|
استلهموا تجربته ولا توظفوا ذكراه
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 01:34
المحور:
القضية الفلسطينية
قلة من القادة والزعماء في دول العالم الثالث الذي نالوا حظوة ومكانة وتقدير على المستوى العالمي ،ومن هؤلاء بل على رأسهم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات . لم يكن ياسر عرفات رئيس دولة كبيرة أو دولة نفطية أو غنية ،بل كان قائد حركة تحرر وطني تناضل من اجل الحرية والاستقلال وكان كل الشعب يلتف من حوله.تماهت وتداخلت شخصية أبو عمار مع فلسطين بحيث كان حضوره أو ذكر اسمه في أي مكان يعني أن فلسطين حاضرة ، وعندما تُذكر كلمة فلسطين يُستحضر أبو عمار ،هكذا كانت العلاقة بين فلسطين وأبو عمار طوال أربعين عاما وما زالت حتى بعد استشهاده . هذا التماهي والتداخل بين أبو عمار وفلسطين لم يكن لأن أبو عمار كان دكتاتوريا مستبدا يُغيب من حوله من قيادات فقد كان كبيرا يحيط به كبار،بل لأنه كان بالفعل يمثل الشعب الفلسطيني خير تمثيل ،ويعبر عن كل مكونات وطموحات وآمال الشعب بل كان ناطقا باسم كل حركات التحرر في العالم . كان أبو عمار مدرسة (العرفاتية) في السياسة والسلوك الثوري وفي قدرته على حفظ التوازنات بين الأشخاص والدول والأيديولوجيات ، لم يقطع شعرة معاوية مع أحد ،حتى مع من عادوه وتآمروا عليه ،لأن ثقته بنفسه وبعدالة القضية التي يدافع عنها ونظافة يده كانت سلاحه البتار الذي يفرض على الجميع احترامه ،فكان أصدقاؤه في المعسكر الغربي لا يقلون عن أصدقائه في المعسكر الاشتراكي ، وكان أصدقاؤه في دول العالم الثالث من الكثرة حتى أنه لم يكن يُعقد مؤتمر إفريقي أو أسيوي أو أمريكي لاتيني إلا وكان أبو عمار ضيف شرف والقضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال . صحيح لم تكن مسيرته النضالية مكللة بالورود بل تخللها نكسات وصدامات ليس فقط مع الاحتلال بل مع أنظمة وحركات عربية وإسلامية .أصطدم معهم أو عادوه لأنهم أرادوا أن يُلحقوا القضية الفلسطينية بهم وبمشاريعهم ومصالحهم ،فأبى أبو عمار إلا أن يتمسك بالقرار الوطني المستقل ويُعلي من شأنه ، وقد جاءت الأيام لتؤكد صحة نهج أبو عمار , مع أن بعض القوى (الإسلامية) في الساحة الفلسطينية اليوم لم تتعلم درسا وتستنسخ أخطاء الماضي من خلال محاولة إلحاق القضية الفلسطينية بأجندة إقليمية . أبو عمار يستحق ولا شك أن يخلد الفلسطينيون وكل أحرار العالم ذكراه ،ذكرى رجل رفض التخلي عن شعبه وقضيته الوطنية ،صحيح أنه ناور وتكتك وقَبِل بالحد الأدنى من الحقوق السياسية وفاوض إسرائيل وقبَّل يد ورأس قادة وزعماء ،وتعرض للتجريح والنقد وللاتهام بالخيانة حتى من طرف من كان وليّ نعمتهم ،إلا أنه عندما شعر أن المفاوضات عبثية ومشاريع التسوية المعروضة عليه فيها تفريط بالحقوق وامتهان لكرامة الوطن ،قرر العودة للشعب وخياراته ولم يخضع للتهديدات الإسرائيلية والأمريكية حتى وهو يعلم أنها جادة ،بل كان يشتم رائحة الخيانة في بعض من لازموه في المقاطعة . يستحق أبو عمار تخليد ذكراه ، ولكن المشكلة لا تكمن في تخليد ذكرى أبو عمار بل في الهدف من إحياء المناسبة من طرف حركة فتح ،وفي رفضها أو تقزيمها من طرف حركة حماس . قبل الخوض في تفسير موقف الطرفين لا بد من الإشارة إلى أننا كعرب تحديدا من أكثر شعوب العالم احتفالية بالمناسبات وبالشخصيات التاريخية ، وهذا لا يعود لأن لنا تاريخ مجيد فيما الشعوب الأخرى بلا تاريخ ،أو أننا نحترم ماضينا وقياداتنا التاريخية فيما الشعوب الأخرى لا تحترم ذلك .الهوس بالتاريخ واستحضاره مضخما ومُزيَدا أحيانا هو شكل من الأصولية التي تعبر عن إحساس بالعجز والتقصير عن مواجهة تحديات الواقع وتحقيق انجازات أفضل مما أنجز السلف ،فيتم استحضار التاريخ ورموزه كشكل من التعويض النفسي ولإخفاء حالة العجز . وهكذا وفي كل سنة وعندما تحل ذكرى استشهاد أبو عمار ندخل في دوامة من الجدل والمساومات العقيمة بين حركة فتح وحركة حماس ،حول إن كانت حركة حماس ستسمح بإحياء ذكرى استشهاده أم لا ؟ و إن وافقت فهل سيكون المهرجان في مكان مفتوح أم في قاعة مغلقة ؟ الخ . وفي اعتقادي إن هذا الجدل المتكرر والممجوج يسئ إلى ذكرى الراحل أبو عمار . للأسف فإن حركة فتح تبالغ أحيانا في الاهتمام في إحياء ذكرى أبو عمار وفي إحياء ذكرى الانطلاقة – والاحزاب الأخرى على نفس المنوال بالنسبة لقياداتها وذكرى انطلاقاتها - ،وهي مبالغة الهدف منها الاستنجاد بالماضي لإخفاء حالة التراجع والتردي التي يعيشها تنظيم حركة فتح . نعم يجب إحياء ذكرى أبو عمار ولكن ليس مناكفة لحركة حماس ولا لإخفاء وضع تنظيم فتح المتردي بل لاستلهام التجربة النضالية للزعيم أبو عمار ، الشعب لا يحن لشخص أبو عمار بل (للعرفاتية ) كنهج نضالي وقيم ثورية . في المقابل فإن حركة حماس تكون ناكرة للجميل عندما تمنع إحياء ذكرى أبو عمار ،فقادة حماس يعلمون جيدا مكانة وأهمية والدور النضالي لياسر عرفات ،كما يعلمون فضله ودوره في دعم حركة حماس بل وفي تسليحها في بعض الأوقات ،وبعيدا عن الخطاب التحريضي فإن قيادات وازنة في حركة حماس يعرفون حقيقة العلاقات التي كانت تربط الزعيم أبو عمار مع الحركة ،ويعلمون أن حصار أبو عمار واقتحام الضفة كان بسبب عملية استشهادية - عملية فندق بارك - لأحد عناصر حركة حماس . ولكن حركة حماس تخشى الحشود الكبيرة التي ستخرج في ذكرى أبو عمار ، ليس خشية من انفلات أمني بل من الرسالة التي تبلغها هذه الحشود ، رسالة تقول إن غالبية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مع الوطنية الفلسطينية التي يمثلها ياسر عرفات . ستمر ذكرى أستشهاد أبو عمار كما ستمر ذكرى انطلاقة حركة فتح ، وبغض النظر عن اعداد المشاركين في المهرجان فإن السؤال الذي يفرض نفسه :أين تنظيم فتح ما بين الذكرى والذكرى ؟ وهل لم يتبقى من حركة فتح سوى ذكرى الانتفاضة واستشهاد أبو عمار وضريحه ؟ وكيف ومتى تعود حركة فتح أم الجماهير وحركتها التحررية ،كما كانت وكما يتمنى غالبية الشعب . أما حركة حماس فنقول لها بان الشمس لا تتغطى بالغربال ، وأن القمع والمنع لا يغيرا من الحقيقة التي يعرفها كل الشعب ،وأن القوة والبطش لا يمنحا شرعية لسلطة ، كما أن التمسح بالدين لا يمنح شرعية سياسية لأحد . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغرب ومسيرته الخضراء التي لم تنتهي
-
التدويل في إطار استراتيجية وطنية شمولية
-
في خفايا التدخل الروسي في سوريا
-
انتفاضة لاهداف وطنية واضحة ومحددة
-
نحو تصويب البعد القومي للقضية الفلسطينية
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (3) : في غزة إبداع في ظل
...
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (2)
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين
-
المطلوب وحدة وطنية وليس مصالحة إدارة الانقسام
-
ماذا بعد تأجيل دورة المجلس الوطني الفلسطيني ؟
-
خروج آمن للشعب والقضية وليس للرئيس
-
ما وراء الأزمة المالية المُفتعلة لوكالة الأنروا
-
حركة فتح والعمل الوطني
-
من يُعيق اصلاح النظام السياسي الفلسطيني ؟
-
الحالة الثقافية ضحية فوضى (الربيع العربي)
-
السكوت عن الفساد ... فساد
-
أمِن المستوطنون العِقاب فأوغلوا في الدم الفلسطيني
-
ما يجري في القدس يفضحهم .. ويفضحنا
-
المثقفون ضمير الشعب وحُماة الهوية والثقافة الوطنية
-
الفساد لا يقل خطورة عن الاحتلال
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|