|
الدستور الليبي وتعدد العواصم
عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)
الحوار المتمدن-العدد: 4999 - 2015 / 11 / 28 - 22:19
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لم يحضى موضوعاً للمناقشة والتدبر في أروقة لجان إعداد الدستور وإعلامها مثلما خضع مقترح إعتبار بنغازي العاصمة الثانية لليبيا، فرغم أن هناك العديد من المواضيع البالغة الأهمية لإستكمال كتابة الدستور مثل نوع الحكم رئاسي برلماني أو مختلط، مهام الرئيس وفترة حكمه، نظام الحكم المحلي، مكانة الشريعة في الدستور، التنوع الثقافي، حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة، ضمانات حرية التعبير والتقاضي، وغيرها من الشئون العامة الجوهرية لقيام دولة مدنية حديثة، فإن بعض الأعضاء لا شاغل لهم إلا تحديد مكان العاصمة. للأسف يعتقد الكثير من الليبيين أن وجود دوائر حكومية ومقار شركات عامة هو السبيل إلى نمو وتطور المدينة، وهو البلسم لحل مشاكل البطالة وسؤ البنية التحتية وتدني مستوى الخدمات. حقيقة الأمر أن هذا الزعم يجافي الصواب، وهو ما نراه في الكثير من الدول، فمثلا أنقرة لا تضاهي أسطنبول في نمو إقتصادها وحيويتها وغنى أهلها، بالمثل بون مدينة صغيرة لا أهمية إقتصادية لها مقارنة بهامبورج أو دوسلدورف أو كولون، وواشنطن لا تزيد عن عاصمة سياسية لأمريكا، أي أن النمو الإقتصادي والرفاهية الفردية لا تقترن بالدوائر الحكومية العامة مثل الوزارات وإدارات الشركات العامة، إنما تعتمد على خطط وبرامج تنموية لإرساء دعائم إقتصادية فاعلة، وأن الحكومة لا تعدوا أن تكون مجموعة من الموظفين غير قارين يتبادلون العمل كل فترة رئاسية، والحكومة لا تمثل عشر معشار الحركة الإقتصادية في أي بلد. في نهاية الستينات من القرن الماضي حاول الملك محمد السنوسي جعل البيضاء عاصمة لليبيا، إنعقدت جلسات البرلمان في البيضاء، وباشر الوزراء ووكلائهم عملهم من المقرات الجديدة (رغم أنها لم تعلن كعاصمة رسمياً)، وبني لهم مئات الشقق السكنية ولعائلاتهم، إلا أن هؤلاء الموظفين أبوا إلا أن ينتظروا يوم الأربعاء من كل أسبوع (فرادى) لتنقلهم الحافلات إلى بنغازي ومنها جواً إلى طرابلس، ولم يعد هناك وقت للعمل، يومان للسفر ويومان للإجازة. في محاولة أخرى قام بها القذافي في نهاية الثمانينات عندما نقل الأمانات إلى سرت لتكون عاصمة لليبيا، فبنيت فيها ألاف المساكن ومرافقها وتحولت القرية الصغيرة إلى بنايات كثيرة متعددة حتى تم إختيارها عاصمة الثقافة العربية لسنة 2011م، ولكن أبى الكثير من الموظفين من الإنتقال إلى مقرات الأمانات ومنهم من أوجد فروع لهم في طرابلس يديرون بها أعمالهم، ومنهم من إرتضي لنفسه السفر كل أربعاء للإلتحاق بعائلته في مدن المنطقة الغربية أو بنغازي، وتحملت الدولة أعباء النقل الجوي والبري الذي لا ينتهي. في المثالين السابقين، رغم توفر السيولة والرغبة الأكيدة من الملك أو من القذافي لصنع مدن (عواصم) حديثة إلا أن غياب التخطيط والإدارة الجيدة من أهالي المدينة حال دون نموها إقتصاديا، وأكثر ما وفرت تلك العواصم شقق سكنية شاغرة إنتقل إليها سكان المناطق المجاورة لشغلها. إن نمو وتطور المدن يحتاج إلى خطط تنموية فاعلة تستفيد من الإمكانيات البشرية ومواد الخام المحلية ورأس المال المتوفر لخلق منتوج صناعي أو خدمي له سوق رائج محليا أو دوليا، وبدوره ينعكس على الحياة العامة للأفراد والبنية التحتية، وبذلك يتسع أفق الإقتصاد وتحل مشاكل البطالة، بل تعم الرفاهية عند أهل المدينة، وخير مثال ليبي على نمو إقتصادي كبير بلا مقرات للحكومة؛ مدينة مصراته التي إستطاعت بسواعد ابنائها أن يكون لها بنية تحتية جيدة وقاعدة صناعية وخدمية لا توجد في أي من المدن الليبية الأخرى. في زمن التهميش والحصار فُتح باب التشاركيات الصناعية، فكان من تقدم من سكان جبل نفوسة لإقامة مصانع صغيرة لا يتجاوز 50 مصنعاً معظمها مخابز أو وحدات خلط وتعبئة المشروبات أو الوركينة، في حين أن سكان مدينة مصراته قد بلغ عدد التشاركيات بها 2200 مصنعا خاصا، وهذه التشاركيات منها ما تطور وأصبح شركات ومصانع كبرى تمد جميع المدن الليبية بمنتجاتها ومنها مالم يوفقه الحظ فتغير إلى عمل آخر. من تجربتي الشخصية في نهاية الثمانينات كنت ضمن لجنة ليبية يوغسلافية لإختيار مقر لإنشاء مصنع لصناعة الأخشاب والأثات، على أن يتم إستيرادها من إمتياز ليبي في الكنغو (سوكاليب). عند المرور على مدينة الخمس أولا وزيارة منطقتها الصناعية والمنطقة البحرية لم يكن هناك لمسؤلي المدينة من وجود، وبعد ذلك كانت الزيارة إلى مصراته، إلى المنطقة القريبة من مستودع خزانات النفط، فكانت البلدية ممثلة في القسم الفني في عين المكان، بل أن البلدية أبدت إستعداها لتوفير الماء والكهرباء إلى الموقع، والمساهمة في عملية ردم وتسوية أرض السبخة المزمع إنشاء المصنع عليها، فبهده الهمة العالية تبنى المدن ولا تبنى بالتمني. بنغازي وسبها وطرابلس والزاوية لن يحل أزماتها نقل مقرات الوزارات والهيئات العامة إليها، بل بوضع خطط محكمة تراعى فيها إمكانياتها البشرية والمادية وخصوصيتها الجغرافية والمجال الذي ستكون فيه مميزة، مما يساعدها على تسويق منتوج له مردود مادي ومعنوي على المدينة، ويتم ذلك بتشجيع القطاع الخاص وتسهيل أموره وتقنين نشاطه، والإبتعاد عن النظرة السائدة "بأن المستثمر الخاص سارق لأموال الدولة حتى يثبت العكس" فإقتصاد معظم دول العلم يبنى على المصانع الصغرى والمتوسطة وهي تساهم ب 50 إلى 70% من الدخل القومي للعديد من الدول المتقدمة. أخيرا يجب التنويه إلى أن المطالبة بأن تكون بنغازي عاصمة ثانية لليبيا هو الإختيار (ب) للفيدراليين إن لم ينجحوا في مسعاهم لتطبيق النظام الفيدرالي لليبيا جمعا، وهو نهج يدخل البلاد في دوامة أكبر مما هي عليه الآن، فالنظام السياسي المقترح؛ الفدرالي أو متعدد العواصم يحتاج إلى حدود إدارية، فأين تكون الحدود ؟؟؟؟؟، ويحتاج إلى أموال محاصصة، ونسب من الدخل القومي، هكذا يطول الصراع على الأرض والمال بين جناحي الدولة الليبية، وهو ما نراه في كردستان العراق، وشمال إسبانيا، والسودان حتى الإنقسام. نعم ما نحتاجه كليبيين نظام إداري يستطيع تقديم الخدمات في أي قرية أو مدينة قربت أو بعدت عن العاصمة، وهو ما يعمل على التوطين العادل، وبذلك تتنافس المدن في إيجاد نشاطات سكانية حديثة يعود عليها بخير وفير ضمن دولة موحدة يحكمها ذوي الكفاءة والبرامج الفاعلة بعد إختيارهم من الشعب، أي كانوا وأينما وجدوا.
#عيسى_مسعود_بغني (هاشتاغ)
Issa__Baghni#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليبيا- صراع الحواضر والتخوم
-
العنف وإشكالية نظام الحُكم في الإسلام
-
أبولهب وحمالة الحطب
-
شاهد على الجيش الليبي
-
حوار صنوان الشرعية
-
نهم النواب وفساد الرعية
-
صناعة الدواعش
-
تخريجات الإعلام المضاد
-
الجامعة العربية دمية للحكومات المصرية
-
غياب النخبة: نكسة لمفاهيم الحداثة
-
ترنح الحوار الليبي
-
الإرهاب أم الطاغوت
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|