حيدر مساد
الحوار المتمدن-العدد: 5003 - 2015 / 12 / 2 - 18:22
المحور:
الادب والفن
اضطراب
أسكنها كهفه،يتدفق فيه نبع ماء عذب ، و في الخارج أمام عتبة بابه المنفرجة في الصخر كفمٍ في وجهٍ وسيمٍ مبتسم، أحواض من الورد والريحان، و الهواء عليل كنسمات نيسان ... النساء الخبيرات حذرنها منه، رغم ما بدا لها من جمالٍ وأُلفة، لم تكترث لتحذيراتهن ، واعتبرتها واحدة من تجليات غِيرة النِّساء وحسدهن .
قبل غياب شمس النهار، تجولت في الكهف ؛ ملأتها السعادة و هي تلمس الجمال في كل شيء؛ بدت كأميرة في قصر منيف .. هبط الليل و قد أظلم القمر ؛ تحسست الموقد و أشعلته؛ استعرت النار فيه ، و راحت تصطلي من برد شتائها الطويل ... جنَّ الليل ، فلمحت شيئا ما تحرَّك في الظَّلام ، سرت قشعريرة في جسدها المكتنز .. بدأ الخوف يتسلل إلى روحها ، قالت لنفسها :
-"ما هذه إلَّا تهويمات الليلة الأُولى التي تعتري كل شخص ينتقل إلى مكان جديد". ..
وصل إلى مسامعها أنين خافت من إحدى زوايا الكهف، فدبَّ فيها الخوف ، سرعان ما تحول هذا الأنين إلى عويل ، أخذتها رجفة وقد تمكن الخوف منها ، لا تجرؤ على النظر إلى مكان الصوت .. عندما تحول الصوت إلى نشيج ونحيب، صرخت :
- "من هناك، من أنت" ؟
سكت الصوت .. ومرت دقائق صمت، استجمعت شجاعتها المشتتة ؛ حرَّكت قدميها بخطوات حذرةٍ بطيئةٍ صوب مصدر الصَّوت في ذلك الرُّكن البعيد من الكهف، الظلام دامس، زكم أنفها هواء رطب يمتزج برائحة عفنة، قررت التَّراجع؛ أدارت ظهرها و همَّت بالانصراف، انطلقت قهقهة من المكان ، تسمَّرت مكانها ، شيء ما أمسك طرفَ ثوبها، جسدها يتصبَّب عرقا ، حاولت الإفلات ، القبضة تشتدُّ والقهقهة تزداد ، بكل قوَّتها تحاول الإنعتاق من هذا المكان المرعب، لكن القبضة صارت قبضات تشُدُّها إلى الخلف ، والقهقهة صارت قهقهات يرتدُّ صداها مُضَخَّما من جدران الكهف الصمَّاء فيهتز المكان، عندما أيقنت الهلاك ، عمدت إلى قَدِّ ثوبها فانخلع عنها ، تركته في قبضة الظلام المرعب، و قد انطفأت الشُّعلة، انطلقت بكل قُوَّتها، اندفعت خارجةً من باب الكهف، عارية كلحظة مولدها، و قد بدأ يلوح في الأفق خيطُ الصَّباح الأبيض.
تمت
......
حيدر مساد 1-ديسمبر-2015
#حيدر_مساد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟