أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حافظ عليوي - البرجوازية الوطنية تخون برنامجها القومي















المزيد.....


البرجوازية الوطنية تخون برنامجها القومي


حافظ عليوي
(Hafiz Ileawi)


الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الشرائح الوسطى تستبدل البرجوازية القديمة

الموقف من البرجوازية الوطنية العربية عامة والفلسطينية خاصة كان على رأس القضايا التي شغلت بال اليسار العربي والاحزاب الماركسية . وقد حسم التاريخ هذا الموضوع في هزيمة حزيران 1967 التي كانت البرهان الاكيد على انهيار المشروع القومي العربي الذي حمل رايته جمال عبد الناصر في مصر .
وبينما كانت نكبة فلسطين عام 1948 وهزيمة الجيوش التي قادتها الانظمة العربية الاقطاعية التابعة للاستعمار ، فاتحة لعهد الثورات في العالم العربي بقيادة الثورة البرجوازية القومية مثل البعث في سوريا وحركة الضباط الاحرار في مصر ، فقد بددت نكسة 1967 كل الآمال في قدرة البرجوازية الوطنية العربية على قيادة الجماهير في مواجهة اسرائيل في سبيل تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي .
بعد النكسة بدأت البرجوازية العربية الحاكمة بالاندماج التدريجي في النظام الرأسمالي العالمي . وكانت مصر البادئة في هذه العملية عندما طردت الخراء السوفييت من اراضيها عام 1972 ، ثم القى رئيسها السادات خطابا امام الكنيست الاسرائيلي ووقع على اتفاق كامب ديفيد (1977 - 1978 ) . ثم كان دور العراق في شن الحرب على الثورة الايرانية عام 1980 خدمة للمصالح الامريكية ودعما لانظمة الخليج الرجعية . ووصل الاندماج ذروته بانضمام اغلبية الدول العربية للحرب التي قادتها امريكا ضد العراق (1990-1991) . وكانت هذه المشاركة تعبيرا عن مبايعىة الدول العربية للنظام الرأسمالي العالمي الذي فرضته الولايات المتحدة . وتأكيدا على تأييدها لهذا النظام قبلت ايضا باطار التسوية مع اسرائيل الذي وضعته امريكا في مؤتمر مدريد .
بعد تراجع مشروعاتها الصناعية الوطنية الى هامش الاقتصاد ، تحولت البرجوازية العربية اليوم الى برجوازية كومبرادورية ( تابعة ) ، وخاضعة تماما لاوامر البنك الدولي ومصالح الاحتكارات الاجنبية .
تتكون البرجوازية العربية اليوم من الشرائح الوسطى للمجتمع العربي ، من ضباط الجيش والتجار الصغار واصحاب المهن الحرة الذين تبنوا شعارات وطنية تنادي بتحرير الوطن العربي من التبعية للاستعمار . تكونت هذه الشريحة الوسطى كردّ فعل على البرجوازية القديمة الارستقراطية والاقطاعية التي كانت تابعة للاستعمار بحكم موقعها الاقتصادي الموظف في خدمة رأس المال الاجنبي .
الرمز الاعلى لتحرير مصر من التبعية للاجانب تمثل في تأميم قناة السويس وبناء السد العالي في اسوان في الخمسينات بمبادرة جمال عبد الناصر الذي مثّل طموحات الشرائح الوسطى . وكان في التطورات الهامة التي أحدثها جمال عبد الناصر تعبير عن السعي لبناء اقتصاد وطني مستقل لخدمة مصر وتحقيق الوحدة العربية . غير ان هذا الحلم لم يتحقق ، وكانت الشريحة الوحيدة المستفيدة من امتيازات القطاع العام الحكومي ، الشرائح الوسطى الحاكمة ذاتها التي سعت لتكديس ارباحها . وبذلك تحولت هذه الشرائح الى جزء من البرجوازية العربية التي اخذت تنخرط شيئا فشيئا بالنظام الرأسمالي العالمي ، مهملة ً كل الشعارات الكبيرة حول المصير القومي المشترك .
وبينما توافق الاحزاب اليسارية على هذه الرؤية للبرجوازية العربية ، الا انها لا تطبق نفس الرؤية على البرجوازية الفلسطينية ، بل تصر على إكسابها صفات تقدمية خاصة ، معللةً ذلك بالمصلحة " الموضوعية " التي لهذه البرجوازية في تحرير الوطن من الاحتلال لانها اصلا بلا وطن .

موقف اليسار الفلسطيني من البرجوازية العربية والفلسطينية

في محاولتنا تشخيص جوهر الخطأ الذي وقع فيه اليسار الفلسطيني لم نجد تحليلا افضل من الذي قدمته " الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين " في بحثها اخطاء اليسار العربي . ورد في هذا التحليل في التقرير النظري الذي صدر عن المؤتمر الوطني الثاني للجبهة الديمقراطية عام 1981 ، في كتاب بعنوان " حركة التحرر الوطني في مواجهة التحالف الامبريالي - الصهيوني الرجعي " .
في وثيقتها القيمة وصلت الجبهة الى حد اتهام البرجوازية الوطنية في معظم الدول العربية بالخيانة وكان هذا في العصر الذهبي للاتحاد السوفيتي : " وهكذا فان البرجوازية التي نمت بفضل الاجراءات التقدمية ، لم تلبث ان اصبحت تجد في تلك الاجراءات قيودا تحدّ من نشاطها الطفيلي والكومبرادوري ، وتضيّق على مصالحها الجديدة التي اصبحت تتطلب العودة الى الانفتاح الكامل على السوق الرأسمالية العالمية ، بما تعنيه من انفتاح على الامبريالية والرجعية ، وتصفية او اضعاف قطاع الدولة ، واطلاق العنان لحرية النشاط الرأسمالي دون قيود . وشكلت هذه المصالح الجديدة أساسا للتدهور اليميني الذي بلغ نهايته في مصر والعراق والسودان والصومال واليمن الشمالي ، باستكمال التحول الرجعي للبرجوازية الجديدة والعودة الى الارتماء في احضان الامبريالية والرجعية ، والخروج من حركة التحرر الوطني العربية وخيانتها " . (ص 138 )
واسهبت الوثيقة في تحليل اخطاء الاحزاب العربية اليسارية في علاقتها بالبرجوازية الوطنية . وتطرقت للحزب الشيوعي المصري الذي حل نفسه وانضم للتحاد الاشتراكي في اواسط الستينات . وكانت خطوة الحزب مسبوقة بقيام عبد الناصر باطلاق سراح لشيوعيين من السجون في اواسط الستينات ، بعد وصول مشروعه التنموي الى طريق مسدود ، جراء الفساد وسوء الادارة في نظامه البيروقراطي .
ووضعت الوثيقة حدا لكل النظريات التي تتبناها الاحزاب الشيوعية ، وابرزها نظرية " الطريق اللارأسمالي للاشتراكية " وجوهرها : انه بامكان البرجوازية الوطنية العربية " الثورية " قيادة البلاد نحو الاشتراكية بشكل سلمي ودون الحاجة الى ثورة عمالية . سادت هذه النظرية في مطلع الستينات ، عندما كانت الانظمة البرجوازية مدفوعة نحو تحقيق التحولات التقدمية . وكان من اخطر انعكاساتها انها اثارت اسئلة في صفوف اليسار العربي حول ضرورة وجود احزاب مستقلة للطبقة العاملة ، وحول امكانية دمج هذه الاحزاب في اطار الاحزاب القومية البرجوازية .
وقد تمتعت البرجوازية الوطنية العربية في عصرها الذهبي بدعم جماهيري عريض ، شمل الشرائح الوسطى والفلاحين وسكان الريف الذين استفادوا بشكل مباشر من الاصلاحات الاقتصادية التي ادخلتها . وتميزت هذه البرجوازية بالخطاب القومي المتطرف الذي كان غرضه التغطية على الغزل بينهما وبين الغرب من جهة ، وعلى قمعها الشديد لمنظمات الطبقة العاملة واحزابها من جهة اخرى . وأدى الالتفاف الجماهيري حولها الى تردد اليسار في كيفية التعامل مع النظام الحاكم .
وازاء هذه الظاهرة حذّرت وثيقة الجبهة ، وبحق ، الاحزاب اليسارية العربية من الانجرار وراء القيادة البرجوازية ، ولفتت انتباهها الى ان التناقض بين البرجوازية الوطنية وبين الاستعمار تناقض محدود ، وحذّرتها من مغبة تسليم البرجوازية قيادة حركة التحرر الوطني والتنازل عن البرنامج الطبقي ، واكدت على ضرورة وجود حزب مستقل للطبقة العاملة .
استراتيجية الجبهة غير واقعية

وكانت المساهمة النظرية لمؤتمر الجبهة (1981) ، تحديد الدور الطليعي للطبقة العاملة في حركة التحرر الوطني : " ان مصير ومستقبل حركة التحرر العربية ، وقدرتها على النجاح في التصدي للمخطط الامبريالي ودحر العدوان الاسرائيلي ، وعلى متابعة المسيرة الوطنية الديمقراطية هي وحدها التي تكفل لها شروط الظفر والانتصار " ( الحرية 164 ).
كما نلاحظ فقد حدد المؤتمر مهمة استراتيجية جديدة لليسار ، وهي ان ينتزع من البرجوازية قيادة حركة التحرر الوطني . وكان لهذه المهمة اساسان ، الاول يتعلق بافلاس القيادة البرجوازية ، والثاني نابع من التقديرات بأن الفترة التاريخية ، مطلع الثمانينات ، مهدت الطريق للوصول للاشتراكية . ففي تلك الفترة انتصرت حركات التحرر الوطني في العالم على الامبريالية في نيكاراغوا وحتى انغولا واثيوبيا ، كما ساد اعتقاد راسخ بانتصار الاشتراكية على الرأسمالية التي دخلت ، حسب المفهوم الماركسي اللينيني ، آخر مراحلها التاريخية .
ولكن رغم تحديد مهمة تولي الطبقة العاملة قيادة الحركة الوطنية ، فقد وقع في وثيقة الجبهة خلل برنامجي جوهري في تشخيص طبيعة التحالف الوطني المطلوب . وبدل ان تعتبر الوثيقة الطبقة العاملة والفلاحين عناصر التحالف الوطني العريض ، فقد حددت " ان البرجوازية يمكن وينبغي ان تبقى جزءا من التحالف الوطني " ( الحرية 163 ) ، وذلك عندما طرحت السؤال :
" هل يعني هذا ان الثورة العربية في مرحلتها الراهنة قد فقدت سمتها الوطنية الديمقراطية وان التحالف مع البرجوازية الوطنية لم يعد ضروريا واصبح مطلوبا فكه والاستغناء عنه ؟ الجواب هو ايضا كلا . ولكن انفرادها بموقع القيادة في هذا التحالف لم يعد ينسجم مع المتطلبات الموضوعية لنهوض وتقدم حركة التحرر والثورة الوطنية الديمقراطية ، وهذا هو بالضبط ما عنيناه بتفاقم ازمة القيادة البرجوازية لحركة التحرر الوطني العربية " . ( الحرية 163 ) ان المهمة الاستراتيجية التي حددتها الجبهة الديمقراطية لنفسها لم تتحقق لانها لم تكن واقعية . ويتضح انه فيما يتعلق بالموقف من البرجوازية الفلسطينية ، وقعت الجبهة في نفس الخطأ الذي حذرت منه اليسار العربي مرارا . وقد لجأت الوثيقة الى اختراع ذهني لم يكن سوى انحراف عن الماركسية اللينينية عندما حددت نوعين من التناقضات : التناقض الرئيسي بين الشعب ( بكل طبقاته بما فيه الطبقة العاملة والبرجوازية ) من جهة اخرى ، والتناقض الثانوي بين الطبقة العاملة والبرجوازية داخل الشعب الفلسطيني نفسه .
والحقيقة ان المصلحة المشتركة بين طبقات الشعب في مواجهة الاضهاد كانت موجودة دائما . فالبرجوازية الفرنسية مثلا ، نجحت في اسقاط النظام الاقطاعي بفضل مشاركة العمال والفقراء ، وكذا كان الوضع في روسيا . ولكن ماركس ولينين حذرا العمال دائما من هذا التعاون مع البرجوازية لانها لا تتوانى عن ذبح العمال بعد ان اوصلوها للسلطة على اكتافهم ، لمجرد مطالبتهم بحقوقهم . والنماذج العربية على ذلك عديدة ، منها مافعله نظام محمد نجيب بعمال مصر بعد انتهاء ثورة الضباط الاحرار في 1952 ، وحزب البعث العراقي بعد استلامه مقاليد الحكم .
في كتابه " خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية " لخص لينين موقفه من مسألة التحالفات في مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية في روسيا على خلفية تجربة ثورة 1905. وحدد ان البرجوازية ليست حليفا للطبقة العاملة ، واعتبر الفلاحين الاجراء حلفائها الاستراتيجيين في الثورة الديمقراطية .
نموذج آخر في الاتجاه نفسه نجده في تحديد الحزب الشيوعي الفيتنامي مهمات ثورته الوطنية ضد الاستعنار الفرنسي ، في البرنامج الاساسي للحزب عام 1930 : " القيام بثورة برجوازية ديمقراطية تشمل كذلك الثورة الزراعية ، وذلك بغية قلب الامبرياليين الفرنسيين والحكام الاقطاعيين ، وتحقيق الاستقلال الكامل وقيادة فيتنام نحو الاشتراكية والشيوعية . وكان من الضروري لضمان نجاح هذا الخط السياسي تأسيس حزب الطبقة العاملة ، وانشاء جيش عمالي وفلاحي ، واقامة تحالف عمالي فلاحي ، وخلق جبهة وطنية متحدة ... وثمة ترابط وثيق بين النضال المعادي للامبريالية والنضال المعادي للاقطاعية ، فالقوى الرئيسية للثورة تتألف من الفلاحين والعمال ، وعلى الحزب ان يقيم التحالف العمالي والفلاحي ويستخدم العنف الثوري الجماهيري للقيام بالانتفاضة واستلام السلطة " . ( " موجز تاريخ حزب العمال الفيتنامي 1930 - 1970 " ، اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1973 ) .
يتبين من هذا ان اجتهاد اليسار الفلسطيني للتوفيق بين مصالح البرجوازية الوطنية وبين مصالح الطبقة العاملة ، هو اختراع برنامجي ليس له ركيزة او سابقة في تاريخ الثورة الاشتراكية . فالحزب العمالي لايمكن ان يقود الطبقة البرجوازية لان البرجوازية ، ببساطة ، لا يمكن ان تقبل بأن تقودها الطبقة العاملة ، فهي مربوطة برأس المال الأجنبي ، ومصالحها الخاصة توجهها نحو التحالف مع الرجعية والاستعمار ضد الطبقة العاملة . هذا ماحدث مع البرجوازية المصرية والعراقية والسودانية ، واخيرا ايضا مع البرجوازية الفلسطينية التي دخلت فلك الاستعمار من ابواب اوسلو . ان استعداد اليسار العربي والفلسطيني ان يكون جزءا من حركة تحرر تقودها البرجوازية ، لايوازيه استعداد مماثل لدى البرجوازية . وقد اثبت التاريخ انه اذا كان على البرجوازية ان تختار بين الاخلاص لمصلحة الوطن او لمصلحتها الطبيقية ،فانها تختار مصالحها ، حتى لو تطلب ذلك التحالف مع معسكر العدو . وفي اتفاق اوسلو تحطمت الاسطورة التي نسجها اليسار وبالغ فيها حول الطبيعة الثورية للبرجوازية الفلسطينية . فقد التزمت هذه البرجوازية بعلاقات امنية واقتصادية مع الكيان الصهيوني هي اعمق واخطر من تلك التي التزم بها انور السادات الذي اتهمته وثيقة الجبهة المذكورة بالخيانة .

امراض اليسار العربي اصابت اليسار الفلسطيني

ان ماحدث مع الجبهة الديمقراطية في اعقاب اوسلو كان تعبيرا عن الخلل البرنامجي الوارد في تلك الوثيقة . ففي المرحلة الاولى التي اعقبت اتفاق اوسلو ، شنت الاحزاب اليسارية حملة واسعة لمقاطعة اوسلو والسلطة الفلسطينية ، وكان هدفها انقاذ القيادة البرجوازية من شرك اوسلو واعادتها للخندق الوطني . ولكن بعد فشلها الذريع بتحقيق هذا الهدف ، قررت الاعتراف باوسلو امرا واقعا ، وبدأت تدعو للوحدة الوطنية ، ولكن هذه المرة على اساس " تجاوز اوسلو " . وبدل محاربة السلطة البرجوازية الساعية للانخراط في المخطط الاستعماري وعزلها عن الجماهير ، بذل اليسار الفلسطيني جهوده في البحث عن قواسم وطنية مشتركة معها . هذا مع ان البرجوازية لم تلتزم يوما بهذه القواسم ، بل كانت بالنسبة لها مجرد وسيلة للتغطية على استسلامها للعدو ، وبالتالي إحكام سيطرتها على الجماهير . الوحدة الوطنية بين كافة طبقات الشعب خدمت مصالح البرجوازية ، وعرقلت امكانية اليسار تطبيق مهمته الاستراتيجية وطرح نفسه بديلا للبرجوازية الفاسدة .
ان النزعات اليمينية في اليسار العربي التي انتقدتها الجبهة بشدة في وثيقتها المذكورة ، قد اصابتها هي ايضا الآن . تقول الجبهة في وثيقتها : " ان الافكار والنظريات اليمينية والسياسات الذليلة في العلاقة مع البرجوازية الوطنية واسس التحالف معها ، وفي فهم دورها في الثورة الوطنية الديمقراطية ، شكلت على امتداد الفترة الماضية احدى العقبات الرئيسية على طريق اضطلاع الطبقة العاملة بدورها القيادي في حركة التحرر الوطني العربية ، واضعفت جناحها اليساري . انها عطلت انخراط احزاب الطبقة العاملة في نضال منهجي ودؤوب من اجل كسب الالتفاف الجماهيري حول سياساتها وبرامجها ، كبديل للنهج المتذبذب الذي سلكته القيادا البرجوازية ، ومن اجل احداث تغيير تراكمي في نسبة القوى الطبقية داخل الحركة الوطنية ، بما يسمح بتصدي الطبقة العاملة ، واليسار عموما ، لمهمة قيادتها .
" والاكثر من ذلك ان هذه الافكار والنظريات قد قادت الى ضياع عدد من الفرص الثمينة التي توفرت فيها فعلا موازين قوى تسمح بتقدم الطبقة العاملة لاحتلال موقعها القيادي ، والى الإحجام بقرار ذاتي عن المبادرة لارتياد الآفاق التي فتحتها تلك الفرص " . ( ص 188 - 189 )
فعلا ، كانت هناك فرص ثمينة ضاعت ، وكانت آخرها الانتفاضة المجيدة في المناطق المحتلة ، والتي كان للجبهة الديمقراطية الدور الريادي في تفجيرها من خلال اول بيان للقيادة الوطنية الموحدة . ولكنها بدل ان تستغل الفرصة التاريخية لشق طريقها المستقل في قيادة الشعب الفلسطيني وعزل البرجوازية الفلسطينية ، استمرت الجبهة بالتزامها المطلق بالوحدة الوطنية مع حركة فتح ، حتى بعد اعلان عرفات تنازله عن الميثاق الوطني وبدء الحوار مع امريكا .
وسرعان ما تحولت القيادة الموحدة للانتفاضة الى اداة بيد البرجوازية الفاسدة في تونس ، استخدمتها لتحدقيق اهدافها الطبقية الخاصة ، على حساب الطبقة العاملة الفلسطينية والجماهير اللاجئة .
ان البرهان على فشل السياسة التي اتبعتها الجبهة هو الانشقاق العميق الذي وقع في صفوفها في اواخر عام 1988 . وكانت هذه عبارة عن الثمن الذي دفعته على تسليمها مقاليد الانتفاضة لعرفات بدل عزل نفوذه بين الجماهير ، فمكّنته بذلك من ضربها واحداث انشقاق عميق داخلها .
ان المفارقة التاريخية هي ان الانتفاضة التي تعتبر اكبر انفجار ثوري قام به الشعب الفلسطيني في تاريخه ، والتي كان المفروض ان تكون القاعدة لتنبؤ حزب الطبقة العاملة مركزه القيادي في حركة التحرر ، تحولت الى حافز للانشقاق الداخلي وبداية النهاية لنفوذ اليسار بين الجماهير .
يعود السبب الرئيسي لهذا التراجع الى موقف الجبهة المائع من البرجوازية ، والذي افسح المجال واسعا لتغلغل الموقف البرجوازي الاستسلامي حتى وصل الى اعلى هيئاتها القيادية ، ودفع بالكثير من كوادرها القيادية الى معسكر عرفات .
ولا يمكن بالطبع تجاهل الظروف الموضوعية التي ساعدت البرجوازية في نشر نفوذها بين الجماهير وفي صفوف اليسار . فمما لا شك فيه ان التراجع الكبير الذي طرأ على الاتحاد السوفيتي مع صعود ميخائيل غورباتشوف للحكم ، وما تبعه من انهيار المعسكر الاشتراكي وانفراد امريكا بحكم العالم ، كانا من العوامل القوية التي دفعت العناصر اليمينية الانتهازية داخل الجبهة للانشقاق عن التنظيم .
غير ان النفوذ الكبير الذي كان لهذه العناصر داخل التنظيم لم يكن وليد الصدفة ، ولا تشكل بين ليلة وضحاها ، بل جاء بفعل سنوا طويلة من تعاون الجبهة المطلق مع البرجوازية الوطنية الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية . وفي حين كان اليسار غارفا في اعتقاده الوهمي بان البرجوازية الفلسطينية لايمكن ان تخون برنامجها الوطني ، كانت البرجوازية منهمكة بالتخطيط لشق اليسار حفاظا على موقعها القيادي .
يمكن الاستنتاج بان مهمة الجبهة الاستراتيجية التي دعت الى تولي الطبقة العاملة قيادة حركة التحرر الوطني بالتعاون مع البرجوازية الوطنية ، كانت في الحقيقة محاولة للتهرب من مواجهة هذه البرجوازية . ان اغتيالات قادة بارزين في منظمة التحرير الفلسطينية اثناء الثورة ، والنظام القمعي الذي اسسته السلطة الفلسطينية لاحقا في المناطق المحتلة بالتعاون مع اسرائيل بعد اوسلو ، تبطل اية امكانية لبناء حركة تحرر مشتركة بين الطبقة العاملة والبرجوازية الخائنة التي لا تختلف بطبيعتها عن البرجوازية العربية .
والسؤال اليوم بعد ان انتقلت البرجوازية الفلسطينية الى خندق العدو كغيرها من الانظمة العربية ، اين يقف اليسار الفلسطيني وماهو برنامجه الاستراتيجي ؟ وهل مازال متمسكا بمهمته الرئيسية المتعلقة بقيادة حركة التحرر ؟ ويبدو ان هذه الاسئلة لا تستوقف اليسار اصلا ، وكل ما يفعله اليوم هو الانهماك في لقاءات الحوار الوطني مع السلطة لاقنعها بالتراجع عن التزامها باتفاقات اوسلو .
اما فيما يتعلق بعلاقة اليسار بالسلطة ، فيلخصها احد الرموز البارزة في الجبهة الديمقراطية بالقول التالي : " ليس ثمة في صفوف المعارضة من يطرح ، او ينوي ، او يدعو الى ، اقامة سلطة بديلة او سلطة موازية . وبهذا المعنى ، فان الاقرار بوحدانية السلطة قائم ومفروغ منه . اما ان تُطالب المعارضة ، اشتقاقا من ذلك ، باحترام الالتزامات المجحفة المُملاة على السلطة بموجب الاتفاقات ، فان هذا يعني افراغ المعارضة من مضمونها ". ( صحيفة " المسار " ، اواسط نيسان 1999 )
هنا اذن بيت القصيد . فقد تنازل اليسار تماما عن طرحه ، او حتى نيته استبدال البرجوازية ، وينحصر كل مطلبه في الاعتراف بنشاطه كمعارضة سلمية تعبر عن رأيها دون ان تمسّ بشرعية السلطة .
والخلاصة انه مثلما حذت البرجوازية الفلسطينية حذو مثيلاتها في العالم العربي ، وتحولت الى نظام فاسد وقمعي كبقية الانظمة العربية ، دخل اليسار الفلسطيني ايضا في نفس المحنة التي حذّر منها اليسار العربي سابقا ، وتحول بذلك الى جزء لا يتجزأ من ازمة اليسار المستفحلة .



#حافظ_عليوي (هاشتاغ)       Hafiz_Ileawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة القومية في سياقها التاريخي
- عجز البقاء.. قوة الرحيل.. في ذكرى استشهاد الرفيق القائد هاني ...
- الانسحاب اطباق كامل للحصار
- اليسار الفلسطيني يتخلى عن برنامجه الثوري
- الإفراج عن معتقلين فلسطينيين خدعة إعلامية وحاجة إسرائيلية !!
- الفقه الوقائي
- يا فاطمة .. الأمعاء الخاوية ستنتصر
- لوجهها لون الحريق .. والعدس


المزيد.....




- الشيوعي السوداني يعبر عن تضامنه الكامل مع الشعب السوري وقواه ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 595
- اشتباكات عنيفة في بوينس آيرس بين قوات الأمن والمتظاهرين احتج ...
- رائد فهمي: المنظومة الحاكمة تقف على أرض مهزوزة والتغيير الشا ...
- نداء أوجلان.. توقعات مرتفعة ومسار سياسي ينقصه الوضوح
- تزايد أعداد التكايا في الضفة الغربية.. ملاذ الفقراء والنازحي ...
- م.م.ن.ص// مرة أخرى منطقة صفرو تبرز في واجهة محاربة الغلاء
- بدء مفاوضات تشكيل حكومة المحافظين والاشتراكيين في ألمانيا
- عن جدوى المقاومة والبكاء على أطلال أوسلو
- تجديد حبس أشرف عمر 45 يومًا


المزيد.....

- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حافظ عليوي - البرجوازية الوطنية تخون برنامجها القومي