الكفاح غير المسلح في فلسطين

باتريك أو كونر

الحوار المتمدن-العدد: 1366 - 2005 / 11 / 2 - 13:02
المحور: القضية الفلسطينية
    

حقيقة أن آلاف من الفلسطينيين ومئات من الإسرائيليين يستخدمون معا تكتيكات الكفاح الغير مسلح المماثلة لتكتيكات حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة وحركة مناهضة العنصرية في جنوب أفريقيا، سوف تأتي تلك الحقيقة كأخبار مدهشة تلقى الترحيب عند معظم الأمريكيين. لا يعلم معظم الأمريكيين الكثير عن حركة الكفاح في فلسطين هذا الكفاح القاعدي الذي لا يمارس العنف، لأن كوربوريشن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة تفضل قصص الهجمات الإرهابية الفلسطينية المبسطة والمغلوطة وتفضل قصص ردود الفعل الانتقامية الإسرائيلية.

في وسائل الإعلام الأمريكية، لا يسمح عموما للفلسطينيين بالكلام نيابة عن أنفسهم أو بجمع خبراتهم عبر التاريخ. إلا أنه يسمح للإسرائيليين بالحديث، وبتفصيل خبرتهم التاريخية بل حتى يسمح للإسرائيليين بشرح قضية الفلسطينيين! نتيجة لذلك، الرواية الإسرائيلية معروفة في الولايات المتحدة بينما ينزع عن الفلسطينيين إنسانيتهم.

التقارير في النيويورك تايمز، التي ينقل عنها بوصفها مقياس وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، تنمط المشكلة. تنشر الصحيفة يوميا مقالات إخبارية عن إسرائيل/ فلسطين، تتضمن مواد لا حصر لها عن المقاومة الفلسطينية المسلحة. ومع ذلك، النيويورك تايمز ووسائل الإعلام الأمريكية تكاد بشكل أكثر عمومية لا تنشر أبدا تقارير عن 99.5% من الفلسطينيين الذين يضحون بأرواحهم بمعدل يومي ولمدة 38 عاما، في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير مسلح.

طوال السنوات الثلاث الماضية نشرت النيويورك تايمز فقط ثلاث مقالات تقريرية عن المقاومة الفلسطينية الغير مسلحة. ذلك رغم حقيقة أن الفلسطينيين قد قادوا مئات من الاحتجاجات السلمية طوال الأعوام الثلاث الماضية في طول الضفة الغربية وعرضها ضد بناء إسرائيل للجدار العازل على الأرض الفلسطينية، ورغم حقيقة أن الجيش الإسرائيلي قتل تسعة من هؤلاء المتظاهرين الفلسطينيين، وجرح عشرات الآلاف منهم، وتحرش بالقرى المحتجة وأنزل بها عقوبات جماعية وقبض على مئات المحتجين، بما فيهم زعماء الاحتجاج السلمي.

المقالة الأحدث من هذه المقالات الأخيرة، مقالة السبت الماضي "عند الحاجز الإسرائيلي، قدر من الصياح أكثر من قدر الغضب"؛ كتبها رئيس مكتب الصحيفة في القدس ستيف ارلانجر وهي مقالة طيبة تعتبر دراسة حالة للكيفية التي يساء فيها تقديم إسرائيل/ فلسطين في وسائل الإعلام الأمريكية، والكيفية التي يتم بها تهميش الكفاح الفلسطيني الغير مسلح. فقط ستة كلمات في مقالة من 1138 كلمة نقلت عن لسان الفلسطينيين، رغم أن المقالة تركز على الاحتجاج الذي يقوده الفلسطينيين ضد بناء إسرائيل للجدار العازل الذي يقطع داخل أراضي قرية بيلعين بالضفة الغربية.

والبادي أن ارلانجر ترك المحتجين الإسرائيليين يتكلمون عن لسان الفلسطينيين بدلا من ذلك. ورغم أنه اقتبس عديد من الكلمات مرتين لأقوال الجنود الإسرائيليين المتواجدين في القرية كما لو كانت هي كلمات المحتجين الإسرائيليين. بالتالي، وكما يحدث غالبا في حالة الصحافة الأمريكية، تصبح تفسيرات الجيش الإسرائيلي هي التفسير السائد للحدث. الجنرال الإسرائيلي الذي يبدو في حالة إنسانية جميلة وبليغ في تعبيراته يصبح هو الشخص الوحيد الذي يستطيع القارئ أن يتفاعل معه وجدانيا. ببساطة يستخدم كاتب المقال فلسطينيين من القرية في خلفية المشهد، ولكن لا تسمع أصواتهم أبدا.

ربما لأنهم عموما لا يسمحون للفلسطينيين بالكلام، تترك صحيفة النيويورك تايمز ووسائل الإعلام الأمريكية بشكل عام السياق الأعرض ظاهرا. يشطب ارلانجر على 80 احتجاجا قامت به هذه القرية وحدها، ثلاث سنوات من المقاومة السلمية ضد جدار الضفة الغربية، التاريخ الغني للمقاومة الفلسطينية الغير مسلحة والقمع الوحشي للجيش الإسرائيلي ضد المنشقين السلميين.

بدلا من ذلك يذكر ارلانجر فقط أن هناك احتجاجات اسبوعية في القرية، وأن "هناك بعض الإصابات والعديد من حالات القبض على المحتجين، وقد فقد أحد الجنود عينه بسبب إصابته بحجر". "الجنود المدرعين بالعصي وضباط البوليس، الذي جعلهم استخدامهم لقنابل الصوت والرصاصات المطاطية والغاز المسيل للدموع يبدون كما لو كانوا يقمعون جمهورا يثير الهياج والفوضى". لو سمحوا للفلسطينيين بالكلام، لحدثوهم عن شواهد تدل بوضوح على قمع إسرائيل للاحتجاج السلمي في القرى الفلسطينية. عشرات المحتجين من بيلعين تم القبض عليهم، بما فيهم منظم الاحتجاج عبدالله أبو رحمة. قبض على ابو رحمة ثلاث مرات لمدة إجمالية 35 يوم، وأصدرت المحكمة حكما يحظر عليه الآن الاشتراك في تلك الاحتجاجات.

جرح 361 من المتظاهرين ضد الجدار في بيلقين خلال سبعة أشهر. أحد الشباب الفلسطينيين مات تقريبا من رصاصة صلب مغطاة بالمطاط أصابته في رأسه. أصيب ثلاثة فلسطينيين وإسرائيلي إصابات بالغة عندما أطلقوا عليهم قنابل مسيلة للدموع من بنادق خاصة من مسافات قريبة. ومع ذلك، الإصابة النوعية التي ذكرت في الصحيفة كانت إصابة الجندي الإسرائيلي الذي فقد عينه، الإصابة الوحيدة الأكثر خطورة التي حدثت في صفوف الجند الإسرائيليين خلال الأعوام الثلاث التي سادتها الاحتجاجات ضد الجدار.

تشدد مقالة النيويورك تايمز على أن بناء إسرائيل للجدار والمستوطنات داخل الضفة الغربية في أماكن مثل بلعين ينتهك القانون الدولي طبقا لقرارات محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة. ومع ذلك، ردود أفعال الحكومة الإسرائيلية على هذه المواقف يعطى لها نفس المساحة والوزن.

مع ميل كوربوريشن وسائل الإعلام الأمريكية لإسكات صوت الفلسطينيين، فلن يكون مدهشا أن العديد من الأمريكيين يرون الفلسطينيين كمعتدين في الصراع، وحتى رغم أنهم يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وسائل الإعلام البديلة والغير أمريكية هي حاليا المصادر الوحيدة التي يعلم منها الأمريكيون فقط ما هي روايات الفلسطينيين والمناضلين القاعديين عن مقاومتهم الغير مسلحة في فلسطين.

ويظل مع ذلك حقيقة أن، مجرد الاعتماد على وسائل الإعلام البديلة ليس كافيا. يحتاج الجمهور إلى استمرار الضغط على كوربوريشن وسائل الإعلام والصحف مثل النيويورك تايمز من خلال الرسائل والمقالات النقدية، حتى يتم تمثيل جانبي الرواية في فلسطين/ إسرائيل بشكل دقيق.

باتريك أوكونور ناشط مع حركة التضامن الدولي (ISM). تقوم الحركة من 14 أكتوبر حتى 15 نوفمبر بحملة للحديث في 11 مدينة أمريكية تعرض فيها أعمال اثنين من المنظمين لحركة المقاومة الغير مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، الفلسطيني إياد مورار والإسرائيلي جوناثان بولاك. لمزيد من التفاصيل أنظر موقع:

www.palsolidarity.org

#باتريك_أو_كونر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات