|
من هو الراحل عبد الكريم الماحي الذي لا زال حيا؟
ياسين المرزوكي
الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 10:52
المحور:
الادب والفن
الكتابة انفتاح جرح ما"" فرانتس كافكا
باقي في يدي خاتم لمحبة باقي تايه نمشط سالف الريح نسحابك انت باقي فيا مانزيد عليك الى قالوا بزاف عليك هادا عمري ليك السمية حسكة والروح فتيلة تلالي وتشالي وتعالي يا ديك الغادية انا بعدا ما نسيت انا بعدا ما فنيت انا بعدا ما رضيت.. عندما رفع عينيه أخيرا وقد أنهى القراءة من القصيدة الذي بين يديه، نظر الي نظرة يبدو انه قد جمع فيها كل الفوضى التي بداخله ثم أشار الى الديوان : - خذه انه لك.. أجبت وانا أحمل بين يدي الكراس الصغير كأني احمل شيئا ثمينا - ليس معي ثمنه - هو لك بالمجان.. ثم أضاف وهو يمد يده الى جيب سترته ويستخرج سيجارة من النوع الردئ وضعها على الطاولة، ثم عاد فوضع كفه عليها وكأنه يخجل بها. -لم يعد لدي نسخ كثيرة من هذا الديوان، والنسخة التي أعطيك هي من ضمن النسخ الاخيرة المتبقية لي. ان ثمنه هو سومة كفن" . قرنت حاجباي ومددت شفتي متسائلا... - 30 درهم.- أريد أن يكون عندي في لحظاتي الاخيرة ثمن الرداء الذي سيضعوني فيه عندما أموت. تأكدت أنني أجالس انسانا يائسا، ولاني غريب في هذه المدينة فقد تعاظمت غربتي أكثر، كانت المسافة بيننا ضئيلة، كان يبدو لي على مرمى نظر، نظرت الى ساعتي وتعللت بدعوى الرحيل. أما هو فقد لاحظ ارتباكي الظاهر، كان ينظر الى حركاتي النزقة من عل، سحبت معي الكيس البلاستيكي الذي كان مملوءا بروايات "حنا مينة" وضعت الديوان تحت أبطي ونقدت النادل ثمن القهوة ومددت يدي لصديقنا مسلما. - الى اللقاء - ستغادر الان الى الرباط؟ قال ذلك فبدت الكلمات وهي تخرج من فمه وكأنها تحاول ان تجد لها منفذا مع سحب الدخان الكثيفة. - نعم، هذا أوان الحافلة. - كسؤال أخير هل أنت صحفي؟ -لا. أدون أحيانا. - أكتب شيئا عن ديواني وأرسله لي هنا. أخرج ورقة وقلما وخط بريده الالكتروني وسلمه الي ثم مد يده أخيرا مسلما و أخيرا ضغط على يدي لاظهار حرارة الصداقة. - الى اللقاء يا عبد الكريم ، الى اللقاء يا صديقي... ..................................................................................................... كان الوقت مساءا عندما وصلت الى مدينة الجديدة، أنا تعب كما يحدث معي غالبا في كل سفر، وعندما ألقت الحافلة ما بجوفها من خليط البشر، كنت أستطيع أن أشم رائحة الهواء المنعش المختلط مع رائحة احتراق البنزين، المحطة شبه فارغة الا من بضع أولاد يشدون ملابس بعضهم البعض ويشيرون الى السجائر النصف المشتعلة الملقاة على ألارض. أحسست برغبة جامحة للتدخين، جررت نفسي حتى الكورنيش وطلبت قهوة سوداء وأشعلت سيجارة... رن هاتفي، في الجانب الاخر كان صديقي نور الدين يرفع صوته محييا. -هل وصلت؟ -منذ زمن بعيد يا صديقي. -سأغادر الفصل وألتحق بك لا تتحرك من مكانك. كان نور الدين معلما طموحا في الماضي، ابن المدينة التي أسكنها الان. لكنه منذ زمن استقر هنا، يدرس خارج المدار الحضري ألف العيش مع البدو خارج مدينة الجديدة، كان مرتاحا في هذا الجو وفي كل مرة كان يأتي الى سلا كان يبدو لي أنه خارج الاسوار". لم أكن أدري كم مر من الوقت قبل أن افاجأ بصديقنا أمامي، على شاطئ "الجديدة" كنت أحاول ان أضع يدي على فوهة الكأس حتى أمنع شظايا الرمل من الوصول الى داخله. الرياح البحرية الخفيفة كانت تحمل كل شيئ الى طاولتي. وصل نور الدين في وقته . -سئمت؟ - لا، قضيت بضع دقائق وانا أشاهد الراكضين على الشاطئ. -جميل، أجلس في كل يوم في مثل هذا الوقت مع بعض الاصدقاء في بار هنا. تعال لتنضم الينا. الجديدة كوردة جميلة متفتحة أتناء الليل، ونحن نعبر ملتقى الطريق الكبير، كنا نستطيع ان نشاهد الدكاليات" الطيبات وهن تتغامزن حول الاغراب عن المدينة، كنا في السابع والعشرين من شعبان، والمدينة من هذه الزاوية تبدو انها تستعد لشهر رمضان كما تستعد باقي المدن، كانت أفواج الناس تعبر الى المدينة القديمة دخولا وخروجا كأسراب النمل. وعلى سبيل التذكير همس لي نور الدين ونحن نقف أمام الباب الصغير للحانة - اليوم هو اليوم الاخير في المدينة قبل اغلاق الحانات. - فليكن احتفالنا بهيجا اذا- قلت ذلك وأنا أصنع بيدي نخبا متخيلا. عندما صرت وسط الحانة غيرت رأيئ، بالكاد استطعت الحصول على كرسي لاجلس عليه وسط هذه الفوضى العارمة، وعندما تقدمت مني الفتاة بشعر أشقر معقود بشوكة صينية أشرت اليها: - أي شيئ بدت على وجهها الجميل علامات الاستغراب، كانت تريدني أن أكون دقيقا في طلبي،، وانا كنت أريد ان أقول لها تعالي بأي شيئ في يدك و دعيني أرى فقط ابتسامتك، انا لا أريد ان أصير مثل هؤلاء. أمام الطاولة النصف ممتلئة بالقنينات الخضراء وضعت زجاجتين و نظرت في عيني نظرة مباشرة، قدرت سنها في الثامنة عشر، وتخيلتها وهي تنزع شوكة الشعر و تحرك شعرها القصير أمامي في كل الاتجاهات، فتتحرك الحانة بأكملها، عندما تراجعت الى الخلف كانت كما أنها تقول لي -مكانك ليس هنا. وانا قلت لها نفس الشيئ، بأبجدية صامتة. بعد قليل ها نحن ندير حلقة تعارف سريعة، تعرفت على الشلة واحدا واحدا، كانوا مخمورين لدرجة لا توصف. ألحان الشعبي" ترتفع بعنف في هذا المكان الصاخب، لا أحد ينتبه للمغني الشاب الذي بدا وكأنه يعزف لنفسه، دخان السجائر الكثيف يحجب عني سباقات الخيل المنقولة على التلفاز. الساعة تشير الى الحادية عشر والربع، كنت متعبا ونور الدين لاحظ ذلك بعد ان فتر حماسي في تتبع تلك الحوارات التي لا تنتهي، كانت عبارات الود شيئا دارجا بين السكارى، الحانة مكان للحب على عكس مايتخيله الكثيرون، ان كل الموجودين هنا يتخيلون أنفسهم خطاة، ان جملهم هشة وأفكارهم متواضعة ويسهل معشرهم والحديث اليهم، والذي يتحدث اليك نصف كلمة سيلقي اليك بتلك الكلمة السحرية. - راك عزيز. انهم محبوبون ولطفاء وحساسون وهم سخاة على نحو لا يوصف. على عكس الكثير من الصحاة قساة القلوب. - هل نغادر؟ -نعم اذا كان ذلك ممكنا. تعال سنجلب معنا قنينة نبيذ أحمر ونغادر. دخلنا حانة قريبة من الاولى، كان بابها الرئيسي نصف موصد فقد اقترب منتصف الليل. حيث يجب على الحانات ان تغلق قانونيا. كنا في نهاية شعبان ولا يبدو ان للخارجين من هنا اهتمام بالاله أو القانون أو هكذا تبدى لي. بقيت في البهو منتظرا، ظهر نور الدين أمامي وعلى وجهه ابتسامة مشرقة. - تعال سأعرفك الى أحد الاصدقاء. جوف الحانة كالحانة الاولى ممتلئا، تقدمنا وسط خليط الجالسين والواقفين معا. حتى وقفنا أمام رجل نحيل البنية ضامر الجسم. - أقدم لك عبد الكريم الماحي هل تتذكره؟ - الزجال؟ - نعم. عندما قلت الكلمة، بدا وجه صديقنا الجديد مشعا، نظر الي نظرة معينة ورفع يدا ثقيلة وهو يشير بسبابته نافيا هاته التهمة التي ألصقتها به للتو. - صديقنا من الرباط- لقد تحدثثما على الهاتف- قال نور الدين وهو يوجه الكلام اليه. نظرت اليه مصادقا على كلام نور الدين، وزيادة في تحميسه قلت له بأنني أحفظ بعض الابيات من ديوانه لحماق تسطى". لم يبدو عليه الحماس لاختباري، اما انا فقد استنتجت استنتاجا متسرعا، بأني ذكرت صديقنا بذكرى غير عزيزة على قلبه. تشبتت أنظاره بنا ونحن نبدو متأهبان للمغادرة، كان يتكلم بصعوبة فتضيع كلماته وسط ضجيج الحانة، الزبد الابيض المتكاثف حول فمه يعطيني انطباعا ان الرجل اقترب من مرحلة فقدان الوعي. - هل تغادر معنا؟ قال نور الدين موجها الكلام اليه رأسا نظر الينا نظرة متتاقلة وهم بالنهوض من الكرسي الدوار، اتكأ على حافة المشرب، وانزلق على الارض ككومة لا واعية، التقطناه وسرنا به مسافة البهو. بينما كان يتساءل هو عن محفظته، قلت له مازحا : -محفظتك معي، وهي تقيلة جداا. هل تضع فيها قنابل يا صديقي؟ - ليس بها قـــ....ن....ابل لكن حتما شيئ خطر. -منشورات سرية؟ .... كان عبد الكريم يلبس بدلة سوداء غير مكوية، ويبدو انه قد أتى للتو من اجتماع مهم، لكن انت اذا تمعنت فيها جيدا، ستجد ان بها بعض الثقوب في أماكن عدة، اما الحذاء الاسود فبهت لونه وتقوس. بدا وجهه ضعيفا أقرب الى الهزال، بينما شعر لحيته وذقنه خفيف، ويبدو للرائي ان في وجهه أثار ندوب من جذري قديم. كان مظهره بدويا. انا كنت منتشيا قليلا اما نور الدين فقد كنت أسميه المحترف" حيث لايمنحك مظهره علامات جيدة عن كمية ما في جوفه من كحول، ووسطنا كان يقف عبد الكريم شبه حي، كنت أحمل محفظته وأسنده جيدا حتى لا يقع، بينما أبتسم ابتسامة بلهاء وأشير الى سيارات الاجرة الصغيرة مشجعا أياها على التوقف. بعد كم من الوقت توقفت سيارة أجرة، وعندما أصبحنا داخلها و تجاوزت بعض الشوارع الفرعية. وما أن نطق عبد الكريم أول كلماته حتى بدا على سائق سيارة الاجرة بعض الندم. يا ديك الخاطر الغادية.. فين ناوية تباتي؟ تباتي وصوابي فيك أخاطري. غادية تجري محفنة عوام سخونة مكمشة طرقان طويلة شحال نتي عزيزة أخاطري. حتى طابت الدرسة. عاد لهاك عجاج خاطري بلا فقسة ياك الصبر درتيه تاج. -الله الله- قال سائق سيارة الاجرة وهو ينظر الى عبد الكريم في المرأة الداخلية للسيارة. ويبدو ان أبيات الزجل قد أحدثث في نفسه شيئا من القبول. .. وصلنا باب الشقة بصعوبة، أحسست بنوع من الارتياح، كانت الشقة في الطابق الرابع، كنت أسند عبد الكريم وما أزال حاملا لحقيبته، فتح نور الدين الباب فاندفعنا ككثلة واحدة نحو الحصير المفروش على الصالون، كنا متعبين جدا، فتحت النافذة كاجراء روتيني من أجل الحصول على بعض الهواء. كنا نحن الثلاثة ننظر الى السقف المرتفع، ثلاث أعمار مختلفة وتساءلت من مكاني ان كان يعني النظر الى نفس المكان نفس الشيئ لجميعنا. -استيقظوا يا أبناء الزنا لم نأت هنا لننام- قال عبد الكريم وهو يحاول التقاط أنفاسه. انا انفجرت ضاحكا، اما نور الدين فقد كانت تبدو في وجهه نظرة عتاب الى صديقه ، اقترب منه ثم هزه من كتفيه هزا خفيفا. - وجه كلامك الي في المرة القادمة، دعك منه انه ضيفنا -ان كان من النوع ال...... فافتح له باب الخم ليغادر -دعك منه- قال نور الدين وهو يأكد ما قاله قبل قليل. -تصرف على سجيتك وقل ما تريد- قلت بثقة وانا أحاول ان أحسم هذا الجدل الذي بدأ للتو. - أنظر أنظر لقد أعطاني الضوء الاخضر.. نظر عبد الكريم داخل الغرفة وهو يحاول ان يتذكر أين هو، عرفت ذلك من نظراته الغريبة الى الاشياء، قال مفاخرا وكأنه توصل الى شيئ جديد بعبقريته الحديثة - نحن في منزل نور الدين. -يا للاكتشاف العظيم- قال نور الدين هازلا ثم أضاف: - أزل حذاءك انك فوق الحصير الذي نأكل عليه. - لم أزل حذائي منذ أمد بعيد، لا أعرف كيف سيبدو منظر قدمي ولا حال جواربي. نظر نور الدين الي: - انه ينام قرب الارصفة و الحانات وفي الاماكن الخالية وداخل السيارات المنسية. وهو لا يزيل حذاءه حتى لا تتم سرقته. - يسرقون هذا الحذاء؟- تسائلت ساخرا. - ومابه هذا الحذاء ؟ قال عبد الكريم الذي اعتقدت انه لم يكن يتابع حوارنا. كان الزبد الابيض يتطاير من فمه- يجب ان تعلم انهم سرقوا يوما الجريدة التي كنت أتوسدها داخل الميرسيدس المهجورة. - لابد ان بها خبرا مهما- قلت وانا أحاول ان أجعل جملته تبدو طريفة ومهمة في نفس الان. - لا يهتم الجائعون بالاخبار. - لابد ان بها خبرا سعيدا عن رجل جاع فقرأ خبرا فشبع ونام. فتح عبد الكريم فمه ساخرا.ثم أردف - أسكت أيها الابله كان لا يزال منتعلا لحذاءه، ولا يبدو ان توسلات نور الدين وجدت صدى لديه، كان عبد الكريم يقف مسندا رأسه على سارية قريبة، تداهمه في كل لحظة نوبة معدة فيضع يده في وسط صدره متألما ويخور كثور هائج ثم يصمت، أخرج نور الدين الزجاجة الخضراء المتعرقة ثم همس الى صديقنا: - أزل حذاءك وتعال. نظر عبد الكريم الى زجاجة النبيذ نظرة رجاء، كان يريد أن يقول لها تعالي يا حبيبتي بيننا أمر لا يحتمل التأجيل، دبت في جسده دبدبات الحياة مجددا، تساءلت أنا عن ما يجعل هذا الرجل يقاوم. لا شك انه ايمان ما، شيئ غير مرئي يجعلك تقاوم كل يوم معركة الحياة والموت، كان امامي خيال انسان لا انسان، كانت عظام وجهه بارزة اما البذلة التي يلبسها فقد كبرت عليه شيئا فشيئا مع توالي السنين، لكنه لا يزال محتفظا بها لانه لا يملك ان يشتري سواها. ما أقواك يا صديقي ما أقواك. - بغيت الما سخون.. كان منشغلا بازالة حذاءه، ويبدو ان قد استغرق وقتا طويلا. نادى على النور الدين من المطبخ - احضر سكينا- هاته الخيوط متشابكة . عندما أزال زوجي الحذاء رفع الينا قدما تطل أصابعها من جوارب ممزقة، قال مفاخرا : -من منكم أيها البلهاء تحمل جواربه مثل هذا التاريخ الاسود والممزق؟ انت ؟ اشار الى نور الدين الذي يبدو انه منشغل بتجهيز المكان لاستقبال وليمة ما- أم انت؟ أشار الي مباشرة . هل تملك جوارب مثل هذه أيها البرجوازي الصغير الذي لا يزال مؤمنا بخرافة توحيد اليسار؟ لم أجبه مباشرة نظرت الى السقف في محاولة لاستدراجه ليقول أشياء يعرفها عني. اما هو فقد ضن أنني أهينه بصمتي فانفجر: -أجب أيها... تذكر اننا تعارفنا للتو فصمت عن أكمال الكلمة، تساءلت بماذا كان سيصفني؟ وأطلقت نحوه اهانة طائشة: - رجلاك نشطتان، يبدو انهما قد تعفنتا، أغسلهما بأسرع وقت ممكن. تشرب الاهانة على مهل، في البدء ضحك ثم عاد فعبس، نظر الي نظرة حقد، ثم توجه الى نور الدين بكلامه وهو يوشك أن يبكي: - صديقك أهانني. - انه لا يقصد. أحس انه أصبح غريبا بيننا وقال أنه سيغادر، تساءلنا معه الى أين، لكن لا يعرف، قال انه لا يريد ان يبقى في هذا المكان دقيقة اضافية. قرر انه سيكمل معنا السهرة أخيرا بعد ان اعتذرت له وحذرته من الصقيع البارد في الخارج. كان ثملا كليا لكن مازال فيه موضع لا يتحمل الاهانة، ان الانسان هو هاته النقطة بالذات وان الروح الانسانية مسألة كرامة. - مرحبا يا أخي مجددا- قال عبد الكريم والذي يبدو انه نسي تماما موقفي معه قبل قليل. -شكرا- خاطبته بود وانا أفسح له مكانا في الزاوية قربي. - انها هناك - أشار الى الزجاجة المتعرقة التي كانت موضوعة في وسط الصالون كفخر متحف وطني افتتح لتوه - انها تنادينا. نظر عبد الكريم الي وهمس بكلمات غير مفهومة كما لو انه كان يتلو صلاة ما ، بدا وجهه أقرب الى وجه متصوف زاهد، نظر الي أعلى الغرفة، انتفض جسده انتفاضة سريعة ثم صرخ بأعلى صوته -لماذا انا يا ألهي؟ حملت صرخته نور الدين من المطبخ الى الصالون على عجل، نظر نحوي مستفسرا فلويت شفتاي، كنت مثله لم أفهم الموقف. وتذكرت الشاب الكفيف في الحي الجامعي بالرباط الذي كان يخرج الى الساحة الواسعة ويصرخ نحو السماء بعد ان تكون الخمرة قد تلاعبت بخلاياه ( لماذا انا يا ألهي لم؟ ) كان حوارا صادقا مع السماء. أو شكوى مؤجلة تفصح عن نفسه عند احياء اللاوعي. اللحظات تتقدم ببطئ ثم تسرع، أطفأنا ضوء الغرفة وأشعلنا شمعة. كنا نتحلق ثلاثنا حول زجاجة النبيذ، ننظر الى وجوه بعضنا البعض براحة واطمئنان. مددت يدي نحو الزجاجة، فنهرني عبد الكريم بخبث - دعها. - لا تخف لن أنزع ثوبها- عقبت على كلامه بنفس اللهجة. - هي أصلا عارية. انت فقط تريد ان تستفز نشوتها في أول السهرة، ثم ان أجمل شيئ ( أن ترى زجاجة تتعرى لا أن تراها عارية) أليست هذه كلمات روائي ما؟ - نجيب محفوظ- قلت بثقة ثم أضفت: مع بعض التغيير الطفيف ان لا أمانع أنسنتك لهذا الجماد الذي امامنا -جماد؟ نطق باستغراب.- هذه قنينة خمر واهبة الحياة. هل يمكني ان تهبك الجمادات الحياة؟ - على حسب علمي لا. اشار الى محفظته الموضوعة في الزاوية، وعندما كانت بين يديه استخرج منها شيئا وضعه بين يديه. - هل تدخن الحشيش؟ رددت بحسم وجمود: - أنا؟ لا. - قلت لي قبل قليل انك تكتب أحيانا، كيف تكتب عن أشياء لم تختبرها قبلا، ان الافكار التي لديك حول التجارب والاشياء هي ضلال للتجارب والاشياء مجرد وهم وكفى، اننا نحتاج لنكتب عن الحب والناس والجنس ان نعيش الحياة. ان نختبر كل شيئ بعمق، هل انت من الذين يلاحظون فيكتبون؟ تحتاج الى وضع اي فرضية قيد الاختبار. - حسنا، لقد جربت تدخين الحشيش مرة واحدة وانا لا أنوي العودة للقيام بذلك. نظر في وجهي ثم أطلق ابتسامة صغيرة سرعان ماغمرت وجهه المكسو بالتجاعيد، كان كمن ظفر مني أخيرا باقرار مهم. عندما أتما أخيرا انجاز المهمة التفت نور الدين نحو عبد الكريم قائلا: - الكمية الكمية. - يالله . - اقرأ لنا من الكمية. هل تحفظ القصيدة. - أحفظ كل شيئ كتبته بيدي. اعتدل عبد الكريم في جلسته نظر الينا صامتا كمن يريد ان يسترعي انتباهنا ثم بدأ: كمي لفهام طفي على لرض و دك من البحر جغمة وياك مواجو يشلقو ليك وجر من البر شجر و حجر وغوت على جن أعمى يمكن ليك السما ونقيها نجمة نجمة نجمة حوز الكمرة راه الشمس جمرة بشعاعها غزل خناشي لهبال الدنيا عريانة والاخرة سترة حوز ما يجوز من لعالم على صدرك انتف الشيطان من حوض المحنة وزرع الانسان في حوض المحنة ايه على الحزان راها تشبرت وعورت الموت وجاتني فيك أحماقي تخميمة وسكت قصيدتي بهيمة .... كانت كلماته بسيطة وعميقة اما قراءته فكانت أشبه بطقس ديني معتاد هو على القيام به، أصبح قويا مهتاجا، لمعت عيناه كقطعة نقدية ثمينة، اما نور الدين فقد كان ينظر نحو الارض وهو يلوح بسبابته نحوها كظابط ايقاع، سرا جو من الابتهاج، أحسست أنني أعرف هذا الرجل، كانت كلماته و هيئته قد اكتست بحلة جميلة أمامنا، تبخر الرجل الغير الانيق الذي كان قبل قليل، وظهر رجل أخر. رجل ملوكي بجبهة عريضة ساطعة، بأبهة ضاجة وحضور طاغي، وعبثا تساءلت أنا ( لم يكن سقراط يقول أي شيئ عندما قال : تكلم لاعرف) أووه هل انا سطحي الى هذا الحد؟ نور الدين الذي لاحظ سهوي المباغت أشار الي بفخر: - كتب عبد الكريم هذه القصيدة عندما كنا نلهو كمتشردين في هذه المدينة القاسية، هل يمكن ان تتخيل رجل تعليم يجوب الشوارع في النهار يناقش المثقفين وفي المساء ينام وحيدا مفترشا علب الكرتون؟. بدا ضوء الشمعة بهيا على طول الصالون، الضلال تتراخى وتتمدد والنسيم العابث بوجوهنا يحمل أملا ما، انه قادم من الشاطئ، الليلة تتقدم بتؤدة ووتكبر الثواني ببطئ فتتحول الى دقائق وساعات، لم ننتبه أخيرا الا وقعر القنينة يقول لنا كفى. أشعلت سيجارة وانا أحس انني أنتمي الى هؤلاء، كان السيدان اللذان يجلسان أمامي رجلين حرين، افترشا الارض بالامس وهاهما يلهوان اليوم عابثين، وفي كل مرة كان لسان عبد الكريم يحمل لنور الدين ثناء مبطنا، كان هذا ينهره بااسم الصداقة. وباسم الصداقة استمعت الى عبد الكريم هذا الكهل النابض بالحياة مخمورا، هذا الرجل ابن حد ولاد فرج، كان يستطيع ان ينظر الينا بحب ويقاسمنا أحزانه و دواوينه، حتى قصائده السرية استخرجها من حقيبته أخيرا. وقرأ لنا منها: شكون جرح الدم" كان التشبيه رائعا راقيا، تساءلت في داخلي، نحن عندما ننزف او نصاب بجرح ينزل الدم، لكن هل يمكن ان يصاب الدم ذاته بجرح، فينزل من الدم دم؟ وهبت أخيرا كأس نبيذي الاخير بعد ان كان نور الدين وعبد الكريم قد أنهيا كأسيهما وارتخيا، يقرأ لنا عبد الكريم من قصائده، ثم يتوقف قائلا ان القدر كان سخيا معه اليوم، لانه لا يعرف أين سينام في الغد، في هاته الليلة وانا أنهي كتابة هذه السطور، ركبت رقم عبد الكريم لكن الرقم لا يجيب، أتذكر كلماته قبل أشهر وهو يودعني قرب الشاطئ قائلا: - عندما أموت ستعرف مدينتي أي انسان فقدت كان أمامي انسانا ضائعا تائها في دروب هذه المدينة، يعرفه الجميع ولا أحد يعرفه، وعدته أن أكتب عنه لاحتفظ عنه بذكرى. هجرته القبيلة والعائلة، لم يعش الا من بيع دواوينه، وديوانه لحماق تسطى" هو من أصدار جمعية ربيع الابداع، يستعد لاصدار ديوانه الثاني لكنه لم يجد داعما بعد، اما وزارة الثقافة فتضع شروطا معينة قبل دعم أي كتاب، المثقفون في وطني ضائعون. لا أحد يمد يده اليهم. عبد الكريم بنفسه حدثني عن موسيقى وفنان وشاعر وجدوه ميتا في مدينة الجديدة في مكان خالي. هجره الجميع. على أمل ان يقرأ عبد الكريم هاته السطور فيتذكر منها شيئا عبد الكريم الذي يضع امضاءه على الدواوين باسم: الراحل عبد الكريم، انطلق هذا المشهد من الكورنيش بعد تلك الليلة الدامية حاولت ان أشرب قليلا وأتراجع الى الوراء لكي أشاهد المشهد كاملا. وفي الصباح غادرنا غرفة نور الدين معا، جلسنا نشرب سيجارتين ونحن نشاهد المصطافين على الشاطئ الذين يلتقطون الصور من على ظهر الفرس الجميل، انتهينا أخيرا، أنهينا حوارا كان قد بدأ، اما وجه عبد الكريم فقد اكتسى لمسة جدية سلمني ديوانه، مددت له يدي مسلما واتجهت الى المحطة. الى كل من يزال على قيد الحياة في المملكة، الى كل المجهولين الذين غادروا في صمت فلم يعرف العالم أين أناس فقد، والى أصدقائي الذين مازالوا صامدين: سلاما سلاما سلاما ........ انتهى الرباط-الجديدة: شعبان 2015 ياسين المرزوكي
بعض قصائد من ديوان عبد الكريم الماحي لحماق تسطى"
والو بغيت نكتب توحشت البكا ابغيت نتعذب من ذاتي لحكا ماقديت على والو حنت حنت لبارح والو واقبل البارح والو وهاذ اليوم والو علامن نعولو؟ تشرشم الهم تكدات القلوب عادت طراف على لكتاف والو والو عاد بينا لقوالو وملي سولناه ماقال والو حيث والو مايعطي والو سرسر لعمر فاقت الساعة تنش بالشوف توال داك الشوف وملي شافت قالت راه راه وامعاه ش اغيام وزحام على والو شدينا في يدينا وادخلنا ريوسنا .....................................
حول المرأة:
دمي يتقاطر من قلبي رهيف ومني يا لطيف مافيها ( مني يستعلمها الكاتب للاشارة الى انتماء المرأة اليه) رحمة قال التاريخ نتبدل قال العقل نتفكد قال الهم نعدد ونرحل قالت الذات صبر ساعة (مني) طولات وسرحت خيوط العافية ونجات بخلاخل الطرش مني هي لي هدمت العش وانا اذكر السلام يا سلام يا سلام على خليقة وفي رقادي فايقة في فياقي ما قالت نعام شحال عيطت وااااا مني ومني طال الكلام من لسان شاحف من أعقل راعف من دم سال سال على دربالة الهبال وانت يا مني مدهية في ليالي حمرة والتريا أموال وانا مني اشهك موال ومال اغيابك طال أمني الرجوع لله مني صورة في البال هاك عيني نكيها من الشوف ....
"الحماق تسطى" لحماق تسطى والسبيطار ادارة باغ شهادة الحياة سايفطوني لدار الموت لقيت شلا خوت ها لمعنزز ها لمكنزز و هاد مدفون بزز كان يحب الوطن درت ودني في صبعي وغوت عباد الله واك واك أنا هربت الروح وانسات الذات والدود مربع كدام الادارة لي هي كلت سبيطار حكا رجلي انسات وتخطات الوزارة لحماق تسطى فين أبنادم؟ سولني عقلي جاوبوه الاحاسيس كلشي ولا بوليس ما بقا ظالم ما شكا مظلوم وشرب الوطن من دمي السخون الوطن شوفو شوفو راه راه يتلاوح في الدنيا سكران دازت من كدام الحرية جمع النوضة انفد الثورة طاح مناضيل في كاس بارد بردت نفسو وشرباتو ليام وسار هو بحال هو وهو يسير وهام وتسطا الكلام وراه الهدرة حمقة وراها في الورقة عريانا بلا حيا أكماني الزممان وداخت الوقت ومايتسالني حد حنت الظلم مابقا ليه حد ورد رد بابك وياك الساروت يبقا برااا الرشوة والتدويرا شعار والعقل شفار والخوف شرف في كلوب الفقهاء ايه الضحك فيا وانا ما حاس بيه ايه لبكا عليا وانا نعشي غادي بيه والهيه لا باب الروضة ها دهنة العساس وايلا خلاك تدخل وها بياض الحفار ايلا هو انت وانت على الموت تبري وها لكفن من خيوط السياسة منجوج عندك النفس موت معيا في الخط والخط مزكول شحال من مرة مرة كدبة مرة حكا نسيت ومارات تسنى حتى تقوم القيامة ونتجموا في وعيطا وحدة ونقولو والحق بسلامة ..... عبد الكريم الماحي- زجال الجديدة
#ياسين_المرزوكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقوط مخبر
-
- القطرة -
-
من يوميات معتوه
-
في الطريق الى ............
-
الغرفة رقم 2 حيث تتكدس الاحذية
-
كبوة الريح - احمد المجاطي
-
كبوة الريح _ احمد المجاطي
-
الواقعية الاشتراكية والنزعة اليسارية الطفولية _رد على مقال _
-
الحذاء
-
هوامش لقاء قادم
المزيد.....
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|