|
الموقف العقلاني من التراث
جميل السلحوت
روائي
(Jamil Salhut)
الحوار المتمدن-العدد: 5004 - 2015 / 12 / 4 - 07:07
المحور:
الادب والفن
جميل السلحوت: تقديمي لكتاب "الغراب والبومة وابن الحكومة" للكاتب حكيم سمارة الذي صدر مؤخرا . الموقف العقلاني من التراث الشعبيّ يتساءل كثيرون عن جدوى كتابة وتدوين بعض جوانب تراثنا الشعبيّ القوليّ، فبعضهم يعتبرون ذلك من باب التّسلية، وبعضهم الآخر يستنكر عمليّة التّدوين على اعتبار أنّها تسجّل لمراحل "تخلّف" من حياة شعبنا وأمّتنا، وبعضهم يستنكر مضمون هذا التّراث؛ لأّنّه لم يعد يناسب المرحلة المعاشة، وبعضهم يهاجم الكاتب الذي يقوم بعملية التّدوين معتبرا أنّ المضمون الذي جاء في جزئيّة التّراث المدوّنة يمثّل موقف الكاتب. ولهذا ولأسباب أخرى كان لا بد من الوقوف وقفة عابرة ومختصرة مع التّراث، لأنّ التفصيل في ذلك يحتاج الى مجلدات. وفي البداية دعونا نتساءل عن مفهوم التّراث الشعبيّ، وللإجابة على هذا السّؤال يجب أن نعود إلى الأصل اللغويّ لكلمة تراث، فهي مشتقّة من الفعل ورث يرث، وهو ما ورثه الأبناء عن الآباء والأجداد، واقتران التّراث بالشّعب ومصطلح التّراث الشّعبيّ يعني ما ورثناه من حكمة الآباء والأجداد، مع التّأكيد على أنّ كلّ حضارتنا السّابقة لجيلنا هي إرث الآباء والأجداد، فالدّين ورثناه عن أبائنا وأجدادنا، فكمسلمين مثلا فإنّ الوحي نزل على الرّسول محمّد صلوات الله وسلامه عليه، واكتمل الدّين الاسلإميّ في عهد النّبوّة، ونحن ورثنا هذا الدّين أبا عن جدّ وجيلا بعد جيل، وكذلك الحال بالنّسبة للدّيانات الأخرى، والكعبة المشّرفة والمسجد النّبويّ الشّريف والمسجد الاقصى وغيرها، وكذلك كنائس القيامة في القدس والمهد في بيت لحم والعذراء في النّاصرة وغيرها هي ما ورثناه عن أبائنا وأجدادنا. والأدب الرسميّ الفصيح بدءا من الشّعر الجاهليّ والمعلقات السّبعة مرورا بشعر صدر الدّولة الاسلاميّة والعصور اللاحقة إلى الجيل السّابق لنا، يضاف إليه عيون أمّهات الكتب في مختلف المجالات، كلّها ممّا ورثناه عن الأباء والأجداد ومبدعوها معروفون بالإسم . وما يهمّنا هو التّراث الشّعبيّ وهو مجهول القائل، بل هو ابداع شعبيّ جماعيّ، أو ربّما أبدعه شخص بعينه فاستساغه الشّعب وردّده دون ذكر قائله، وقد أطلق الباحثون الغربيّون على الأدب الشّعبيّ "علم الفلكلور". والتّراث الشّعبيّ ينقسم إلى قسمين هما: - التّراث العمليّ: وهو ما يتعلق بالحضارة العمليّة المادّيّة الموروثة مثل الأبنية والمدن والقرى والحصون، والأزياء الشعبيّة، وأدوات المطبخ، أدوات الزّراعة، والآلات الموسيقيّة ......الخ. - التراث القولي: وهو الأقوال الموروثة مثل الأمثال، الحكايات، الأغاني ...الخ التّراث جزء من الهوية الوطنيّة: والتّراث في مجمله هو حضارة الآباء والأجداد، ولا يمكن لشعب أن ينتج حضارة إذا لم يعرف الاستقرار، وأمّتنا العربيّة أورثت العالم أجمع حضارة كانت الرّائدة في مختلف المجالات، بل تربّعت على عرش الحضارة العالميّة دون منازع حتى القرن الرّابع عشر الميلادي، أي بداية نشوب الصّراعات داخل أقاليم الدّولة. ونحن كفلسطينيين وكجزء من الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، ورغم المؤامرات التي حيكت ضدّ بلادنا، وكثرة الغزوات التي تعرضنا لها عبر التّاريخ، إلا أنّنا ساهمنا مساهمة ملحوظة في بناء الحضارة الانسانيّة، والمراقب المحايد لفلسطين التّاريخيّة سيجد أنّها أشبه ما تكون بمتحف كبير يحوي في جنباته كنوزا حضاريّة، بناها الآباء والأجداد عبر التّاريخ، وهذه الحضارة هي جزء رئيسيّ من مكوّنات الهويّة الوطنيّة الممتدّة تاريخيّا، وإذا كان الآخر ينبش باطن الأرض بحثا عن شيء ولو ضئيل؛ ليثبت وجوده التّاريخي في هذه البلاد، فإنّ مئات المدن والقرى والمساجد والكنائس، والزوايا والتّكايا والقصور والحصون والكهوف وآلاف المنحوتات والرّسومات تقف شامخة أمام البعيد والقريب وشاهدة بأن هذه الدّيار تأبى أن تكون إلا فلسطينيّة عربيّة. ولا يخفى على أحد أنّ تراثنا الشّعبيّ يتعرّض لعمليات طمس وتشويه وسرقة، ويحاول الآخر أن ينسبه إليه بعد أن يجرّدنا منه في محاولة لإثبات وجوده ونفي وجودنا، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك، وقد جاءت هذه المحاولات المعادية مصاحبة لنكبة الشّعب الفلسطينيّ وتشريد ملايين الفلسطينيين في أصقاع الأرض، وعدم وجود دولة وطنيّة ترعى شؤون الفلسطينيين، فإنّ ضياع التّراث الفلسطينيّ أصبح مسألة جديّة، ومن هنا تنبع أهمية جمع التّراث الفلسطينيّ ووضع الجانب العمليّ منه في متاحف، وتدوين القوليّ واخضاعه للبحث والدّراسة ونشره. وقد يتساءل البعض مثلا من باب الرّدّة الثّقافية، أو الانسلاخ عن الجذور، أو من باب الجهل في جدوى جمع والحفاظ على أشياء تراثيّة عفا عليها الزّمن؟ مثل ماذا نستفيد من"الطابون" ومن "الصّاج" اذا وضعناهما في متحف، ونفس الشّيء المحراث البلديّ وغيره؟ وأنا أقول أنّ "الطّابون" و "الصّاج" -الذي كان يُعدّ عليه خبز "الشراك"- اللذين استعملتهما أمّهاتنا وجدّاتنا، يحقّ لنا أن نفخر بهما، لأنّ غيرنا لم يكن يعرف الخبز في تلك المرحلة، وهذا لا يتناقض مع استعمال زوجتي وابنتي للفرن الكهربائيّ مثلا في هذه المرحلة، واستعمالنا للمحراث البلديّ لحراثة أراضينا على الحمير والبغال والبقر هو موضع فخر لنا، سابقا والآن ولاحقا، فبلادنا فلسطين جبليّة، أجزاء كبيرة منها لا يمكن استعمال الآلات الزراعيّة الحديثة فيها لوعورتها، وبما أنّ شعبنا شعب مزارع فإنّه لا يترك أرضه الجبليّة دون استغلال، ولا سبيل أمامه لحراثتها إلا بهذه الطرق، وقد سجّل الكثير من السّائحين إلى هذه البلاد اعجابهم بقدرة الانسان الفلسطينيّ على استغلال أرضه الجبليّة، وتحويلها إلى حدائق غنّاء رغم وعورتها، وهذا بالطّبع لا ينفي استعمال الألات الحديثة في السّهول. أمّا بالنّسبة للتّراث الشّعبي القوليّ، فإنّنا مطالبون أيضا بجمع وتدوين هذا التّراث بما له وما عليه، بايجابيّاته وسلبيّاته، وما قد يعتبره البعض سلبيّا في عصرنا هذا لم يكن كذلك في عصره. ويجدر التّنويه هنا أنّ تراثنا الشّعبيّ تراث طبقيّ، فكلّ طبقة اجتماعيّة أفرزت تراثها من أغان وحكايات وأمثال ونوادر وعادات وتقاليد .......الخ. ومن السّذاجة بمكان أن يرى البعض أنّ من يدوّن جانبا من جوانب التّراث، ويقوم بنشره إنّما يعبر عن نفسه، فمثلا الأغنية الشعبيّة الغزليّة التي قالها أحد الأعراب والتي يصف فيها حبيبته بقوله: بوزك يلمع مثل بوز البسطار وحبّك في قلبي مثل دبيك البغال لا يمكن ان نصف ناقلها بأنّه قائلها، وكذلك الحال بالنّسبة للحكايات الشّعبيّة التي تحمل مضمونا سلبيّا من المرأة مثلا، وكما قالوا ناقل الكفر ليس بكافر ..وهكذا. وعودة إلى كتاب الحكواتيّ عبد الحكيم سمارة هذا، حيث نلاحظ أنّه بذل فيه جهدا بحثيّا واضحا، فجاءنا بخليط من الأمثال، الحكايات، الأقوال، النّوادر والفكاهة الشّعبيّة، وجاءنا بأمثال تكاد تكون معروفة في العالم العربيّ كلّه، وجاءنا بأخرى محلّيّة لا يعرفها إلا أبناء منطقتها فقط" كالأمثال من قرى عقربا، كفر مالك وعرب السّواحرة" وليته بذل جهدا في هذا المجال وجمع الأمثال الشّعبيّة الفلسطينيّة المحلّية، والموجودة في كلّ قرية ومدينة وتجمّع سكّاني فلسطينيّ متجانس. ورغم الملاحظات العديدة حول الأسلوب والصّياغة والأخطاء اللغويّة والمطبعيّة، والخلط بين اللغة الفصحى واللهجات المحكيّة، إلا أنّ ما قام به من جهد في تجميعه وتدوينه يستحقّ الاشادة. 1
#جميل_السلحوت (هاشتاغ)
Jamil_Salhut#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمعة احسان أبو غوش تخدع ظلها في اليوم السّابع
-
يوميّات الحزن الدّامي- أنتم السّابقون...
-
رواية -غفرانك قلبي- في ندوة اليوم السابع
-
أحلام ماجد أبو غوش
-
حضن الأمّ
-
زغرودة
-
قلب الأمّ
-
رواية -زمن وضحة- لجميل السلحوت في اليوم السّابع
-
فراشة الأديب عمر حمش
-
رواية البلاد العجيبة لليافعين جديد جميل السّلحوت
-
نتنياهو ورؤاه السّياسيّة القديمة المتجدّدة
-
كاملة بدارنة في اليوم السابع
-
جماليّات -صور كاملة- بدارنة الملونة
-
احتجاز جثامين الشهداء انتهاك لحقوق الانسان
-
رواية -غفرانك قلبي..- تطرق الماضي لفهم الحاضر
-
رواية رولا لجميل السلحوت والقدس
-
رواية الخطّ الأخضر باكورة رولا غانم
-
-عيناك لا تراني- في اليوم السابع
-
صدور رواية -رولا- لجميل السلحوت
-
فوز حزب العدالة التركي والاسلام
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|