|
أحزاب تونسية مفخّمة و مفتولة العضلات، تهوي و تنال دفنا جميلا
رضا لاغة
الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 11:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن اللحظة السياسية كما تنسكب من داخل أسبابها هي لحظة مجاهرة ، مشحونة بقلّة الحياء. إنها تعبّر عن وعي الدلالة الملازمة لعلاقة زبونية مدفوعة الأجر . إننا نرى الآن انخراطا حيويا في الهرولة الصامتة ، بغير تحفّظ ، و المتسللة نحو روح أمريكا الطيّبة.و هي مسارعة غدت مألوفة في العائلة النهضوية ــ الندائية . عائلة فاتنة و لكنها معدية . فهي تنام على عشق متواضع للعم سام .غير أننا في هذه المرة لاحظنا جوّ موبوء و خانق و ميول مفرطة لعدوى الهيام بأمريكا. و كما ترون فقد حلّق كل من رئيس حركة النهضة و أمين عام نداء تونس و أمين عام حزب المبادرة الدستورية في سماء واشنطون . طبعا ليذهبنّ بكم الظنّ أن يفسّر ذلك على أنه امتزاج بلاغي لفضيحة سياسية تنقلنا من دولة السيادة إلى دولة الضبط. في إطار هذه التبعيّة الوظيفيّة سنحاول فهم اللّحن المعروف الذي يعزف نغمة الوطنية . و لكن لا ينبغي أن يؤخذ ذلك، لا سمح الله، على أنه اصطياد لثغرة ما أو عتب مجازي معارض. و بعيدا عن الوصاية الرامية إلى إستراتيجية التفكيك لهذا الركض و الارتماء في الحضن الأمريكي الذي ينساب منه حنان دافئ يتغلغل في أعماق المحضون ، نريد أن نبدأ من فن الغطس المطعّم بشاعرية المحبة القائمة على محمولية العم سام. تدرك الأحزاب الحاكمة أن الانحناء و تقويص الظهر امتثالا لطاعة أمريكا و حلفائها هو سنّة مؤكّدة تجعل من وجودها مشروط بهذه الطّـأطأة . و لقد صادفنا من قبل البلاغة الخطابية التي أشاد فيها رئيس حركة النهضة بالتجربة التركية فأعرب عن غبطته بهذه التجربة التي ارتقت لتكون نموذج إرشادي للتجربة التونسية . يمكن تفسير هذا الانجذاب من زاويتين: ـــ إن أساس تنشئة الحزب بصورته الحالية( من الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة)يقوم على تحديث أسلوب الممارسة السياسية لصالح سيرورة جائزة تخضع الحركة إلى أن تقدّم ذاتها بمظهرية جديدة ذات ملمح ليبرالي. ـــ إن هذا الانفتاح على التجربة التركية ينساب كانصياع لأصولية مقلوبة تعيد تقييم مستلزمات تمرير المشروع وفق محاكمة واقعية ذرائعية. أي أن الإبانة عن طبيعة المشروع الأصلي يظلّ معطى احتياطي يقدّر بدرجة تحققه وفق نظرية التمكين. هنا هم يتحدثون عن نجاح التجربة التركية التي أفصحت عن أصوليتها بعد مسار ليبرالي طويل مكّنها من التغلغل في أجهزة الدولة. ـــ إن التقاربالمنظومة القديمة التي أعادت رسكلة نفسها لتخترق غشاء المنجز الثوري و تظفر من جديد بنظام الحكم ، يمثل الاختبار المرحلي الأول لتهذيب تصلّب القواعد من خلال قبولهم لمبدأ التعايش مع خصم الأمس في حقل منعش تشعّ منه نفحات الليبرالية. إن هذا الاستدراج يتطلّب تحويل القواعد إلى ما يشبه المباني الخرساء فينكشف أحد أمرين: ـــ وعي مبكر لدى شريحة من المنتسبين بزيف المشروع مع الاستمرار فيه ، و هذه قمة الليبرالية في بعدها الانتهازي.في هذه الحالة يتحوّل هذا الجناح إلى قوة ماحقة للحزب لأن الأمر سينتهي بها إلى التواشج الفعلي مع المنظومة القديمة ( النداء). ـــ وعي مخرّب لعلاقة الانتماء بالحزب و هذا ما حدث فعلا إما عن الالتحاق بأنصار الشريعة سابقا أو الانتماء الرمزي لكيان وهمي هو حراك شعب المواطنين أو حتى مسيرة السيد الهاشمي الحامدي المبثوثة بالقواعد للتنفيس و شفاء الغليل. في الحالة الأولى نحن إزاء استمرارية الانتماء المزيف و في الحالة الثانية نحن إزاء الانقسام الهووي للمنتسبين داخل الحزب.و العجيب أن حزب النداء يشكو من نفس العطب. اليسار الذي يعتبر الانجرار في تسوية مع النهضة يعدّ زوغانا وهتكا لهووية الحزب الحداثية . وهو شق يناور ليغّير من قواعد صناعة القرار من خلال حتمية التموقع في القيادة ، و شق يساري ثان ، منتعش و مستفيد من هذا التلاقي مع النهضة بعقلية الحساب النفعي الذي يقدّر أن نظام الحكم لا يخرج عن دائرة جناح العائلة الدستورية داخل النداء و جناح الحداثة ( الوافدين من وراء البحر)داخل النهضة. إننا في كلتا الحالتين نتحدث عن عقلية التوجه نحو المركز ، نحو القطب ، عقلية اللعب على رقعة التواصل التشاركي الذي يجد هواه في قاعدة بائسة: نحن متضامنون و متحدون في الابتهاج بالعم سام، و ربما فخورين بهذه المصاهرة. إن هذا الطابع المتلاحم و الوقح ، هو بلا شك مذيب و مبعثر لمعنى الوطنية . لذلك ليس مستغربا ألاّ تقوى هذه الأحزاب و ألاّ تملك القدرة على مواجهة المسألة الوطنية ؛لأن هناك ما يجذبها إلى ضرب من الإصلاح القائم على إعادة تأهيل رأس المال السياسي الفاسد كشكل من أشكال فظ بكارة اللحظة الثورية بما هي لحظة متلاشية قد أفرغت من مضمونها و فاعليتها. إن هذا الاستدراج الذي ينتمي من وجهة نظر ليبرالية إلى نزعة إصلاحية مغشوشة يقوم على التفريط المفزع للحد الاجتماعي ؛ و بالتالي تذويب شعارات الحراك الاجتماعي و الانعطاف بها بشكل مضلل نحو المديونية . طبعا تكريسا لمبدأ القنوط لدى عامة الشعب و استزادة في شبق المتعة بالحضن الأمريكي كاستجابة وحيدة في عصر تفوح منه أزمات خانقة، عصر يومئ بمنعرجات خطيرة تفتح على حرب مفتوحة لأطراف متصارعة داخل النداء . إن هذه النسخة المعدّلة للفعل السياسي من قبل النهضة و النداء يجب أن تخلق مزاجا سياسيا جديدا ، في اعتقادي ، يمهّد لتخلّي المعارضة عن اللعب في مربّع الثنائيات غير الناضجة و تجاوز حدود التنافر الإيديولوجي وصولا إلى أعتاب حقيقة مبتذلة لأحزاب ماحقة للاستقلال الوطني. لنفهم أيتها المعارضات أن الإيديولوجيات تدلّنا على طرائق تمكّن الناس من تصوّر مستقبلهم من خلال اختبار عالمهم الواقعي ، أما أن تتحوّل إلى ستارة تحجب المستقبل فتجبر الناس أن يتحرّكوا باتجاه الماضي بوصفه يرمز إلى بنية طازجة ينسكب منها خمر الامتهان المذعن للآخر الصهيوــ أمريكي فذلك مؤشر يجعل من الفعل المعارض نكبة على الشعب . و إذا كان التشكيل الإيديولوجي لنظام حكم النهضة و النداء لا يرسم حقلا بريئا و لم يكن كذلك أبدا، فإن انبثاق فعل معارض متجانس يظل أمرا ممكنا، لأن براعة السياسي بحق تظهر فقط حين يهب نفسه لعزة قضية شعبه و ذاك ما فعله كل من الشهيد شكري بالعيد و الشهيد محمد البراهمي و شهداء العروبة في كل الساحات العربية. لذلك قلنا و ما زلنا نقول و سنظل بعون الله و حمده: نحن في حركة الشعب نرفض اللحظة الذابلة المؤيّدة لسلطة البلاط ، نؤمن بدمج طبقات المعارضة وفق تقاليد أصيلة و صريحة في المسألة الوطنية ، بعيدا عن الهيجان الثوري قريبا من التأصيل الاجتماعي الذي يجعلنا جزءا من منظومة الحكم . وهو ما يفترض في الحد الأدنى التوافق السياسي على إقالة حكومة حبيب الصيد . دون ذلك قد نشهد انتخابات برلمانية و حتى رئاسية مبكرة. و لكن ليس في نيتي أن أقول كيف؟
#رضا_لاغة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهضة و النداء يضعان أقدامهما في مرحلة ما بعد التاريخ
-
في أروقة النداء: تهجير اليسار أم قصف الحكومة؟
-
هل نتجه إلى فراغ سياسي في تونس؟
-
مصالحة أم مضاجعة لثورة الكرامة في تونس؟
-
تمثلات نقابية و سياسية رابضة في قلب الهوية
-
أي مستقبل نريد؟
-
اليمن و الكذب المقصود
-
و انتصرنا
-
يا ناصريين... ثمة شيء إسمه اليمن...
-
اليمن و تجاذب القوى في الداخل و الخارج
-
هايدغر و الإنتقال من الميتافيزيقا إلى فلسفة الوجود
-
آل سعود و النازية الجديدة
-
الدولة الوطنية و المصالحة القومية
-
العمل النقابي و سلطة الوساطة: قوة كلمة أم قوة نضال؟
-
العمل النقابي و التحزب: تسامح أم تنافس؟
-
القوى الناصرية : مستلزمات البناء و مهام عاجلة
-
حرب اليمن و الغموض الإستراتيجي
-
التقاطعية و جسر الهويّات
-
شقوة مخبّأة في قفا خربشة جريئة
-
هابرماس و اجتراح مكانة لسوسيولوجيا ذات معنى
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|