|
الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4980 - 2015 / 11 / 9 - 12:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن مقولة الاستراتيجي الألماني فون كلاوفيتز " أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى " ، المجمع عليها سياسياً وتاريخياً ، تعني أن الحرب تحتوي السياسة وتوظفها في المجهود الحربي ، وأن العسكريين حين تشتعل الحرب ، هم الذين يكتبون بسلاحهم ، تاريخ بلادهم السياسي .
وحسب المعطيات المتأتية عن الحروب ، التي جرت في بلدان العالم المختلفة ، فإن العسكر في زمن الحرب ، هم سادة النقاش .. وسادة القرار .. وكلمتهم هي العليا ، في أي جدل يثار ، حول أوضاع البلاد بعامة ، وحول استحقاقات الحرب بخاصة ، وحول دور السياسة والساسة ، الذي تتطلبه حالة الحرب ، التي تتعرض لها البلاد . وبدون ذلك تتعرض القضية التي يقاتل الوطن من أجلها .. بجيشه .. وقدراته .. إلى الفشل والهزيمة . إذ أن الساسة بشكل عام ، في مختلف الظروف ، هم عشاق كلام ، وبيان ، وتصاريح ، وحوارات ، وتجاذبات ، بحثاً عن أقرب السبل للوصول إلى غاياتهم .. ولاسيما الوصول إلى السلطة . فيما العسكريون بشكل عام ، الذين يرتبط مصير الوطن بقرارهم وسلاحهم ، لا وقت عندهم للسرد السياسي ، وتداول الطروحات والمصطلحات . كل وقتهم في الحرب هو ، للحشد ، والتعبئة ، والسلاح ، وكسب المعارك في الميادين المشتعلة .. وكسب الحرب .
أي أن المصلحة الوطنية العليا في ظروف الحرب تقتصي ، تجاوز الانقسامات ، والخلافات ، السياسية والأيديولوجية ، وخاصة الصراعات الصدامية ، في المرحلة الماضية ، التي انتهت مبرراتها بانتهاء تلك المرحلة ، مع الطرف الحاكم بوضعه الجديد المشارك الرئيس ، في مقاومة حرب الإرهاب الدولي . وحصر الحوار والنقاش السياسي ، في أوساط الطبقة السياسية الوطنية ، داخل الحكم وخارجه ، في كيف ينبغي أن توحد الصفوف الوطنية ، وتوفر الطاقات والقدرات ، لمساندة القوات المسلحة .. مادياً ومعنوياً . بمعنى وضع كل آليات الكلام والبلاغة السياسية ، في خدمة استحقاقات الحرب ، وأن يكرس العقل السياسي لخدمة السلاح الوطني المقاتل .
وعلى ذلك ، فإن كلا طرفي الانقسام في الطبقة السياسية ، مدعوان إلى تجاوز كل الخلافات والتجاذبات السياسية المفوتة ، والصدامات العبثية والقهرية المؤسفة ، وإلى التلاقي والعمل المشترك ، للدفاع عن الوطن ، ليصبح الوطن كله في خندق واحد .. في مواجهة العدو والعدوان . إن ما تقدم هو رؤية مبدئية مبسطة للمعايير الوطنية ، في بلد فرضت عليه الحرب . لعلها تضيء ما تكتبه المعارضة والسلطة في سوريا ، في صفحات تاريخ سوريا السياسي المعاصر .
* * *
نتيجة تدخل الدول الاستعمارية بأشكال مختلفة في سوريا بعد الاستقلال ، ونتيجة التجاذبات الدولية في الصراع على سوريا ، لم يتح للطبقة السياسية السورية أن تتشكل متجانسة ، مبنية غلى ثوابت وطنية وديمقراطية واجتماعية تلبي احتياجات الوطن والمجتمع القائمة والمتنامية . بل تشكلت منذ بدايات العهد الوطني في أواسط الأربعينات ، منقسمة ، محكومة بسيطرة البرجوازية النامية والملاك العقاريين ، ومتعددة الطروحات الأيديولوجية المتنافرة .. الماركسية .. والإسلامية .. والقومية السورية .. ثم القومية العربية
فقط في مرحلة ( 1954 - 1958 ) تلاقت بثبات ووضوح مصالح الكثير من القوى والفئات السورية ، حول أهمية العمل الوطني المشترك ، عندما لاح خطر مشروع " الهلال الخصيب " وبعده إقامة " حلف بغداد " الاستعماريين ، على الاستقلال والمصير الوطني . وشكلت تحالف " التجمع القومي البرلماني " الذي ضم ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، والحزب الوطني ، والحزب الشيوعي ، وكتل وشخصيات برلمانية مستقلة . وقد حقق هذا التحالف انتصارات كبيرة ، تتمثل ، بالحفاظ على الوطن وحماية استقلاله من الضياع ، كسر الحصار الذي فرضه حلف بغداد الاستعماري ، وبإقامة دولة الوحدة القومية " الجمهورية العربية المتحدة " مع مصر 1958 .
أسوأ ما تعرضت له الطبقة السياسية السورية من تجاذبات ، وانقسامات ، جرى بدءاً من أواخر القرن الماضي ، وذلك بعد انتهاء مرحلة المعسكرين في الميزان الدولي ، وسيطرة الإمبريالية الأميركية على القطبية الدولية ، وانتشار أفكار ، صراع الحضارات ، ونهاية التاريخ ، وطروحات العولمة القسرية اللاإنسانية . فقد حدث انجراف وانحدار للفكر الديمقراطي ، والقومي ، والوطني التحرري ، وجرت محاولات حثيثة لوأد الفكر الاشتراكي ، وتسويغ الموالاة بدون خجل لسادة العالم الجديد المتأمرك .
وقد تجلى هذا الانجراف والانحدار بصورة أكثر تصاعداً وإيذاء، مع انطلاقة ما سمي " الربيع العربي " 2011 ، الذي تم تجهيزه وطرحه ليكون ، كما عشناه .. وشفناه .. إعصاراً مدمراً لكياناتنا الوطنية ، ولقيمنا ، ولاستعبادنا ، على أيدي الدول الإرهابية وأدواتها المجموعات المرتزقة التكفيرية المتوحشة ، ولإدخالنا في صراعات دموية ، فاقدة لأي فرصة للحوار الوطني والتسامح ، داخل الطبقة السياسية في الوطن الواحد . ، ولتحويل العداء في عقيدتنا الوطنية ، من العداء للمشروع الصهيوني ، والدول الإمبريالية الطامعة بأرضنا وثرواتنا ، إلى العداء ضد الآخر في الوطن ، الذي لا يقبل الخضوع لأحكام غزوات ولصوصية وتوحش أدوات هذا الربيع الكافر بالحضارات والقيم الإنسانية . ما أدى إلى نشوء حالة سياسية متعارضة مع المتطلبات الوطنية المبدئية ، تتمثل باستمرار الانقسام الوطني ، واستمرار معالة صراع ( معارضة / نظام ) في زمن الحرب ، تمخض عنه انقسام ، في أوساط ما اتفق على تسميها معارضة ، إلى قسمين : معارضة خارجية ، معظمها يعمل تحت السقف الدولي المعولم ، ويقف في خندق دول الإرهاب الدولي . ومعارضة داخلية تعمل تحت السقف الوطني وصعوباته ، ومعظمها ما يزال يمارس سياسة معارضة على خلفية مسوغات وأهداف ما قبل 2011 .
من هنا يمكن فهم استعصاء وحدة " المعارضة السورية " ، وفهم لماذا الإصرار على مواصلة المعارضة في زمن الحرب . وبالتالي فهم استعصاء وحد الطبقة السياسية .. فيما استحقاقات الحرب والعدوان على الوطن ، تتطلب بذل كل الجهود ، وبأقصى السرعة ، ليس من أجل حل سياسي يقوم على مكافأة المعارضة وإرضائها بمستوى معين من المشاركة بالسلطة ، ومكافأة طرف الحكم بدعم انتظره طويلاً ، وإنما من أجل العمل الوطني المشترك على كل المستويات .
* * *
ماذا يعني الحل السياسي .. بين من .. ومن .. وفي أية ظروف ؟ .. هناك حل سياسي لخلاف له طابع سياسي ، بين أطراف الطبقة السياسية ، داخل الحكم وخارجه ، هو على الأغلب ، حول نصوص دستورية ، أو سيادة القانون ، أو الحريات العامة ، أو تداول السلطة . ويتخذ هذا الحل مساره تحت سقف الوطن بين طرفي الخلاف ، ويحمل طابعاً قانونياً أو ديمقراطياً . وهذا الحل للخلافات السورية ـ السورية ، اعتمده " التجمع الوطني الديمقراطي المعارض 1979 " . وهناك حل سياسي لصراع دموي بين طرفين .. دولتين .. حيث يكون الصراع حول أرض، أو مصادر مياه ، متنازع عليها ، أو يكون صراعاً ثأرياً .. أو توسعياً . يجري التعامل بينهما حوله عبر السلاح والحرب ، وذلك للتوصل إلى اتفاق .. وسلام .. وقواسم مشتركة .
الحرب الجارية في سوريا ليست حرباً بين " المعارضة " والدولة السورية . وإنما هي حرب بين الدولة السورية ، وبين الدول والمجموعات الإرهابية . ولوقف هذه الحرب تجري بين وقت وآخر مفاوضات .. بين عدوين تناحريين . والمعارضة هنا ليست طرفاً فيها . وعملية الجمع بين قوى " معارضة " والدول والمجموعات الإرهابية ، لاستعراض القوى وتحسين الأوراق في اللقاءات والحوارات مع الطرف الآخر الحاكم ، يسيء للمعارضة إجمالاً ، ويحملها مسؤولية الجرائم الدموية والتدمير وكل ما ينتج عن الحرب ، ويبعدها عن الحوار كقوى وطنية . وتخسر الدور الرئيس الذي تطمح إليه في أي حوار سياسي .
وهكذا يتضح الاختلاف بين حلين سياسيين مطروحين للتداول والحوار . حل تنشده " المعارضة " وهو يتضمن تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تحت السقف الدولي ، ’تجري تعديلات دستورية ، و انتخابات برلمانية ورئاسية ، بمعنى زحزحة السلطة الراهنة وتجريدها من صلاحية القرار والسلطة . وحل ثان تشاركي تحت السقف الوطني ، تعرضه الحكومة ، يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو موسعة ، تضم ممثلين " للمعارضة السلمية " ’تشرف على التعديلات الدستورية ،’تجري انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة أو بوقتها .
وإزاء الفراغ المتأتي عن استعصاء الحل السياسي المطابق لحاجات الحرب والسلم وإعادة البناء ، وتزايد المخاطر المحدقة بالبلاد ، الناتجة عن فوز حزب " أرود غان " المعادي لسوريا في الانتخابات البرلمانية التركية ، وعن التدخل الأميركي العسكري المباشر في الحرب السورية وتقديم الدعم العسكري " الاستشاري " لقوى إرهابية فوق الأراضي السورية والمرشح للتوسع بزعم المساعدة ضد " داعش " ، ورفع مستوى القوى الجوية الأميركية الهجومي في قاعدة " إنجرليك " الأميركية في تركيا ، وطرح انتقادات شبه إنذارية أميركية للسياسة الروسية الجديدة وخاصة في سوريا ، وارتفاع منسوب التصعيد في الحرب السورية ، الذي سينعكس مزيداً من الدماء والدمار .
إزاء ذلك ، إن الشعب السوري بانتظار اختراق سياسي في الحوارات واللقاءات إن في فيينا ، أو جنيف ، أوموسكو ، يؤدي إلى حل توافقي ، وفق صيغة توحد الشعب ، وتعزز قواه وقدراته في حربه الجهنمية ، التي فرضتها عليه دول ومجموعات الإرهاب الدولي . إن الشعب الموحد القوي ، هو القادر على حماية ذاته الوطنية وأرضه .. والقادر بقوة على مواجهة الأعداء مهما كانوا أقوياء .. وهو الضامن لمواصلة دعم الصديق .. وصبر الصامدين .. وآمال المتفائلين .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
-
صانعو الحلول الوطنية المشرفة
-
فلسطين في القلب
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
-
دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
-
المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته
-
لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل
-
حرب البؤساء العادلة
-
بيان مجلس الأمن والتجربة السورية
-
أردوغان وسوريا المستعصية على الفتح
-
آفاق
-
المطلوب قبل فوات الأوان
-
دفاعاً عن سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً
-
معركة ميسلون بين الأمس واليوم - إلى يوسف العظمة -
-
الرعب الإسرائيلي المتجدد من التاريخ
-
لماذا تريد أمريكا رحيل الرئيس ؟ .
-
السلام والأمان والأمل .. بين الممكن والمعجزة .
-
الريحان .. والأمير والسلطان إلى ضحايا كوباني
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|