أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال سبتي - المقاومة وتروتسكي وقطار برت لانكستر















المزيد.....

المقاومة وتروتسكي وقطار برت لانكستر


كمال سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1365 - 2005 / 11 / 1 - 15:42
المحور: الادب والفن
    


قلت مرة إنني غشيم منفى وغشيم حياة وأقول هذه المرة إنني غشيم سياسة.
ومواقفي السياسية غير المحنكة قطعاً والخاسرة كلَّ أحد هي فخري في هذه الحياة وهي بأجمعها تشكل روحاً من موقفي الشعري الذي يقود حياتي.
ولقد كان من ينتظر مني بسبب هذه المواقف التي وقفتها ضد حرب أميريكا الأولى وضد حصارها وضد حربها الثانية وضد احتلالها وضد أحزابها العراقية أن أقف مع المقاومة.
لكنني قلت لا للمقاومة..وأنا أتحقق من خطابها الطائفيّ والعشائريّ كلّ حين. خطابها الذي لا يحنو على طفل عراقيٍّ في عز حرّ بغداد بكأس ماء بارد ، بل يسعى إلى أن يكون باعثاً على فعل العكس تماماً: ضرْبِ منشآت الماء والكهرباء مثلاً.
وحين بدأت انتفاضة جيش المهديّ العامَ الماضي تمنيتُ في مقالي "كلمات إلى مقتدى الصدر" أن يُلقى السلاحُ فتنعدمَ خسائرنا في الشبان جرّاءَها ، وكتبتُ في المقال ذاته:
"ها أنا مبتعد عن حفلةِ البذخ الأميريكيّ في تعيين الخدم ، ومنتظر أن يتحقق مشروع سلميّ للديمقراطية في بلادنا فأعودَ إليها نهائياً.."
فانقطع وزراءُ في الإدارة العراقية وقتَها عن مراسلتي بسبب تعبير "تعيين الخدم"! وقلت للمقاومين الآخرين إنكم إرهابيون وطائفيون..فشتمتني مواقع عديدة منها التي ينشر فيها أبو مصعب الزرقاوي خطبه وبياناته وأفلامه وسمَّتني ، من بين تسميات عديدة ، ابنَ علقميٍّ وببغاء صهيونياً.
فخر ألا أكون مع أحد من هؤلاء.
وفخر أن أسعى إلى أن أموت فقيراً.
***
ينتمي المثقف عادة إلى معنى مقاومة تَكوَّنَ في وعيه من تراكم قراءات.
معنى هو اصطلاحيّ ابتداءً وقد لا يكون واقعيّاً.
لنسألْ :
من الذي تصيد التكنوقراط أساتذةَ كليات وأطباءَ ومهندسين وعلماء آخرين واحداً واحداً ؟
ومن الذي ترجَّل من سيارته وفتح النار على أناس أبرياء كانوا يشترون الخبز ؟
ومن الذي قتل معلمي مدرسة أطفال ؟
ومن جاء بعابري حدودٍ وفخخهم ليفجروا تجمعاتٍ احتفاليةً في ساحات مدنٍ روحية ، أو جامعاً صغيراً أمَّه متعبدون ، أو باصاً تجمَّعَ فيه فقراء باحثون عن عمل ذات صباحٍ كاظميٍّ مخدوعين من سائقه بنقلهم إلى رزق شريف..إلخ ؟
ومَن ؟ ومَن ؟ ومَن ؟..
الذي يستطيع أن يفصل بين المسؤول عن هذه الأفعال وبين المسؤول عن أفعال مقاومة أخرى هو ذو قدرة ذهنية لا أمتلكها.
أنا صَعُبَ الفصلُ عليَّ فلم استطعه..للأسف الشديد.
***
ممكن لي أن أؤجج المقاومة بشعري ومقالاتي وأنا جالس "= مختفياً" في الجنوب الهولنديّ فلا أخسر العرب وأنا شاعر عربيّ من العراق مضروب عليه وعلى شعره حصار عربي أصلاً لأسباب عديدة..مكانُها آخَرُ في التأوه والسجال.
ولكن ماذا عن الموقف الشعري ؟
ماذا عن الضمير؟
إلى من أنتمي أنا أولاً ؟
إلى ضميري أم إلى معنى اصطلاحيٍّ عن المقاومة ؟
***
يطيب لمختلِفٍ معي في "المقاومة" من العراقيين أن يذكّرني بـ"تروتسكي"يتي لمجرد أنني تذكرت تروتسكي أيام مناسبة اغتياله في آب الماضي وأعدت اشتغال قصيدة لي عنه وفاءً له كونه كان أحدَ آبائي الروحيين أيام شبابي..وألقيت عنه محاضرة أيضاً في جمع من الأصدقاء الأدباء والفنانين العراقيين في البالتوك.
طيب ، سأقدم لكم مثالاً آخَرَ من الحبيب الروحيّ تروتسكي الذي كان يتفقد جيشه الأحمر في جبهات القتال : "وفي أوج أعمال القتال ، أصدر قراراً علنياً يحظر مجلة هيأة الأركان العامة "فينوي ديلو: القضايا العسكرية" التي استخدمتْ في مقال نُشِرَ فيها حول بيلسودسكي تعابيرَ تهين الكرامة القومية للشعب البولوني.كما أنه خطب في حشود الجنود على الجبهة قائلاً إنه حتى العدو لا ينبغي ثلبه وتشنيعه. ومنعَ منعاً باتاً ممارسة أية أعمال انتقامية ضد الأسرى البولونيين "*
حتى العدو لا ينبغي ثلبه وتشنيعه ، يقول تروتسكي. ولمن ؟ لجنوده في الجيش الأحمر ، وأين؟ في الجبهة!
أيعرف من يغمزني بتروتسكي كلَّ هذا ؟
أيعرف أنه قال هذا وفعل هذا في وقت كان قتل فيه المقاتلون البولونيون كما يعرف قارئو تاريخ ثورة أكتوبر أسرى من الجيش الأحمر؟
أثمة من يفعل مثل هذا في عالمنا ؟
كم مليوناً أو ملياراً من الدولارات تخسر الدولة.."أية دولة" في إعلامها المعادي ضد العدو أو من أجل صنع عدو؟
ماذا قال القادة الأميريكان والإنجليز والفرنسيون عن الألمان؟
وماذا قال الألمان عنهم؟
ماذا يقول القادة السياسيون والعسكريون العرب عن الإسرائيليين ؟ يهود أنجاس. وماذا قال ذلك الضابط الإسرائيلي عن الفلسطينيين في بيروت عام 1982 ؟ إنهم حشرات ضارة.
وماذا قال الإعلام العراقي عن إيران في الحرب ؟ فرس مجوس.
وماذا قال الإعلام الإيراني عن أفراد الجيش العراقي : كفرة وملحدون.
لا معنى إذن لكي أُغمَزَ بتروتسكي فهو مثالٌ مضادّ لخطابِ مقاومةٍ طائفيٍّ وعشائريّ.
***
ويطيب لمختلف معي في المقاومة من العراقيين أن يقول -بعد أن أوردتُ مثالَ رواية فيركور "صمت البحر" في مقال سابق لأعزز حيرة أسئلتي إزاء المقاومة العراقية- : إنني أرضى بالمقاومة فرنسيةً وأرفضها عراقيةً.
طيب ، إليكم الآن مثالاً آخر.
كان أصدقائي في بغداد سمعوني في السبعينيات أتكلم عن فيلم القطار (1964) إخراج: جون فرانكهيمر، وتمثيل برت لانكستر. وكنت درسته في مادة تاريخ السينما كما حضرت عرضه أكثر من مرة.
والفيلم باختصار شديد :
جنرال ألماني من قيادة منطقة باريس ، كان يحب الفن التشكيليّ فيقرر بعد أن يتأكد من أنهم سيخسرون فرنسا أن ينقل محتويات المتحف الفني الوطني الفرنسي إلى ألمانيا.
مديرة المتحف امرأة فرنسية لا تستطيع إيقافه وليست لها دولة تستطيع إيقافه ، فتَجِدُّ في طلب رجال المقاومة السرية وبعد بحث مضنيّ تصل إلى قائد فيها هو العامل البسيط "برت لانكستر" الذي لا يفقه شيئاً في الفن التشكيلي فيقول لها : أتريدينني أن أخسر رجالي من أجل لوحات من خشب وقماش ؟ تقول له مديرة المتحف : لكنها شرف فرنسا. فيتأثر عاطفياً بجملة مديرة المتحف ويقرر إيقاف قطار الجنرال الألماني ناقل محتويات المتحف الباريسيّ إلى برلين.
تقوم المقاومة بالسيطرة على غرفة قيادة القطار حتى تقوده بدلاً من الألمان "يصبح برت لانكستر سائقَ القطار" وتقوم مجموعة أخرى بتغيير أسماء المحطات الفرنسية إلى أسماء ألمانية كل مرة قبل أن يصلها القطار ، فيظل القطار يدور داخل الأرض الفرنسية بينما الجنرال وجنوده يظنون أنه يسير إلى برلين بعد كل محطة.
في ما بعد يوقف المقاومون القطارَ إثرَ انتصارهم على الجنود الألمان فيه وسيطرتهم التامة عليه ويستعيدون محتويات الفن التشكيليّ الساقطة منها على الأرض خارج القطار المتوقف لوحاتُ مانييه وغوغان وسيزان وبيكاسو وغيرهم وحيث يقف الجنرال الألماني وسائق القطار وجهاً لوجه في مواجهة دراماتيكية.يقول الجنرال للسائق إنك لا تفهم هؤلاء.يسكت السائق بعد نظرات حيرة إلى اللوحات ويطلق النار على الجنرال.
ذِكْرُ هذا المثال وحده يمنعني من إسهابِ تعليقٍ عليه.
أحسب أن ثمة فرقاً بين مقاومة تخسر رجالاً من أجل استعادة لوحات مسروقة من متحفها الوطني وبين أخرى تفعل العكس تماماً..
***
لو أن خطابَ مقاومة تبنى موقفاً روحيّاً يشبه أحد الموقفين المذكورين..أثمة من جهر برفضه إياه بدون أن يُلام ؟
***


* من دويتشر في "النبي المسلح".

هولندا
30-10-2005



#كمال_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدتان
- عن أحمد الباقري وتعاليمه
- جمعُ تراثِ مقارعةِ الدكتاتورية
- الشعراء يستعيدون نبيا من التاريخ
- الشّعرُ والتّوثيقُ الشّخصيّ
- تروتسكي باريس 1979
- كنّا طَوالَ مُعارَضَتِنا الدّكتاتوريَّةَ وما زِلْنا: بلا حَر ...
- محسن الخفاجيّ : عمرٌ متوقفٌ في بوكا و اسمٌ يكبُرُ كلَّ يوم
- كلُّ شويعرٍ مناضلٌ صنديد
- أميريكا..اِذهَبي وضاجِعي نفسَكِ بقنبلتِكِ الذَّرِّيَّة
- القاص السجين محسن الخفاجي
- بِساطُ السُّكْر
- المَغيب
- الخليفةُ والنَّبيّ
- موتُ عقيل علي
- الإِمام
- دعوة اتحاد أدباء العراق إلى اعتراضٍ قانونيٍّ
- من أجل احترام آدميّة الشاعر عقيل علي
- خيمياءُ جابر وجعفر
- لا لقتل الطلبة العرب في العراق


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال سبتي - المقاومة وتروتسكي وقطار برت لانكستر