أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهند صلاحات - تأملات في زمن ضياء














المزيد.....

تأملات في زمن ضياء


مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 11:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


" مجرد وقوف قصير بالقرب من نعش الشهيد ضياء السعدي، قائد الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والذي اغتالته مع رفيق له قواتُ الاحتلالِ الصهيوني صبيحة يوم 23/10/2005م "


كسنبلة قمح خضراء لم تنضج كان يرحل، وكانت السماء تعد الأعراس لتستقبل الفارس: هذا زمن الرحيل المستمر، تماماً كالطيور ...
هنالك كان ضياء، حيث البيوت المتلاصقة، والأزقة الضيقة والأنفاس تختلط، حيث المخيم .
لم يكن ليخيفه شيء حتى يختبئ، ولم ينظر يوماً لتجربة من رحل قبله برعشة أو وجل، كان الرحيل متعته التي اعتادها، أو ربما انتظرها منذ بدأ يشع، أي يعي مفاهيم السياسة وتضاريس البلاد.
كانت عتيل تبتعد عنه، وكان يقترب منها أكثر، يجمع بينها وبين زمن المخيم.

لم يكن لديه الوقت الكافي ليتعود مثلنا أشياء سخيفة جداً، كشرب فنجان القهوة كل صباح، واختيار أغنية فيروز التي قد تبدو أكثر ملائمة لطبيعة جو الصباح، فصباحات ضياء منذ اتخذ القرار كانت جميعا تعج بالغبار وتنضح بالدم، لا نكهة فيها لشيء يثير الشهوة أو الانطباع الفردي الجيد.
جماعي حتى في الصباحات، ولا طعم للحياة لديه دون أن يكون بين رفاقه المقاتلين، فحتى في موته كان جماعياً، أو ربما رفيقه الأشقر لم يكن ليرضى بأن يترك هذه الفرصة سانحة للموت مع ضياء وتركها تمر كقارب في نهر.

لم يفاجئ خبر استشهاده أحد، وكأن الجميع كان ينتظر الخبر، ربما فقط لم يكن أحد ليتوقع الساعة المحددة ، أو ترك الحسابات للأيام ذاتها تحتسب، حتى الأم التي لم ترَ ضياء منذ خروجه من السجن كانت أيضاً تنتظر،وتقف كل يوم على الشباك تحمل القمح للعصافير وترفه كفيها للسماء، لا تنتظر ضياء يعود إليها كما كان منذ سنوات كعصفور يحلق عائداً لها من رحى مدرسته، كانت تنتظر فقط خبر زفاف شهيد أخر في فلسطين يكون ابنها كما كل من سبقوه من رفاق ضياء.

لم يفاجئني أيضاً خبر استشهاد ضياء، لكنه جعل شيء داخلي يبكي حيال هذا الغياب المتوقع لضياء الذي لم يكن بيوم يملأ أي فراغ محسوس عندي، فقط كنت أسمع عن ضياء الذي تخرج من مدرسة فتحي الشقاقي وقاد المعركة بعد أن تسلم الراية من فوق فرسه من مخيم جنين وعاد بها يعبر مضيق الجبل الذي فصل المقاتلين الثوار عن الأعداء، عاد ضياء يحمل راية سلمها إليه محمود طوالبة.

لم يخطر ببالي لحظة أن تكون نهاية الحصار لطولكرم مجرد تسليم، أو استسلام من ضياء نفسه، وقد استغفرُ اللهَ إن خطرت لي تلك الفكرة، رغم أني كنت أرى الكثيرون يسلمون المدينة تلو المدينة في زمن الاشتباك كما اسماه غسان كنفاني، ويرشون الماء فوق الاسمنت الذي يبنى حول المدينة لحصارها.
ضياء كان يقف دوماً بعيداً عن الحضور غير المفيد للناس، يبتعد دوماً عن المناطق التي لا تجري في الاشتباكات، لأنه تربى كأطفال غسان كنفاني أن يعود إلى المخيم وهو في زمن الاشتباك، أن يظل زمانه زمان اشتباك مستمر دون هدنة أو توقف، فكان الشرارة التي جعلت العدو من خوفه يكسر الهدنة التي لم يكن ليرضى بها ضياء نفسه.

وفي زمان الاشتباك قرر ضياء الرحيل مع رفيقه الأشقر، فأبو إبراهيم ما كان ليرضى لتلاميذه ورجاله، وحتى أصغر الصغار منهم "ضياء" بأن يرحل عن الأماكن الجميلة في الوطن والوجوه التي نحبها، إلا على طريقة اغتياله هو في مالطا، أو لا يسبق الموت تفجير لسفارة كاملة للعدو، أو معركة كاملة يقودها بضع رجال ومحمود طوالبة ضد جيش مسلح حتى أسنانه.

كيف لا يكون الموت هكذا على طريقة أبا إبراهيم وكلماته تأتي كالريح من الغرب لتهب كل مساء على فلسطين تطرق النوافذ وتقول :" هذه الأمة على موعدٍ مع الدم، دمٌ يلون الأرض، دمٌ يلون الأفق، دمٌ يلون التاريخ، دمٌ يلون الدم، ونهرُ الدمِ لا يتوقف، دفاعاً عن العقيدة، دفاعاً عن الأرض والأفق والتاريخ ، دفاعاً عن الحق والعدل والحرية والكرامة".

لذلك يا ضياء لم يكن مصادفة أن يكون أكتوبر جامعاً لموعد رحيلك بأبي إبراهيم في خلده، فهو إذاً موعد للرحيل والهجرة، تماماً كما للطيور موسم للهجرة، كان هذا الأكتوبر موسم الهجرة الموسمية للشهداء.

رغم حيلك المتوقع كان عندي أمنية، سأذهب اليوم لدفنها بعيداً عن محيط البيت والحارة وحتى المدينة، بعد أن صار تحققها كأماني البشر بأن يعود الهنود الحمر لأمريكا من قبورهم، كأماني الغاضبين بأن تأتي العنقاء ، أن تنهض من ركام الخيام المحروقة والبيوت المدمرة في دير ياسين وصبرا وشاتيلا، صبرا يا ضياء، حيث الرجال هناك ينتظرون عودة الرجال، حيث الرفاق هناك ينتظرون مجيء ضياء ليزفوه بالورد والأس والياسمين، كانت أمنتي التي رحلت هي أيضاً، أن نلتقي، لأسألك كيف كنت تقاتل في الميدان، وتتحرك بخفة جساس في المعركة، والآخرون يحملون المدافع على أكتافهم ويطلقون بها للخلف، لصدور شعبهم ؟

كيف لا تصبح الفدائي الأخير ومن حولك كلهم استراحوا استراحة المقاتل الطويلة، ربما إلى الأبد؟

كيف امتشقت البندقية في زمن الحلول السلمية والمهادنات على الشهداء والدم والسجون المغلقة من كل الجهات ؟

كيف كنت تعليم الآخرين المبادئ، والآخرون في الطرف يبيعونها في سوق النخاسة السلمية ؟

كيف استطعت أن تظل كل هذه المدة الأخير ، في وسط هذه المهزلة ؟
ضياء، لا ترحل كثيراً، لا تُدمْ الغياب، ولا تًدمِ القلوب.
صورتك على الحائط القريب توجعني
وصوتك لم يزل يسكن في داخلي كصوت انتظاري لطرق الباب.
ضياء لا تبتعد كثيراً، فمن باعوا بلدي، سيبيعونك لسوق النخاسة، والتجارة بالمبادئ.
ضياء ..... الله وأكبر.



#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيثما تكونين سأصلي
- أزمة الماركسية العربية وفخ الصراع الديني
- اغتيال التراث الفلسطيني ... اغتيال الهوية
- الهوية الثقافية بعد الاندحار الصهيوني من غزة ...
- ندوة تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين في نابلس ... خطوة حقيق ...
- نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ... عن أي سلاح يتحدثون !!
- رسالة إلى الجندي الأمريكي القادم للعراق ...
- غزة أولاً ... تسويق مشاريع التسوية بأثواب النصر
- ذاكرة الغرفة206
- -ذاكرة غرفة-
- البعد التاريخي في رواية الشهيد غسان كنفاني -رجال في الشمس-
- مدرسة المشاغبين العرب
- لماذا لم يقرعوا جدران الخزان بعد
- في الزنزانة الأخرى
- - تغار من الأقلام-
- ما جنته واشنطن من تفجيرات لندن الأخيرة
- لقاء صحفي مع الكاتب الفلسطيني مهند صلاحات بعنوان : ختان الإن ...
- شوق طويل في يوم أطول
- جدل ... ما تبقى بيننا
- في البدء كانت أنثى


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - مهند صلاحات - تأملات في زمن ضياء