أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد عبد المجيد - باريس لا تحترق!














المزيد.....

باريس لا تحترق!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 4986 - 2015 / 11 / 15 - 23:57
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


باريس لا تحترق!

ظلام يتسلل إلى عاصمة النور يوم الجمعة الموافق الثالث عشر دون أن تحط بومة واحدة على برج إيفل، فيتساوى التطير والتشاؤم.
الخليفة أبو بكر البغدادي لا يفهم ما يكتبه موليير، وروايات إميل زولا ممنوع تداولها في الموصل، والبؤساء يغادرون الدولة الإسلامية قبل أن يستأذنوا فيكتور هوجو، وشاتوبريان فشل في التعريف بالوطن الأم، فالظلاميون الجدد يؤمنون أن الدين هو الوطن.
في الصباح قرأت قليلا في كتاب بقلم كارلوس ليسكانو( عربة المجانين ) عن يوميات سجين في الأوروجواي إبان حُكم العسكر.وكادت أعصابي تفلت هاربة من جسدي رغم أنني أقرأ الكتاب للمرة الثالثة. بعد ذلك أمسكت بكتاب ( ثقوب في ذاكرة الجزائر) عن التجارب النووية الفرنسية قبيل الاستقلال، ولم أكتف بهذا، لكنني ذهبت إلى اليوتيوب لمشاهدة أفلام عن المشوهين الجزائريين إثر التعرض للتجارب النووية وكأني سمعت إبليس يهمس في أذني بأنه لا يستطيع تحمل عدة دقائق في تأمل ضحايا الجيل الثاني والثالث من الذين تشوهت رؤوسهم وأيديهم وأرجلهم وأعينهم وآذانهم وأسنانهم فأصبحوا حطام مومياوات تعيش بيننا.
غضبت على الاستعمار والاستدمار في كل مكان من العالم، فالتدميريون يحملون بين أضلعهم حمماً من نار جهنم أو يزيد، ولا يختلف الديني عن السياسي، واللص عن القاتل، والمتطرف عن الداعية، والمؤمن عن الكافر، والمذهبي عن السفاح.
ثم قررت أن أستريح ما بقي من يومي فأدلف إلى العشقيات والغزل وأطالع قطعة أدبية وأسمع كونسرتو بيانو واستمتع بصوت أسمهان وأحلام أو أشاهد مسرحية كوميدية تــُـخرجني من العالم المجنون.
في التاسعة والنصف مساء انتقلت باريس إلى بيتي قبل أن أطير إليها، ونسيت غضبي على الماضي ليحل الغضب على الحاضر مكانه. وجلست أتابع يوم القيامة الباريسي، فدخلت، وأنا في مكاني لا أبرحه، مكتباتها القديمة، واشتريت صحيفة لوموند ،وجلست في كافتيريا أنيقة أرتشف قدحا من القهوة البرازيلية مثلما كان يفعل ( الزاهر ) في رواية البرازيلي باولو كويلهو، ولعبت كرة طاولة مع شاب أفريقي كما فعلت أول مرة أزور فيها عاصمة السين!
اختفى الوجه القبيح للاستعمار، واعتذرت لمالك بن نبي، وتأسفت لمحمد بوضياف ولهواري بومدين الذي رفض زيارة فرنسا ما بقي له من عُمر، فجرحه كان غائراً لا يندمل إلا تحت التراب.
بدأت أحاول التخفيف من ثقل الماضي حتى ألعن مذابح الحاضر، فقلت لنفسي بأن القسوة لا دين لها، والغلظة تغطي قلوب المؤمنين وغير المؤمنين على قدم سواء، والمسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون والكونفيوش والهندوس وغيرهم مارسوا التجارب النووية في الخيال لأن الفرصة لم تتُح لهم في الواقع.
قلت لنفسي بأن الإنسان خُلق من طين، لكنه استبدل به جمرات من نار ليتساوى مع الشيطان، وقابيل أورث أحفاده الشر كله، وبدون تجارب نووية كانت المذابح لا تتوقف، من ملك بلجيكا في الكونغو، مروراً برواندا في منتصف التسعينيات حتى ذُبح على مرأى من قوات حفظ السلام مليون رواندي، وليس انتهاء بجوانتانامو وأبوغريب وغرقى البحار وحربين عالميتين أكلتا خمسين مليونا، وفيتنام وحرب عالمية ثالثة بدأت للتو ولم تسخن بعد.
نزل الحزن على صدري، فباريس تحترق مع قلوب عشاقها، والبرابرة الجدد يتعطشون للدماء في المسرح والملعب والشارع، ولم يبق على داعش إلا أن تشكر كل الذين قاموا بتسليحها، وفتح الأبواب لها من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وسوريا والعراق وليبيا واليمن وغزة ...
كل الضحايا لهم قيادات ساهمت في تغذية الذئاب، وكل الذئاب رقصت مع الحملان قبل ذبحها.
أتعاطف مع فرنسا .. مع باريس .. مع الأبرياء وأهلهم وأحبابهم وأصدقائهم. القاتل ليس هو الذي يطلق النار أو ينسف نفسه بحزامه، لكن الشريك أيضا قاتل ولو بقدر أقل. داعش استولت على بترول العراق، وربحت مليارات في الموصل، وتولــّـت دول مجاورة إسلامية مهمةَ تهريبه، وقامت مصارف غربية بالعمليات البنكية المعقدة برائحتها الكريهة.
أكثر المراكز الإسلامية في أوروبا قام عليها نصَّابون ومحتالون ولصوص وإرهابيون طوال أربعة عقود، وتسللوا إلى مفاصل الدولة عن طريق السماء، فالدعوة أيضا يمكن أن تكون تمهيدا لمذبحة، وصلوات كثيرة تقام خلف إرهابيين.
باريس ستقوم من جديد رغم أنف الحقد والإرهاب ودعاة الخلافة الدينية وورثة الكراهية وحاملي بذرة البغضاء.
كنت أتمنى أن أقول: اليوم كلنا فرنسيون، لكننا أيضا روس ومصريون وليبيون وعراقيون وسوريون ولبنانيون وأكراد وفلسطينيون و ....
من يبكي على قطرة دم إنسان ويظن أن آخر تجري في عروقه مياه فقط، فبكاؤه إثم، وحزنه إفك.
باريس .. لافي آن روز، وأزهار الشر ستذبل وتموت ولو رواها مئة خليفة بودليري، وعشاقك ينتظرون افتتاح مسرح أو دارعرض أو معرض للكتاب أو دار نشر تزيد النور .. نوراً.
باريس.. رغم أن مدريد وأبوظبي وأثينا والكويت وجنيف ومسقط ولوكسمبورج والاسكندرية وأوسلو ودبي أقرب إلى قلبي منكِ، لكنني أعترف بأن فيكِ سحراً لمحبيك وكارهيك، ومن لم يغن لكِ ولو كان جاهلا بلغتك، فلا يعرف الحب ولا بيافه ولا ماتييه ولا موستاكيه ولا أزنافوره!
باريس تحترق في أخيلة مصاصي الدماء فقط، أما الذين تنبت الأوراق الخُضر في قلوبهم فلا يحل الشوك مكان الشوق فيها.
باريس .. رغم أنني عربي ومسلم أغضب عليكِ أحيانا وأغضب منك أحايين أخرى، إلا أنني أحزن إذا مَســَّـكِ أحدٌ بسوء أو مكروه أو خدش أو .. إيذاء!
باريس .. سامحيني فالارهاب مصنوع عندنا وعندكم، ولكِ الحق أن تغضبي علينا، ولنا الحق، بعد عودتكِ إلى أحضان السلام، أن نغضب منك.
باريس .. لا تفتحي ذراعيك مرة أخرى لمن يتطاير الشرر من أعينهم.
عزائي لكِ في أبريائك الذين أبهرهم سحرُك وقتلــَـهم سحرَتــُــكِ!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير طائر الشمال
أوسلو في 15 نوفمبر 2015



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنشيط أمْ منشطات؟ الرقص في شرم الشيخ!
- عقولنا ألسنتنا ..الرجم في الحالتين!
- إعادةُ تصنيع الزمن الجميل!
- نور الشريف .. مرة أخرى!
- رحيل سوّاق الأتوبيس!
- رسالة عشق لميدان!
- مراجعة مؤقتة لموقفي من الأردن!
- إذا كنتم تحبّون مصرَ فقاطعوا صحافتَها!
- من فضلك لا تقرأ، فالجهل معرفة!
- البراءة لمدة عشرين عاماً!
- اضحك فرئيسك يبتسم!
- الصراخ وحده لا يكفي!
- عبثية الحُكم على السلطة و .. تبرئة المال!
- الإعلاميون الأُذُنيّون!
- المشهد الجديد لدولة الإمارات!
- الأحكامُ الجائرةُ عَدْلٌ!
- انتصار المسلمين في موقعة فاطمة ناعوت
- لا تحاول أن تفهم حتى تفهم!
- أيها الأشقاء المغاربة، أعتذر لكم باسم المصريين!
- رسالة إلى سيد القصر!


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد عبد المجيد - باريس لا تحترق!