صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بدأً اقول اني اركز هنا على حملة "نعم" ليس بقصد تبرئة حملة "لا" أو بتجاهل اخطائها, وانما لا امتلك معلومات عن اخطاء وتجاوزات الحملة الثانية إن كانت موجودة, ولعل كاتباً اخر اعلم بها مني يتصدى لها للمقارنة.
نلاحظ ثلاث نقاط مميزة للحملة المؤيدة لصيغة الدستور, والتي سبقت التصويت عليه.
الاولى هي تصوير الامر كأن الصراع كان بين "الدستور" و "اللادستور", او بين "الدستورية" و"الصدامية", وكأن صيغة الدستور المقترحة هي الصيغة الوحيدة الممكنة, فهو : "الدستور" وليس صيغة دستور. لذا تم تجنب مناقشة نقاط الدستور بشكل مفصل إلا في حالات نادرة.
والنقطة الثانية هي ان معظم مؤيدي صيغة الدستور لم يكونوا مقتنعين بها فعلاً ولم يخفوا ذلك. وبدل من تبرير تأييدهم بأظهار ايجابيات المسوّدة (ومقارنتها بالسلبيات), ركزوا على بث الخوف من رفض "الدستور".
والثالثة هي ألاسلوب غير الديمقراطي في ادارة النقاش.
أؤكد هنا ان هذه المقالة تهتم فقط بالحملة الاعلامية وليس عملية الاقتراع نفسها التي ربما كتبت عنها لاحقاً.
فبالنسبة للنقطة الأولى تلاحظ أن كتابات مؤيدي صيغة الدستور, لاتتحدث عن "هذا الدستور" بل عن اهمية ان يكون للبلاد "دستور" ما. وبالطبع فالامر مختلف تماماً, فالمعترضين كانوا (في غالبيتهم) يعترضون على نقاط محددة في صيغة هذا الدستور وطالبوا بتغييرها شرطاً لقبولهم اياه. المؤيدون للدستور كتبوا شعاراتهم "نعم للدستور" وسقط الجانب الاخر في الفخ فكتب "لا للدستور" واظهر نفسه كأنه معاد للدستورية نفسها وليس على نقاط في الصيغة, وكان خيراً لو ابدل شعاره الى "لا لهذا الدستور".
ألاتجاه الاخر كان يظهر كل من يطالب بصيغة اخرى للدستور على انه يريد "دساتير" صدامية بدلاً منه.
داود البصري يؤيد صيغة الدستور بمقارنة بينه وبين دساتير البعث قائلاً: " لقد حكم نظام البعث البائد العراق من خلال دساتير مضحكة وموقتة وتتعمد صناعة القوانين وفقا لمشيئة القائد الاله" وهو كلام سليم ولكن لا محل له من الاعراب.
لقد لعب هذا التوجه دوره في تعتيم النقاش حول مسوّدة الدستور المقترحة بالتعاون مع الانعدام التام للشفافية في مرحلة كتابة المسوّدة فلم يحرم الناس من معرفة النقاش الجاري حول النقاط المختلفة داخل لجنة كتابة الدستور, بل ان التعتيم شمل حتى قادة الأحزاب السياسية الذين اعترفوا انهم لا يعرفون كيف تجري الامور وكيف تتخذ القرارات وكيف توضع صيغ نقاط المسوّدة.
الشيء الصحيح هو اعطاء الشعب الفرصة لمناقشة تفاصيل الدستور ونقاطه, ليس فقط من خلال الشفافية اثناء كتابته وطبع نسخه وتوزيعها قبل وقت كاف وانما ايضاً من خلال مناقشات مطولة وأمينة في اجهزة الاعلام. والحقيقة ان هذا هو ما كانت لجنة كتابة الدستور قد وعدت به الناس قبلاً. بدلاً من ذلك كانت وسائل الاعلام تكراراً للعبارات الدعائية "ذات الجملة الواحدة" التي تميزت بها تصريحات السياسيين العراقيين. كذلك لعب تأخر توزيع كتيبات الدستور دوراً اضافياً في حرمان الناس من معرفة تفاصيل الدستور, سواء كان التأخير متعمداً او نتيجة ضيق الوقت الذي فرضته الاجندة الامريكية.
الميزة الثانية هي عدم الاقتناع الواضح لمؤيدي صيغة الدستور, واللجوء الى تخويف الناس من نتائج رفض الدستور الذي سيصب في صالح الارهاب وسينشر الفوضى في البلاد.
فمثلاً, وبعد ان يعترف توفيق الياسري، نائب الأمين العام لـ «الائتلاف الوطني الديموقراطي» بكثرة الاشكالات في الدستور يقول أن «رفض الدستور سيؤدي الى ضياع عام بانتظار تشكيل حكومة موقتة جديدة تضيف سنة جديدة من الأزمات والمشكلات والاحتقانات الطائفية الى جانب الغياب السياسي والإداري الذي سينعكس سلباً على واقع البلاد».
كذلك قال النائب في «التحالف الكردستاني» عبدالخالق زنكنة أن «رفض الدستور سيدخل البلاد في دوامة مفرغة، من الصعب التخلص منها، وإقراره قد ينهي الأزمة السياسية في البلاد، ويساعد العراق في العبور نحو شاطئ الأمان، ويفسح المجال لإنهاء وجود قوات الاحتلال». وهناك امثلة اخرى كثيرة جداً على ذلك.
لكن هذا التخويف لامبرر له حسب رأي الناطق باسم الحكومة العراقية ليث كبة حيث أشار الى ان رفض مسوّدة الدستور سيعني اعداد البرلمان على عجل لمسودة اخرى يجري عليها استفتاء ثان. وقال بوضوح ان رفض الدستور لايعني ان جهود كتابته قد ضاعت لان الجمعية الوطنية قادرة على تقديم مسودة اخرى في وقت قصير وطرحها للاستفتاء من جديد موكدا ان المهم هو تامين وتقوية الاواصر بين العراقيين.
النقطة الثالثة الهامة هي اننا نلاحظ ان مسوّدة الدستور لم تحظ بالشعبية والحب حتى بين من صوّت لها, وان تبرير التصويت كان دائماً هو الخوف مما هو اسوأ, والوعد بتغييرها مستقبلاً.
داود البصري يكتب مثلاً: " نعم هنالك جوانب نقص وهنالك التباسات وتفسيرات متضاربة حول بعض البنود, وهنالك اطنان من الشكوك والريبة والتوجس والحساسيات الطائفية, ولكن هنالك بالمقابل بذرة امل وطنية تنمو في وضع العراق على اول الطريق الصحيح في وطن كانت سمته الفوضى وعدم الاتفاق"
ويعترف توفيق الياسري، بـ «خروقات وثغرات كبيرة في مسودة الدستور المثيرة للجدل». لكنه قال إن «إقرار الدستور بات أمراً مهماً لعبور المرحلة الحرجة، رغم كونه لا يقدم حلولاً نهائية، لا سيما ان الوضع يتسم بالقلق وانعدام الاستقرار»
ولا يجد كريم النجاتي الناطق باسم «التيار الصدري» وصفاً للدستور إلا بأنه «خطأ شائع»، وان «الخطأ الشائع خير من الصحيح الضائع»
الحزب الشيوعي كان في كل مرة يعبر فيها عن تأييده للدستور لاينسى ان يضيف عدداً كبيراً من التحفضات عليه حتى ان المرء ليعجب لم يؤيده حتى يكتشف انه ليس إلا الخوف مما هو اسوأ منه, فيقول حميد مجيد: "وحينما ألاحظ أن بعض الانتقادات الموجهة للدستور تأتي من جهة لسحبه أكثر للخلف عند ذلك أقبل بهذا الدستور"
ويعبر احمد المتـرجم بشكل جميل عن هذا الموقف فيقول في مقالة له: فكل هذه الاسباب واسباب اخرى قد لايتسع المجال هنا لذكرها قد دفعتنا وقادتنا للادلاء على مضض بنعم للدستور . فنحن اردنا رفض الدستور لمصالح وطنيه بحته تشمل جميع اطياف الشعب العراقي دون ابعاد او تمييز (...) في حين اراد الطرف الاخر رفع المصلحة الشخصيه اولا" ويكمل: "اذن لماذا نذهب معهم ونحن على الرغم من اننا متفقين في الرأي لكننا مختلفين في الاهداف؟ فنعم وبعدها نعم لا حبا بالدستور.. بل بغضا بالمنافقين والصداميين".
أما النقطة الرابعة فهي ان الحملة الاعلامية كانت عبارة عن معركة تبادل تهم مخجلة: بعض الرافضون يتهمون الاخرين بالعمالة للامريكان والمؤيدين للمسوّدة يتهمون خصومهم بتأييد الارهاب والصداميين.
لقد شارك في ذلك العراك كتاب يدفعهم حماسهم, رغم حسن نيتهم الواضح. فكتب حمزة الجواهري في الحوار المتمدن(http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=48041 ) مستنتجاً ان من صوت ضد هذا الدستور يرفض خروج المحتل وبأنه, وبعد الفرصة المقدمة لتغييره مستقبلاً, لابد ان يكون من البعثيين او السلفيين! لأننا: " لا نستطيع أن نفهمه إذا كان الرافض للمسودة علماني مثلاً." فيبدو ان الجواهري يعتبر هذا الدستور علماني الى درجة يستحيل على علماني ان يرفضه! والحقيقة ان هذا منطق اعوج, ان تستند في قبولك للدستور على انك ستغيره! طبعاً الفرصة لتغيير الدستور خرافية (الا اذا كان زلماي يريدها).
ثم يستمر حمزة الجواهري بتهجمه المؤسف على من يفترض انهم يختلفون معه في الرأي فقط , فيرى بأنهم اما صداميين: "هذه المجموعة الرافضة لا ولن تقبل بأي دستور سوى دستور صدام الذي كتبه هو، وعدله هو، ليمنح نفسه حق قتل الشعب بلا حساب."
او هم " هيئة علماء المسلمين التي تتبنى مواقف الطرفين البعث من ناحية والأزارقة من ناحية أخرى "
اما من بقي فيصفهم : " أما ثالث الرافضة هم السلفيين التكفيريين من الأزارقة الغرباء على العراق، بل الغرباء على الإنسانية كلها!"
فلو رفضت هذا الدستور وقلت انك لستَ صدامياً ولم تكن من هيئة علماء المسلمين, فأنت غريب عن الانسانية كلها!
والحقيقة اني لم ار الكثير من التكفيريين ممن هم اشد تكفيرية من هذا المنطق الداعي الى الغاء الاخر المختلف في الرأي وانكاره انسانيته بصراحة ووضوح, والمهيء لقبول العنف ضده! ألا يشبه هذا الكلام ما كان صدام يقوله عن الايرانيين ليبرر الحرب عليهم؟ هل هناك فرق شاسع بين هذا الكلام والأنشودة الصدامية التي تصف الايرانيين قائلة : " ذولة اصلاً مو بشر"؟
ليس لي إلا ان آمل ان يراجع السيد الجواهري كلامه ويعترف بخطأه يوماً ما, وكذلك من قال مثله.
ولم تقتصر الاساليب غير الديمقراطية على الكتابة العدائية المحرضة, بل تعدتها الى الترهيب من قبل الحكومة التي يفترض ان تقف موقفاً محايداً تماماً لتتيح للشعب ان يقول رأيه بلا تأثير. لكنها بدلاً من ذلك ارتكتب العديد من التجاوزات كأن تضغ الملصقات المؤيدة لـ "نعم" على سيارات الشرطة وغيرها وتقوم بحمايتها, اما من يقوم بالصاق ملصقات الجانب المقابل فقد كانت الشرطة تقوم بالتقاط الصور لهم, مما ادى الى توقف الحزب الإسلامي العراقي عن تعليق الملصقات التي كتب عليها (لا للدستور).
ايحق لنا اذن ان نعتبر ادارة حملة الاقتراع عملية ديمقراطية أمينة نفخر بها, ام انها ستذكر كتأريخ مؤسف؟ أهي خطوة في اقناع الشعب العراقي بالديمقراطية ام خطوة في تشويه سمعتها لديه وبث اليأس من المستقبل في روحه؟ لكل ان يضع اجوبته التي يقتنع بها, وللتأريخ قوله.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟