بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 09:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الجزء الثالث من موضوعنا هذا وقفنا عند بعض النماذج الحية للعنصرية التي تضمنها العهد القديم من الكتاب المقدس عند أهله, فعرفنا أن العنصرية في الأساس إنتقلت للإنسان من إبليس الذي إدعى انه خير من آدم لأن عنصره "النار" وعنصر آدم "الطين". فكان أبغض ذنب عصي به الله تعالى من خَلْقِهِ المبتلين وهما الثقلان الجن والإنس.
والآن سنواصل تعقب هذا الداء العضال الذي أبتلي به الإنسان وعانى منه ولا يزال, ومع ذلك نراه يتفنن في إزكاء ناره وتأججها, والتوسع في دراسته وتصنيفه والسكوت عنه,, بل وإيجاد المبررات له ... الخ فنقول وبالله التوفيق:
سابعاً: أما دور النصارى في ممارسة العنصرية و/أو السكوت عنها, بل وإيجاد المبررات لها, واضح انه قد إستمر الحال حتى في العهد الجديد من الذين قالوا إنا نصارى - (على الرغم من أنه لم يكن بنفس القدر الذي تفرد به بنوا إسرائيل) - ولكنه لم يَخْلُ من ممارسات تقترب منها من مكان لآخر ومن زمن لآخر ليست بسيطة أو مقبولة في حق البشر الذين خلقهم الله أحرار وقدر أن يكونوا كذلك. ولكن كثير من الناس قد عشق هذا السلوك الشائن المخذي الوضيع فكان التواصل والتواطوء على هذا الفشل الإنساني الذريع, حتى جاءت آخر الرسالات وحياً يوحى على قلب من كان "دعوةٌ مبرورةٌ لإبراهيم الخليل وبشارةٌ موحاةٌ من موسى وعيسى عليهم جميعاً السلام.
ويمكن فهم الوضع الذي كان قائما لدى النصارى من أسفار وإصحاحات العهد الجديد التي منها النماذج الصريحة التالية:
(أ) جاء في سفر لوقا, إصحاح 12: (51- أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا),, (52- لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ),, (53- يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا»).
والغريب في الأمر انك عندما تواجههم بهذه النصوص الصريحة يقولون لك (أنت لم تفهم المعنى المقصود الذي هو شيء آخر), إذا أرونا هذا الشيء الآخر أيها الثرثارون المحبطون, ما دام أنكم لا تعرفون كيف تصورونه باللسان المبين, يمكنكم عرضه على القراء باللسان الذي ترونه أبلغ. أما الضيق والتبرم والسباب والإساءة فهذا دليل على الإنهزام والإحباط.
ويقولون أيضاً: (58- حِينَمَا تَذْهَبُ مَعَ خَصْمِكَ إِلَى الْحَاكِمِ ابْذُلِ الْجَهْدَ وَأَنْتَ فِي الطَّرِيقِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ لِئَلاَّ يَجُرَّكَ إِلَى الْقَاضِي وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الْحَاكِمِ فَيُلْقِيَكَ الْحَاكِمُ فِي السِّجْنِ). إذاً كيف سيكون هذا التخلص؟؟؟ ..... هل بالتصفية الجسدية أم بالحيلة والغش والخدام؟؟؟
(ب) وفي سفر متى, إصحاح 10 يقول: (34- «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا),, (35- فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا),, (36- وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ).
لماذا كل هذا الشر الذي تتقذذ منه وتشمئذ الضواري والكواسر والجوارح؟؟؟ ..... أليس كل الناس لآدم, وآدم من تراب؟؟؟
(ج) ثم في سفر متى:
- إصحاح 7: (6- لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ).
- وإصحاح 15: (22- وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا»),, (23- فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!»),, (24- فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ»),, (25- فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!»),, (26- فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب).
(د) وأيضاً في سفر لوقا, إصحاح 19: (27- أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي»).
(ه) وفي سفر كورنثوس2, إصحاح 6: (14- لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟),, (15- وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟),, (16- وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا),, (17- لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ).
(و) تجسيد مريع بشع للعنصرية بين - الإخوين أبني إبراهيم الخليل - إسماعيل وإسحاق, يؤكده ما جاء بسفر غلاطية, إصحاح 4: قال (30- لكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «اطْرُدِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ ابْنُ الْجَارِيَةِ مَعَ ابْنِ الْحُرَّةِ»),, (31- إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ الْحُرَّة). لا داعي أيتها العنصرية السوداء أن تقفي على مرتفع وترفعي أصبعك فأنت ظاهرة هنا تغمطك الشمس الساطعة.
فأنظر لقول الله تعالى في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 8),
وقال في سورة فصلت: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34), (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35).
ومع ذلك, نجد البعض تعميه العنصرية من أن يقول كلمة الحق,, أو على الأقل يسكت عن كلمة الباطل. والغريب في الأمر أنه يسعى إلى إخفاء الجبل بكفه أو بإبهامه. وهو يعلم يقيناً أنه يعوم عكس التيار, فكلما أمعن في إخفاء السوأة بانت أكثر. فهناك إسطوانة مشروخة قد أدمن نشاذها فلا يفتأ يديرها بسرعة حتى يخفي نبرتها ويحدها حتى لا يفهمها هو ولا غيره كمثل العنكبوت إتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
فعندما يغلب حيلة, ولا يجد ما يرفع به حرجه يدير إسطوانته التي لا تتجاوز أذنيه ولا يكاد يسمعها هو نفسه, فساعة يتحدث عن مفاهيم الإسلام, ثم عن المسلمين الذي يتقاتلون عن الأمور العقائدية ويكفرون ويخربون ويهجرون,,, ثم لا ينسى ذكر الصحراء والسيف وفتاوى رجال الدين,,, الخ. ثم ماذا بعد؟؟؟ ..... لن يسلم أحد من كيدهم وسبابهم إن تجرأ وكشف المستور ورفع الغطاء عن المهجور, وتسور المحراب على المهجور, وقال على الإفك هذا فجور.
العنصرية العالمية:
هذه ثالثة الأثافي,, وحتى نختصر الحديث عنها نأخذ عنصرية مجلس الأمن الدولي كمثال لها حي, خاصة وأنه يلعب على المكشوف (فالزمار لا يغطي لحيته), على أية حال, دعونا نسأل هنا:
هل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كافة هي دول كاملة السيادة, ولها نفس الحقوق التي للدول دائمة العضوية وتملك حق النقد؟,,, وعليها نفس الواجبات؟ .....
وهل كل دولة منها تمثل شعباً حراً وعلى مستوى واحد مع كل شعوب العالم بصفة عامة وشعوب الدول الأعضاء الدائمون بصفة خاصة؟ أم أن المسألة فيها خيار وفقوس وخلفيات عنصرية مهينة لا ترضاها الشعوب حتى إن إرتضتها دولهم وقبلت بالفتات وسط الكبار ملاك القوة الساحقة الماحقة – ترسانات أسلحة الدمار الشامل والإبادة الجماعية؟ أولئك الكبار "جداً" الذين يملكون حق النقد على حساب حقوق مليارات الأنفس البشرية التي - عندما يمارس هؤلاء الخمسة الكبار الرحمة بها - يطبقوا عليها أخف ما أعدوه لهم بالفصل السابع وهو "الحصار الإقتصادي" ليستمتعوا بعنت الحياة وضمك البقاء بالموت البطيء" الذي يبدأ معنوياً ثم ينتهي "عند المحظوظين" جداً مادياً بالموت.
هل الدول الأعضاء الباقين في هيكل الأمم المتحدة قبلوا هذا الدور المهين لهم ولشعوبهم (إختياراً) أم هم مقهورون عليه,,, ولماذا قبلوا هذا الوضع إبتداءاً؟؟؟ ..... وهل كان لديهم خيارات ما بين البقاء والفناء؟؟؟
وكيف يتبجح هذا الكيان العرقي المتغطرس "بالديمقراطية" وهو نفسه قد جعل تكوينه عنصرياً بغيضاً خالياً منها تماماً لمبدأ (البقاء للأقوى والأيسر) أما الضعفاء فقدرهم أن يطيعوا السادة الكبار, وحتى هذه الطاعة غير كافية إذا إستخدم أحد هؤلاء الكبار حق النقد فليس هناك ما يمكن أن يقف في وجهه ولا حتى (السادة الأربع الباقين) بحق النقد لديهم.
على هذا لم يبق أمام تنظيم الأمم المتحد سوى أحد خيارين حتى يفهم أصحاب الحقوق المهدورة ما يدور حولهم:
1. فإما أن تكون الديمقراطية وهم لا أصل لمبادئها المعلنة,,, تبطن حقيقتها التي هي لا أكثر من خدعة وآلية خاصة بأصحابها الذين يعرفون قانون لعبتها السياسية التي تنظم تداول السلطة بينهم – لا نقول سلمياً – ولكن نقول بدون قتال مسلح. وفي هذه الحالة لا ينشأ يتعارض بينها وبين العنصرية والظلم والإعتداء والتعدي,,, الخ. وبالتالي يصبح تكوين الأمم المتحدة العنصري الحالي متسقاً تماماً مع روحها ومبادئها وأهدافها وواقعها.
فيكون الأقوياء والأغنياء هم المسيطرون على كل شيء في الدنيا بدون منازع وأنهم هم أصحاب العضوية الدائمة في (مجلس أمنهم الدولي الخاص بهم), وهم أصحاب حق النقد فيه دون الآخرين حتى لا تنتقص سيادة أيهم وسطوته وسلطانه في أي موقف أو حالة بسبب وجود حقوق نقد (لأربعة) أخرين معه, وذلك حتى لا يقتضي - حتى التصويت الترجيحي بين خمستهم - ذلك.
أما الأعضاء الآخرين المؤقتين (المهمشين المهانين والمهينين لشعوبهم) فلا وزن, ولا دور سوى الإستماع للسادة وإلقاء كلمة فيها - شيء من إنكسار - وفي حدود المسموح لهم به لا تتجاوز حلمة اذانهم في كثير من الأحيان, حيث يجلسون بآمال شعوبهم في توفير أساسيات الحياة كأعلى سقف لطموحاتهم, فيرجعون لهم بالخيبة والفشل ومزيد من الضغوط السياسية والإنسانية والعقوبات الإقتصادية ودفن النفايات النووية.
2. أو أن تكون هذه الديمقراطية حقيقةً تعمل على توفير العدالة والمساواة بين الناس كل الناس بندية خالية من أي تمييز أو فصل عنصرى, وفي هذه الحالة يكون على الأمم المتحدة أن تراجع كيانها المؤسس على التفرقة العنصرية الذي أفرز أعضاء دائمين (على قلتهم), يتمتعون بكل حقوق الجبابرة المتسلطين وزيادة,,, وآخرين (على كثرتهم وغالبيتهم), لا يتمتعون بشيء سوى شرف الجلوس مع السادة في ركنهم الركين ليستمعوا إلى تعليمات وأوامر أعضاء مجلس إدارة العالم اصحاب القوة الإستراتيجية الفتاكة وحق النقد الذي يفوقها فتكاً وضراوة وشراسة.
وكل عضو منهم يكفيه أن يلقي خطابه ويقبل بشهر يترأس فيه دورة فارغة مفرغة – كخزروف في يد طفلة بلهاء, دون أن يعمل فيها شيء يذكر لبلاده ولا لبلاد أمثاله من المَسُودِيْنَ. فإن فعلت الأمم المتحدة هذا التصحيح - (ويستحيل عليها مجرد التفكير في ذلك), يمكن أن تكون خطوة صغيرة في الإتجاه الصحيح الذي قد يبعد عنها وصمها بالعنصرية والتحيز- لأن الذي سيقوم بذلك إنما هو عينه الحريص على تكريثه ومن ثم, من غير المتوقع منه أن يعمل ضد نفسه ويفقدها تميزها العنصري الذي يوفر لها السيادة, إذ أن عمية إعادة الهيكلة تعني أن تتساوى أمريكيا مع أفريقيا مع آسيا, وهذا يعني المساواة في حق النقد أو إلغائه تماماً, وترجيح وتمرير القرارات بالتصويت (وهذا من عاشر المستحيلات) لأن البند السابع عندئذ سيتسلط على رقاب الأولى به من الذين عليهم الحقوق والمآخذ والذنوب.
وأن فلسطين ستعود إلى أصحابها مع تعويضهم, وأن غزاة العراق سيقدموا للمحكمة الجنائية للقصاص, وأن تكون العضوية متساوية من حيث دوامها أو فترتها. وأن يطبق البند السابع على الجميع وأن تلغى معاقبة الحكومات بتجويع الشعوب الواقعة بين مطرقة حكوماتهم الدكتاتورية وسندان عقوبات البند السابع الذي وضع لأمن وغطرسة السادة الكبار وتطهير الأرض من دنس المسهوكين لتقليل نفقة تهميشهم وتجويعهم.
أما عنصرية منظمات حقوق الإنسان فهي تعمل بذر للرماد في العيون, فإن كان رب الدار بالدف ضارب فشيمة أهل الدار الرقص. إذ كيف يمكن لهذه التي بني هيكلها على التمييز العرقي والعنصرية التي تتبناها وترعاها الأمم المتحدة أن ترعى حقوق الإنسان؟؟؟ ..... فهل هناك حق يمكن أن يفقده الإنسان أكبر من كرامته وإنسانيته وإشعاره المستمر المتواصل بالدونية والحقارة في كل شيء, وأن مصيره في يد غيره من البشر,,,؟ أليست حالة الشعب الفلسطيني تعتبر وصمة عار في جبينهم وتظهر خبث دورهم الذي يتعارض ويتناقض مع إدعاءاتهم المعلنة؟
ثامناً: أما الذي تصدى "علناً" وبكل قوة وحزم وحسم للعنصرية بكل تفرعاتها, فهو القرآن الكريم الذي وضع تشريعات وآليات لحسم هذه المشكلة وقد كان بالفعل. فآيات الله في ذلك خير دليل وبرهان. وسوف نقدم هذا الدليل المادي مع البرهان لذلك في حينه لاحقاً.
فالإسلام يا عُمَرِيُّ إنما هو بحر متلاطم من العلوم الحقيقية الجذابة والمتنوعة تنوعاً شمل كل مناحي الحياة وطموحات البشر, وبالتالي فإن إنتشاره الواسع بين الناس يحسب له ولا يحسب عليه, فمن البديهي أن تُقبل عليه العقول النيرة والأفئدة السليمة المعتدلة لتنهل منه وتتقن لسانه المبين, فكيف لا يكون له الدور الأكبر في تعريب كثير من الشعوب سواءاً أكانت في العالم العربي أو في العالم البشري العالمي, فهذا يعني أنَّ الكاتب عادل يعترف "تقريرياً" بأن الإسلام جاذب ومغير ومطور للبشر وأن قطر دائرته في إستطالة دائبة على مر العصور لما يحتويه من علوم لا مثيل لها في غيره. بالإضافة إلى إبتعاده تماما عن كل الأعراق والأنساب والقوميات والقبليات التي تعج بها الكتب المقدسة لدى أهلها وكذلك الكتب التاريخية ومراجع الأدب من شعر ونثر,, وكل السمات المكونة للعنصرية التي يريد أن يلصقها الكاتب بالإسلام ولكنه حقيقةً قد أبعدها عنه بعداً سحييقاً دون قصد منه طبعاً.
نعم يا عادل,, يجب أن يُطلق لقب "عربي" على كل من ينطق بالعربية ويجيدها ويتذوق بلاغتها لأنها "لسانٌ" وليست عنصراً أو نسباً أو قبيلة أو قومية,,, الخ. فما وجه الغرابة في أن بلاداً مثل الصومال واريتريا يصفها العرب أو غيرهم أو يصفون أنفسهم بأن بلادهم عربية ما دام أن أغلب أهلها يتكلمون العربية "كما تقول"؟ وما علاقة الأصول الإثنية والعرقية المختلفة لهم باللسان؟؟؟ ..... فهل يستطيع الكاتب أن يلغي هذه الإثنية والعرقية والقبلية المزمنة الحادة التي بين القبائل العربية المختلفة؟؟؟ ..... وفي المقابل,, ورغم كل ذلك هل يستطيع أحد أن ينفي أو يشكك في وحدتهم اللغوية عبر اللسان العربي المبين؟؟؟
هل نسي عادل العمري أو تناسى أن هناك بعضاً من الدول العربية جعلت لغتها الرسمية الفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات التي كانت أعجمية بالنسبة لهم قبل إستعمار بلادهم, فصارت لغة البيان لديهم؟؟؟ أم نسي أن كثير من العرب تفقهوا في اللغات التي كانت أعجمية بالنسبة لهم فأجادوها وبلغوا فيها درجات علمية رفيعة بمستوى الماجستير والدكتوراة ولم يكن هذا ولا ذاك له علاقة بالإثنية أو العرقية أو العنصرية على الإطلاق؟؟؟ ..... إذاً,, ما تفسير ذلك الواقع لديك!!!
لقد لفت نظرنا أن الكاتب - في الموضوع الذي تحدث فيه عن العرب ووصفه له بأنه شديد التعقيد لكثرة الإختلافات بين المحدثين وعلماء اللغة والمؤرخين في الشرق والغرب,,, الخ – إنه قال: (سنتعامل مع هذه المسألة بكثير من التحفظ مكتفين بتناول الأمر بشكل أكثر عملية),, ولكن,,, هل إلتزم هو نفسه بما قاله, وعالج المسألة بشيء من التحفظ الحذر وإلتزم العلمية والموضوعية فيه؟؟؟). ليته يظل متذكرا قوله بأن: (الموضوع شديد التعقيد وفهم العلاقة بين أصل العرب ولغتهم يحتاج معرفة كبيرة بعلم اللغة وعلم الأجناس البشرية anthropology), والأهم من ذلك قوله: (وكل هذا لا أزعم أن لي فيها باع يذكر علاوة على أن هذا يحتاج لجهود مئات الباحثين), - إذاً لماذا قطعت فيه بحكمك المتحيز المتحامل على الإسلام؟؟؟ ..... فهل بعد هذا السلوك السافر ظل متذكراً وملتزماً بما قاله؟؟ ولنر ذلك معا في باقي فقرات موضوعه المطول هذا الذي نقض فيه العهد من أوله.
ولا يسعنا هنا إلَّا أن نقول له: قل ما بدى لك عن تاريخ العرب ما دمت تعتمد على إستنتاجات وأقوال, وقد إعترفت بنفسك مما تعانيه من نفص شديد في المعلومات الموثقة التي تعطي صورة عكسية أو فكرة مضادة للتوثيق الإسلامي الذي لن تستطيع إنكاره أو تحويره لأن هناك توثيقاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد صحح تناقضات وإفتراءات الأمم السابقه وقوَّمها وحاجَّها وناظرها.
فإن جاز لك التشكك في المعلومات الشحيحة التي لديك عن العرب وغيرهم قبل وبعد الإسلام, فإنك لن تستطيع أن تتشكك في التاريخ الإسلامي إلَّا إفتراءاً عليه غير مبرر ولا مبرهن فهذا شأنك أما إن تضمن تشكيكك في ما عندنا من الحق والحقيقة, تصدينا للشك وطالبنا صاحبه بالبرهان فإن لم يأت به أمطرناه نحن بما عندنا من الحق المبين المبرهن والموثق,, عندئذ لن تكون لنتيجة شكه أي قيمة تستحق الذكر أو النظر.
أما قولك بأن التاريخ الإسلامي لم يعتمد على وثائق فهذا محض إفتراء وتخبط لن تستطيع دعمه بدليل ولا برهان واحد. كما أن قولك بأن قرارات الدولة الإسلامية كانت شفهية معظم الوقت هذا أيضاً قول يتناقض مع الواقع الموثق تماماً فإليك بالقرآن والسنة ستجد هناك أنَّ كل قرارات الدولة وحيٌ يوحى وليس فيها إجتهادات شخصية وقد أكد الله ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى عن نبيه الخاتم: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلَّا وحي يوحى). فقرارات الدولة عبارة عن قرآن يتلى وتوثيقه لا يضل ولا يبلى. فالدقة في التوثيق القرآني كاملة مكتملة ومقام على ذلك الدليل.
أما التوثيق الذي تقول عنه إنه إعتمد على النقل الشفهي من الإخباريين والمؤرخين, فلعلهم في البدء كانت إستراتيجيتهم الأساسية هي جمع كل ما يتعلق بفترة ظهور الإسلام وما بعد إكتماله بوفاة النبي الكريم, كمرحلة أولى فكان جل إهتمامهم عدم إضاعة أي رواية من راوٍ ثم التوثق من درجة صدقه وأهليته وقدراته وما عرف عنه من رجاحة عقل وفهم وأمانة وصدق,,, (جمع بيانات ومعلومات خام), حتى لا تُفقد أو تضعف بحفظها في الصدور ثم طمرها في القبور بموت أصحابها.
وقد كانت هذه الإستراتيجية (لازمة وضرورية في وقتها), ثم إبتكر العلماء فيما بعد أسلوباً متقدماً في تمحيص تلك البيانات والمعلومات الخام وتصنيفها فظهرت أمامهم أحاديث ضعيفة وأخرى تم تضعيفها لقلة الأدلة الثبوتية التي تؤيدها أو لمخالفتها لنص قرآني أو لنص حديث آخر عن النبي مرفوعاً ذو درجة عالية من الموثوقية ومتفق عليه وفق نظام الضبط والتجريح, الذي أمكن عبره إكتشاف الكثير من الأحاديث الموضوعة والمفبركة ليس بالصدفة المحضة وإنما أفرزتها ولفظتها المعايير والضوابط والآليات الموزونة التي وضعها هؤلاء العباقرة في أدبيات البحث والتدقيق والتوثيق. فكان هذا الإسلوب غير المسبوق يعتبر "بحق" مثال يحتذى به في هذا المجال.
لا يوجد تضارب على الرغم من أنه يبدوا كذلك للعامة والمتربصين ومدعي العلم والمعرفة من العلماء المتأخرين المحسوبين على علماء المسلمين, من الذين تقاعسوا عن الإستمرار في الدراسة والتمحيص والتدقيق إعتماداً أو إتكالاً على ما قام به من سبقهم ظناً منهم انه كافٍ شافٍ ولكن للأسف الشديد كانت هناك معلومات لم تزل في مرحلة البيانات غير المعالجة لعله لعدم بروز مقتضيات الحاجة إلى تطبيقها في الحياة العملية آنذاك.
أو لعلهم لم يقدروها حق قدرها خاصة في عصر الفتن والملاحقات من شياطين الإنس الذين سبقوهم إليها "مهرولين" مستغلين غفلتهم وضعفهم ليؤلفوا منها شبهات خطيرة لم يكونوا يتوقعونها في أغلبهم فزاد الضغط عليهم وكبرت المسئولية فإنعكس ذلك على أدائهم سلباً وضعفاً من بعد ضعف خاصة في ظل وواقع تسلط الحكام المفروضين على الشعوب فرضاً قهرياً وأنظمة الحكم القمعية الجائرة والباطشة بهم...
أما الفرق الإسلامية إن كنت تقصد بها (المذاهب الفقهية), فإنها ليست على خلاف مع بعضها في الأصول والشرائع والأحكام,, وليس فيما بينها تنازع كما تقول, وإن كان الظاهر يوحي بذلك,, فإن كان بينهم ذلك الخلاف المدعى أو التنازع لوجدنا بعضهم يُحرِّم ما أحله غيرهم أو يُحِلُ ما حرمه الآخرون, ولكن هذا لم يحدث, فالخلافات فرعية مثلاً بعضهم قد يرى قبض اليدين في الصلاة أولى من سدلهما أو العكس, وقد يرى بعضهم كيفية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام بصورة تختلف قليلاً عنها لدى الآخرين, ولكنه لا يحرِّمها, ولا يحكم أحدهم ببطلان صلاة الآخر الذي خالفه فيها وإنما يرى فيها الأولى فيتبع ذلك ترجيحاً, سعياً وراء بلوغ درجة الإحسان (إن الله بحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
فجاء الجهلاء والسطحيون والنفعيون بتحويل هذا التدقيق والترجيح إلى خلافات مذهبية باتت تأخذ منحى يحاكي العنصرية الإثنية. فبدأنا نسمع أن أهل مصر حنفيون, وأهل الحجاز حنابلة, وأهل السودان والصومال مالكيون,,, مع أن هؤلاء الأئمة أنفسهم لم يكن بينهم هذا العبث والحواجز, وكلمة مذهب تعني لديهم في الأساس (ما ذهبت إليه مدرسة مالك أو الشافعي أو الحنفي أو الحنبلي) فنجد مثلاً في إقرار الزواج في مصر ينص على أن الزواج تم (على سنة الله ورسوله « ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان »), كأنما الزواج لن يتم ويصح إن لم يكن على هذهب أبي حنيفة النعمان, فهذا نظنه إفتراءاً لا أصل له من الصحة لأن الشرع والسنة ينتهيان عند الله ورسوله فقط, وما زاد عن ذلك يكون إبتداعاً مهما حاول أصحابه تبريره.
نعم فإن كل منهم يعتمد على رواية يراها أرجح لديه من رواية الآخر, ليس وفقاً لهواه ومزاجه وإنما نتيجة إفرازات معايير علمية دقيقة ينظر بها للأسانيد والمتون,,, وهكذا. فالمهم لديهم جميعاً أن يكون الترجيح لما كان أصح ما هو مرفوعٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وهذه الغاية النهائية تنفي تماماً وتدحض أي تعريض بخلاف بينهم لأن الغاية النهائية واحدة لديهم مجتمعين هي إتباع الأسوة الحسنة وهو النبي الخاتم محمد.
الإخفاق الذي وقع فيه كثير من العلماء اليوم هو ترك مثل هذه المسائل الفقهية الدقيقة في متناول يد المسلم العادي أو العامة منهم قبل أن يتم حسمها وتبسيطها للإستعمال اليومي في الحياة العامة, فتحولت المدارس العلمية الفقهية إلى مذاهب فكرية أو عقدية تتهم بأنها عنصرية متضاربة, وذلك عندما أصبح الشخص بدلاً من أن يقول أنا مسلم يقول (أنا مالكي, أو شافعي, أو حنبلي, أو حنفي), ثم إتسعت دائرة التفرقة العنصرية "المفتعلة" فأصبح هناك من يقول (أنا شيعي, أو سني, أو زيدي, أو علوي, أو قادياني, أو صوفي, أو حوثي,,,).
ثم إتسعت رقعة الإنقسام العنصري أكثر فظهرت فرق تدعي الإسلام وهو منها براء, فصرنا نسمع من يقول مثلاً (مسلم ماركسي, أو مسلم علماني, أو مسلم معتدل, أو مسلم ليبرالي,,, الخ), وحتى الإسلام نفسه لم يسلم من هذا التقسيم الذي إبتدعه أعداء الإسلام ليسهل عليهم ضربه وقد ساعدهم في ذلك المحسوبين على علماء المسلمين من النفعيين وتنابلة السلطان فأصبح يقال (الإسلام الأصولي, والإسلام السياسي, والإسلام التكفيري, والإسلام الليبرالي, والإسلام الجهادي, والإسلام العلماني,,, الخ).
الغريب في الأمر أن الذين يريدون أن يخوضوا في الإسلام والقرآن والسنة يتحدثون عن أمور هم لا يفقهونها ولا يكادون يستوعبونها أو حتى تقبلها مداركهم لأنها مسائل عقدية لا تفهم بالنصوص,,, فمثلاً عندما يتحدث أحدهم أو بعضهم عن الإسلام لا يستحضر أنه عبارة عن منهج حياة ونظام تطبيقي عملي معني بصيانة الإنسان والبيئة والحياة التي لها إرتباط وثيق مع حياتين أخريين بعد الحياة الدنيا, وذلك بإتساق كامل ممنهج ومنضبط, فيظن انه يتعامل مع عرق أو طائفة أو مجموعة من الناس تمثل أمة تربطها أنساب وقوميات وقبليات,,, الخ. لذا تأتي كل تحليلاته وتصوراته وتقديراته خاطئة ومعكوسة ومضلله له ولمن إعتمد على معلوماته.
لذا,, لم يتفق أن قرأت لمثل هؤلاء المتربصين - الجاهلين بحقيقة الإسلام - إلَّا ووجدتهم ينتهون من حيث إبتدأوا, لأنهم يبنون تحليلاتهم على نقائض الحقيقة تماماً لعدم براءتهم من الهوى والشنآن بجانب خصلة الكيد للإسلام المعتدية الظالمة. فمثلاً نرى عادل يقول: (... ويكفي الإشارة إلى أن السيرة النبوية قد بُدء في كتابتها بعد وفاة النبي بقرن ونصف على الأقل وكُتبت بناء على النقل الشفهي وهي مكتظة بالخرافات التي لا يستسيغها حتى عقل طفل صغير... الخ). هذا قول لا يمكن أن يصدر حتى من طفل صغير متخلف, بل هو نفسه سيعجز تماماً عن تأكيد أو تبرير إدعاءه هذا... ولكننا سنؤكد له ونبرهن ما قلناه من قبل فيما يلي فنقول:
أولاً: منهج الإسلام هو القرآن الكريم الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله الخاتم (فأنزله على قلبه مباشرةً) ليطبقه في نفسه وفي من تبعه بإحسان إلى يوم الدين, ثم أوحى له الكيفية التي يطبق بها آياته البينات.
ثانياً: القرآن الكريم منهج كامل متكامل, وشامل بكل ما يريده الله تعالى من البشر كافة إلى أن تقوم الساعة, ولم يترك إي مجال لإضافة شيء من خارجه إطلاقاً,, هذا ليس إجتهاد من عند أنفسنا, وإنما تدبر لقوله تعالى في سورة الأنعام مثلاً: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم - «« مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ »» - ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38), معنى هذه الآية أن كل شيء موجود في هذا الكتاب وبالتالي لن يحتاج إلى أي زيادة أو إضافة أو تأويل.
ثالثاً: منهج القرآن الكريم يحتاج إلى تطبيق عملي مباشر أمام الناس من بشر مثلهم - ومن أنفسهم - "مختاراً" ومعداً إعداداً خاصاً يفوق إعداد وقدرات كل البشر دونه, وذلك ليتأسوا به ويقلدوه في كل أقواله وأفعاله وإقراره ونهيه, وعليه فلا بد من أن يكون هذا البشر مدركاً تماماً لآلية تطبيق وحي الله الذي أنزله على قلبه ثم دربه على كيفية تطبيقه فكان ذلك البشر هو المصطفى محمد بن عبد الله - الخاتم الأمين - الذي قال الله تعالى عنه لقومه في سورة النجم "مقسماً": (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى 1), (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى 2), ( « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى » 3), ( « إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى » 4), ( « عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى » 5).
فمنهجه في التطبيق ليس "نظرياً", يقوم بتحفيظ أتباعه نصوصاً ليطبقوها فيما بعد كل حسب مجهوده وهواه وطريقته الخاصة التي تروق له,,, وإنما يطبقها الأسوة الحسنة أولاً بنفسه أمامهم ثم يزاولون تطبيقها معه بصورة دائمة ومستمرة ليس لمرة واحد أو مرات فقط كما يظن الجاهلون,,, وبالتالي فإن سنته في التطبيق والتأسي به من بعده (بالتواتر) الذي لا ينقطع ترابطه وتسلسله عن تسلسل الزمن, فالذي يصلي اليوم – بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان وتعاقب الأجيال فيه - إنما يصلي بنفس الكيفية التي صلى بها أسوته المصطفى تماماً ويستحضر ذلك في قلبه وكل جوانحه.
فإذا نظرت إلى أي جماعة تصلي أمامك الآن - أو في أي وقت آخر, – قَلَّتْ أو كثرت لرأيت أحدهم يقف في مقدمة الصفوف (إماماً) وبقية المصلين (مأمومين به) يتبعون حركانه وسكناته من قيام وركوع وجلوس ويستمعون إلى قراءته – عن نفسه وعنهم - ويسلمون بعد سلامه, فكيفية الصلاة هذه هي توثيق مستمر للأسوة وبالتواتر.
وإذا نظرت مثلاً إلى صلاة عيد الأضحى, تجد أنه لا يجوز لأحد ذبح أضحيته قبل أن يذبح الإمام - الذي صلى بهم - ذبيحته ثم يذبح المأمومون به بعد ذلك.
وكذلك الذي يصوم أو يزكي أو يحج أو يعتكف, أو يبيع ويشتري, أو يتزوج أو يغسل ميتاً أو يشيع جنازةً أو يصلي جمعة أو صلاة عيدين,,, الخ فهو يفعل ذلك "بالتواتر" كأنما يرى أمامه النبي ماثلاً, وما دام ذلك كذلك فلا فرق في أن تكتب السُنَّة بعد قرن ونصف أو بعد خمسة عشر قرناً من الزمان.
رابعاً: قولك بأن (السنة كتبت بناء على النقل الشفهي وهي مكتظة بالخرافات التي لا يستسيغها حتى عقل طفل صغير), هذا إدعاء غير صحيح البتة ومكذوب,, إنما السنة كتبت للتوثيق, وكان ذلك من الواقع المعاش والمطبق الذي كان يتنسمه ويعيشه الناس إلتزاماً بالتطبيق الكامل لهذه السنة في أدق تفاصيل حياتهم وليس "بناءاً على النقل الشفهي كما تقول", فالكل كان يعيش السُنَّة حيةً في وجدانه وجوارحه وجوانحه كما رأى عليها أسلافه وأسلاف أسلافه ... وحتى أسوته الحسنة محمد بن عبد الله.
وقد شملت السنة حتى طريقة خروجهم لقضاء الحاجة والإستبراء والإستنجاء من الحدثين الأصغر والأكبر وكيفية دخول المسجد وكيفية الخروج منه وماذا يقولون في كل حالة, وإماطة الأذى عن الطريق, وإفشاء السلام بين الناس ,,, الخ. أما الخرافات التي تقول عنها فهذه مبالغة منك, فإن كانت هناك خرافات لسهل على عامة المسلمين إكتشافها ونبذها لثقافتهم المحمدية الثرة وليقظة "البصيرة" المتقدة في جوانحهم بسلامة الفطرة لديهم, فما بالك بالعلماء وطلبة العلم,, أما إن كنت تعتبر أن أخبار الوحي خرافات فهذا عيب فيك وليس في الوحي,, وأنت الذي إخترته لنفسك بنفسك للإعتقاد والقول بما يتعارض مع العقل.
لا يزال للموضوع بقية
تحية طيبة للقراء والقارءات
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟