أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - سيمفونية الروائح و الأمكنة - قراءة في مجموعة أوتار الماء لمحمد المخزنجي















المزيد.....

سيمفونية الروائح و الأمكنة - قراءة في مجموعة أوتار الماء لمحمد المخزنجي


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 1363 - 2005 / 10 / 30 - 12:27
المحور: الادب والفن
    


في نصوصه القصصية ( أوتار الماء ) – هيئة الكتاب 2003 – يحول(محمد المخزنجي ) معرفة الراوي وخبراته العلمية والسيكولوجية إلى ظواهر إبداعية تقاوم انتظام هذه الخبرات في نسق واحد ، وذلك من خلال اللعب بعناصر الواقع والنص ، ثم العلامات المؤولة للشخصيات أو الأحداث غير المنطقية . إننا هنا أمام قراءة جديدة لثقافة الماضي ولمنظور الراوي والمتلقي على السواء ، فالمخزنجي يقيم انشطاراً بين وعينا وآلياتنا السابقة في إدراك العالم ، يقوم على الدهشة و التساؤل وبكارة الاكتشاف المستمرة ، ليس هذا فحسب ، بل إنه يحثنا على تحويل وجودنا – من خلال التأويل – إلى ظواهر لها حضور متغير كالأسطورة .
لقد تواترت القراءات الأدبية للعلم والواقع حديثاً ، فيري ( فرانسوا ليوتار ) مثلا أن تطور العلم لن يتحقق إلا بالتخلي عن المشروعية الشمولية لخطاب العلم نفسه ، وذلك من خلال دخول مفرداته نطاق الألعاب اللغوية اللامتناهية ( راجع – ليوتار – مدخل إلى ما بعد الحداثة /ت/ أحمد حسان / هيئة قصور الثقافة سنة 94 صـ 184 وما بعدها ) هكذا يعيد نص المخزنجي قراءة العمليات المعرفية للراوي والمتلقي ويضعنا أمما شكل أسطوري للمنظور في درجة تالية لإدراك المنظور للأسطورة فى داخل الواقع وفى هذا كسر للشفافية التقليدية في العلم عندما يكتشف نسيجه الأدبي الخفي .
في ( ذلك الوميض ) تراود الراوي رغبته المستمرة في الخروج من أسر القواعد العلمية التي تختزله ، ثم تتجسد هذه الرغبة في الصرخات البدائية الصاعدة من ذاكرته ، كأنها تعلن بروزها خلف المكتوب في المراجع أو من داخل الشمولية التي يدعيها مبني المستشفي ، فهل كان المتحدث هو طيفه الآخر في سياق هذه الصرخات الخفية ؟ أم حضوره الراهن كطبيب ؟ يلتبس إذن مصدر الصوت لصالح السياق غير المرئي ليرسم لنا وعيا بالصورة العبثية الضاحكة للمبني لأن ما يظن أنه يحتويه يسخر منه ، ومن البناء الفني الذي يفترض إدراك الراوي لشخصياته على السواء . هذا الوعي لن يتجلى في النص كوجود مركزي ، ولكنه أثر لصورة زوجين أنجبا طفلاً له سمات ( قط ) بعد اثنين وعشرين عاماً من عدم الإنجاب ، أي أننا نستطيع قراءة وجود الراوي الطبيب من خلال تطورهما الإبداعي غير المبرر والمقاوم للنزعة الشمولية . فالنص يطرح علينا روايتين متضادتين للقصة . الأولى : تشخص فيها حالة العجوزين بأنها فصام اكتئابي يقترب من دائرة ( الذهان ) ، وتتمثل في شك الرجل بأن زوجته خانته مع ( قط ) ، أما الاحتمال الآخر فيعيد قراءة الخطاب العلمي الأول بوصفه ظاهرة استثنائية لا تتصف بالكلية ، فالطفل بالفعل ذو عينين تضيئان في الظلمة ،والعجوزان ينامان في النهار ويستيقظان طوال الليل . هل استحالت الظواهر الفصامية إلى واقع إبداعي يعيد قراءة الشخصية وتأويل الأنا لنفسه ؟ أم أن هناك إدارة لا شعورية – على هيئة كائن آخر – تصارع الإرادة المنطقية الصلبة وتحاول استبدالها أو السخرية منها فينشأ الفصام بصورة مضادة لمدلوله الأول ؟
الفصام – إذا – في هذا الاحتمال أن تنكر هذه الحالات وتتمثل ما هو مخالف لهذا الواقع الإبداعي الجديد . لقد كان الطفل انتشاراً نصياً للقطط التي طردها العجوز ليتحقق له الإنجاب ، ولصورة ( القط ) فى وعيه ولا وعيه الأسطوري المقاوم لتراثه المعرفي ذى البعد الواحد . وبالمثل سوف يعاين الراوي ذلك الوميض خلف عينيه ووجوده وذاكرته ، وسيهدده دائما أو سيحقق له اللذة عندما يخلو إليه . وفى ( رنين أوتار الماء ) يتداخل البطل وطبيبه في الدهشة المصاحبة للعالم الفصامي ، فالأول يعايش الهلاوس السمعية والبصرية التى تتلاحق عليه وتدخله سيادتها . أما الآخر فيرى فيها بكارة مدهشة للوجود ، كأنها لوحة متمردة ذات سياق جمالي مؤثر ويدعو إلى متعة التلقي.
ومن المنظور الجمالي نفسه يفسر البطل هذه الأصوات والأقدام الفزعة من خلال طاقة ( أوتار الماء ) وقت الاستحمام ، فالطاقة الظاهرية للماء تخون مدلولاتها الكيميائية والفيزيقية السابقة وتتحول إلى أثر صاخب للأسطورة . هل كان الماء أسطوريا بالأساس ؟أم أنه استدعي ( عدم التحديد ) في تكوينه فقاوم عمليات تقنين طاقته في مجتمعنا المدني؟
لقد أتي الماء حاملاً لأطياف بشرية لها القدرة على تحقيق الامتزاج الكوني الكامن خلف اللاوعي الأسطوري للإنسان المعاصر . هذه الأطياف استبدلت واقع البطل وأدخلته سيادتها الجمالي / الغاية تلك إلى تسلقت وعى طبيب ( المخزنجي ) واحتلت أفقه دون تحقق فعلي ، بينما أحدثت انشطاراً – في الوقت نفسه – بينه وبين مدنيته الحاضرة فى لنص .
وتبلغ المادة غير المرئية درجة هائلة من الاتساع فى الفضاء فى نص ( شرفة العطور ) ، فتمثل تشيؤ مالا يمكن إدراكه بالحواس ، وتوحي فى التأويل بخفه أو ثقل المطلقات كطاقة متحركة في واقعنا ، فهي تنتج معرفة بالعالم بقدر ما تزاحم وجودنا وتدخلنا في لعبتها ، فالتصاعد السيمفوني للرائحة – التي توصف بأنها نيئة – يحتل البطل ويخترقه ، فهل كانت رائحة الموت كما يظن ؟ أم أنها الحياة الأخرى لهذا المطلق غير المحدد ؟ . إن الموت هنا لا يعني انعدام المادة أو زوال طاقتها ولكنه الانتشار الأول للرائحة وتطورها الإبداعي بوصفها تكويناً ملتبساً بين الوجود والاختفاء . هذا التكوين ذو صوت بشرى طليق في الهواء يقاوم الحضور العين للمادة من داخلها ، فأحيانا يحتل البطل إلى درجة الاختناق ، أو يحضر صورة بصرية من النجمات اللازوردية والوميض الفيروزي بمصاحبة عطر ( الخزامي ) ، وفى هذه الحالة لا يقاوم البطل الدخول فى اللعبة بل يقبل أن يكون فاعلاً مجازياً مثل أطياف هذه الروائح وحيزها المكاني الجمالي ، ومن ثم لا نعثر في الحركة الأخيرة من سيمفونية الروائح على صوت الراوي / البطل أو منظوره ، فقد صار حيزاً لانتشار الأريج أو الأرواح الهائمة على هيئته ، ألا يذكرنا هذا بالحياة الحيوية الظاهرية للنار ، والتي تجمع الخير والشر والحب والكراهية فى مادتها عند ( جاستون باشلار ) في تحليله النفسي للنار ؟ . وفى ( تلك الحياة الفاتنة ) تصبح المسافة بين الحياة والموت مكسورة ، فالموت يعني انشطار الصورة وتكاثرها الإبداعي ، لقد انقسمت القطة الميتة إلى قطتين نشطتين مثلما تواتر موت البطل مع حياته في تكرار لا يعني بالمسافات الزمنية التقليدية . وفى ( حقيبة بلون الشفق ) تطل حقيبة ( تشيكوف ) من ذاكرة البطل لتقرأ وجوده ووعيه ولا وعيه ، فلون الشفق فيها يوحي بالغموض والأبدية ويشعره بأنه ذرة فى ملكوت لا نهائي ، أو أنه محاط بالوحشة . ومن هذه النقطة يتغير منظوره لجزء آخر من الذاكرة يخص بحثه عن بيضة ذهبية داخل الديك فى مرحلة الطفولة ، وكأن اللامرئي أو الأثر التأويلي يبعث الحياة فى الحقيبة والدجاج وذاكرة البطل ، لأنه بلا مرجعية و فريد في مضمونه و صورته.



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتاجية الإبداعية أهم شروط الإصلاح
- من الذات إلى أنوثة النص
- اندماج الثقافات في كولاج إدوار الخراط
- أحلام نجيب محفوظ مضامين متجددة للتجربة الإنسانية
- جماليات الإبداع تواكب طفرات البيولوجيا
- فرجينيا وولف صوت إبداعي متفرد
- حضور ديريدا
- حول العالم في ثمانين يوما الوجه الجمالي للحقيقة الروائية
- فوكوياما بين تحديات و مخاطر الديمقراطية الجديدة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - سيمفونية الروائح و الأمكنة - قراءة في مجموعة أوتار الماء لمحمد المخزنجي