أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فاروق عطية - حلمى البايظ بين المال والمؤهلات















المزيد.....

حلمى البايظ بين المال والمؤهلات


فاروق عطية

الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 20:05
المحور: كتابات ساخرة
    


فى السنة الثانية الابتدائي كان مجاورى على نفس التختة زميل بايت من السنة الماضية (يعيد السنة) إسمه حلمى عوض. كان حلمى لا يحب التعليم ويكره المذاكرة ويفضل اللعب واللهو. فى آخر العام رسب كالعادة ففطن والده أنه غير قابل للتعليم فسحبه من المدرسة وألحقه بورشة خراطة بشارع باغوص. في الأجازة كنا نلتقى كأصدقاء جميعا بالمنتزه بشارع المحطة ساعة العصارى لنستمتع بالزهور الجميلة ولسماع موسيقى البوليس التى كانت تُعزف يوميا فى كشك بوسط المنتزه. وفى المساء كنا نتبارى فى الشعر ويلعب بعضنا صلّح وبعضنا يلعب نطة الانجليز والبعض الآخر يتبارى فى رفع حجر كبير كان موجودا بجوار سور المنتزه. وبعد عدة شهور ومع بداية العام الدراسى الجديد اختفى حلمى من البلدة ولم نعد نراه. قال البعض أنه سافر إلى القاهرة ليعمل هناك وقال البعض أنه سافر ليعمل على السفن بالبحر المتوسط والبعض قال إن جنية اختطفته حين ذهب مساءا إلي شط النيل في غياب القمر .. ونسيناه مع الزمن.
ومرت عشرات السنين بعد تخرجى وعملى فى مجال الصناعة الذى لا يعطى الوقت ولا الأجازات الكافية التى كنا ندخرها كل عام للذهاب إلى المصيف, وكنت لا أزور مسقط رأسى إلا لماما, فى المناسبات الحتمية كتشييع جثمان أحد الأقارب, مجرد يوم بليلة والعودة سريعا إلى العمل. ولكن بعد تقاعدى 1997 قررت أن ازور بلدتى وبعض الأقارب القليلى العدد بها (لوفاة الكبار وهجرة الشباب إلى مدن أخرى طلبا للعمل). تجولت فى شوارعها وهالنى التغير الجذرى بكل مناحيها. وكان بالشارع الرئيسى منزل قديم كان أسفله بورصة الخواجة مانولى (مقهى وبار), إختفى هذا المنزل كما اختفت بورصة مانولى وحل محلها عمارة كبيرة من ستة طوابق أسفلها أجنس سيارات. وقفت أتفرج على العمارة وعلى الأجنس الذى كان يجلس على مدخله شخص يرتدى جلبابا أبيض حريرى يشف عن كرشه الكبير وملابسه الداخلية ويدخن الشيشة بشراهة. استرعى نظره وقوفى فرحب بى قائلا: تفضل ياسيدنا الافندى أهلا وسهلا. ثم صاح: واد يا فرغل هات كرسى للبيه. جلست بجانبه فبادرنى: سيادتك غريب عن البلد؟ أجبته: لا, ولكنى منذ عشرات السنين مع انشغالى بالدراسة والعمل لم أتمكن من الحضور إلا لماما. وسألنى عن إسمى وإسم العائلة وعنوان منزلى, بعدها راح يفكر قليلا ثم فاجأنى قائلا: ألم تكن تلميذا بمدرسة فاروق الأول الابتدائية فى الأربعينيات؟ أومأت بالإيجاب. قال: ألا تذكر زميلك على نفس التختة بالسنة ثانية أول؟ وفكرت وفكرت ولكننى لم أتذكر, فبادرنى: حلمى عوض. هرشت رأسى علّى أتذكر. فبادرنى مرة أخرى: حلمى الذى كنتم تطلقون عليه حلمى البايظ. عندها تذكرت حلمى البايظ واختفائه المفاجئ والذى لم نجد له تفسيرا. قلت له: هل تعرفه؟ وإين هو الآن؟ أجابنى وابتسامة عريضة تملأ وجهه المكتنز: أنا حلمى البايظ بشحمه ولحمه بلا فخر, هربت من البلد بعد سوء معاملة الأسطى عب جبار (عبد الجبار) لى فى الورشة وذهبت للإسكندرية وهناك تمكنت من العمل على أحد المراكب, لفيت العالم واتمرمطت ودُخت السبع دوخات حتي عملت قرشين مش بطالين بنيت بيهم العمارة الصغيرة دى وادينى قاعد على الأجنس ألقطّ رزقى والله المعين للغلابة من أمثالي.
ثم بادرني بالسؤال: بعد دراساتك طول هذه السنين وحصولك العديد من المؤهلات والدرجات العلمية ثم عملك لمدة 37 سنة تقريبا في عالم الصناعة, كم مليون جمعت حتي الآن؟ أجبته وعلي شفتي ابتسامة تنم عن الأسي أكتر من السرور: أنت با حلمي بعدت عن البلد فترة طويلة ولم تتابع أخبارها, انقلبت فيها الأوضاع ولم يعد العلم والمؤهلات هي الطريق إلي الثراء كما كانت في الزمن الجميل بقدر ما صارت الفهلوة واللعب علي الحبال والرقص في الموالد والأكل علي كل الموائد والتجارة فيما يفيد أو ما لا يفيد المهم أن تكون أراجوزا أو مهربا أو تاجر للمخدرات لتصير مليونيرا, أما الدراسة والعلم والكد والجد في العمل, فبقدر ما تحصل علي مؤهلات وبقدر جهدك في العمل الجاد بقدر ما تزداد معاناتك واللي جاي قد اللي رايح والمحصلة صفر والحمد لله, والبركة في الغلابة من أمثالك والله يعينك كمان وكمان.
قلت له: فاكر يا صديقي زمان كنا نعتبر باعة الخضروات والفاكهة من طبقة الغلابة والمعدمين الآن صاروا من الأغنياء والموثرين حتي باعة الفجل والجرجير أمثال فاطمة أم احمد صاروا أفضل حالا من الموظفين, أما أمثالنا من ذوي المؤهلات الكبرى صغر اليدين بلا فحر ونحمد الله علي كل حال. لدي أربع عمارات هم أبنائي الأريع الذين تعلموا وتخرجوا من الجامعات والآن بشقون طريقهم في الحياة بنجاح, وأرجو يا صديقي العزيز أن تكون قد فهمت ما أعنيه.
بعد أن شربت الشاى والساقع والعزومة عليّ بالشيشة عدة مرات ورفضي المتكرر, وبعد انتهاء الدردشة مع حلمى اللى مش بايظ قلت له وأنا أغادر المكان: يا حلمى صدقنى إنت مش بايظ, فقط أنت أذكي من الجميع لأنك استشرفت بشفافية متطلبات العصر الأغبر الذى نعيشه الآن وتركت العلم للهبل والمتخلفين عقليا من أمثالى عاشقي الشهادلت والمؤهلات التي لا تغني ولا تفيد. أنت مش بايظ يا حلمى, دا أنا وأمثالى من المغفلين الذين أفنوا أعمارهم فى طلب العلم ولم يجنوا غير سد الرمق, إحنا اللى بايظين وأهالينا واللي خلفونا كمان بايظين ..!!
ذات مساء حار كنت أسير علي شط النيل بمديتي لأستنشق هواء الليل العليل وفجأة انقطعت أنوار الكهرباء كما هو يحدث مرارا هذه الأيام ربما أكثر من ثلاث مرات يوميا, الليل بهيم والسكون يعم المكلن والقمر في المحاق, لم أعبأ بالظلام فقد تعودت عليه لكثرة حدوثه واستمريت في السير وضوء النجوم ينعكس من صفحة النيل الهادئ. فجأة وجدت خنجرا نصله ينغرز في خاصرتي وصوتا يأمرني بالسير حتي السيارة التي ركبتها دون معارضة.اصطحبني شحصان ملثمان والسائق إلي إحدي القري حيث احتبسوني قي أحد بيوتها, وطلب مني أحدهم أن اتصل بأسرتي وأخبرهم أنني مختطف ومطلوب فدية نصف مليون جنيه لتحريري وإلا كان الموت هو نهايتي.
من صوته الأجش وجلبابه الأبيض الحريري الذي يكشف عن كرشه الكبير وملابسه الداخلية ئعرفت أنه حلمي البايظ. قلت له يا حلمي أنا أخبرتك سابقا أنني لا أمتلك غير أربع أبناء أفنيت عمري في تربيتهم وتعليمهم ولا مال عندي. صمت لفترة قصيرة ثم قال: حيث أنك قد عرفتني وكشفت أمري فلا سبيل الآن إلا قتلك والتخلص من خطرك. صحت به بصوت جهوري: لا لا ياحلمي أنت صديقي ولن أبلغ عنك فلا تقتلني. واستيقظت علي يد أم العربي تجفف عرقي قائلة : متي ربنا يتوب عليك من هذه الأحلام التي تقض مضجعي؟ فلم أجبها وتصنعت النوم العميق ..!!



#فاروق_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمو فؤاد والكيف وليلة الجمعة
- التعليم بين الأمس واليوم
- تخبط كاتب وتصحيح معلوماته
- طفولية نظرتنا للأمور
- الجن والتدجيل والتداوي ببول البعير
- حصادنا التآمر وجزاء سنمار
- بعد الوليمة
- الشعوذة وعقدة الأعياد والطقم الاسود
- النيل نجاشي أسمر ملك روحي
- الجميلة والأقرع
- إتش الذي أحببناه حتي قتلناه
- فضيحة أبو العربي في بيرث
- يا خوفي يا بدران
- الحمير وعلي الله التدبير
- الأقباط والسيسي في عامه الأول
- بدون حجاب دونك والباب
- عصر وراء عصر تطور برلمان مصر
- حسرة علي مثقفي هذا الزمان
- مدينة أون المشرقة
- أرقص واتحنجل وخلّي بالك من شنجل


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فاروق عطية - حلمى البايظ بين المال والمؤهلات