|
المثقفون .. لماذا يرفضون الخروج من حظيرة السلطة ( علي هامش أحداث محرقة المسرح في مصر)
أحمد عبد الرازق أبو العلا
الحوار المتمدن-العدد: 1366 - 2005 / 11 / 2 - 12:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
منذ سنتين نشرت مقالا في صحيفة العربي الناصرية في مصر، تحت عنوان ( وقائع الدخول إلي وزارة الثقافة من أبواب الخدم ) تعرضت فيه لسلوك بعض المثقفين الذين تعاملوا مع السلطة ، كما يتعامل الخدم مع أسيادهم ، فينافقون ، ويتذللون ، وينبطحون ، ويخلعون قيمهم ، ويرمونها خلف ظهورهم ، ويلعنون المبادئ ، ويسبون من يتحدث عنها ، ويتهمونه بالنزق ، والجهل ، والعبط !! وذكرت أن هؤلاء - بهذا السلوك المتدني - إنما يدخلون الحياة الثقافية من أبواب الخدم ! أبواب الخدم التي رفض (بتهوفن ) " 1770- 1827الدخول منها ، حين دعاه أحد البارونات الألمان ليعزف بعض المقطوعات الموسيقية لأستاذه ( هيدن) الذي رشحه للقيام بهذه المهمة ، وكان النبلاء والبارونات في تلك الفترة ، ينظرون إلي الموسيقيين والفنانين باعتبارهم - وبلغتنا - عوالم !! ومن ثم لا ينبغي لهم الدخول من أبواب السادة ! لكن ( بتهوفن ) رفض طلب الحارس ، وأصر علي الدخول من الباب الواسع- باب السادة - وفي القاعة عزف مقطوعة موسيقية من تأليفه هو ، وليس من تأليف أستاذه ( هايدن ) كما كان مقررا . فعل هذا - برغم صغر سنه وحداثة تجربته وعدم معرفة الناس له- احتراما للفنان المثقف في داخله ، واحتراما لنفسه ، ولم يتجرد من فضيلة الجسارة ، ولم يفكر في النتائج والتبعات التي يمكن أن يجرها عليه موقفه ، فكر كانسان مثقف ، مستقل،علي الآخرين أن يتقبلوه هكذا كما يريد هو ، لا كما يريدون . هذا السلوك يقوي ويدعم الحياة الثقافية ، كما قويت بالمثقفين في عصر النهضة - القرن الثامن عشر.. والحادث - في مصر الآن - أن الحياة الثقافية ضعفت وهزلت ، وما كان لها أن تضعف ويصيبها الهزال والمرض ، لو أن المثقفين وقفوا وقفة جادة ، من أجل النهوض بها من عثرتها ، لو أنهم قد تخلوا عن اللهاث والسعي للدخول إلى حظيرة وزارة الثقافة . ماذا فعل البارون مع (بتهوفن ) حين عرف موقفه ؟؟ قابله ، وأثني عليه ، وقام من مكانه ، وصافحه قائلا : أحترم فيك كل هذا .. وأرجو أن تقبل صداقتي !! تذكرت هذه الحكاية ، بعد أن قرأت - وغيري - أنباء المبايعة التي قام بها عدد من المثقفين ، للسيد وزير الثقافة ، يطالبونه فيها بسحب استقالته التي وضعها بين يدي الرئيس ، استجابة لمطالب الذين حملوه مسؤولية ماحدث في محرقة بني سويف ، أراد هو باستقالته تلك - بصرف النظر عن كونها سيناريو أوتمثيلية متفق عليها - أن يخرجهم من حظيرته ، التي ظلت تحتضنهم طوال الأعوام الثمانية عشر التي سيطر فيها علي تلك الوزارة ، لكنهم رفضوا الخروج ، وطالبوه بضرورة العودة ، لأنه الرجل الوحيد الذي استطاع ترويضهم ، وتدجينهم ، واستطاع أن يقدم لهم من المنافع ، والعطايا ، ما لا يستطيعون الاستغناء عنه ، والعيش بدونه ، هؤلاء اللاهثون ،رأوا أن "المسئولية العامة عما حدث ليست مسئولية فرد بقدر ما هي مسئولية مجتمع يتطلب حشد كل القوي والإمكانيات للحفاظ علي حياة وحرية وكرامة كل مواطن. " وهذا كلام مرسل يمكن أن يقال في موضع آخر غير الموضع الذي كانت من نتائجه أن احترقت أجساد أكثر من خمس وأربعين فردا ، بنيران الإهمال الذي استشري طوال الثمانية عشر عاما الماضية ، ومازال . هؤلاء الذين قالوا للوزير لا للاستقالة ، لم يضعوا أي اعتبار لخطورة الحدث ، وعبثية المشهد ، ولم يعطوا لأنفسهم فرصة تأمل الأسباب التي أدت إلي حدوث هذا ، بل قالوا إنهم وإذ يقدرون مبادرة وزير الثقافة الفنان فاروق حسني بتقديم استقالته وتحمله المسئولية السياسية عما حدث لا يوافقون أن يتحمل الوزير وحده تبعات ما جري, ويطالبونه بسحب هذه الاستقالة ليواصل مسئوليته الوزارية في حماية وإتمام المشروعات الثقافية الكبيرة التي قام بها. وقاموا بمناشدة سيادة الرئيس محمد حسني مبارك بعدم قبول استقالة الوزير ليستمر في تنفيذ مشروعاته الثقافية الحضارية." ربما تلمس الآن الفرق بين هؤلاء وبين بتهوفن الذي اتخذ موقفه في عصر النهضة ، وليس في عصر الرغبة في التغيير ، والخروج من ذلك النفق المظلم الذي ينبغي علي المثقف أن يكون له دوره الايجابي الفعال ، من أجل المشاركة ، ودفع عجلة التغيير لصالح هذا الوطن الذي لا يضعونه في اعتبارهم بنفس القدر الذي يضعون فيه منافعهم الشخصية. والغريب في الأمر أن الوزير اعتبر هؤلاء المهرولين إلي بيته ، هم المثقفين ، وما دونهم مجرد أنصاف مواهب ، ومعارضين ، بل ونعتهم بالسادية !! وكلها اتهامات تُحسب ضد الوزير ،لأنه من المفروض أن يكون محايدا ، وان يعمل من اجل كل المثقفين ، وليس من اجل فئة قليلة منهم ! ومن اللافت - أيضا - أن وزير الثقافة ، حين يذكر أن الذين وقعوا علي بيان تأييده ومبايعته هم المثقفين الحقيقيين وما دونهم مجرد وهم ، وهذا الذي يقوله ، يجعلنا نتساءل : لماذا لا يستطيع وزير الثقافة أن يحدد هوية المثقف ، بعيدا عن مسألة تبادل المصالح ، التي تجعله - وتجعلهم - يزيفون كل ما يتعلق بتلك الهوية ؟؟ هل أصبح بعض الكتبة الذين وقعوا علي الوثيقة ، وقاموا بسب المعارضين لسياسات الوزير- في مقالاتهم المنشورة في صحيفة الوزارة - هل أصبحوا بهذا التوقيع من جماعة المثقفين ؟؟ وهل أصبحت ليلي علوي ويسرا ودلال عبد العزيز ونادية لطفي وغيرهم من الفنانات اللاتي وقعن علي وثيقة مبايعة الوزير ، علي حساب أرواح الضحايا ، هل أصبحن بهذا التوقيع ، مثقفات ؟؟ وهل أصبح أيضا رجال الأعمال الذين وقع بعضهم علي نفس الوثيقة ، ينتمون إلي جماعة المثقفين ، بهذا التوقيع ؟! بينما صار المثقف الملتزم ، الذي خالف الوزير في رؤيته ، وعارض منهجه ، وناقش إستراتيجيته ، صار رجلا ساديا ، كما ذكر ، و صار فاقدا للأهلية والموهبة ، وان ملكها فهي نصف موهبة فقط : كما صرح أيضا !! لماذا يُمارس السيد الوزير عداءه العلني ، ضد معارضيه ؟ ولماذا يقوم بتشويه صورتهم ، لا لسبب إلا لأنهم ، رفضوا التوقيع عل وثيقة العار تلك ؟! وحملوه المسؤولية السياسية لما حدث في محرقة بني سويف ؟ هل هذا هو منطق الوزير الفنان ، الذي ينبغي أن يكون موضوعيا ، وإنسانيا ، ولا يسلم نفسه للغضب الذي يهلك صاحبه ، ويضنيه ، ويقض مضجعه ، فلا يجد سبيلا للتنفيس عن ذلك الغضب إلا بإعلان العداء بشكل يضعف موقفه- والذين معه - ولا يقويه!! وماذا كان سيفعل بالمعارضين لو تحقق حلمه الذي أفصح عنه ، وصرح به أثناء حواره مع مستشاره المُقرب( محمد عبد الواحد) ، قبل تمرده علي الحظيرة والخروج منها بكتاب، ( مثقفون تحت الطلب ) حين أخبره: أنه كان يحلم بأن يكون وزيرا للداخلية ؟!! الغريب أن هناك من وقعوا ، علي الوثيقة ، وقاموا بنفي علمهم بأمر التوقيع ، حيث تم بغير إرادتهم ، فبعضهم كان مسافرا خارج البلاد ، والبعض الآخر كان مسافرا خارج القاهرة ، والبعض الثالث ، كان موقعا علي بيانات أخري ، توجه الإدانة للوزير وآخرين، ونُشرت في بعض الصحف ، وعلي بعض مواقع الأنترينت .. وهؤلاء وهؤلاء وهؤلاء لم يقوموا بنفي الواقعة في أي صحيفة ، برغم نفيهم الكامل للتوقيع في الجلسات الخاصة ، حين يستفسر منهم الأصدقاء عن أسباب التوقيع ودوافعه!! ولو صحت الواقعة ، لدخلت ضمن جرائم التزوير ووجب عقاب مرتكبها !! ألم يقرأ هؤلاء كتاب طه حسين (جنة الشوك ) الذي تعرض فيه لاستاذه (الشيخ المرصفي ) حين أكتشف انه تجرد من فضيلة الجسارة وارتكن إلي الخوف فقطع - نتيجة لذلك - علاقته بشيخه ، بسبب موقف شهده منه ، مؤداه : أن (المر صفى) قد بلغه أن شيخ الأزهر يحظر عليه كثير من سلوكياته التي عرف بها، فنهاه عنها، وحين انصاع الشيخ لتحذير رئيس الأزهر، وفاتحه (طه حسين ) في هذا الأمر فلم يجد منه غير ازورارا عنه ، بل وأسكته في شيء من الغلظة صائحا : "لأ. . لأ. . عاوزين ناكل عيش "!! الم يقرأه ، من اشترك - مع آخرين - بمها تفة الناس من أجل التوقيع علي تلك الوثيقة ، وهو الذي كتب كتابا متأثرا - فيه - بفكر طه حسين ، عنوانه ( المرايا المتجاورة ) ؟؟! بالطبع قرأه ، لكنه- والذين معه- آثروا السلامة ، وتخلوا عن فضيلة الجسارة ، وارتكنوا إلي التخاذل ، بحثا عن منافع جديدة .
#أحمد_عبد_الرازق_أبو_العلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهداء المسرح المصري .. دماؤهم في رقبة من؟؟
-
حريق مسرح بني سويف مسؤولية الوزير وليست الشموع
-
لماذا نطالب بالصلح قبل الاصلاح؟؟
-
العقل الغائب في قضية اتحاد كتاب مصر
-
مسرحية جوركي الحضيض
-
الحضيض والغوص في أعماق المجتمع الروسي قبل الثورة
-
ثقافة العنف والإرهاب الديني والسياسي في مسرحية - السحرة
-
الأيدي الخفية في مهرجان المسرح التغريبي
-
حفل موسيقي ياباني مصري قليل من الفن .. كثير من الضجر
-
الواقع ومتغيراته
-
مسرحيات ( محمد كمال محمد ) المشاعر الإنسانية : بين الحضور و
...
-
مقدمة في القصة القصيرة
-
ندرة الكاتب المسرحي: الصحفيون والمسرح .. و يا قلبي لا تحزن!!
-
من المحروسة 61 إلى المحروسة 2015 والتعبير عن هموم الوطن
-
بين النهر والجبل .. رواية تتحدث عن النوبة القديمة
-
عن تحديات العولمة .. والرغبة الآثمة في قمع الشعوب
-
المهمشون يدفعون الثمن في مجموعة ( عبق الشوارع) .. للكاتب - أ
...
-
ازمة النوايا الطيبة في قصص قصيرة من السعودية
-
عن رشاد أبو شاو وروايته - البكاء علي صدر الحبيب
-
هل تأثرت الثقافة في مصر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001؟؟
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|