|
حرب اهلية فلسطينية على الابواب
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 1361 - 2005 / 10 / 28 - 12:57
المحور:
القضية الفلسطينية
الحرب الاهلية الفلسطينية هي امتداد للفوضى في العراق ولبنان. لقد جعلت امريكا المجتمع العربي ممزقا بين حكومة خاضعة تماما للمصالح الامريكية، وبين مقاومة لها أجندة اسلامية غير واقعية تفاخر بانتصارات وهمية على العدو، ولكنها تعجز عن حسم صراعها الداخلي مع القوى المتحالفة مع امريكا؛ لقد احتفلت السلطة "بتحرير" غزة عندما دخلها عرفات عام 1994، واليوم تحتفل حماس بتحريرها، بعد ان حوّلها شارون الى سجن كبير. يعقوب بن افرات
ارتفعت في الآونة الاخيرة الاصوات المحذرة من خطر اقتتال فلسطيني داخلي بين حماس والسلطة الفلسطينية، وذلك بعد الاشتباكات المسلحة في قطاع غزة التي اودت بحياة ثلاثة من عناصر الشرطة الفلسطينية. وبادر حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقا) لاقتراح تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة لتسهيل اجراء الانتخابات التشريعية في يناير 2006. جاء هذا بعد ان اقترح المجلس التشريعي على رئيس السلطة، محمود عباس (ابو مازن)، تشكيل حكومة جديدة بعد اقالة حكومة احمد قريع (ابو علاء)، لفشلها في وقف الفلتان الامني ووضع حد لما يسمى بفوضى السلاح.
العراق ولبنان وفلسطين
الحرب الاهلية التي بدأ الشعب الفلسطيني يشعر بكل خطورتها، ليست ظاهرة محلية بل اقليمية، ومن المهم فهم اسبابها. فالأبعاد اوسع بكثير من مجرد صراع على السلطة بين فتح وحماس. ان خطر الحرب الاهلية يخيّم على العراق المحتل عشية الاستفتاء حول الدستور الذي ينذر بتقسيم العراق. فهو يكرّس وجود اقليم شيعي في الجنوب وكردي في الشمال يتمتعان بحكم ذاتي واسع الصلاحيات، في حين يستثني السنة من اي نفوذ ملموس. وقد بات معروفا ان الامريكان الذين يتوقون للانسحاب من الوحل العراقي والحكم من بعيد، انما سيخلّفون وراءهم بعد انسحابهم بلدا منقسما وفي حالة حرب بين طوائفه المتعددة.
اما لبنان، بلد النزاعات العريق، فهو بلا شك مدرسة يجب التعلم منها. فقد صُوّر الانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000، كانتصار لحزب الله الذي استطاع اطلاق سراح السجناء اللبنانيين و400 فلسطينيين. وقد احتفظ الحزب بحقه في مواصلة المقاومة لتحرير مزارع شبعا، وتوعد باستكمال المسيرة حتى تحرير القدس.
الا ان هذا الانتصار كان وهميا، لأنه انتهى بانقلاب سياسي كبير في لبنان تجسد باستقالة رفيق الحريري من رئاسة الحكومة، وتحول من حليف لسورية وحزب الله الى معارض لهما. وجاء اغتيال الحريري الشرارة التي اوقدت حربا داخلية في لبنان، ادت لانسحاب سورية وانتصار المعارضة المناوئة لها والموالية لامريكا في الانتخابات البرلمانية.
القاسم المشترك بين العراق ولبنان وفلسطين، هو في المعسكرات المتحاربة: فمن جهة الحكومة العراقية، او اللبنانية والسلطة الفلسطينية وهؤلاء حلفاء امريكا وإسرائيل، ومن الجهة الثانية المعارضة الاسلامية المسلحة بكل اشكالها، من الزرقاوي الى حزب الله وحماس والجهاد في فلسطين.
في المواقع الثلاثة تمكنت امريكا واسرائيل من خلال شعارات تحرير العراق و"انهاء الاحتلال" في جنوب لبنان وغزة، من تفكيك المجتمع العربي الذي بات ممزقا بين حكومة خاضعة تماما للمصالح الامريكية، وبين مقاومة لها أجندة اسلامية غير واقعية تفاخر بانتصارات وهمية على العدو، ولكنها تعجز عن حسم صراعها الداخلي مع القوى المتحالفة مع امريكا.
حماس: من الانتصار للانشقاق
بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة، تمادت حماس في احتفالات النصر، لدرجة كادت تصل الى حرب اهلية. فقد قررت حماس احتكار ما اعتبرته انتصارا، وذلك لاعتبارات ضيقة تتعلق بحساباتها الانتخابية.
كان مهما لحماس ان تثبت ان خيار المقاومة وليس المفاوضات هو الذي ارغم اسرائيل على الانسحاب. وقد بلغ بها الزهو درجة جعلتها تمنع رئيس السلطة نفسه من المشاركة في الاحتفال المركزي على انقاض احدى المستوطنات. ومحل ذلك باشرت استعراضاتها العسكرية، والتي تحول آخرها الى قبر جماعي ل19 فلسطينيا في قلب مخيم جباليا. هكذا تحول السلاح الاستراتيجي الى مصيبة كبرى، لم يكن في وسع حماس الاعتراف بمسؤوليتها عنها، وراحت عوضا عن ذلك تتهم اسرائيل بالمسؤولية، ثم صدقت نفسها وانتقمت بانزال 40 صاروخا في ليلة واحدة في الاراضي الاسرائيلية.
في تلك الليلة بالذات تحول القسام الى سلاح استراتيجي بيد شارون ايضا. حتى انزال الصواريخ كان رئيس الوزراء الاسرائيلي حائرا، لا يدري وسيلة مبتكرة للخروج من الورطة التي حاكها منافسه نتانياهو. وكان هذا الاخير يسعى للاطاحة بشارون على خلفية الانسحاب من غزة، وسعى لاستصدار قرار من مركز الليكود لتقديم موعد الانتخابات الداخلية لرئاسة الليكود.
وجاء قصف حماس لبلدة شديروت هدية على طبق من ذهب، اذ اعطى شارون حجة للقيام باستعراض عسكري "على اصوله" في غزة، ليثبت للقاصي والداني ما المعنى الحقيقي للانسحاب الاحادي الجانب من غزة. لقد استغل شارون خطأ حماس فشنت طائراته ومدافعه غارات ترهيبية افزعت الناس وحولت ليلهم نهارا ونهارهم ليلا.
بعد اسبوع من الهجوم الذي اعاد زمام المبادرة لشارون واخرجه منتصرا من محنته داخل الليكود، ظهر رئيس حركة حماس، محمود الزهار، على شاشات التلفزيون ليعلن استسلامه المؤقت ووقف العمليات من غزة ضد اسرائيل.
ولم يكن شارون وحده من استفاد من "انتصار" حماس، بل ابو مازن ايضا. فقد هب لاتهام حماس بشكل مباشر "بالخطأ العرضي" الذي وقع في مخيم جباليا وقتل 19 فلسطينيا. والاخطر انه استغل الامر لمنح ضوء اخضر للشرطة للمباشرة بنشاط قمعي ضد عناصر حماس.
وأدّت هذه التطورات لاشتباكات بين الشرطة وحماس، ادت الى عزل حماس عن حلفائها من لجنة المتابعة الفلسطينية. وتشمل هذه الهيئة كافة القوى الوطنية الفلسطينية، وجميع المنظمات من خارج السلطة وضمنها كتائب شهداء الاقصى التابعة لفتح. وقد انشقت هذه اللجنة بعد ان حمّلت حماس بشكل مباشر مسؤولية ما حدث في غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي، وهكذا تحول الانتصار الكبير الى انشقاق خطير.
غياب البديل السياسي
النتيجة الحتمية لهذا الاقتتال الداخلي، هي تدهور اضافي في وضع الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. ولقد تحول هذا الشعب وبالذات طبقته العاملة، الى شاهد على منافسة بين طرفين كلاهما عاجز عن طرح برنامج واقعي للخروج من المأساة التي تعمّقت منذ اتفاق اوسلو. فقد احتفلت السلطة "بالتحرير" عندما دخل عرفات غزة، واليوم تحتفل حماس مرة اخرى بتحريرها بعد ان حولها شارون الى سجن كبير.
وفي حين يعتمد برنامج السلطة على القبول بالامر الواقع، اي التأقلم مع الهيمنة الامريكية على العالم، يعتمد برنامج حماس على مقاومة هذه الهيمنة. غير ان البديل الاسلامي بعيد جدا عن الحل الواقعي المعاصر القادر على نقل الشعب الفلسطيني، ومعه الشعوب العربية، الى القرن الواحد والعشرين.
ان خطورة الحرب الاهلية نابعة اذن من فقدان البديل السياسي الثوري بالمعنى العصري. فالسلطة تتهم حماس بعدم الواقعية وبتجاهل موازين القوى العالمية والاقليمية، التي لا تسمح بالقضاء على الاحتلال وتصفية اسرائيل. حماس من جانبها تتهم السلطة بان المفاوضات حسب الاملاءات الاسرائيلية الامريكية، فشلت وعمقت الاحتلال واحكمت القبضة الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
كل طرف يكشف ضعف الطرف الثاني، وادعاءات كلاهما صحيحة. ومن هنا فليس هناك حل وسط بين الطرفين، والطريق امام الصدام مفتوحة، وهي لن تقود الى نتائج ايجابية بل الى دمار.
ما تريده حماس بشكل واضح هو خوض الانتخابات والاحتفاظ في نفس الوقت بسلاح المقاومة. اما اسرائيل والسلطة فتريدان نزع سلاح حماس وتحويلها الى حزب عادي يكتفي بنفوذ سياسي معين في جهاز السلطة. غير ان السلطة هي ورقة فتح، التي تحكم بواسطة الفساد، المحسوبية والقمع. اما السلطتان القضائية والتشريعية فلا صلاحيات حقيقية لها، وما يحكم هو دكتاتورية فتح، او كما اسس لها عرفات: الديموقراطية "سكر زيادة".
ولكن حماس تريد حصتها في هذه الكعكة السلطوية، وفي نفس الوقت مواصلة لعب دور المعارضة المقاومة. فحماس بنت شعبيتها على هذا الاساس، وهي في الحقيقة لا تريد السلطة لانها تخشى من مسؤولية الحكم، ولا تملك برنامجا للتعامل مع الواقع كسلطة.
ان هذه اللعبة الديموقراطية بين "سلطة" و"معارضة" تقود لا محالة الى طريق مسدود. والف "وثيقة شرف" لا يمكن ان تمنع الصدام بين هذه الاطراف، والوحيد الذي سيدفع الثمن هو الشعب.
صمام الامان الوحيد الذي يمكنه منع الاقتتال هو بناء بديل ثوري مرتبط بمصلحة الطبقة العاملة الفلسطينية. برنامج كهذا يجب الا يكون مؤسسا على الفساد والخنوع لاسرائيل وامريكا، لصالح حفنة من الامتيازات للنخبة البرجوازية الحاكمة، ولا على برنامج اسلامي يقدم الانتحار كسلاح استراتيجي، ولكنه يفتقد التحليل الواقعي الموضوعي لمواجهة العصر الحديث.
ان نضال الطبقة العاملة الفلسطينية مرتبط بنضال الطبقة العاملة في كل انحاء العالم. امريكا ليست عدوا للمسلمين فقط، بل لكل عمال العالم على اختلاف اعراقهم واديانهم. ان النضال التحرري يمكنه التقدم فقط من خلال تقدم النضال ضد العولمة والحرب في كل مكان.
ضمن هذه الجهود تقع على عاتق العمال الفلسطينيين مهمة التوحد، ليقولوا للسلطة ولحماس معًا، كفوا عن هذه اللعبة الخطيرة. لقد ثبت فشل المفاوضات المزيفة التي قادت الى "تحرير" مزيف، وفشلت طريق "الاستشهاد" التي قربت الشعب من الكارثة. اننا نريد طريقا بديلا يجمعنا ولا يفرّقنا، يمنحنا مستقبلا افضل من الشهادة. نريد الحياة كبقية عمال العالم، لان ما يجمع بيننا هو اكبر بكثير مما يفرقنا.
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كاترينا تعصف بشعبية بوش
-
نشوء وسقوط الامبراطورية الرأسمالية
-
شارون يرسم الحدود وحده
-
شرق اوسط جديد؟
-
امريكا:مجتمع المُلكية ينقلب على دولة الرفاه
-
هبوط الدولار يهز العالم
-
الانتخابات الامريكية الدين يلعب لصالح بوش
-
بين الواقع وعدم الواقعية
-
عرفات ودحلان لا يلتزمان حتى النهاية
-
الفوضى تستبدل الانتفاضة
-
سعر النفط يهز اقتصاد العالم
-
اعادة الانتداب المصري
-
بناء الحزب العمالي مهمتنا الملحّة
-
مغامرة بوش وشارون تعمّق الفوضى
-
شارون يسلط سوط الانسحاب
-
البورصة الامريكية تنتظر الحرب
-
دعم ينطلق لبناء الحزب العمالي - اسرائيل
-
انتفاضة شعبية في بوليفيا
-
دعم يبني اسس- الحزب العمالي
-
واخيرا اعترف بوش بفشله الاقتصادي
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|