجتماعاته السنوية المشتركة مع صندوق النقد الدولي بمدينة دبي في عام 2003 ، بتغيير العقد الاجتماعي الذي ساد في معظم الدول العربية. وهو العقد الذي التزمت به الدول العربية لتوفير خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ، وكذلك لتوفير فرص العمل. وهي التزامات تعني إعادة توزيع الدخول والفرص في المجتمع ، وإسناد دور أكبر للقطاع الخاص في كل هذه المجالات، بالإضافة إلى تعميق انخراط الدول العربية في النظام الاقتصادي العالمي بمعنى تعميق عولمتها.
فهل يساهم الذهب العربي الآن في حل جزء كبير من مشكلة الفقر القائمة الآن في العالم، وكيف؟
(للبحث صلة)
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟