|
الأصل في الصراع الأزلي بين الشرق والغرب
محمد دامو
الحوار المتمدن-العدد: 4990 - 2015 / 11 / 19 - 21:36
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
من المؤكّد ان ما شهدته العاصمة الفرنسية في نهاية الاسبوع الماضي من احداث دامية ،ليس سوى موقعة من واقعات الحرب الضروس التي تدور رحاها في ربوع المشرق ،كما ان هذه الحرب ليست سوى امتدادا لملاحم الصراع الازلي بين الشرق والغرب، والتي لا يعرف احد متى كانت بداية اولاها في الماضي السحيق ،ولا متى ستكون نهاية أخراها في المستقبل البعيد. عندما يرتكب الطرف القوي المنتصر مجازر بالجملة، مستخدما جيوشه الجرارة وآلات حربه الجهنَمية ،فإنه يدعو ذلك أعمالا حربية ،أمّا إذا لجأ الطرف الضعيف المنهزم الى أعمال مقاومة بما تيسَر له من عتاد ومتطوعين ،غالبا ما تكون انتحارية ،فإنّ المنتصر يدعوها أعمالا إجرامية ،وكلمة "إجرام ومجرمين" في اللغات الاروبية مأخوذة اصلا من كلمة "حشاش وحشاشين"، تلك الفرقة الدينية التي انشأها حسن الصباح في القرن الحادي عشر ،إبَان الغزو الغربي للشرق الاسلامي ،تحت راية التحالف المسيحي لاستعادة بيت المقدس ،والمعروفة تاريخيا بـ "الحروب الصليبية"، ولم تكن تلك اولى الحروب التي تورَطت فيها الاديان في صراع الشرق والغرب، بالشكل السافر الذي تحاول اليوم بعض النحل والملل الشرقية احياءها من جديد. منذ عهد مؤسس الامبراطورية الفارسية قورش الاكبر وابنه خشيار شاه، الى محمد علي ونابوليون بونابرت ،مرورا بالناصر صلاح الدين الايوبي والملك ريشارد قلب الاسد، واستمرارا الى السلطان العثماني سليمان القانوني وحليفه الفرنسي فرانسوا الاول ، وغريمه الاسباني شارل كنت، وربما منذ عهد أغاميمنون قائد تحالف ملوك اليونان ،وملك طروادة بريام واميرها هيكتور،..استمر الصراع بين الشرق والغرب ،وسيستمر فصولا ،لاسباب اقتصادية عموما، منسوبة للايديولوجية حينا ، وللاديان المتنافسة في معظم الاحيان. هناك العديد من الكتابات التي تناولت مراحل الغزو الروماني لآسيا ،وما تبعها من تطورات خلصت الى انقسام الامبراطورية الى رومية شرقا وعاصمتها بيزنطة، ورومانية غربا وعاصمتها روما، فكان للاولى صراعات دامية مع الدولة الاسلامية منذ لحظة ظهورها في القرن السابع ،والتي استمرت حتى العام 1453 الذي شهد سقوط بيزنطة ،ونهاية الامبراطورية الرومية الشرقية والذي انهى الوجود الاروبي على الاراضي الاسيوية والشرق عامة. وبدأ الشرق يستعد من جديد، لان يبدأ حملات غزوه للغرب ،تحت قيادة السلطنة او الخلافة العثمانية ،وبذلك فتح السلطان محمد الفاتح ومن بعده سليمان القانوني سفرا جديدا من الصراع شرق ـ غرب ،بانتقاله الى الاراضي الاروبية ثانية، وهو الغزو الذي رأى فيه الكاهن مارتن لوثر منشىء المذهب البروتستانتي، لعنة إلهية حلَت على اعدائه اتباع الكنيستين الارثوذوكسية والكاثوليكية ،فلمَا انتهى الاتراك قدما الى اسوار فيينا عاصمة الامبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، وهم لا يفرَقون بين اتباع هذه اوتلك من الملل والنحل المسيحية ،تراجع الكاهن البروتيستانتي واعلن ان الحملة العثمانية على اروبا ،عمل من اعمال الشيطان ،ودعا لمواجهتها باسم الرب العلي القدير. وبقيت اثار تلك الغزوة التركية قائمة حتى يومنا هذا في البانيا ،وفي البوسنة والهرسك. ونذكر هنا ،ان سقوط غرناطة وبالتالي نهاية "الاندلس" الاسلامية ،على ايدي الملكين المقدسين فرديناند وايزابيلا حدث بعد سقوط بيزنطة باقل من نصف قرن (1492)، وترافق مع ذات التاريخ الذي انطلقت فيه سفن كريستوف كولومب ،لاكتشاف طريق يوصل الى الشرق الاقصى بحرا ،وتفادي طريق الحرير القديم بعد ان اصبح تحت سيطرة الاتراك العثمانيين،سادة دولة الشرق القوية وقتذاك.وبذلك بدأت ملحمة استعمار العالم الجديد ،وحملات تطهيرها من رجس اهله الهنود الحمر والسمر ،بدعوى انهم الكفار انجاس غير المعمدين. اصبح من المؤكَد تاريخيا ،ان الحسناء هيلين التي تلقَب بـ "الطروادية" ،كانت اسبارطية وبقيت كذلك، لم يختطفها الامير الطروادي باريس ،ولم تثار الحرب بسببها ،وإنَما الذي دفع اليونان الاروبيين لمهاجمة طروادة الاسيوية وهلاكها بالشكل الذي رواه هوميروس ،يعود الى رغبة الغرب الاروبي في الاستيلاء على طريق التجارة المار بنطاق المضائق الشهير: مضيق الدردنيل ،بحر مرمرة ،ومضيق البوسفور، وهي الممرات الرابطة بين بحر إيجه المتفرع عن البحر المتوسط والبحر الاسود الذي يطل على بلدان شاسعة ،غنية بالصوف والمعادن النفيسة. الامرالذي يبرىء هيلين ،باريس ،وآلهة الاولمب المتهمة هي الاخرى ،بالتورط في اشعال تلك الحرب ،إرضاء وانتصارا لطقوس دياناتها المتنافسة. وفي هذا الإطار العام ،قد يكون من المفيد ان نتذكَر حكاية "حصان طروادة" ،التي اوردها هوميروس في الالياذة ،تلك القصة التي تكشف حيلة الغزاة اليونان في حربهم على طروادة في الالفية الثالثة قبل الميلاد، وفيها تفاصيل تسلل اليونان الى قلب المدينة الحصينة ،داخل احشاء الحصان الخشبي المقدس ،الذي اعتبره الطرواديون غنيمة حرب ،فيما كان يحمل في احشائه المتطوعين اليونان بقيادة الداهية يوليسيوس، فانقضَوا على الطرواديين ليلا ،وتمكنوا من فتح ابواب المدينة، لتعبر فيالقهم الرابضة خارج اسوارها المحصَنة. وهذا ما يعيد الى الاذهان بعض اطروحات الدهاة الاروبيين المعاصرين، الذين يعتبرون الهجرة والمهاجرين بمثابة كتائب الغزو الشرقي لبلادهم ،ويصفون العملية بانها شبيهة بـ"حصان طروادة" شرقي ،يخرج من دواخله ارتال المتطرفين الاسلاميين ،ليحصدوا ارواح المواطنين الأبرياء. كما نذكر ان تعلَق الناس بالرياضات الشعبية ،جعلهم لا ينتبهون لاصول تسمياتها، على غرار مسابقات "الماراطون"، التي لم تكن بين المنافسات الاولمبية القديمة ،بل ادرجت فيها حديثا من طرف الاروبيين المعاصرين أدعياء الموروث اليوناني، الذين اهتدوا الى السبيل لتخليد المأثرة اليونانية ضد جيوش الغزو الفارسي عام 490 قبل الميلاد، فاطلقوا الاسم على مسابقة الجري لمسافة اثنين واربعين كلم ومائة وخمسة وتسعين مترا، وهي ذات المسافة التي تفصل اثينا عن ميدان معركة ماراطون، والتي انتصر فيها اليونان على الفرس. وتذكر الاسطورة ان الجندي فيليبديس حمل الخبر السار، عن الانتصار اليوناني الساحق، الى اثينا جريا ودون توقف ،فقطعها في وقت قياسي ،انقطعت انفاسه بعدها. وبقي الصراع شرق ـ غرب قائما ،ليعاود الكرة بغزو غربي للعمق الشرقي هذه المرة ،قاده الملك المقدوني الشاب الاسكندر الاكبر عام 334 قبل الميلاد، وهو المعروف في المصادر العربية باسم الملك "ذو القرنين"، فاجتاح بجيوشه الجرارة شرقي المتوسط ومصر وكل ممالك فارس ،وبلاد السند والهند ،حتى حدَته شواطىء المحيط الهندي جنوبا وجبال الهمالايا شرقا، ثم عاد ليلقى حتفه بجوهرة الشرق مدينة بابل ،عن سن لا تتجاوز 32 سنة، فسقط بذلك مشروعه الرامي لاندماج الغرب والشرق، او ادماج الشرق في الغرب ،وانتهى عهده بالهند وفارس وارض الرافدين، فيما استمرت انجازاته الاستيطانية قائمة شرقي حوض المتوسط. الصراع القائم بين الشرق والغرب ،ليس وليد العصر إذن ،وإنَما هو ازلي ليس له بداية معروفة ،ويصعب تحديد نهاية له في العصور المقبلة، وكل ما يمكن ذكره بخصوص المآسي الناجمة عنه ،انها فصول دامية ،القت بظلالها على تاريخ العالم منذ القدم ،ومازالت تصبغ حقبتنا الحالية بلونها القاني ،المنسكب مدرارا من اوصال بني البشر.
#محمد_دامو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اتهام صنصال بالسرقة الادبية .. رواية الأعرج الأكثر رواجا وتس
...
-
التاريخ ..دراسة وتدريسا
-
آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية
-
مزامير حروب الشرق و..الامر المحسوم سلفا
-
الملكية الفكرية او..أكسير الخلق والابداع
-
هيئة الامم ..سلبا وإيجابا
-
الهلال الخصيب في..زمن عقوق ونكران بني الانسان
-
-دياسبورا- الهلال الخصيب و..متطلبات الشرق الاوسط الجديد
-
العربية في..اسفار المأساة اللغوية الجزائرية
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|