|
الهواجس والأعراف المحلية ومياه السقي بمنطقة بركين/جرسيف (المغرب)
عبد السلام انويكُة
الحوار المتمدن-العدد: 5002 - 2015 / 12 / 1 - 18:28
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الهواجس والأعراف المحلية ومياه السقي بمنطقة بركين/جرسيف (المغرب)
تدخل هذه الورقة في اطار إثارة مسألة الماء بمجال ترابي جبلي، وقبائل أمازيغية كانت في تدبيرها الاداري زمن الحماية الفرنسية على البلاد. خاضعة لمكتب شؤون أهلية بمنطقة بركين إحدى أعالي جرسيف، وهي آيت جليدسن وآيت تايدا عن قبيلة آيت وراين الشرقية. ومسألة مياه السقي كما في غيرها من جهات المغرب تحديدا منها ذات الخصاص في هذه المادة الحيوية، كانت تطرح وتعالج ضمن تقاليد محلية ووفق ما تقتضيه العملية من اجراء وتنفيد في علاقته بأساليب سقى معتمدة. ولا نروم ما هو اجراءات تشريعية، تخص الماء في الأرياف لما لها من علاقة بالزراعة. كما أن هذا لا يعني غياب نظام قانوني ثقافي ثراتي، ولا فقرا في تقاليد محلية تخص هذا الاشكال. فالأعراف القانونية المائية les Coutimiers هي ذات أهمية رغم أنها غير محددة بدقة، ولا تحتاج لعناية بتطبيقاتها القديمة والمهجورة Desuétes. فهي حاليا مجال دراسة وبحث، ووجهة لمعرفة كيف كان يتم تدبير هذا المجال في الماضي كما على عهد الحماية الفرنسية بالمغرب. إن التقاليد عموما تتطور مع الزمن، وتحولها باتجاه مفاهيم جديدة يحتاج معه الامر الى نوع من التتبع والتسجيل والتصحيح، وكل حالة من الحالات ينبغي الحفاظ عليها، أو ادخال تعديلات عليها بحسب الفترة الزمنية. إن الأعراف قوانين في طور التكوين، وهي على شكل بطاقاتFichiers إن صح التعبير تضم خانات تحتوي بدورها على نماذج عرفية. على عهد الحماية تحديدا خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي، كان هذا الاشكال مثار اهتمام عسكريين فرنسيين عملوا بمحكمة بركين. سمحت لهم ظروف عمل بفتح واحدة من هذه الخانات، للتعرف على واحدة من قضايا البيئة المحلية، والتي تطرح بشكل كبير بالمنطقة من وجهة نظر قانونية، ويتعلق الأمر باستعمال الماء. وقبل وضع المسألة المائية في سياقها الجغرافي الطبيعي، من المهم اثارة ما هو أروغرافي/علم جبال، وجيولوجي ومناخي حول المنطقة. فمن شأن هذه الاثارة أن تسهم في تكوين صورة حول هذا المجال من حيث تربته وتنوعه البيئي. إن سؤال الماء بهذه الوجهة الجبلية من المجال الجبلي المغربي حيث آيت وراين، لا يعني الأهمية التي تحاط بهذا الاشكال في الجنوب المغربي/الصحراء مثلا، بحيث من الصعب اثبات نقص المياه تماما بداخل البلاد تحديدا في مجال جبلي هو جزء من الأطلس المتوسط. والذي هو خزان مياه أساسي Château d’eau Central ، ومن الصعب إثبات ذاك حتى في أسافل جبلية لتجميع المياه، كما بالنسبة لجبل موسى وصالح/ بويبلان . ومع ذاك المشكل المائي بآيت وراين الشرقية، يطرح بنفس الحدة ونفس التخوف كما بجهات أخرى من البلاد/سوس مثلا. واذا كانت المناطق المرتفعة من آيت جليداسن (آيت بحار- آيت بوهليل – آيت مقبل)، تستقبل كميات كافية من المياه، فبخلاف ذلك هناك مناطق منخفضة مفتوحة على جرسيف وامسون، هي تقريبا شبه جافة بسسبب نقص التساقطات. وهذا المجال الذي ينحصر تقريبا بين واد زبزيط ومللو وبوراشد، يطبعه نوع من الجفاف الذي يمتد الى منطقة أهل الثلث وهوارة. هذا بالاضافة الى أن حياة Bien Etre السكان محليا تقوم على مقدار المياه التي يستقبلها مجالهم، من أجل سقي الزراعات وتوفير شرب الماشية. وعبر التاريخ استعمل سكان منطقة آيت وراين الشرقية الماء، من أجل زراعة الحبوب وغراسة اشجار مثمرة. ونادرا ما استغل الأهالي من الفلاحين، أرضا بورية باستثناء بعض المناطق الجبلية. وعليه فكل آمالهم توضع على ضيعاتهم المسقية. من هنا فان كل ما يتعلق بماء السقي، كان دائما هاجسا أساسيا وجوهرياPrimordial . وعبر قرون كان هناك صراع دائم بين الافراد حول هذه المادة الحيوية/الماء، وحول حيازتها ووضع اليد على نقطها الاساسيةPossession . وهذا الصراع لم يكن فقط بين الأفراد بل حتى مع عوامل طبيعية خلال بعض فترات السنة. وذلك من أجل حماية الأراضي المهددة بفيضانات الأودية. ومن هنا اكتساب السكان لثقافة وتقاليد هامة وخبرة عالية حول الماء وفن بناء ورسم السواقي، وحول كل ما يتعلق بحفر هذه السواقي والآبار، وبناء مدرجات لحماية الضيعات من فيضان الأودية. اضافة الى التنظيم الجيد لعملية السقي. بعد كل ما ورد حول هذه المادة التي كانت دائما في زمن و ذهنية الساكنة هاجسا أساسيا وجوهريا. من المهم الاشارة الى أن استعمال مياه الآبار بالمنطقة ظل ضعيفا جدا، وما يتم اعتماده في شقي الزراعات وغراسة الأشجار المثمرة، مصدره الوحيد هو الأودية والعيون. ومياه الأودية تدخل في اطار ملك عام، فهي لا تشترى ولا تكرى ولا تباع ولا ترهنNantie، فكل واحد من أهل البلد له حق الانتفاع وحق الاستفادة مجانا منها، اذا تمكن بعمله من نقلها وايصالها الى حقله. وأن امتلاك حق التملك ونقل هذا الحق، يتبع عموما مصير الأراضي المسقية. فاذا ما قام أحد ببيع أرض مسقية، فان المشتري يأخذ معها قنوات السقي الخاصة بالأرض ويعمل على حيازتها. وفي عقود البيع والارث Successions وتقسيم الارث، كانت تتم الاشارة الى امكانية سقي خاص بأراضي منقولة. كما أن مالك أرض مسقية ما بواسطة ساقية قادمة من واد ما، يفقد حقوقه في الاستفادة من مياه السقي اذا تخلى عنها أو لم يقم بأعدادها وحمايتها. ومن هنا فحق استفادة من مياه مصدرها واد ما، ليس حقا قارا ومحددا. فهو مرتبط بالعمل على استعمالها والعناية بها وتتبعها منذ بدايتها عند خروجها من مجراها الأصل. وحول مسألة السقي ومياه السقي القادمة من الأودية، كانت هناك بالمحاكم العرفية، عددا من القضايا ذات الصلة. التي تهم حماية المياه من الفيضانات، وأخرى تتعلق بممرات السواقي في أراضي الغير، كذا قضايا تهم تغيير اتجاه السواقي والاعتراضات حول تملك المياه Contestation. وقد ارتأينا ابراز نماذج من أحكام صادرة عن محاكم عرفية بمنطقة بركين عند احداثها. ففي حكم بتاريخ 2 فبراير1930 ورد أن مشتكيا كان يملك ساقية في "تبرت" tabert ، تطلب حفرها عملا مدته شهر ونصف. وأن هذه الساقية تسقي حقل المشتكي تم تذهب لسقي حقول وأجزاء أخرى، في ملكية ستة أفراد آخرين. وعليه فان المشتكي تقدم بشكاية من أجل مطالبة مستفيدين من المياه، بتعويض عن عمل قام به. ولبلورة قرار حكم في النازلة، تنقلت الجماعة الى عين المكان لتقييم التكلفة، التي حددتها في خمسون ريالا لفائدة المشتكي، قدر تم توزيع أداءه على المستفيدين الستة. ووفي حكم آخر بتاريخ 3 شتنبر1934، ورد أن مستفيدين من عملية سقي أراضيهم يعتمدون على ساقية، وهذه الأخيرة قام مشتكيا بترميمها واصلاحها لوحده وعليه فهو يطالب بتعويض التعب. شكاية كانت وجهة نظر المستفيدين حولها وردا عليها، أن المشتكي قام بأعمال ترميم إنما دون استشارتهم، وأكثر من ذلك هذه ساقية غير مهمة لسقي أراضيهم. من أجل قرار حول هذا النزاع المائي، انتقلت جماعة المحكمة الى عين المكان. فتبين لها أن أراضي المستفيدين لا يمكن أن تسقى، إلا عبر هذه الساقية التي رممها المشتكي والذي يطلب تعويضا عن أتعابه. وأن عملية الترميم احتاجت لأعمال هامة تم تقويمها من قبل المحكمة. وأن المشتكي لا حق له في الاعتراض على جيرانه. لأن الماء عندما يغادر حدود ضيعته لا يدخل ضمن ممتلكاته نهائيا، وأن الماء الذي انتقل من ضيعته تم استعماله. وفي حكم آخر حول نفس النزاعات ذات العلاقة بالمياه بتاريخ 13 اكتوبر1930 ، ورد في شكاية أحد أبناء المنطقة. أنه قام بأعمال هامة من أجل حماية ضيعته من فيضانات الواد، وبذلك حماية حتى أراضي جيرانه الذين يرفضون أي تعويض عن العمل. شكاية رد عليها المعنيون بها أنهم لم يحددوا أي ثمن للقيام بهذا العمل، وأنهم لا يعرفون الواجب أداؤه. نزاع دفع ثلاثة أفراد من الجماعة بمعاينة المكان، من أجل تقييم وتقسيم تكلفة التعب. مع اشارة وردت في الحكم حول تقدير العرف الخاص بالعمل المنجز، من طرف فرد لفائدة جماعة، رغم أن من قام بالعمل لم يفكر سوى في ضيعته وملكيته الخاصة. وفي شكاية أخرى بتاريخ 5مارس1934، دائما عن محكمة منطقة بركين بأعالي جرسيف على عهد الحماية الفرنسية بالمغرب. اشتكى أحد الأفراد من أن أحد جيرانه قام بتحويل وتغيير اتجاه مياه خاصة بساقية، ما تسبب على اثر فيضان واد في إغراق ضيعته. وعليه طالب من خلال شكايته بارجاع حياة الساقية كما كانت لتجري وتتبع مجراها العادي. المشتكى به أنكر وقال بأنه لم يغير مجرى الساقية القادمة من الواد، بل قام فقط بأعمال لحماية ضيعته من الفيضانات. وضعية انتقل على اثرها شخصان عن المكمة بزيارة لعين المكان، حيث وضعا رسما جديدا للساقية بما ينصف الطرفان. وفي اكتوبر1933 وردت شكاية بشخص قيل فيها أنه استغل فيضان واد مللو الذي غير مجرى المياه، ويعترض على امتلاك ارض لم يتم بيع منها الا جزء فقط وأن هناك شهود. شكاية قال حولها المشتكى به أنه اشترى كل شيء قبل هذه المحاكمة، وأن لديه عقد يثبت ذلك. إشكال ترابي ومائي دفع الجماعة للانتقال الى عين المكان، من أجل إثبات مدى تطابق الحدود مع ما هو موجود في عقد البيع، كما تقرر الاستماع الى شهود لم يتمكن المشتكي بإحضارهم، ما جعل الجماعة تسقط بالتقادم ملكية المشتكي للأرض وبالتالي رفض الدعوى. وفي شكاية بتاريخ يوليوز1934 جاء عند أحد المشتكين، إن واد مللو غطى أرضا تركها لي والدي وأنه على اثر هذا الفيضان قام المشتكى به بإخضاع هذه الارض، وعليه فهو يطلب العدالة. شكاية قال حولها المشتكى به أنه لا يستغل سوى أرضا توجد في ملكيته الخاصة، وبما أنه ليست هناك أية عقود إثبات للملكية، توجه فردان عن محكمة بركين الى عين المكان، قاما برسم حدود جديدة لقطع أرضية في مصلحة الطرفان. نماذج من مئات أشكال النزاع حول الماء والسقي بالمنطقة، تعكس سبل التدبير العرفي للمسألة من جهة، وطبيعة الاهتمامات والانشغالات كذا دهنية الأهالي في علاقتها بالماء كهاجس جوهري من أجل العيش والتعايش بالمنطقة. عبد السلام انويكُة/ باحث
#عبد_السلام_انويكُة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|