خرافة اسمها جحا العربي

داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 21:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

في مقال سابق فندنا وبينا زيف وجود شخصية حقيقية تدعى(البهلول) ، وذكرنا الاسباب في ذلك . وفي هذا المقال نذكر شخصية خرافية اخرى ، كتب فيها الاقدمون ما كتبوا ، وتجاوزوا الحد في القول ، فمنهم من جعلها شخصية متدينة مؤمنة متسامحة تحب الخير لجميع الناس وتريد الحفاظ على الدين ، وتدعو الى العدالة والمساواة وعدم استغلال الناس بأسم الدين . ومنهم من جعلها شخصية هزلية فكاهية ساخرة ، تنكت وتحب السخرية ، لغرض اضحاك الناس وجعل السرور يتسرب الى قلوبهم ، بغية اسعادهم واضفاء اليهم روح المرح .
و نحن ، هنا ما بين رأيين متناقضين ومختلفين ، والمنطق والفلسفة يفرضان علينا أن النقيضين لايجتمعان ، ما يعني اما أن نصدق الرأي الاول واما نصدق الرأي الثاني ، ولا يمكن الخلط مابينهما . وهناك رأي ثالث يعتقد أن هناك شخصيتين تدعى بهذا الاسم ؛ وهنا زداد الطين بلة ، الامر الذي يجعلنا أن نشكك بوجود شخصية حقيقية أو اكثر تسمى بهذه التسمية ، ونعتقد أن شخصية جحا هي رمز وليس بحقيقة ، وأن العامة من الناس تؤلف قصصا ونكات فتنسبها الى هذه الشخصية الكارتونية ، ونستطيع القول أن هذه اشبه بما جاء بكتاب الف ليلة وليلة ، والكل يعلم أن حكايات هذا الكتاب ليس لها صحة أو وجود في الخارج ، الا بخيال مؤلفها الذي الى الآن لم يعرف اسمه ، لكن الرأي السائد أن المؤلف اكثر من واحد .
فبعضهم يعتقد من أن جحا الإنسان الذي أضحك الملايين بنوادره الطريفة وأخباره العجيبة التي تناقلتها الألسن على مر العصور، لابد وأن يكون شخصية مهمة ونادرة الوجود وفذة ، وتستحق كل الثناء والتقدير . ومع ذلك كانت له جُرأة على الحكّام والأمراء والقضاة الذين كان يدعوهم إلى السير بمقتضى الشرع والتخلق بالخلق الاسلامي ، ويحضّهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بصفته رجل دين وفقيه ومحدّث ، وليس من الحق في شيء إنزاله المنزلة التي لا تليق به من السخرية والفكاهة . ويرى آخر ((أن جحا عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين ، وأنه كان بالغ الذكاء ، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة .. ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون)). وهذا كلام فيه خلط وتشويه وسذاجة .
ورأي ثالث عبر عنه بالقول : ((هو شخص فقير كان يعيش حياته بطريقته الخاصة ، وكان يتعامل مع المواقف الحياتية بذكاء كوميدي ساخر، إذ انتشرت هذه المواقف والقصص وبدء يتداولها الناس من شخص إلى آخر، وكل شخص يرويها بطريقة مختلفة عن الآخر، لذلك نجد أن هناك العديد من القصص التي تم تأليفها على هذه الشخصية قد يكون منها خيالية لا علاقة لها بالواقع)). وهذا الكلام يدونا الى التأمل والتفكير وقيل من المراجعة الى التاريخ واستنطاقة حتى نبصر الحقيقة عيانا ومن دون وسساطة .
وقال آخر : ((إن ( جحا ) ليس أسطورة ، بل هو حقيقة ، واسمه ( دُجين بن ثابت الفزاري – رحمه الله - )، أدرك ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه ، وروى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهشام بن عروة، وعبد الله بن المبارك، وآخرون)).
وكلها اسباب واهية غير علمية ولا تتصف بالدقة ، بقدر ما يأخذها الحس العاطفي والتقليد الساذج الاعمى.
وللدكتور محمد رجب النجار، الحاصل على دكتوراه في الأدب الشعبي العربي ، عمل أستاذا في جامعات مصر والكويت لسنوات عددة ، الف كتابا بهذا الخصوص اسماه "جحا العربي" معتبرا شخصيته وفلسفته في الحياة والتعبير حالة فريدة ونموذجية ، مؤكدا بالقول : ((لعل النموذج الجحوي لم يلق من الذيوع والانتشار في العالم العربي مثلما لقي في البيئة المصرية ، على الرغم من أنه شخصية غير مصرية ، وإنما عرفته البيئة المصرية رمزًا فنيًا منقولًا إليها، له أسلوب فني مميز في الحياة والتعبير، في إطار فني أثير لدى الشخصية المصرية ، والمزاج المصري ، هو إطار السخر والتندر والفكاهة، فتلقفته نموذجًا فنيًا وشعبيًا)) . (راجع الكتاب المذكور ، عالم المعرفة ، الكويت والكتاب يقع في ثلاث فصول ، سلسلة رقم عشرة ) .
*من هو جحا بنظر هؤلاء ؟
وهنا ننظر تخبطهم حول شخصية جحا ومن هو ؟. وقالوا في ترجمته :
((أبو الغصن ، صاحب النوادر ، دجين بن ثابت ، اليربوعي ، البصري . وقيل : هذا آخر . رأى دجين أنسا ، وروى عن أسلم ، وهشام بن عروة شيئا يسيرا . وعنه : ابن المبارك ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو جابر محمد بن عبد الملك ، والأصمعي ، وبشر بن محمد السكري ، وأبو عمر الحوضي . قال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن عدي : ما يرويه ليس بمحفوظ . وروي عن ابن معين قال : دجين بن ثابت هو جحا . وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى ، وقال : لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا ، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك ، ووكيع ، وعبد الصمد ، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا . وأما أحمد الشيرازي ، فذكر في " الألقاب " أنه جحا ، ثم روى عن مكي بن إبراهيم قال : رأيت جحا الذي يقال فيه : مكذوب عليه ، وكان فتى ظريفا ، وكان له جيران مخنثون يمازحونه ، ويزيدون عليه . قال عباد بن صهيب : حدثنا أبو الغصن جحا - وما رأيت أعقل منه - قال كاتبه : لعله كان يمزح أيام الشبيبة ، فلما شاخ ، أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المحدثون . وقد قيل : إن جحا المتماجن أصغر من دجين ، لأن عثمان بن أبي شيبة لحق جحا ، فالله أعلم . وكذلك وهم من قال : إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو جحا )).
*الخلاصة
ومن خلال هذا التخبط وعدم الدقة والموضوعية ، والاعتماد على التقليد ، وما قاله السلف من دون تمحيص ، والى عدم الرجوع الى العقل والمنطق وقواعد النقد الحديثة التي تهدف الى احقاق الحق ونبذ ما هو مزيف وباطل ، وخرافة نصدقها ، نقول ان شخصية جحا خرافية وهمية ليس لها حقيقة ، مثلها مثل الشخصيات الكارتونية الخرافية الاخرى .
3/11/2015

#داود_السلمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات