أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - -جمعة مباركة- تجسيد لمنطق الساحر وسلطة فوكو الناعمة















المزيد.....

-جمعة مباركة- تجسيد لمنطق الساحر وسلطة فوكو الناعمة


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5002 - 2015 / 12 / 1 - 02:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتكرر على مسامعنا و على صفحات التواصل الاجتماعي كل جمعة, وكأننا على موعد صارم مع القدر, العبارة التالية التي تتمنى لنا
"جمعة مباركة!"

اني ازعم هنا ان هذه العبارة, انسجاما مع رأي الفيلسوف واختصاصي السيكوباثولوجي ميشيل فوكو, تنتمي الى ما يسميه هو "السلطة الناعمة", اي السلطة التي تمارس نفوذها علينا,على عكس سلطة البوليس والجهاز القضائي والتعليمي, بالخفاء ومن خلال تغلغلها في العقل الباطن. فالعقل الباطن, حسب المحلل النفسي جاك لاكان, ذو تركيب مماثل لتركيب اللغة.

"جمعة مباركة" عبارة تتكون من كلمتين. احداهما الجمعة. ولكن ما هي الجمعة؟ انها, كما نعلم, اسم لاحد ايام الاسبوع وتتكرر اسبوعيا, اي بلغة الفيزياء تتكرر كلما دارت الارض 1/52 من دورتها السنوية حول الشمس. الكلمة الثانية هي "مباركة" وهي كلمة ذات نكهة دينية-نفسية.

ان الاعتقاد, كما توحي العبارة, ان حركة الارض حول الشمس تحدد افكارنا او مشاعرنا, بلغة علم النفس, او كون ان الجمعة مباركة باستخدام الايحاءات الدينية, يعني اننا نٌرجِع ما هو روحي او نفسي الى ما هو طبيعي, او بتعبير آخر, نختزل علمي النفس والبيولوجي (وبضمن ذلك الدماغ والجسم كامتداد له) الى علم الفيزياء! ولذا يتكلم الناس عن الفيزياء كملكة العلوم, وعن الارض ك "امنا الارض". اي انها عبارة باراسيكولوجية, اذا رغبنا في اقتباس عالم النفس السلوكي Eysenck.

ان جمعة مباركة هي تعبير لرغبة كامنة في ان نصبح من جديد جزءا من الطبيعة, امنا الارض, وامنا الارض تجد معادلها في امنا البيولوجية ورحمها الذي يوفر لنا الشعور بالنيرفانا التي نُحرم منها حال مغادرتتا الرحم- او فقدان نفس النيرفانا في الجنة السماوية, التي كان على آدم وحواء, حسب الكتب السماوية, مغادرتها ليصبحوا اناسا بعد ان كانوا جزءا من الطبيعة. خروح الطفل من رحم امه وانفصاله عنها بيولوجيا امر لا مفر منه طبيعيا لان يتفرد كشخص. الالم هو شعور مصاحب لفقدان الفردوس او الرحم. لذا يبدي الناس رغبة عارمة بالرجوع الى الفردوس المفقود, وهذا هو جوهر الديانات الابراهييمية, او على الاقل الرجوع الى رحم الام للحصول على النيرفانا والاحتماء فيه من كل الم واذى. وبسيب استحالة الرجوع الى الرحم والاحتماء به, يحتمي الشخص في جموع القطيع التي تفعل فعل الرحم.

لذلك يتحدث علم النفس عن ال narcissistic rage´-or-injury او الجرح النرجسي والصدمة الاولية عند مغادرة المولود رحم الام. وبكاء الطفل, كفعل انعكاسي, ضروري لتفعيل جهازه التنفسي عند مغادته الرحم. ولكن بكائه, و ليس ضحكه, قد يشي بعدم رغبته في مغادرة رحم امه. الكلام يحتمل المجازية هنا.

اذا جمعة مباركة تعني التكرار. والتكرار هو سمة من سمات الموت وليس من سمات الحياة.

اعلاء شأن الفيزياء يعني الرجوع الى الطبيعة, امنا الارض, رحم امنا, حيث نشعر بالامن والطمانينة والسعادة كالملوك, لذا نتكلم عن الفيزياء باعتبارها ملكة العلوم, كما ورد اعلاه.

ان فوكو, حاله حال لاكان, يحفزنا كلنا على امتحان وتمحيص افكارنا ومحاكمتها اشد الحكم وان لا نتقبلها لان الاغلبية ترددها, وان لا نسمح ان تقودنا ثقافة القطيع. فالسباحة مع التيار هي احدى اسباب مآسينا في منطقتتا, والبحث يجري دوما عن الحلول السهلة من خلال تزويق الكلام وتضخيم المفردة التي تذكرنا بنمطق الساحر. فالساحر يستطيع ان يغيير الواقع بان يقول "افتح ياسمسم!", فتنفتح البوابة, كما في افلام هوليوود للاطفال, وندخل عالم جديد بفضل سمسم, سحر الساحر. ان منطق السحر, سواء اكان سحر اللغة او خلافه, لامكان له في عصرنا, عصر العلم والتقنية وتزايد كمية المعرفة وتشعبها. بل بالعكس, فاللغة النمطية تقيّد وتحد من تطور المعرفة وتجعلنا نحاول ان نلحق دوما وابدا بقطار الحضارة الذي قد اوشك على ان يفوتتا.

ان التكرار والجمود هما صفتا الموت, مهما بلغت حسن النية او طيبتها, وعلينا ان نتشبث بحياة ليست هي اقرب الى الموت, وانما حياة مشبعة بالفضول, التأمل, والتشكيك كمنهج علمي ونمط حياتي. يجب ان نثبت لانفسنا كل لحظة اننا موجودون, فديكارت, اب العلم الحديث, قال قوله المعروف "اني فكر, اني اذا موجود!". علينا ان نحقن انفسا بامصال الحياة وليس بامصال الموت. الموت قادم لا محالة, ولا فائدة ترجى من تعجيل قدومه,لان ذلك يعني انتصار الموت بالرغم من كوننا بيولوجيا على قيد الحياة, ويصبح حالنا حال ال Walking Dead في افلام الخيال العلمي.

"جمعة مباركة" ذكرتها كمثال. اعتراضي ينصب على تكرارها النمطي, انفصالها المحتمل عن الواقع, فردانيتها كتجسيد لاستخدامها عصابيا, وكونها "مباركة" يضفي عليها نكهة دينية ترفع من مقام قائلها على حساب المتلقي, وتصبح هي رسالة وصاية واستعلاء, بالرغم من مظهرها الناعم ولبسها جلباب حسن النية والطيبة. لماذا لا تكون جمعة سعيدة او طيبة, مثلا؟ ولماذا يقتصر الامر على الجمعة فقط؟

الا ان المشكلة مع النمطية هي اخطر من ذلك بكثير. انها تمنع التواصل الحميمي بين البشر, او بالاحرى تحد من لغة التواصل الشخصي او اللانمطي, بافتراضها ان افكارنا او مشاعرنا يحددها التقويم الزمني, او دوران الارض حول الشمس. اُخترع التقويم لتسهيل امور الحياة وضبط نبض الحياة ولا علاقة له بمشاعرهم او احاسيسهم. ان النمطية تفرض علي ان اظهر مشاعرا تنسجم مع تعداد التقويم. فجمعة مباركة تختزل الانسان الى عبارة مجردة وشاحبة شحوب الموت, بالرغم من اتفاقي مع حسن النية المفترضة لقائل العبارة, ولكننا كلنا سمعنا بالقول المأثور ان الطريق الى جهنم معبد بحسن النيات.

العبارة تعني سطوة قوانين الطبيعة الجامدة, حركة الارض حول الشمس, كمحدد لما هو حي- بيولوجي ونفسي. انها اختزالية غير مقبولة علميا وان كانت مفهومة نفسيا. ولكها ايضا انتصار لغريزة الموت Thanatos على غريزة الحياة Eros بلغة التحليل النفسي.

ان العبارة, برغم اعلاءها قوانين الطبيعة فوق قوانين علوم الحياة او علم النفس, لا تملك الا ان تناقض نفسها بنفهسا. فهي تقوم بتعطيل قوانين الطبيعة حتى قبل ان تبدء فعلها, او هذا على الاقل ما تهدف اليه. فالطبيعة هي جزء مما يسميه لاكان ال Real, الحقيقي, الذي هو المصدر الرئيسي لألمنا وشقائنا. ان العبارة تهدف الى تعطيل الحقيقي, الطبيعة, كشرط لالغاء الالم او تخفيفه. ولذا تفشل العبارة وينقشع سحرها بانتصار الحقيقي اللاكاني, وذلك بالرغم من افتراضنا النية الطيبة لقائلها, وبالرغم من الرغبة العارمة في تصديقها لمتلقيها.



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة علماء المسلمين في تفنيد ايديولوجية -الدولة الاسلامية-
- الحملة الثقافية لمقاطعة وعزل اسرائيل
- تجاهل فرنسا المتعمد لاشارات التحذير قبل هجمات باريس!
- الارهاب وقمع الحريات والشمولية كلها امور ملازمة للعولمة المت ...
- رعاية الولايات المتحدة للإرهاب في العراق و-الفوضى الخلاقة-
- هل العراق بحاجة الى حظر الاحزاب الدينية ام حظر المواقع الابا ...
- الاهمية الفائقة لاستحداث منصب وزير الصحة العقلية في العراق
- استخدام (موجات) اللاجئين كسلاح سياسي-اقتصادي
- افندية بغداد والعملية السياسية
- ما يجب على الحزب الشيوعي العراقي فعله لانقاذ نفسه؟
- وجهة نظر التحليل النفسي في -عندما تُفسدنا السلطة, يطهّرنا ال ...
- دعوة للقبض على نتنياهو
- مرحلة ما بعد الصهيونية
- الحل: خرافة وجود شعب يهودي 6/6
- خرافة وجود شعب يهودي 5
- خرافة وجود شعب يهودي 4
- خرافة وجود شعب يهودي 3
- خرافة وجود شعب يهودي 2
- خرافة وجود شعب يهودي 1
- استخدام الولايات المتحدة لمختصين نفسيين في اعمال تعذيب واسعة ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - -جمعة مباركة- تجسيد لمنطق الساحر وسلطة فوكو الناعمة