صافي الياسري
الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 10:52
المحور:
الادب والفن
بعيدا عن القوالب والقواميس
صافي الياسري
في العربية، كما في بقية لغات العالم، يتشكل الجمال اللغوي بوضوح في كيانين بارزين، الاول الصورة، والثاني قفير العبارة وما يحويه من عسل المعنى وجرس الحرف، في الاول اميز بين اللوحة التعبيرية الديناميكية والصورة الفوتوغرافية في اللغة، فان وصف الحصان بمفردات الجمال والقوة، مثلا، وباستخدام العبارة الوصفية القاموسية في حقيقته فوتوغراف، اصطياد وتجميد اللقطة في اللحظة والى الابد، بينما تأتي العبارة الشعرية، لوحة تتحرك بحيوية وحرارة، منفلتة الى الابد، على وفق جدليتها خارج قواعد التصوير القوالبي، انظر لوحة امريء القيس وهو يصف حصانا يجري (مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل) حيث ترتفع بلاغة العبارة في كيانيها هنا الى اعلى قممها، فنقائض المعنى غير القابل للجمع، تجمع هنا بابداع رسام مكين، في مفردة - معا - وهي هنا تشبه ضربة ريشة بارعة، بل شبه مستحيلة التحقق لترسم لوحة ما زالت تتحرك حتى اللحظة.
اما الثاني فهو قفير العبارة، وما يحويه من عسل المعنى، وهو على علاقة جدلية مثيرة بالصورة – اللوحة كمتلازمة ترفض التفريق، وعسل المعنى تحتويه المفردة ولا يكتمل الا بجرسها، او موسيقاها وعلى هذا لا يلتقي كيانان حسب، وانما تعرش شجرة باغصان لا نهائية فالموسيقى كامنة في جرس اللفظ وفي الصورة ايضا والمعنى، وحين تتنمرد حروفك، حروف القسوة مثلا والصمت والصوت وهي السين والصاد، تشهق موسيقى صرخة اللهفة والحنين او الاحتجاج وتطل من جرسها كل تلك المعاني الهادرة ممتزجة بالصورة الديناميكية المتعددة الابعاد.
فاذا ما رتلت حرف الراء ارتعد المعنى في رقصة وارتعاشة رهيبة الترنيم، ورف جنح ورنت عين ورات حالمة وترنح ثمل، يا الهي كم ستكون باذخة الجمال تلك اللغة التي سنتكلمها لو اننا مازجنا عسل المعنى وموسيقى المفردة بارتعاش الصورة الابدي بعيدا عن اطواق القوالب والقواميس؟؟
#صافي_الياسري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟