|
داعش : الامبريالية حين تستثمر في الجهل و الدين و الدم
محمد المناعي
باحث
(Manai Mohamed)
الحوار المتمدن-العدد: 4993 - 2015 / 11 / 22 - 18:55
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إنه عصر حرب الكل ضد الكل ، جماعات متطرفة دينيا تفجّر و تقتّل الأبرياء في ضواحي باريس ، مشهد مشابه لعمليتي شارلي ابدو و 11 سبتمبر بنيويورك منذ 14 عاما ، روجت هذه الصورة لمدة طويلة سابقا على أنها ردة فعل شعوب مقهورة على محتل جائر وهضمها البعض وسكت عنها البعض الأخر. صورة أخرى تدمر الأولى تقتيل و تذبيح أمام عدسات الكاميرا لجنود و مواطنين سوريين بالمناطق التي تسيطر عليها داعش و تذبيح و تنكيل بالجنود في الشعانبي بتونس ، لم يعد معه العدو و الهدف " غرب كافر محتل " بل أصبح من نفس جلدة و دين و هوية القاتل ، روجت أيضا لفترة على أنها مقاومة للعدو الداخلي " الذي يضيّق على التدين و لا يطبق شرع الله وهو الهدف الاول قبل محاربة الهدف الاكبر المحتل " ... صورة ثالثة عمال مصريون بسطاء بليبيا يعدمون أمام شاشات الكاميرا باخراج هوليودي ، طفل بأرياف الجنوب التونسي يرعى الاغنام يقطع رأسه و يسلم لأهله ...انتهت المسرحية و جفت المبررات لم يكن هذا الطفل لا محتلا و لا حاكما عميلا و لا عونا لهذا الحاكم و لا عدو ديني أو مذهبي أو طائفي ... انها صناعة الدم بكل بساطة و الاستثمار فيه . مسرحية العداوة معاداة داعش: المشهد الثاني : الدولة الاسلامية في العراق والشام ، هجرة وافدة و هجرة مغادرة ، توسع مستمر ، انتدابات في صفوف الجيش ، صفقات سلاح و سيارات و أسلحة ثقيلة ، وسائل نقل و أعوان مرور ، زراعة القمح و الخضر والعلف أيضا، استخراج النفط و الغاز و تصديره و اعادة الاستثمار في عائداته في جزيرة يحيط بها من الشرق عدو ايراني و اتباعه في العراق ، عدو كردي مسلح و منظم ومن الغرب عدو سوري شديد المراس يقاتل على جبهات متعددة ، أما جنوبا فالأردن بوابة اسرائيل نحو الشرق و النفط الضالعة في تمويل ميليشيات تقاتل الدولة السورية ، وامتداد جغرافي الى حدود الرياض منبع المال و العتاد ، و شمالا تركيا التي يحكمها " الاسلام الخفيف " بوابة حلف شمال الاطلسي لتزويد العصابات المقاتلة بالمتطوعين و المرتزقة القادمين من كل أنحاء العالم و بالتدريب و السلاح و المعلومات و ممر النفط الداعشي الذي يضخ في الاقتصاد الاوروبي و الامريكي بخمس ثمنه في السوق و أقل . . وفي السماء أقمار اصطناعية لجميع القوى العظمى تعلم ما تسر داعش وما تعلن وامكانات تقنية تعلم بها مدى رطوبة التربة هناك فما بالك باليات مدرعة تصول في سهول دجلة و الفرات ... لم يعد مع كل ذلك من حديث عن داعش كمجرد قطعان سلفية تتوسع على مناطق حيوية كونيا بامكاناتها الذاتية وقوة عقيدتها الجهادية الا كحديث بين أغبياء . الامبريالية صانعة داعش و محركها : لم تكن المصالح الامبريكية لتصان في محور " التجارة و الطاقة والقوة النووية " الممتد من سواحل غزة الى كوريا الشمالية مرورا بايران بوجود قوة واحدة هي اسرائيل التي تلقت هزائم مقلقة في مواجهاتها التقليدية ضد أجوارها ، وبعض العملاء الذين لا يعول عليهم سوى بتمويل المخططات و الحروب ،عروشهم من ورق تحرسهم القواعد الامريكية في دويلات الخليج ..في المقابل أعداء يمتلكون الطاقة و الماء و الامتداد الجغرافي لكنهم يمتلكون نقطة ضعف قاتلة ، توتر بين النظام و الشعب في علاقة بالديمقراطية و الحريات و خاصة هويات متشنجة و بذور انقسام طائفي و قومي بل وصراع كامن ، هذه الهويات المتشنجة هي الأرض الخصبة التي أنبتت داعش بمجرد زرعها من قبل وكالات الاستخبار الامريكية و الاوروبية و الاسرائيلية ، فلازال الدين معطى أساسي في المنطقة و محدد للانتماء و لازالت المواطنة مجرد كلمات في الكتب المدرسية و لازال الفرد يعتبر مواطنه من طائفة أخرى كافرا أو رافضيا أو من النواصب وعدوا محتملا واذا ضعفت الدولة وخفت وطأة النظام تحول الى عدو لدود لشريكه في نفس الوطن بمجرد صب بعض النفط و المال بين الشقوق الطائفية و المذهبية لذلك تحول العراق الى قنبلة موقوتة بل ومتفجرة الى عشرات الشظايا الطائفية وعادت ثنائيات السنة و الشيعة و العرب و الاكراد الى سطح الانتماء بدل الوطن و برز النظام السوري كطائفة علوية في مواجهة طوائف أخرى أو هكذا أراد الذراع الاعلامي لمشروع داعش في المنطقة تسويقه عبر قنوات العربية و الجزيرة و ما شابهها . الدين والدم : لم تكن أجهزة الاستخبارات بمفردها و لا استبداد الانظمة و التربة الخصبة للتمزق لوحدها من صنع هذا المارد المدمر بل مشروع سياسي لخلط الأوراق و طرح الدين كعنصر جديد يمكن أن يعيد الشعوب من موريتانيا الى الباكستان الى نقاشات عقيمة حول علي ومعاوية ويقي المد الامبريالي الصحوة الشعبية وبداية ظهور ثمار التعليم العصري – على رداءته – في شكل طبقة شبابية و نخب مستعدة للاحتجاج مطالبة بالتغيير و بالديمقراطية و العدل الاجتماعي لكن أيضا بالسيادة الوطنية ... فلا يوجد أفضل من مشروع الاسلام السياسي تنثر بذوره في المشهد العربي من المغرب الى تونس الى مصر الى السودان الى اليمن ، يغذيه المال القطري و الخليجي و يتعلم على يديه كيفية التوفيق بين الثروة و الجهل و التدين و العمالة في نفس الوقت فكان الاخوان المسلمين التلميذ النجيب لهذه المدرسة. و في المناطق المستعصية على استيعاب الاخوان كشريك في الحكم ، تم تجهيز وصفة وجرعة أكثر فاعلية تحمل نفس الفكر مع التقدم فيه خطوات أكبر تعتمد سياسة الترهيب و نشر الخوف و الدمار للتخلص من أنظمة حافظت على الحد الادنى من السيادة كالنظام الليبي و السوري و خلط الأوراق في دول لتجبر على قبول النسخة الأولى المعدلة الممثلة في التيار الاخواني في مرحلته ما قبل الداعشية ، أما داعش وهذه القطعان التي يتم استعمالها يمكن أن تندثر بمجرد غلق صنبور النفط و المال و المعلومات تاركة ورائها أرض مدمرة ومهيئة للاعمار من طرف الشركات الامريكية الكبرى و تهديد لكل من تسول له نفسه التصدي للارادة الامريكية أو المطالبة بالديمقراطية قبل أن تسمح له المخابرات الامريكية بذلك . العالم العربي و المنطقة الاسلامية ضحية بداوة فكرية و بيئة لا تزال تلوك خطابا هوويا بائسا و ضحية التواجد في حلبة الصراع على النفط و الطاقة و الأسواق و حلبة صراع على اعادة كتابة التاريخ ومراجعة التراث الحضاري و مخبر تجارب للسلاح الفتاك و السلاح الفكري و الثقافي و التمرن على فقدان الاوطان و بيعها و التجارب الجديدة للديمقراطية و التأقلم بين البداوة و العصرانية ، و بين التدين و التحرر... ضحية امبريالية في أخر شطحاتها تستثمر في الجهل والدين والدم .
#محمد_المناعي (هاشتاغ)
Manai_Mohamed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتحاد العام التونسي للشغل : حركة نقابية صنعت مجد شعب
-
في اليوم العالمي للعمل اللائق : واقع من العمل المهين في المن
...
-
حملة نقابية عربية مساندة للنساء الموريتانيات ضحايا الاتجار ب
...
-
الحراك الشعبي وقود المسار الثوري التونسي
-
أي خطاب ديني ممكن في مواجهة التطرف و الارهاب؟
-
دورالنقابات في مناهضة الهيمنة الامبريالية
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|