|
الطموح..هل قتل الجلبي بالسكتة؟! تحليل سيكولوجي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 4976 - 2015 / 11 / 5 - 09:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في صباح الثلاثاء الثالث من تشرين الثاني 2015 ،وجد الدكتور احمد الجلبي ميتا على كرسيه في غرفة نومه مصابا بسكتة قلبية عن عمر ناهز السبعين عاما.وبعيدا عن الذين نعوه بأسف بالغ عادين فقدانه خسارة وطنية بوصفه الشخص الاول الذي كان وراء اسقاط النظام الدكتاتوري ولكونه يمتلك عقلا اقتصاديا ورياضيا استثنائيا،وعن الذين لعنوه بوصفه الشخص المسؤول عن احتلال العراق وما اصاب الوطن من خراب،فان ما يعنينا هنا سبب موته الذي شكّل مفاجأة للجميع.فالرجل عاش مترفا ويتمتع بحيوية ونشاط جسمي ولديه ثقافة غذائية صحية،ما يعني ان اصابته بنوبة او سكتة قلبية لأسباب عضوية تكون مستبعدة. وبوصفي متخصصا بالصحة النفسية فان السبب الرئيس لوفاة السيد الجلبي بالسكتة القلبية هو سيكولوجي خالص سأوضحه بعد ان أعطي فكرة موجزة عن السكتة القلبية وما اذا كانت اسبابها تنطبق عليه. السكتة القلبية هي توقف مفاجيء للقلب عن الخفقان يتوقف لحظتها تدفق الدم الى الدماغ والأعضاء الحيوية في الجسم،لتحدث الوفاة بشكل غير متوقع. وتشير الاحصاءات الى اصابة (420)ألف حالة منها تحدث في الولايات المتحدة سنويا بين الرجال تحديدا.وبرغم ان السكتة القلبية يمكن ان تحدث لاشخاص يتمتعون بصحة جيدة الا ان الشائع فيها ان لها اسبابا تتحدد اهمها بالآتي: ارتفاع ضغط الدم،السمنة،زيادة الكولسترول ،مرض السكري،التدخين،شرب الخمور ،تعاطي المخدرات،وجود امراض وراثية في العائلة عن طريق الجينات،والاجهاد البدني الشديد. وباستثناء السمنة،فان الاسباب الأخرى غير متوافرة في شخص السيد الجلبي،فضلا عن انه يتمتع بثقافة صحية..ما يعني ان الاسباب الشائعة للسكتة القلبية غير متوافرة في حالة السيد احمد الجلبي،وان السبب سيكولوجي خالص أوجزه بالآتي: ان القراءة النفسية لشخصيته تشير الى ان الرجل يمتلكه طموح ان يكون هو الرجل الأول في الدولة العراقية،بالرغم من انه كان قبل سقوط النظام ينفي دائما طموحه في شغل أي مراكز قيادية في العراق.فالرجل ورث عن عائلته اهتمامها بالسياسة حيث شغل والده وشقيقه الاكبر مناصب وزارية في حكومة العراق الملكية،اضطرت العائلة إلى مغادرة العراق بسقوط النظام الملكي في 1958. ومن طفولته وشعوره باغتراب اسرته عن الوطن وفقدانها لاعتبارها السياسي..نشأ لدى الشاب احمد الجلبي طموح لأن يكون رجل دولة برغم انه كان بامكانه ان يعيش بسعادة كونه كان ثريا،فضلا عن حصوله على شهادة دكتوراه في اختصاص مميز يمكنه من ان يشغل مكانة اكاديمية في جامعات اجنبية وعربية،وكان قد عمل أستاذا للرياضيات في الجامعة الأميركية ببيروت حتى العام 1977 حيث دعاه الأمير حسن شقيق الملك حسين إلى تأسيس بنك البترا. غير ان طموحه لأن يكون رجل دولة وجّهه الى ان تكون السياسة شغله الشاغل بعد ان توافرت له فرصة وجود نظام دكتاتوري في العراق صار مكروها عربيا وعالميا وعلى رأسه طاغية يتمنى العراقيون ان يتخلصوا منه بقوة اجنبية بعد ان وجدوا انفسهم عاجزين عن الخلاص من كابوسه.وكان الجلبي هو اللاعب العراقي البارز في التمرد على نظام صدام في تسعينيات القرن الماضي،قضى منها سنة ونصف متواصلة في كوردستان يعمل فيها مع قوى اخرى لتوحيد الجهود للآطاحة بالنظام،الى ان اضطر الى المغادرة بسبب دخول الجيش العراقي الى الآقليم اثر النزاع الكردي – الكردي عام 1996، ومغادرته الى لندن وتأسيسه حزب المؤتمر الوطني العراقي فيها بهدف ضم قوى عراقية مختلفة لأقامة نظام ديمقراطي. والمدهش فيه ان طموحه دفعه الى ان يقيم دعوة ضد اشخاص في المخابرات الآمريكية استطاع ان يوصلها الى الكونكرس الأمريكي ..ويربحها!..وان يدفعه الى اصدار قانون (تحرير العراق)..الذي مهد الى اقامة تحالف دولي اطاح بالنظام.وكان الجلبي هو اول عراقي سياسي يصل مع القوات الامريكية وينزل في مدينة الناصرية مبشرا العراقيين بالقضاء على الطاغية،وملمحا ضمنا الى انه هو الذي صنع لهم هذا الحدث العظيم بعد ان وصل العراقيون الى قناعة ان صدام باق الى يوم يخصه عزرائيل بالزيارة. في ضوء ذلك،ما الذي نتوقعه من رجل عمل كل هذا..غير ان يكون هو رجل الدولة العراقية؟!. كان الرجل،في ما أرى، غير راض عن مجلس الحكم،لسبب سيكولوجي ايضا هو انه لا يريد لنفسه ان يكون رقما بين اشخاص ما كان لبعضهم دور سياسي مميز.ومع ذلك فأنه صبر بعد ان تردد اسمه عدة مرات لتولي رئاسة الحكومة..انتهت بفشله في الانتخابات.ولما ادرك ان العلماني ليس له نصيب بين احزاب الاسلام السياسي التي تعزف على الوتر الطائفي،دفعه طموحه الى ان يطلب ودها،آخرها دخوله ضمن كتلة "المواطن" التي يتزعمها رئيس المجلس الاعلى عمار الحكيم في انتخابات ( 2014)..وهي اشبه بالكارثة عليه..ان يلوذ بسياسي بعمر ابنه!سيما وان شخصيته فيها صفات نرجسية ولديه تقدير عال نحو ذاته. فهو حاول ان يكون اذكى من الادارة الامريكية باقتراحه عليها تشكيل حكومة منفى يكون هو رئيسها وتكون هي وسيلة تنتهي مهمتها باسقاط النظام.غير انها كانت تفهم مقاصده الوطنية التي تتعارض مع مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية،ووجدت فيه شخصا يصعب التعامل معه..تجسد ذلك في موقف اثار غضب اميركا عليه ومداهمتها لمقر حزبه واستيلائها على اجهزة كومبيوتر وأشياء اخرى لانهائه سياسيا. ان الذي قتل احمد الجلبي،في تحليلي، هو شعوره بالندم والخيبة والخذلان والاحباط .فمن يتقمص شخصيته ويتمثلها وهو يضع رأسه على الوسادة،يجد نفسه في حواره معها انه هو الذي اتى بالذين يحكمون العراق الآن ويسكنون المنطقة الخضراء،وانه هو صاحب الفضل عليهم فيما صاروا عليه من نعمة ومكانة ما كانت تأتيهم حتى في الأحلام..ومع ذلك فانهم تنكروا له،ولم يسندوا اليه وزارة،الا لفترة وجيزة كنائب لرئيس الوزراء، فيما اخرون اصغر منه عمرا وبلا تاريخ سياسي ولا يصلوا كعب رجله خبرة وكفاءة..اسندت لهم وزارات وبقوا فيها رغم فشلهم وقيام تظاهرات شيعية ضد مسؤولين شيعة اتهموا بفساد لم يشهده العراق منذ ان اصبح دولة قبل تسعين عاما!. هل كان الرجل يعنّف نفسه..لا بمفهوم تأنيب الضمير بل بمفهوم ما كان يطمح اليه وما صار اليه؟.الجواب..نعم .وان التعنيف والندم وضغوط الخذلان والاحباط والاجهاد العصبي ادت الى قهر..تراكم عبر عشر سنوات ليقتله طموحه بسكتة قلبية..غيران هذا الطموح قد لا يقتل صاحبه ما لم يكن متمتعا بضمير وطني!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التطرف الديني وصناعة الموت (2-2) دراسة تحليلية
-
حوار المدى 2 تشرين الثاني 2015
-
التطرّف الديني وصناعة الموت (1 -2)
-
قيم الحسين..هل ستطيح بالفاسدين؟ تحليل سيكولوجي
-
hالتظاهرات ..هل احيت قيما ماتت؟ تحليل سيكولوجي
-
اشكالية الأدب والنقد والمتلقي
-
المواطنة..في تحليل للشخصيتين المصرية والعراقية
-
حيدر العبادي..هاوي بس ما ناوي!
-
العلمانيون والفاسدون..من سيضحك أخيرا؟
-
شراع سفينة التظاهرات..ورياح التغيير
-
تحليل سيكولوجي لما حدث ويحدث
-
حيدر العبادي..بين التفويض والتقويض
-
فقاعات الشتاء السنّي ..فقاعات الصيف الشيعي
-
العراقيون..مازوشيون - مقال تحريضي!
-
عبد الكريم قاسم..والطائفيون - موازنة اخلاقية
-
تساؤل الى الامام علي في ذكرى استشهاده
-
داعش تفهمنا افضل مما نفهمها!
-
ازمة العقل السياسي العراقي-تحليل سيكوبولتك
-
المفقود في مواجهة الشخصية الداعشية
-
الطائفيون..هل استوعبوا الدرس من سقوط الموصل؟
المزيد.....
-
الكشف عن هوية -قيصر-: فريد المذهان يتحدث لأول مرة عن رحلته ف
...
-
فرنسا.. جلسة قضائية حامية في دعوى تمويل ساركوزي من قبل الزعي
...
-
سفير روسي يعلق على طلب زيلينسكي إرسال 200 ألف جندي حفظ سلام
...
-
نحو 20 ألف لاجئ سوري يعودون من الأردن
-
برلماني مصري يكشف عن عرض مالي فلكي قدمه ترامب للسيسي مقابل ص
...
-
بغداد: عقوبات ترامب لطهران تضر بنا
-
هزات بجزيرة سانتوريني اليونانية تحير العلماء ومخاوف من زلزال
...
-
-قيصر- يكشف عن هويته الحقيقية ويروي لأول مرة تفاصيل عن قيامه
...
-
أمريكا: أي استراتيجية عربية حيال ترامب؟
-
اليونان: جزيرة سانتوريني في بحر إيجه تتعرض لسلسلة هزات أرضية
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|