|
خواطر ملبدة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 4993 - 2015 / 11 / 22 - 20:37
المحور:
الادب والفن
أفتقد ذلك الحس الشجي لتملك الأمور، كل شيء منفلت عن جذوره، مرات، أفتح نوافذي كالشجرة كما يقول المبدع سعيدي المولودي في تخريجاته الأدبية، كي تدخل إلى أعماقي كل التناقضات، أبحث عن شيء جميل ولا أجد إلا ما يتعبني، فقدت حس الوجود، ذلك الإحساس العميق في العيش الأبدي، وعليه فقد خسر كل الذين يراهنون على استسلامي يوما ما لخرافاتهم الجميلة، أولئك الذين راهنوا على الوقت، راهنو بالتحديد على الشيخوخة. أنا الآن في طفولتها حيث الأمور تغرد بشكل مقلوب: لقد اكتشفت أخيرا أن التمتع بوهج حقيقة معينة هو اكتشاف عمقها المخفي والمسكوت عنه، تبدو مرحلة الأربعينيات بالنسبة لي مخاض كبير في التحول من يافع تحكمه النزوات إلى شيخ يحكمه استنفار الخلاصات، لقد بدأت أركن أو ارتكن، بدأت أعشق السكون كثيرا، أعشق الانطواء وأجاري الأمور في تجردها، في بيعتها الخالصة للحقيقة، لقد بدا الرهان على الإستسلام حكمة رائعة، يوحي الشاب الماركسي طويل السجية مقتحما تناقضات اجتماعية صاخبة، في مجتمعاتنا المحافظة (ويالها من ذروة قاسية في نعتها بالمحافظة)(بالنسبة لي، المحافظ هو من يكرس كل وقته لإخفاء فضاحة نفاقنا الإجتماعي، على العكس من ذلك، يفترض في مجتمع يملأه الطموح، يفترض فيه أن يكون عاريا تماما كالمرأة، أن لا يخدشنا شيء فيها هو من صميم تكوينها البيولوجي الطبيعي، أن تكون إلهة بكل مقاييس الألوهية بشكل ترمى كل مقاييسنا الأخلاقية في مزبلة التاريخ أو نضعها في متحف التاريخ من باب التذكير بفضاحة بؤس وعينا المحافظ)، قلت يوحي الشاب في عمقنا الماركسي روعة النقض في مجتمعات متكلسة بالمحافظة، وحين يركن إلى سجادة الإيمان في مقتبل طفولتها الشيخوخية، ينقلب وجدانيا ليحافظ على نوعه ضدا لنزوة الإبداع والتغيير التي بدأها، تلك التي تتناسب تماما وحيويته وروحه، قليلون هم من حافظوا على مسارهم نحو النقض الإجتماعي، يوحي الشاب بردته ضد نزوته الشبابية أنه اكتشف حقيقته الإجتماعية، يعني ببساطة أنه اكتشف نوعه، والحقيقة أنه لم يكرس سوى نمطا بليدا من التقليد في السبيل الكريم للحفاظ على نوع المجتمع: أن يكون مجتمعا كما هو، متخلفا بكل المقاييس، من سوء الحظ أن الأكثر عبقرية منا ينتحر صغيرا، يرفض قيمنا بكل بساطة، أو يقتل ببساطة لأنه عبر بكل جلاء عن كونه لا ينتمي لنوعنا، اما الأقل حظا في تلك العبقرية، فهو الذي يعيش ذلك النضج في مرحلة متوسطة من العمر، والذين يملأهم خوف الإندماج في تغيير نوعهم، أما الحكيم المتخلف والمرتد عن نزوة الحيوية فيركن للسجادة، يركن لحظيرة حفظ وعلف نفس النوع، هذه ذروة الحماقة: أن ترتد ضد حلمك وعنفوان شبابك: أن تخضع لغريزة الشيخوخة، أن تخضع للموت البطيء المنعش (بتشديد العين) بالأدوية السرطانية القاتلة: أن تغير طريقة عيشك وتدخل في "ريجيم" يصف لك شكل وطريقة عيشك،الطبيب الذي يصف لك حميتك، يصفها استنادا إلى معرفة طبية نسبية، بنفس الطريقة يصفها أيضا الطبيب الإجتماعي أو السوسيولوجي، يعطل موتك المحتوم لا أقل ولا أكثر: ببساطة يحافظ على نوعك. إن تقييم شخصيتنا إلى أركان بئيسة من قبيل أن لنا خصوصيات معينة يجب المحافظة عليها هي من صميم ردتنا على الواقع: الواقع هو التطور الديناميكي نحو المستقبل، التطور هو كسر لقيم الخصوصية، ضربها عرض الحائط. الخصوصية، الثوابت، هي ضرب من ضروب الخنوع للقائمين على فاكهة الوقت: الخصوصية هي وضع الشريف شريفا إلى الأبد برغم تفاهته الوجودية. الحياة جميلة، والأجمل فيها أن تعيشها بوهج لذتها: الحمية هي نوع من العقاب على خطايا معينة: شخصيا أحب الموت على أن أعيش على إنعاش شركات الأدوية (هذا موقف شخصي فقط يلزمني كشخص من منطلق أن موتي هو خلاص لي ولخلاص ما به شركات التأمين تنزع إلى وراثتي). لا يخيفني الموت على الإطلاق لسبب بسيط: قبل ولادتي لم أكن موجودا ، بعد ولادني كنت موجودا، الموت هو خلاص هذا الوجود، بعده، ومن باب التيمم بالخرافة الدينية، الموت هو نهاية طاقة حيوية، الحياة بعد الموت ليس أكثر من الوجود في كيمياء التحولات، كأن أكون طاقة غير واعية، احتراق من نوع آخر هو في التحذير الديني جحيم، تحول يستوي فيه المومن وغير المومن.. لذة الجنة تستقي ألقها من لذة العيش في الحياة الحقة، بالنسبة لجسد ميت، يفترض افتراضا وهميا أنه عاقل، هو بالإفتراض نفسه، استنادا إلى وجوده الفعلي ، يمكنه أن يفترض ما شاء من وهم من منطلق رفضه للموت: الحقيقة المرة هي أن الموت يمثل نهاية الوجود بالنسبة للفرد، كل قاتل في لباس الجندية هو سالب للحياة، إن الشيء الوحيد المبرر للقتل هو نفاذ عيش آخرين ،مقبلون على الموت الحتمي، يتمتعون الآن بكل شيء، ويعتقدون بكل سذاجة أنهم سيرثون نفس الغنى في حياة أخرى: مجرد هلوسات فرعونية تستند إلى غريزة البقاء الأبدي، مالفرق بين وضع موميات بكل ثرائها في قبر عند الفراعنة والاستهلال بوضع موميات أخرى في زمن راسمالي متوحش يبيع كل شيء، حتى الأرض والماء والهواء والشمس؟؟. من غريزة التوحش فينا هو نزوعنا لملكية الأرض على الرغم من أنها معطى طبيعي، التفكير في هذا الأمر يلخص كل فكرتي ، يلخص نزوعنا نحو قانون غاب الوجود فيه للأقوى، يلخص نزوعنا إلى السيطرة والهيمنة حول شيء هو معطى طبيعي افتراضا وواقعيا لحياة كل الكائنات، أما الحديث عن الماء والشمس فهو يبدو في اللحظة الراهنة غير مستوعب، سنترك الأمر إلى حين أن ندفع ضرائب وهمية حول الاستنشاق والتشمس ، أما الماء فهو أصلا منتهي التأكيد على بيعه. من المباديء الأساسية، وأنا هنا لا أتكلم على مبدأ أخلاقي مستساغ من زاوية فقهية معينة، أن نقر بتملك الأرض والماء، في حرب الهيمنة والسيطرة، لقد فقدنا امرا أساسيا ضروري للحياة، علينا فقط أن نناضل لكسبهما، أما الأجور العمالية فسنتركها لنقابات فائقة التوهج، تناضل في سبيل بيروقراطيتها المريضة مستعملة الوعي البئيس لطبقة تمثلها موضوعيا. طبقة لا تعرف أن انخراطها الحقيقي في الإنتاج هو ما يوفر ذلك الغناء الفاحش لكائنات هي أصلا متوحشة وبعيد عن أن تكون في ذلك الموقع الحيوي البيئي حيث الناس تعمل على صناعة بهجة الحياة: يجب معرفة أن كل ما يقيد حرياتنا نحو السلام وبهجة الحياة هما اثنان فقط الراسمالية والدين (حتى لا أبالغ، هذه من خلاصات الرهج العربي، واستسمح كثيرا لشباب تونس ومصر الذان ابدعا في استخلاص قاعدة للتغيير: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن ينكسر القدر. القدر بالنسبة لي هو قدر النظام السياسي القائم.وليس الرجوع إليه بحثا عن ديموقراطية تمثيلية خلاصتها أنها تخدم النظام. أحب أن نكون نزيعين إلى ثورة جديدة، الثورة بالنسبة لي ليس تقلد الغرب الليبيرالي، هي نزوع نحو شيء جديد مختلف على كل ماهو قائم: الثورة هي ولادة عالم جديد. هذه فقط نصيحتي للثوار
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض لاطروحة الأستاذ عصام الخفاجي في حواره في الحوار المتمدن
-
حرب اللاجئين
-
رد على أبراهامي حول مقاله -لم يفهموا ماركس يوما ما-
-
رحلة في الباتيرا (3)
-
دقة المرحلة
-
رحلة في الباتيرا 2
-
رحلة في الباتيرا
-
احترام المسلم للإختلاف لا يعدو أكثر من نكتة سمجة
-
التدين جريمة في حق الإنسانية
-
اللينينية هي الثورية (نقد ذاتي حول مقالاتي السابقة حول اليسا
...
-
-النص السياسي- والمتلقي العربي (أزمة اليونان نموذجا) محاولة
...
-
علاقة اليسار الجديد بالقديم هي علاقة قطيعة وليست علاقة تماثل
-
مؤذن الجزيرة القطرية
-
دولة التسيب
-
إسبانيا على أبواب فجر جديد
-
وجهة نظر حول تداعيات فيلم -الزين اللي فيك-
-
كابوس الجهوية بالمغرب
-
قرأنة ماركس، شكل لإلغاء طابع الثورية في الماركسية
-
حول قرأنة ماركس
-
مشكل العلمانية في دول المشرق وشمال إفريقيا
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|