أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -8-















المزيد.....


حدث في قطار آخن -8-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 21:43
المحور: الادب والفن
    


خرج من المطبخ وهو يحس نفسه صفراً كبيراً على الشمال! مشى في الممر الطويل، معرض رسوماتها المفضّلة، سرداب أحلامه الشبقة، فتح باب حمام الضيوف، دخل، انبثق ضوء بعد نُعاس، نور بلون الليمون الساحلي، السقف عالٍ ومدهونٌ بالأحمر، والجدران بلون زيتون قريته، الأرضية مفروشة بسجادة سوداء ناعمة الوبر ذكرّته بخيباته السوداء... على يسار الباب ثمة مغسلة صغيرة، مرآة و رف حضارة! تتربعه شمعة حمراء، علب ماكياج، زجاجة عطر لا تبدو عليها ملامح الرخص، وعلبة باللون الأزرق الفاتح كٌتب عليها: "زيت أطفال"... ابتسم في سره إذْ تذكّر شيئاً خاصاً حميمياً، "ماذا تفعلين بالشمعة الحمراء يا سابينه؟".

في الزاوية اليمنى من المغسلة انتصبت خزانة ضيقة عالية، في كل رف منها مجموعة مناشف بلون واحد، أربع مجموعات بالأحمر، الزهري، الأصفر والأخضر، غطاء التواليت أبيض، رفعه عالياً، ثمة كرات ملونة للتعقيم والتنظيف عُلقت على حافة المقعد، على مهلٍ فكّ حزام بنطلونه، فكّ زره الوحيد، سحب سحّابه، أسدل ستار بنطلونه حتى الركبتين، أنزل سرواله الداخلي، جلس على المقعد، على يمينه "لفة وَرَق الحَمّامِ الصحي" باللون الزهري، بجانبها فرشاة تنظيف أنيقة، أمامه وتحت المغسلة مباشرة تقبع كُمُودينا بيضاء صغيرة، على سطحها عدة حفلة تبغ بكامل حلتها: علب ثقاب، قداحات ملونة، منفضة سجائر وعلبة بولمول نصف فارغة، فتح باب الكُمُودينا بدافع الفضول، لم يجد إلّا المزيد من لفات المحارم الصحية وعلب التنظيف والتعقيم.
قال في نفسه: "يا لمجتمع المحارم والتعقيم!"

تذكر ذاك المشهد يوم زار منزل أحد أقربائه في إحدى برجيات الروس، في الطابق الرابع كما يذكر، استيقظ في الصباح مبكراً لتناول القهوة على البلكون، نظر إلى الشارع، بالأحرى إلى بناية مجاورة، رأى رجلاً متوسطَ العمر، لعله موظفاً حكومياً، ينظف زجاج سيارته البيضاء، ويعتقد نفسه بأنّه موظف مهم، على بنطلونه رقعة كبيرة من الماء، كانت واضحة تماماً وكأنه خرج لتوه من التواليت الشرقي، عندها شعر بأشياءَ لا تُوصف، شعر بتأكيد الرفض للثقافة القديمة، لعن الحكومات والوزارات الشرقية، سبق أن طرح على نفسه سؤالاً:
"هل استخدام الحجارة أو الماء أم المناديل الورقية المعطّرة في التواليتات الخاصة والعامة هو الطريقة الأفضل للنظافة الشخصية في الشرق؟ أم أنّ طرح هذا السؤال الحميمي "البيئي" و الصحي" يُعتَبر خدشاً صريحاً بالحياء الاجتماعي العام ومنافياً للأخلاق؟"


جلس ينتظر خروج الماء، الجسد يرفض إعطاءه لذة التبول، أخذ سيجارة، أشعلها منتظراً رحمة الجسد، نظر إلى الأعلى، فوق مرآة المغسلة علقت لوحة بالألوان المحبّبة لمضيفته...

"الوَلَدُ الحزين في اللوحة، الحالم، قصير القامة بالشعر الأسود، بالقميص الأخضر، السروال الأصفر والحذاء الأسود، بالعيون الشهلاء البرجوازية، الواسعة المغمضة والمستغيثة المهزومة، الوَلَدُ الجميل في اللوحة، ما رَعَفَ، لا نَزَفَ ولا بكى، فقط انحنى فوق طاولة، أسندَ عليها رأس كلبهِ العجوز، ذو الأرجل الواهِنة مثل أرجل كرسي في دكان "معروف الإسكافي" في حكايات الشرق... الوَلَدُ في اللوحة انحنى فوق كلبه، يعانقه، يشم رائحة ألمه، الوَلَدُ اليتيم يودعُ كلباً كبيرَ السن يَرعفُ موتاً بطيئاً، يرافقه حتى اللحظات الأخيرة، الوَلَدُ الصغير في اللوحة/المنام يَحنُو على كلبٍ، تفاقمَ معه سرطان الوفاء بعد أن تعرض في يَوْمٍ أخرق، لحادث سيارة يقودها أحمق، الوَلَدُ في اللوحة يدأب على رسم رائحة كلبه!"...
رفع صوته كمن يحاضر: هل رأيتم اللوحة يا طلاب؟

يأتيه صوت سابينه ناعماً من الخارج، تبحث عنه، أحمد، أين بقيت يا أحمد؟ خشخشة قدميها فوق أرضية البيت الخشبية تقترب، تفتح الباب، يمنحه جسده اللذة، لذة إخراح الماء، يرتجف من اللذة، تقترب منه أكثر، تمسك رأسه بيديها، تُدخله فيها، في بطنها، يحتضنها في وضعية جلوس... تهمس: لا داعي للعجلة، خذ وقتك، قطرة الماء الأخيرة ملعونة في العادة، دعها تطير...

شدّ جسدها، مؤخرتها صوبه أكثر، شعرت بلهيب أنفاسه في بطنها، شعرت ببلل خفيف، صعدت بنصفها العلوي إلى الأعلى، هبطت بنصفها السفلي إلى الأسفل، ضغطت على رأسه برفق، أنزلته أكثر، كَانت دَاخلَ جَسدها الشامخ مِثل الفِلَّة "فلينة" مضغوطة مهمّلةَ اللَّوْنِ خفيفة... في تلك الليلة، في غرفته الصغيرة قبل أسابيع، كانت مثل سِدادة لزجاجة نبيذ، وكان هو النبيذ الحبيس في الزجاجة، لم تسمح له أن يشمّها كما ينبغي، واليوم كلّما تَنَفَّسْها بعُمقٍ، يشُمّ فيها رائحةَ الشاي المعتق، وسجائر البولمول، وعطرها الخفيف، ورائحة الشكولاته المَشْوِيّة، يشُمّ رائحة الموت حيناً والحياة أحياناً...

إبدأي يا امرأة درسَ الموتِ التَّمْهِيدِيّ في بيتِ "الشرق"... كوني أوَّلَ مَنْ بادَرَ إلى رحلةِ الْعُبُور مَا بَيْنَ ضِفَّتَيْنِ... "أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ"... قامريْ بنفسكِ، اعبريْ الجسرَ والبحرَ، اعبريْ بي إلى أهوارِ الحب والجنس والموتِ قبل أنْ تَتَسَاقط آخر الْضَفِائر المتبقيات مِنْ شعركِ وشعري، قبلَ أن تبكي شعركِ وأبكي شعري، قبلَ أن تَتَشَقَّقَ أسنانك الفوضوية المتزاحمة كرجالٍ على قاربِ نجاة!... وإِذْ تعبرين البحر موتيْ! موتيْ كي يُقوِّم البحرُ بأَمْوَاجهِ ما اعوجّ من أسنانك اللبنيّة الحلوة قبلَ أنْ تَتَعفَّن كالفِلِّين الكَتُوم... موتيْ كي يُعَزّى بكِ في "هافانا الشرق" شيخ البحر "هيمنجواي"... موتيْ كي أحيا بكِ...

أرجوك، ارفعيني من قعدتي، دعيني أقوم، أريد أن أتنفسكِ من فمكِ، أريد أن أشربكِ، أشرب ماء الجسد منكِ، فقط هنا، في الغربة، تعلمتُ من النساء كيف أشرب الماء... في وطني الأول، كنتُ أشربُه حين أعطش، أو حين تلعبُ بي شمس الظهيرة... أرجوك، اسمحي لي أن أقوم، تعبتُ من عناق العالم السفلي، اشتقت لعناق العالم العلوي، وشمعتي الحمراء تشتهي الانصهار فيما بينهما، في المنطقة الوسطى، الآن أقومُ من جلستي، الشمع يحترق ويذوب، والوَلَدُ الحزين في اللوحة يقوم، ينهض من حزنه، الرائحة أيقظته، العناق أنهضه، يبدأ الرسم، يرسم رائحة القيامة لعناق الشرق مع الغرب في حمام ضيوف، ضميني أكثر كي يطول مساء القيامة، كي يفهم الولد معنى يوم القيامة، بالقيامة تتجدد الأمنيات، يعود الجسد للهدوء الذي يحبُ بعد رحلةِ تعبٍ وسباق مع الوهم.


عادا إلى المطبخ...
هنيلوري في المطبخ، ظهرها مثل نافذة نصف مفتوحة على بحر، تُجهِّز شيئاً.

- ماذا تفعلين؟ سألت سابينه.
- أدارت وجهها إلى البحر، ابتسمت قائلة: أعد لنا كوكتيل بلون زهر البنفسج.
- وصفة قرغيزية؟
- لا، إنها وصفة هولندية قديمة، ستعجبكما!
- سنرى، هل له اسم، كوكتيلك الهولندي هذا؟
- نعم، يسميه الفرنسيون: كوكتيل "الحب المثالي" مع الكحول وعصير الليمون.
- الحب المثالي!؟ كأني سمعت به...
- قاطعهما أحمد: لا تحسبي حسابي، لقد تأخر الوقت، يجب أن أتابع طريقي إلى مدينة دوتموند، هناك من ينتظرني!
- أجابت سابينه: أنت وحدك من قال أنّ الوقت قد تأخر، أعتقد أن الباص لا يسافر في هذا الوقت، ثم أن الجو عاصف، من سينتظرك هناك!؟
- لا أحد، ثم نظر من نافذة المطبخ إلى الخارج، لم ير سوى العتمة، معك حق سابينه، لقد تأخر الوقت كثيراً، هل أستطيع النوم عندك؟
- لا داعي للتهريج، تستطيع بالتأكيد النوم هنا... لقد نسيت أن أخبركَ بأننا سنحتفل غداً بعيد ميلاد هنيلوري... أرجو أن تشاركنا الفرحة، ستكون الحفلة ممتعة بوجودكَ وكما يشتهي قلبك!
- أقنعني السبب، سأبقى معكما، شكراً للدعوة، أنا جائع قليلاً، أين مؤونتك من الشوكولاته؟
- سأحضر قطعة نتقاسمها!
- أحتاج إلى سيجارة، أين سترتي، أين حقيبتي؟ أرغب أن أدخن من سجائري الخفيفة، سجائركِ غريبة!
- لا، لا لم تحزر، أنت ضيفي، ولن تدخن سوى سجائري التي أحبُ!
- لا عليكِ، إِذنْ أعطني واحدة، لو تسمحين.
- الكوكتيل جاهز! أين شاروقات الشرب؟ صاحت هنيلوري.
- في درج الخزانة، جانب البراد، أجابت سابينه وأردفت: وليمة الشوكولاته جاهزة والسجائر أيضاً!
- وأنا جاهز للتعاطي مع أشيائكم الطيبة، قال أحمد.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -7-
- حدث في قطار آخن -6-
- حدث في قطار آخن -5-
- حدث في قطار آخن -4-
- حدث في قطار آخن -3-
- حدث في قطار آخن -2-
- حدث في قطار آخن
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -49-
- المرسم
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
- يانصيب الفرح
- قصة فيسبوكية قصيرة 2
- قصة فيسبوكية قصيرة 1
- السرسكية
- حَسْنَاءُ بِسْنَادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -46-


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -8-