|
الحلم مستمر
طارق ناجح
(Tarek Nageh)
الحوار المتمدن-العدد: 4998 - 2015 / 11 / 27 - 18:30
المحور:
الادب والفن
ضاق به الحال في القاهرة المكتظة بأهلها وبغير أهلها .. القادمين من الأقاليم و أقصى الصعيد باحثين عن حلم ضائع و زحام يبتلع همومهم و مآسيهم .. هاربين من جحيم الفقر و شر السؤال .. و أفواه مفتوحة تريد أن تشبع خبزا .. و أجساد مرتعشة من برد الشتاء .. تلتمس الدفء في جلباب و غطاء . إنه واحد من هؤلاء القادمين البائسين الباحثين عن كسرة خبز و بقايا ثوب لأمه و اخواته . ولكن لم يحالفه الحظ في المدينة الكبيرة . جلس على أحد المقاهي الكائنة في أحمد حلمي يحتسي الشاي . أخرج من جيب قميصه المفكرة والقلم اللذان لا يفارقانه أبدا منذ أن ترك مدرسته الثانوية ولم يستطيع أن يكمل تعليمه بكلية التجارة جامعة أسيوط .. ومن أين له بمصاريف الدراسة والإقامة بعد أن توفى والده العامل البسيط وترك له خمسة من الأخوة والأخوات الاصغر منه ووالدته . أخرج سيجارة من الأربعة ( الفرط )اللذين ابتاعهم للتو .. و أخذ يقلب في مفكرته حتى وجد رقم تليفون سعد ،أحد أبناء قريته والذي تربطه به صداقة ، وهو يعمل بأحد المصانع بمدينة العاشر من رمضان . أخرج من جيبه تليفونه المحمول عتيق الطراز والذي أعطاه له له دكتور شهير بمصر الجديدة كان يقوم بنقل بعض المنقولات لشقته . ضرب الرقم ورد عليه سعد .. وبعد السلامات والتحية والأشواق .. شكا له عزيز سوء الحال عزيز : مالقيش عندك شغل يا سعد في المصنع اللي انت فيه أو أي مصنع تاني ؟؟ سعد : هما حاليا عايزين ناس في المصنع اللي انا فيه .. تعالى إشتغل و حط رجليك في المكان .. بعد كده دور على شغل تاني براحتك . عزيز : خلاص ماشي انا جايلك النهارده سعد : وأنا هستناك .. لما توصل " الأردنية " .. موقف الأتوبيس في العاشر .. كلمني وانا هاجيلك أو هأوصفلك تجيلي أقرب مكان ليه عزيز : خلاص .. سلام . أكمل عزيز كوب الشاي حتى الرشفة الأخيرة و لفظت السيجارة أنفاسها الأخيرة حتى كادت أن تحرق أصابعه . أحكم ربط الحبل على بطانيته القديمة والتي تحوي بداخلها كل ما يملك من حطام الدنيا من ملابس رافقته خلال الستة السنوات الأخيرة من حياته . أخرج من جيبه قطعتين معدنيتين فئة الواحد الجنيه ووضعها في يد القهوجي . اتجه إلى موقف الميكروباص المواجه للمقهى وسأل عن الميكروباص المتجه للعاشر من رمضان .. أشار له أحد السائقين على أحدها .. اتجه إلى الميكروباص الذي يحتل مقدمة الصف وبه بعض الركاب .. وقبل أن يضع قدميه داخل الميكروباص سأل عن الأجرة فأجابه أحد الركاب بأنها ثمانية جنيهات . ركب وهو يحمد الله أن معه ما يكفي الرحلة ، وبعض جنيهات إضافية تكفيه عشاء الليلة من طبق فول ورغيفين وربما أيضا إفطار الغد .. وقد قال له سعد عبر الهاتف انه يمكنه أن يتعامل بالآجل مع دكان البقالة القريب من مسكنهم حتى يحصل على مرتبه اول الشهر . تحرك الميكروباص محاولا أن يشق طريقه وسط زحام القاهرة القاتل .. وما أن وصل الدائري حتى بدأ عزيز يأخذ نفسا عميقا .. فهو يشعر بنشوة و سعادة لا يدري سرها عندما تنطلق به سيارة أو قطار .. فكأنما روحه تنطلق أيضا معها وتكاد تسبقها أحيانا ... خاصة لو لمكان جديد لم يشتم رائحته من قبل .. ولم تصافح أقدامه شوارعه و مقاهيه .. مضت ما يقرب ساعة من الزمن حتى وصل " الأردنية " ، وقبل أن يعاود الإتصال بسعد نظر ذات اليمين و ذات اليسار .. وهو واثق من أنه سيجدها .. وهي واقفة بزيها الأحمر الشهير ، ملتفا حولها العديد من عشاقها .. وإن شئت قل دراويشها .. سأل عنها صاحب أحد المحلات فأشار بأصبعه ناحيتها .. فوجدها واقفة كعادتها وسط عشاقها و محبيها . فسار نحوها مسرعا و كأنه لم يرها منذ سنوات ، على رغم من أنه رأها هذا الصباح .. وعندما اقترب منها جدا .. قال :- واحد فول بالزيت الحار وحياة أبوك !!!!! وبعد أن مسح الطبق بآخر لقمة فأصبح الطبق صالح للإستخدام مرة أخرى دون غسيل . اتصل بسعد صائحا :- أيوه يا سعد .. أنا في الاردنيه .. اعمل ايه سعد :- اركب ميكروباص خط 6 .. و أنزل عند النادي اللي قصد المجاورة 66 .. وأنا هأجي اخدك وعندما وصل عزيز كان سعد في انتظاره ، و أخذه إلى الشقة التي يقطن فيها مع 6 من زملائه و أصبح هو صاحبهم الثامن .. إستلقا على مرتبة موضوعة على الأرض .. وبينما رفاقه يتحدثون معه راح في ثبات عميق .. وإذا بكل مشاكله وهمومه تتلاشى في أحلامه .. و يصبح انسان آخر .. يعمل بأجر يصون كرامته ويكفي ضروريات عائلته .. يكمل تعليمه ويرتبط بفتاة جميلة رقيقة ، تحبه و يحبها .. و يعيش حياة عادية هادئة .. مجرد حياة عادية أو حتى أقل من العادية .. ياله من حلم جميل يعيشه كل ليلة .. يهبه الأمل والقوة ليعيش يوم آخر من القلق والتوتر والمعاناة .. وهو يدعو الله أن يأتي الليل سريعا حتى يعيش حلمه .. وكأنما الحلم بالنسبة له أصبح حقيقة .. والحقيقة أصبحت كابوس ..
#طارق_ناجح (هاشتاغ)
Tarek_Nageh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سائق الميكروباص (1)
-
على ضفاف نهر الحب (5) و الأخيرة
-
جعلوني مجرماً … تشريد 53 أسرة وإهدار مايقارب 15 مليون جنيه
-
جيت لي .. قلب مجهد و أسطورة لن تموت
-
على ضفاف نهر الحب (4)
-
على ضفاف نهر الحب (3)
-
على ضفاف نهر الحب (2)
-
على ضفاف نهر الحب (1)
-
في مترو المرغني
-
عندما يتكلَّم الحُبّ .. يَصمُت العُشَّاق
-
لعنة أغسطس
-
البابا شنودة الثالث .. شاعراً
-
الرجل الذي أضاع في الأوهام عمره
-
من هيفاء لصافينار .. ياقلبي لا تِحتار
-
قرية فوق صفيح ساخن
-
ما بين الكاريزما و فوبيا البيادة
-
هل ضرب أحمد زكي .. السبكي ؟؟؟
-
باسم يوسف 00 وشئ من الخوف
-
دير أبوحنس .. والفتنة القادمة
المزيد.....
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|