|
ذم هوى المحبوب..
محمد البورقادي
الحوار المتمدن-العدد: 4978 - 2015 / 11 / 7 - 15:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في ذم الهوى مسكين من ذهب راضيا لا مكرها لوكر العذاب ..واختار وجع العشق على سلامة القلب ...واأسفاه على المهموم قد أضناه حب الهوى وآرقه حب المحبوب !! ما أن تلقط العينان سحر المعشوق حتى تأسر من فرط الذهول ..فيعرض ذلك على القلب فيغدو تائها حائرا ..أتراه أوقفه لب الجمال وحلاوة النظر .. ولا يأثر ذلك إلا في الواقف الجامد الذي لا حراك له ..أما الصاعد المرتقي فلا يأبى بما تسعى إليه عيناه ..فالكل محطات تعبر.. ووسائل توصل .. ولا يشغل القلب بحب الهوى إلا لفراغه من المحتوى ..ولا يدخل الضيف إلا بترحاب المضيف.. ولا يحتل المكانة عينها إلا لخلوها وهوانها ..فانظر في هوان قلبك بعين البصر تدرك مكامن الضعف ونقط الخلل ..واعمل على الإصلاح قدر الوسع ..وعلى الإعمار بالمفيد قدر الإمكان ..فإن تحقق ذلك فقد تحصن الحصن من وعتاء النظر ..وقد سلم القلب من صبابة العشق .. فلا يعود يهبط إلى درك الهوى وقد علم وقع الوجع ..بل يسعى إلى بلوغ المرتقى بكامل القوى والعزم .. وأنت إذ تبصر بالعين محاسن الجمال في المحبوب في النظر الأول ..تجمد الحواس وتتكبل البصيرة ..ويقف حارس العقل مشذوها مذهولا ..لا يتقن التصرف ولا يحسن الأمر ..كيف به وقد شاهد غير المألوف وعرض عليه ما لا يدري عنه ..ففتنه السحر وشوقه الجمال وألجمه الوجد فصار هائما في الهيمان ..لا هو قائد كما يعهد ولكن مقتاد كما لا ينبغي وبما لا ينبغي ..قادته شهوة المنظر فاستزاد من قوة النظر ..واستطال في مدة البصر ..قاصدا بذلك الرشف من سر الجمال ..وواعدا نفسه بالإغتنام من لب المحبوب بما يشفي وهج تطلعه .. وهو لا يدري أنه جاهل في أمور العشق والوجد ولا يريد أن يدري ..كالشارب من الخمر يريد النشوة وهو يقتل نفسه من حيث لا يدري ..وكالراشف من سم زعاف ويحسب أنه حلو مذاقه ..ففي ذلك هلاكه وفنائه وهوانه على نفسه حين أذاقها ما يفسدها وأعطاها مما يجب المنع ..فلو أنه حرمها الذوق لكان خيرا لها ..ولو ما استزاد النظر لحققت الطمأنينة واستكان الألم ..ولو غظ الطرف من الأول لسلم من مرارة الوجع ولغنم براحة البال وإشراقة الحال وعز النفس ..ولقوي على فعل المفيد والإستمتاع به وفي ذلك الخير كله .. فالغافل يغفل قلبه ويغيب عقله عند رؤية المعشوق ..فيسقط في درك الصبابة ..والمتيقن يعلم علم اليقين بما يراه فلا يسلب من نور البصيرة ..ويحرص على الإرتقاء مهما حصل.. فهو في جذب دائم يبن قوى النفس وقوى الروح ..بين النجاة والغرق ..بين العز والذل ..وعلى شدة يقينه يدرك السلامة وعلى قدر عمق الفكر يرى نور الحقيقة ..ولكن ذلك لا يأتي يسيرا ولا يتيسر للكسالى والجهال ..ولا يدرك بالتمني ولا ينال بالأمل ..بل لا يصله إلا آحاد ولا يبلغه إلا أفراد ..وطوبى لمن بلغ ذلك .. على أن العاقل لا يفوته الإعتبار ولا تتجاوزه المعاني فهو دائم العزم قوي البصيرة ..فهو إذ يرى الجمال لا يعشقه ولا يأخذه سحره ..ولا يسلبه لبه ..بل يكون دليله إلى مدلوله ..وموصله إلى حقيقة حبه ..ومرشده إلى خالق الجمال ..إلى جامع الكمالات كلها ..إلى الجميل جمالا مطلقا والكامل كمالا مطلقا .. فهذا سحر المخلوق قد أوقف العقل مكانه ..فما قد يفعل سحر خالق المخلوق في عقل من ينظر ..وكيف يصير حال القلب عند التقاء النظر واكتمال المنظر في جنة الرضوان وفي رحاب الرحمان ..تبارك الملك الجميل ..وتقدس الكمال الكامل ..سبحانك ربي ما أعضمك ليس كمثلك شيء ..فهذا جمال المخلوق قد عجز اللسان عن وصفه لشدة حسنه وبهائه ..فكيف بوصف الخالق وهو لب الجمال ومنبع الصفاء وروح الفتن ومدد العطاء كله .. فالجميلة ليست جميلة إن كنت تعلم ..ولكن جمالها مستعار ..ومحاسنها هبة ..وسحرها مأخوذ من سحر الخالق ..فلا تكن جاهلا وتقف مع الواقفين في محطة العبور ..وتوهم نفسك بالوصول ..وأنت مكبل في شرك الهوى وتظن بجهل علمك أنك بلغت المرتجى ..وما أنت إلى في وسط الطريق وتلك معالم المبتدى قد تجلت لك ..فكيف تكون نهايات المنتهى عند سدرة المنتهى.. فإن علمت ذلك لا بعلمك وإنما بإلهام ربك ..وبتزكية نفسك ..فحتما سيخف العشق عن قلبك ..وإن جهلته لضعف نفسك وخوائها ..سيقوى قلق قلبك وستصعب حالتك ويشتد مرضك ..وعلى قدر جمود ذهنك ستنغص لذيذ عيشك وستكدر صفاء قلبك .. وأرباب اليقظة لا يعتريهم هذا الإحساس ..ولا يعرفون له سبيلا ..لأنهم مانعتهم حصونهم من الإلتفات إليه والسعي ورائه ..إذ لا يسعى العاقل لبلوغ السراب والظفر بالفاني ..كالأعمى يتحسس الثلج يذوب إثر لمسه بيده.. فتيقظ القلب يوجب الأنفة من رذالة الهوى ..ومن ذل العشق ..ونور البصيرة يسطع على ظلام الوجد فيبديه على حقيقته ويكشف المستور وراء الحلل ..فتصير عيوب المحبوب بالفكر واضحة وفي العقل لامعة ..فلا يقدم على الخمر يشربها يفقيق بعد شربها في عواقب يندمها .. وأهل الغفلة دائموا الحيرة ..مشوشو البوصلة ..لا قرار لهم ولا استقرار.. وإنما اضطراب وقلق وقسر وأسر .. فاجعل ياأخي قلبك موصل بالنبع المطلق ومتشبت بالصفاء المطلق ..ولا تلتفت طرف عين ولا لمح بصر عن نبع العطاء وهدى البصيرة فتحرم من عظيم الثواب وتمنع جزيل الرزق والخير ..وارتق الصعد طوال العمر بلا كل ولا ملل .. فلولا مشقة الأنفس لساد الناس كلهم ..واخل نفسها من عوائق تكبحها .. واعمرها بعمار المعرفة والفكر التي توجب الخلد والأبد في جنان الرضوان .. وافقه عني يا أخي ما أردته ذكره فإن اللبيب بالإشارة يفهم.
#محمد_البورقادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا تحتضر ..
-
قلب الأدوار ..
-
بوادر الإنتقال الديموقراطي في المغرب ..وأفق التحديات الجديدة
-
الحرب القادمة : قوى التحالف الجديدة..
-
يوم في دوار الزاوية ..
-
صور من الواقع..
-
ضريبة الحرية المطلقة
-
تأملات في الطريق..
-
في الأحياء الراقية
-
في عقوق الوالدين : قلب الأم
-
أمريكا ..المارد !!
-
نظرة في النفس والروح والجسد ..
-
في الأحياء الشعبية..
-
نضرة في العلاقات الإجتماعية في وقتنا الحاضر
-
مخالب النفس
-
الإنسان والعقيدة !!
-
في بيوت الله
-
نساء الحداثة أو النساء الحداثيون !!
-
طلبة المغرب بين الحق والواجب
-
مسألة القيم الإنسانية !!!
المزيد.....
-
بيونسيه حققت فوزاً تاريخياً.. أبرز لحظات حفل جوائز غرامي 202
...
-
إطلالات خطفت الأنظار في حفل جوائز غرامي 2025
-
ماسك: ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
...
-
ألق نظرة على الصور الفائزة بجائزة مصور السفر لعام 2024
-
بيسكوف: روسيا ستواصل الحوار مع السلطات السورية بشأن جميع الق
...
-
الشرع يؤدي مناسك العمرة في مكة المكرمة (صور)
-
لبنان.. -اللقاء الديمقراطي- يدعو لتسهيل مهمة رئيس الحكومة ال
...
-
إنقاذ الحديد الجريح
-
مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع الكشف عن مصير أخيها (ف
...
-
كيف يمكن استخدام اليوغا كعلاج نفسي لتحسين صحتك العقلية؟
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|