|
التغير المناخي خطيئة رأسمالية دواؤها ليس من دائها
نعومي كلاين
الحوار المتمدن-العدد: 4992 - 2015 / 11 / 21 - 11:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
المشاكل المناخية التي أضحت تتهدد الوجود البشري على الأرض، لم يعد الحديث عنها أو عرضها للنقاش سواء في ندوات تُقام للغرض أو على صفحات الكتب والصحف والمجلاّت، يمرّ دون إثارة مزيد من الجدل حول الحلول التي تطرحها تلك المحاولات. خاصّة في ما يتعلق بفرضية أن تكون الرأسمالية، التي يُجمع معظم المحللين على أنها المتسبب الأول في تلك المشاكل، هي البوابة لحلّ كفيل بإنهاء الخطر المحدق.
في كتاب جديد لها بعنوان “هذا يغير كل شيء: الرأسمالية مقابل المناخ” تقيّم نعومي كلاين دور ما تسميها ‘الرأسمالية المحررة من القيود” في التغير المناخي. وتوصلت الباحثة البريطانية سارة لستر في قراءتها للكتاب إلى أنه رغم المشاكل الصارخة المشروحة في هذا الكتاب، تقدّم بصيصا من الأمل مفاده أن حركات العدالة المناخية والتعبئة الاجتماعية يمكن أن تقدم مستقبلا بديلا.
ما هو التغير المناخي؟
تغير المناخ هو أيّ تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة. ويمكن أن يشمل؛ معدّل درجات الحرارة، معدل التساقط، وحالة الرياح.
وهذه التغيرات يمكن أن تحدث بسبب العمليات الديناميكية للأرض كالبراكين، أو بسبب قوى خارجية كالتغير في شدّة الأشعة الشمسية أو سقوط النيازك الكبيرة، ومؤخراً بسبب نشاطات الإنسان الصناعية والتقنية وغيرها. وقد أدى التوجه نحو تطوير الصناعة في الأعوام الـ150 المنصرمة إلى استخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة.
وهذه الأنواع من الموارد الأحفورية أطلقت غازات تحبس الحرارة كثاني أوكسيد الكربون وهي من أهم أسباب تغير المناخ. من ثمّة تمكنت كميات هذه الغازات من رفع حرارة الكوكب إلى 1.2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. ولكي يتم تجنّب العواقب الأسوأ، وفق محللين، ينبغي أن يتمّ لجم ارتفاع الحرارة الشامل ليبقى دون درجتين مئويتين.
من جهة أخرى، يؤدي التغيّر المناخي بحياة 150 ألف شخص سنويا، وقد سبق أن حكم على 20 بالمئة من الأنواع الحية البرية بالانقراض مع حلول العام 2050. كما سبق أن بدأ يكبّد صناعات العالم خسائر بمليارات الدولارات كالصناعات الزراعية إضافة إلى تكاليف التنظيف جراء ظروف مناخية قصوى.
لكن ما حدث ويحدث ليس بهول ما قد يأتي في المستقبل، وفق ذات المحللين، فإذا تقاعس العالم عن التحرك لكبح سرعة عواقب التغير المناخي، سيتفاقم عدد البشر المهددين وترتفع نسبة الكائنات الحية المعرضة للانقراض من 20 بالمئة إلى الثلث، بينما من المتوقع أن تؤدي العواقب المالية للتغير المناخي إلى تجاوز إجمالي الناتج المحلي في العالم أجمع مع حلول العام 2080.
من المسؤول عن التدهور المناخي؟
بالعودة إلى كتاب كلاين، تشير ليستر إلى أنه تضمّن مجموعة من الأسئلة مفادها: “هل نحن على الطريق الصحيح؟ هل نفعل الأشياء الصحيحة لأنفسنا ولمستقبلنا؟ وهل هذا هو أفضل ما نستطيع فعله في ما يتعلق بالمناخ؟”، من ثمّ تمحورت جلّ الأجوبة التي قدمتها صاحبته، حول فكرة مركزية تتعلق بمفهوم العدالة الاجتماعية والبيئية، فـ”الحلّ للاحتباس الحراري العالمي مثلا لا يتعلق بإصلاح العالم بل هو منوط رأسا بـ”إصلاح أنفسنا”، وفق تعبير كلاين.
وفي ذات السياق، توضح أنّ الكاتبة لم تتوقف عند طرح المشاكل فحسب بل عمدت إلى تقديم الحلول، حيث أشارت إلى أنّ هذه المشاكل سرعان ما تكمّلها الحلول الّتي تتمثّل في أفكار الأمل، وما يستطيع الأفراد فعله بشكل مختلف، واقتراحات لحلول اجتماعية جذرية، شأن الملكية العمومية للخدمات الأساسية التي توفرها قطاعات الطاقة والنقل والمياه.
كما تقرّ الكاتبة كلاين بدورها، بأنّ كتابها لا يُقدّم وقائع مهمّة حول علم المناخ بل يهدف أساسا إلى معالجة “سياسة القوة البشرية”، ويمكن قراءته على أساس أنّه مثال آخر عن انتقاداتها العميقة للرأسمالية والقوة الجامحة للسوق الحرّة.
حيث يقدّم الكتاب شرحا للأفكار المقترحة في كتابيها السابقين “لا شعار” و”عقيدة الصدمة”. كما تشدد كلاين على ضرورة الانتباه إلى الدور الّذي يلعبه الجشع “الّذي حرّرته بالكامل القوانين والرقابة المهلهلة” في المجتمعات الحديثة.
من جهة أخرى، ترى سارة ليستر أنّ كلاين وضعت إصبعها على نبض روح العصر المتمثل في القول بأنّ الرأسمالية تحت النظام الحالي لا تسير بشكل جيّد.
ما علاقة المشاكل المناخية بالفقر؟
في كتاب “هذا يغير كلّ شيء” تقوم كلاين بما تحسن القيام به أكثر من أي شيء آخر، أي الاستفادة من دوافع الحراك الاجتماعي. وتقول ليستر “إنّ كلاين تبحث عمّا هو أبعد من النمو بوصفه المحدد الذي نضعه للقوة الاجتماعية، فهل نحن بصدد دخول مرحلة ما بعد النمو؟”
الثابت، وفق كلاين، أنّ التقارير الأخيرة المتعلّقة بالاقتصاد المناخي الجديد، لا تكاد تفعل شيئا لتحدّي التّماثل الحالي في الآراء الّذي يدعم ما تسميه بـ”الواجب الأساس الموجود في صميم منوالنا الاقتصادي الحالي: النمو أو الموت”.
غياب العدالة الاجتماعية والبيئية يحول دون إرساء عدالة مناخية
وبذلك فإنّ أفكار كلاين المنتقدة لاستراتيجيات التلطيف الحالية قد لا تكون جديدة إلى ذلك الحد، وفق سارة ليستر، لكنّها بالتأكيد معروضة بشكل جيد؛ فوصفها “للتجارة في التلوث”، خاصة تلك التي تستخدمها أوروبا حاليا لتنظيم الانبعاثات من قطاع الطاقة، يعدّ قسما مفيدا من الكتاب، لدعم الإدراك لدى غير المختـصين في الاقتـصاد.
حيث يتضمن هذا القسم عدّة أمثلة لطرق مبتكرة جديدة في وصف مشاكل قديمة، مثل استعمال “النزعة الاستخراجية” و”الطاقة القصوى” لوصف العقلية التي نتناول بها الموارد الطبيعية للكوكب ووصف الفحم الحجري كإسفنجة تحدّ من الكربون لملايين من السنين.
في سياق متصل، ترى ليستر أن القسم الذي خصصته صاحبة الكتاب للحديث عن “الحرب على العلم” يكتسب أهمية قصوى هو الآخر، خاصة أنّه يتحدث عن المفارقة البغيضة المتمثلة في ادّعاءات صناعة النفط والغاز وتقديمها على أنّها بديل علمي واقعي ونظيف، في حين أنّ هذه الصناعة نفسها تهاجم الدراسات العلمية المتعلقة بآثار التغيّر المناخي والتلوث البيئي.
من جهة أخرى تشير ليستر إلى أنّ كلاين تربط الصلة بين التغيير المناخي والفقر والتطور، في مرحلة لاحقة، من خلال الحضور المكثف لحجج العدالة الاجتماعية والبيئية في النصف الثاني من الكتاب، وحتى المسائل الخلافية المتعلقة بنقل الثروة وآليات إعادة توزيع التمويل المناخي ذكرت في الفصل الثالث.
حيث تقرّ كلاين بأنّ البشرية مطالبة بعدم الاقتناع بتكرار الخيار المضلّل بين “فرص العمل والنمو”، بل عليها أن تحاول إيجاد طريقة إيجابية لإعادة الاستثمار في المشاريع العادلة اجتماعيّا. كما طرحت مشكل السكان ومشكل جلب “المستهلكين الفائقين” إلى العالم، وإن لم يتم تناوله بشكل مستفيض، وفق ليستر.
رغم المشاكل الصارخة المشروحة في كتاب هذا يغير كل شيء: الرأسمالية مقابل المناخ، تقدم الكاتبة نعومي كلاين بصيصا من الأمل مفاده أن حركات العدالة المناخية والتعبئة الاجتماعية يمكن أن تقدم مستقبلا بديلا
لتخلص من ثمّة إلى أنّ هذا الكتاب لا يتعلّق بالعدالة المناخية للعالم النامي فحسب، بل هو يُقرّ بالأساس بأنّه “لا يوجد طريق موثُوق به يمضي بنا قدما في هذا المجال دُون أن يتضمّن معالجة الجذور الحقيقية للفقر”.
في سياق نقديّ، ترى ليستر أنّ نقطة الضعف الكبيرة الوحيدة لكتاب “هذا يغير كل شيء”، هو غياب معلومات حقيقية حول الطاقة المتجدّدة. وبينما يوجد نقاش مهم حول الهندسة الجيولوجية والاستياء منها، لا يكاد يوجد أيّ ذكر للحلول القائمة في قطاع مواد الطاقة المتجددة، باستثناء نقاش سريع لاستخدام المجموعات السكانية الأميركية الأصلية للطاقة الشمسية والنقاش حول إعادة استثمار الأموال العمومية في الطاقة البديلة.
هل هنالك حلول للوضع الراهن؟
من شأن المزيد من الأمثلة الإيجابية للطاقات البديلة أن تفيد القارئ مثل مبادرة “المجال المناخي” التي تهدف إلى زيادة الاستثمار في البلدان النامية عبر توفير المعلومات عن جاذبية البلدان في مجال الاستثمار في الطاقة المتجددة.
من ثمّة، يصل كتاب كلاين إلى خاتمته عبر الخوض في نقاش حول العلاقة بين الاستهلاك والتغيير المناخي مع إبراز زيادة انبعاثات الغازات في الصين بسبب إنتاج الصينيين لبضائع يستهلكها العالم الغربي. لكن وعلى الرغم من كل حديثها عن “تراجع النمو الانتقائي” وعدم تشجيع “الاستهلاك المسرف” لم تتمكن كلاين من معالجة فكرة الرخاء دون النمو أو طرح السؤال المتعلق بـ”هل أنّ الاعتدال مازال جزءا من المجتمع؟”، وفق ليستر.
وفي ذات السياق، تخلص ليستر إلى أنّ تأكيد كلاين في كتابها على أنّ الوضع القائم البائس المتمثل في “رأسمالية كوارث يغذيها التغير المناخي، والتّربح المُقنَّعُ في شكل تخفيض الانبعاثات، والحدود المخصخصة شديدة العسكرة، وربما اللجوء إلى الهندسة الجيولوجية عالية المخاطر عندما تخرج الأشياء عن السيطرة” يفيد بـ”أنّنا الآن جميعا في منطقة التضحية”، لا ينفي أنها تركت بصيصا من الأمل في أنّ حركات العدالة المناخية والتعبئة الاجتماعية يمكن أن تقدم مستقبلا بديلا باقتراح فكرة حبل النجاة المتمثل في “أنّنا نستطيع تحديد طريقنا إلى التّغيير”.
هل يمكن أن تقدم الرأسمالية حلولا؟
الفقر والاستهلاك الفائق جزءان من المشكل لا من الحل
ما طرحته كلاين في كتابها، هو في حقيقة الأمر ليس غريبا عن مشاغل السياسيين المعنيين بالأساس بإيجاد حلول للمعضلة المناخية التي أضحت تؤرّق العالم، فقد سبق للرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أن عبّر عن أسفه حيال الوضع المناخي الذي صار عليه العالم، خاصة أنّ الدول الغنية مازالت تواصل اقتراح حلول لتقديم النموذج الرأسمالي المدمّر على أنه قادر على الاستجابة للمشاكل الخطيرة التي تمّ إنشاؤها في السنوات المئة الأخيرة”، مؤكّدا “أنّ الشركات الرأسمالية العابرة للقارات لا يمكن أن تصبح بين عشية وضحاها قاطرة لإنقاذ كوكب الأرض”.
ومن جهته، أشار الكاتب البريطاني تيموثي آش، مؤخراً، إلى أنّ لحظة الحقيقة بالنسبة للرأسمالية العالمية أزفت، بعد أن أنضبت اقتصاداتها خلال أربعة قرون وقوداً أحفوريا احتاجت الطبيعة إلى 400 ألف سنة لتخميره، وبعد أن أدّى حرق هذا الوقود إلى ظاهرة تغيّر المناخ. وبما أن الرأسمالية لا تستطيع تغيير جلدها، عبر التوقف عن النمو والتوسع، فالكارثة برأيه، آتية لا محالة.
هذه الحقيقة دفعت الكاتب الأميركي ألان وايزمان إلى وضع كتاب بعنوان “العالم من دوننا” الذي أثار، ولا يزال، ضجة كبرى في الولايات المتحدة والعالم حملت اليافطة العريضة فيه: “كوكب أرض بلا جنس بشري”.
وقد حاول الكاتب أن يتخيّل كيف يمكن أن يكون الكوكب الأزرق إذا ما انقرضت منه 6 مليار نسمة إمّا بفعل فيروس طبيعي أو مخبري قاتل، أو بتأثير كويكب كالذي ضرب الأرض قبل 65 مليون سنة وأدى إلى انقراض الديناصورات.
وبهذا، يؤكّد مُراقبون على أنّ الرأسمالية التي تسببت في كل هذه المشاكل المناخية جراء تغولها وبحثها الدائم عن الربح دون حساب العواقب لا يمكن لها أن تقدّم حلولا لما أفسدته على مدى عشرات السنين.
#نعومي_كلاين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|