|
الهروب من الوطن (1)
محمد عادل زكي
الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 30 - 01:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة شهد المجتمع السودانى، على الصعيد السياسى، خلال عام 2010 حدثين مهمين: فمن ناحية ألقت الانتخابات الشاملة التى أُجريت فى شهر أبريل من ذلك العام بظلالها على الشارع السودانى من الشمال إلى الجنوب، ومن شرقه إلى غربه؛ إذ اُعتبرت تلك الانتخابات بمثابة أول انتخابات حرة حقيقية يشهدها المجتمع السودانى منذ حصوله على الاستقلال فى الأول من يناير عام 1965، فلم تكن انتخابات أبريل بالانتخابات العادية، بل اتجهت لها أنظار المجتمع الدولى بأسره، فهى أكبر عملية انتخابية تحدث فى بلد لم يعرف قط معنى الديمقراطية منذ استقلاله عن التاجيّن المصرى والبريطانى، إذ أُجريت تلك الانتخابات بشكل شامل على ستة مستويات: بدءً بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم انتخاب رئيس حكومة الجنوب، وحُكام الولايات، والمجلس الوطنى، ومجلس الجنوب التشريعى، ومجلس الولاية التشريعى.(1) ومن ناحية أخرى شهد المجتمع السودانى مجموعة من الإجراءات من أجل الإعداد لقرار مصيرى يتعلق بقرار يتخذه الشعب يُحدد على أساسه مستقبل البلاد، إذ كان على المجتمع السودانى أن يُقرر إما رفض إنفصال الجنوب عن الشمال، وإما قبوله (وهو ما تم عملاً فى يناير2011) وبالطبع فى ضوء تصاعد التوتر فى العلاقة السياسية ما بين حزب المؤتمر الوطنى(الشمال) وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان(الجنوب) وتزايد الاحتمالات بعدم إجراء الاستفتاء فى موعده بفعل حكومة النظام التى كانت ترى الانفصال بمثابة تهديد مباشر لحكمها فى الشمال فى المقام الأول، وبصفة خاصة بعد أن بسطت الحركة الشعبية المعزَزَة بالجيش الشعبى كامل سيطرتها على كل الجنوب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. بيد أن الأمر الواقع فرض نفسه وبمنتهى القوة على جميع الدعاوى المثالية غير المبررة والتى كانت تُنادى بالوحدة وتتباكى عليها؛ إذ فرض الأمر الواقع نفسه، واستطاع الجنوب(بكل خصوصية تركيبته الاجتماعية المتناقضة) أن يظفر بالاستقلال عن الشمال، ولكى تبدأ بل كى تستمر بشكل أكثر ضجيجاً دعائياً سلسلة أخرى من الصراعات المسلحة فى دولة الجنوب المستقلة، جوبا، ولكن من دون تورط حكومة الشمال، ظاهرياً، حتى الآن على الأقل. فى العام نفسه، وبعد العديد من المناورات السياسية والخلافات والضغوط المتبادلة، تمكنت القوتان الكبيرتان اللتان تحكمان البلاد(حزب المؤتمر الوطنى، والحركة الشعبية لتحرير السودان) من الوصول إلى اتفاق يتـم بمقتضاه تقنين عمليـة الاستفتاء على تقرير المصير، إذ توصـل هذا الائتلاف الحاكم إلى حلول لبعض المشكلات الجوهرية التى مثلت عقبة دائمة فى وجه المفاوضات، أهمها تلك المشكلة المتعلقة بالنسبة المئوية اللازمة فى التصويت لإعتبار الاستفتاء(على الانفصال) صحيحاً قانوناً. وعملاً تم الاتفاق على اعتبار مشاركة 60% من المسجلة أسماؤهم نسبة كافية لاعتبار الاستفتاء صحيحاً قانوناً، كما أقر الاتفاق بين الحزب وبين الحركة اعتبار الانفصال قانونياً إذ ما تم بنسبة (50+1) وقد مضت الأيام، وتم الاستفتاء كما أراد الجنوبيون، وربما البعض من أهل الشمال، وصرنا الآن أمام حقيقة اجتماعية تشكلت على أرض الواقع مفادها أننا أمام دولتين: السودان فى الشمال، وجوبا فى الجنوب، والصراع بين الدولتين صار صراعاً معلناً على الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية. فمالذى يَحدث فى السودان؟ ولماذا الصراع بين الشمال وبين الجنوب؟ ولمَ الصراع بين القبائل نفسها وبخاصة قبائل الجنوب؟ وعلى ماذا؟ و لأجل ماذا؟ ومَن المستفيد ومَن الخاسر؟وإن إشكالية الإشكاليات تلك المتعلقة بالانفصال. فما هو موضوع الانفصال هذا؟ وما هى النتائج المتصوَر ترتبها عليه؟ وما الذى دفع المسألة لمثل هذا الطريق؟ ومَن المسئول عن كُل تلك الصراعات القبلية والحروب الداخلية؟ ولماذا لم يكن هناك سودانيين، أحدهما شمالى وأخرهما جنوبى، على يد الاحتلال البريطانى، طالما عامل الاستعمار الجنوب كامتداد للمستعمرات فى شرق أفريقيا، والشمال كامتداد لمصر؟ وغيرها من الأسئلة التى تتعلق بتاريخ السودان ومستقبله فى ضوء حاضره، وإنما ابتداءً من كونه أحد الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر. تظل تلك الأسئلة حائرة، وعلى رأسها سؤالنا المركزى المنشغل بخط سير القيمة الزائدة التى أنتجها المجتمع السودانى خلال فترة زمنية معينة، وإنما من خلال عملية تجديد إنتاج التخلف بمفهومها الذى اقترحناه أعلاه. وستظل هذه الأسئلة هكذا حائرة إذ لم نفطن إلى أن الإجابة عليها (ونُكرر أن الذى يعنيّنا هو طريقة الإجابة؛ وليس الإجابة فى ذاتها، ونُكرر دوماً أن الإجابة الصحيحة تكون نتيجة طريقة تفكير صحيحة) بمعنى طريقة الإجابة، تتركز فى مدى قدرتنا على استخدام الأدوات الفكرية التى يمدنا بها عِلم الاقتصاد السياسى من جهة، ومدى وعينا بأهمية التحليل الجدلى للظاهرة محل البحث، من جهة أخرى؛ وعلى ذلك سوف نسير أربع خطوات فكرية على النحو التالى: (1) التعرف على الواقع الاقتصادى الآنى، بالتعرف على طبيعة وحقيقة الهيكل الاقتصادى السودانى. الأمر الذى يستلزم التعرف على مُجمل الوضع الجغرافى. ويتبدى وجه اللزوم هنا فى التأثير الحاسم لعنصر الجغرافيا فى مجمل النشاط الاقتصادى فى المجتمع السودانى، من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجغرافيا لها الدور الرئيسى فى حروب القبائل، والولايات، بل والأقاليم، إذ ما اعتبرنا أن الشمال والجنوب هما بمثابة إقليمين كان يتكون منهما السودان في ما سبق. (2) مُعاينة الكُل التاريخى الذى تُرد إليه المسألة، بحثاً فى الجذور وعنها، وإنما ابتداءً مِن"اقتصاد سياسى"وليس"تاريخ"؛ فلن ننشغل كما يفعل البعض"برصّ" المعلومات التاريخية دون معنى يمكن استخلاصه، وسنبدأ من موضوع نفترض أنه صحيح للاقتصاد السياسى كعِلم نمط الإنتاج الرأسمالى، وإنما ابتداءً من قانون القيمة. ومن ثم، سيكون من المفهوم لماذا تحتوى المناقشة على البحث فى الحركة الاستعمارية الدامجة للمجتمع السودانى بكل خصوصيته فى النظام الرأسمالى الناشىء آنذاك، من أجل تعبئة الفائض من المواد الأولية نحو الخارج. نحو الاقتصاد المستعمِر. (3) التقدم خطوة إلى الأمام بفحص التكوين الاجتماعى فى تطوره التاريخى فى البلد المراد التعرض للإشكالية المثارة بداخله، فإن استقام لنا الطريق لتلك الخطوات، كان لنا أن نتقدم فى اتجاه خطوتنا الفكرية الرابعة. (4) وفيها ننشغل بتكوين الوعى حول طبيعة وحقيقة الصراع الجدلى الراهن، وتطوره على الصعيد الاجتماعى. والمنهج ذاته وخطواته نفسها، يمكن إعمالهما على جُل بلدان قارتى أفريقيا وأمريكا اللاتينية بوجهٍ خاص، للخصوصية التاريخية التى تشترك فيها بلدان القارتين. ولنر ذلك بشىء من التفصيل.
الفصل الثانى السودان: الهيكل(2) والجغرافيا مقدمة يمكن القول أن الفترة 2000- 2004 (وهى انتقائية لكَونها مُتاحة نسبياً ومتفقة أرقامها تقريباً فى معظم المصادر التى رجعت إليها) للرصد الإحصائى والتحليل مِن خلال أدوات الاقتصاد الكلى؛ وصولاً إلى معاينة الهيكل الاقتصادى السودانى, نقول يُمكن القول بأن تلك الفترة قد شَهِدت, طبقاً للأرقام الرسمية(3)، استقراراً نسبياً فى الأداء الاقتصادى بوجه عام, حيث تحققت مُعدلات نمو موجبة إذ بلغت مُعدلات النمو تلك (فى المتوسط) حوالي 6.6% (كى تنخفض إلى 2.4% مع أرقام 2009) وقد تَناغم هذا النمو مع دخول النفط بشكل قوى فى هيكل الإنتاج مع ارتفاع أسعاره العالمية، كما أن تطورت نسبة مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى لتصــل إلى ما يقارب مِن 11% فى عام 2004. كذلك تنامت الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تُمثل حـوالى 7.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وتُقدِر الأرقام الرسمية والدولية مُعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى بحوالى 7.2% فى العام2004، ويمكن إرجاع هذا النمو إلى النمو الحاصل فى مجموعة من القطاعات أهمها: القطاع الصناعى (والذى يشمل الصناعات التحويلية)، إذ ازدادت فى 2004 نسبة مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى بنحو(4,25%) بالنسبة للقطاع الصناعى، ونحو 2.8% بالنسبة للصناعات التحويلية، كما ازدادت مساهمة قطاع الغابات بنحو 0,3% من إجمالى الناتج المحلى. ومساهمة قطاع الخدمات الذى شهد طفرة بأن حقق نحو 30,1% بعد أن كان 22% فى عام 2000. مساهمة القطاعات فى الناتج المحلى الإجمالى خلال الفترة 2000-2004 البند (%) من الناتج المحلى الإجمالى 2000 2001 2002 2003 2004 (1) القطاع الزراعي 46 45.6 46.0 45.6 44.5 الزراعة المروية 12 12.4 12.7 12.4 11.9 الزراعة المطرية الآلية 1 1.1 1.2 2.2 2.8 الزراعة المطرية التقليدية 8 6.2 8.1 7.3 7.1 الثروة الحيوانية 22 21.7 20.9 20.8 19.8 الغابات 2 2.1 2.0 3.0 3.0 (2) القطاع الصناعي 21 22.8 22.1 24.1 25.4 التعدين والنفط 8 8.7 9.1 9.6 10.8 الصناعات التحويلة 7 7.9 7.9 8.2 8.2 الكهرباء والمياه 2 1.7 1.7 1.6 1.6 (3) قطاع الخدمات 22 31.6 20.9 30.2 30.1 الخدمات الحكومية 6 6.0 5.9 5.7 6.0 خدمات أخرى 26 25.6 25 24.5 24.1 المصدر: وزارة المالية والاقتصاد الوطنى – الإدارة العامة للسياسات الاقتصادية والبرامج ومِن جهة أخرى، فإن: الجفاف...الحروب الأهلية...التصحر...أعمال العنف...التدهور المستمر، وبخاصة فى الأقاليم البعيدة، كبحر الغزال، وأعالى النيل, ربما هى الرموز السحرية المتعيّن استخدامها لفهم العديد مِن المظاهر المتعلقة بالتركيبات السكانية فى السودان ولكن منظوراً إليها, على الأقل وفقاً للمراحل المنهجية, مِن جهة السكان كقوة عمل(ق ع)؛ والأرقام تَعكس مجموعة مِن الحقائق؛ فطبقاً لإحصاء سكانى, صادر فى عام 2002 عوَل عليه التقرير السودانى السنوى الخامس، فإن الذكور يُشكلون نحو 50.3% مِن إجمالى السكان، والإناث نحو 49.7%،كما أن السكان فى المدينة يُشكلون 32% مِن جملة سكان الولايات الشمالية، بينما يُشكل سكان الريف 65% (تقرير منظمة الأغذية والزراعة2009 قدرهم بنحو 58.3%) ومجموعات البدو الرُحل حوالى 3% فقط، من السكان البالغ عددهم 39,1 مليون نسمة؛ لأرقام 2008. ولا يَعكس الارتفاع فى عدد سُكان المدينة نمواً حقيقياً بقدر ما يَعكس تدفق الملايين مِن النازحين مِن الأرياف هرباً مِن الفقر أو الحرب، أو الاضطهاد الدينى أو العرقى كأحد مظاهر الصراع الاجتماعى الذى يخفى تحته الإقتتال من أجل كسرة الخبز وشربة الماء، فى مكان، والقتال من أجل السلطة وبسط النفوذ فى مكان آخر، وفى جميع الأحوال يعنى تدفق الملايين من النازحين عِبئاً مضافاً على عاتق الريف (الذى تسوده علاقات إنتاج شفافة تعمل من خلال تركز شديد للملكية وتخلف أساليب الاستغلال) لإطعام العدد المتزايد مِن السكان فى المدينة. أما عن الفقر، فقد بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر نحو40% من السكان. وإن الأرقام تَعكس مِن جهة أخرى أن حوالى 46.6% مِن السكان هم مِن الفئات العمرية الأقل مِن 14سنة, والفئة الأقل مِن 5 سنوات وحدها تُشكل حوالى 17% مِن السكان. وإذ أضفنا إلى ذلك الفئة العمرية 60 عاماً فما فوق، وإذ ما أضفنا أيضاً أن عدد السكان الناشطين اقتصادياً 13.708 مليون نسمة (أرقام2010) يمثل الإناث منهم نحو31.3% ( نسبة 65% من الإناث يعملن فى قطاع الزراعة) الذى هو أكبر قطاع اقتصادى، فإن هذه الوضعية, لا شك, تستصحب عدة أزمات على صعيد المجتمع، وبصفة خاصة حين تواجه الحكومة توزيع الناتج القومى من جهة، وحين تواجه الخدمات العامة من جهة أخرى (صحة، تعليم، أمن،...)! وربما لا تنشغل الحكومة كثيراً بمسألة صحة المواطنين تلك، إذ ينهض القطاع الخاص تقريباً بتأدية دور الحكومة بشكل واضح فى حقل الصحة، حيث تبلغ نسبة إنفاق القطاع الخاص على الصحة 80.6% كنسبة من إجمالى الإنفاق على الصحة، فى الوقت الذى بينت الأرقام أن إجمالى إنفاق الحكومة على الصحة بلغَ 1% من إجمالى الناتج المحلى (أرقام2004)، فى حين كان الإنفاق العسكرى مقداره 4.2% (أرقام 2004). وطبقاً لإحصاء يَعود إلى عام 1993 (وهو المتوفر، ويمكن أن نسترشد به) فإن حجم القوى العاملة يُقدر بنحو 34% مِن إجمالى السكان بمُعدل نمو أقل مِن مُعدل نمو السكان (الأمر الذى ربما يعنى أن الكثير من الشيوخ والنساء والأطفال يعملون عمال أجراء) وحسب أرقام مؤسسة الحكم فى الخرطوم فإن إجمالى القوة العاملة يُقدر بنحو 28% مِن السكان فى عام 1998 (2.7مليون فى المدينة, وحوالى 5.7 مليون فى المناطق الريفية) وذلك يُشير إلى أن 68% (بلغ 80% مع أرقام 2009) مِن القوى العاملة تعمل فى مجالات الزراعة والرعى والنشاطات المرتبطة بهما, أما البقية فتعمل فى نشاطات صناعية مرتبطة بالزراعة، أو الخدمات. مفاد ذلك أن الصراع هنا قد يأخذ شكل الصراع بين الملكية العقارية الكبيرة (رأسمال فردى، عام، أجنبى) وبين المزارعين والعمال الزراعيين "الأجراء". وتشير الأرقام إلى ارتفاع مُعدل البطالة مِن 17% عام 1996 إلى 18% عام 1999, ثم 18.4% عام2004، وهذه الأرقام لا تَعكس الحقيقة، فى تصورى، وذلك لضعف الإحصاءات الحكومية فى هذا الشأن، ولعدم تضمّنها البطالة المستترة فى القطاع الزراعى، وفى القطاع الحضرى على السواء. إذ بلغت نسبة البطالة فى القطاع الزراعى، وفقاً لبيانات التقرير الاقتصادى العربى الموحد، نحو 60% أما متوسط نصيب الفرد مِن الدخل القومى فهو يُقدر, طبقاً لأرقام 2004, بحوالى 370 دولار فى العام؛ أى حوالى دولار واحد فى اليوم، وهو ما يُعادل مستوى الكفاف حسب مؤشرات الأمم المتحدة، ويَقل كثيراً عن متوسط سبعينات وثمانينات القرن الماضى، إذ تراوح هذا النصيب مِن إجمالى الدخل القومى بين 400 و500 دولار. وطبقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة 2009 فقد ارتفع نصيب الفرد إلى 1931 دولار؛ وهو الارتفاع الوهمى فى ضوء ارتفاع أسعار السلع التى يستوردها السودان، ويعتمد عليها فى الغذاء والكساء والدواء، وبوجه عام ارتفاع أسعار السلع المصنعة فى الأجزاء المتقدمة، والتى لا يعتمد عليها الشعب السودانى فى تجديد الإنتاج القومى فحسب، وإنما يعتمد عليها فى سبيل تجديد إنتاج قوة العمل السودانية نفسها. (1) الهيكل الاقتصادى (أ) القطاع الزراعى وهو القطاع المهيمن، ويُعد مِن أهم القطاعات إذ يُوظف نحو 80% مِن قوة العمل(أرقام 2009) ويُساهم بنحو44,5% من إجمالى الناتج المحلى (انخفض بشدة كى يُسجل نحو32,1%، وفقاً لأرقام 2009) وكما سنرى بالتفصيل عبر خطواتنا الفكرية، أن النظام البيئى يتباين فى السودان بين سافنا غنية فى أقصى الجنوب (الذى انفصل بأرضه ونفطه!) إلى بيئة صحراوية وشبه صحراوية فى أقصى الشمال، وتبعاً لتباين المناخ يتباين النشاط الاقتصادى للبشر فى الإقليم السودانى ككُل؛ إذ تَبلغ مساحة السودان حوالى 600 مليون فدان تُغطى البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية حوالى 49% مِن حجم المساحة الكلية ويبلغ إجمالى الأراضى القابلة للزراعة حوالى 200 مليون فدان, المزروع منها حالياً أقل مِن 35% (أرقام عام 2009) يُضاف إلى ذلك مساحات الغابات البالغة 220 مليون فدان والمساحات غير القابلة للزراعة حوالى 180 مليون فدان. أما عن مساهمة القطاع الزراعى فى الناتج المحلى الإجمالى فقد تراجعت فى العام 2004 ووصلت إلى 44.5% وانخفضت انخفاضاً عنيفاَ، طبقاً لأرقام 2009، لتُمثل فقط 32,1% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى؛ وذلك إنما يرجع إلى الانخفاض الملحوظ الذى طرأ على المساحة المحصودة مِن بعض المحاصيل الرئيسية كالقطن وزهرة الشمس، وتناقص مساهمة الثروة الحيوانية التى تأثرت سلباً بالصراعات المسلحة، وبالأوضاع الأمنية المرتبكة فى الجنوب، وفى إقليم دارفور. وفى سبيل استيفاء التصوّر العام لهذا القطاع، فيمكننا القول إن القطاع الزراعى السودانى إنما يعكس بشكل نموذجى واضح ظاهرة التخلّف، بمفهومه التقليدى، من جميع جوانبها على صعيدى تخلف قوى الإنتاج وتخلف علاقاته، ولنلقِ نظرة على هذا القطاع بشكل أكثر تركيزاً، بتتبع مظاهر تخلفه التاريخى: ضعف البنية التحتية (الطرق... الرى... المياه... الأوعية التخزينية...)، وهو الأمر الذى يأتى متضافراً مع تعميق الانفصال المستمر بين الريف (بكُل خصوصيته الاجتماعية) وبين المدينة (بكُل تناقضاتها) على نحو متساوق مع تخلف الاستغلال على صعيد النظم الإنتاجية المهيمنة، وعلى صعيد علاقات الإنتاج السائدة؛ بما يُحقق ضخاً مستمراً للفائض إلى خارج مسام الاقتصاد القومى السودانى, أضف إلى ذلك تَدهور الغطاء النباتى بسبب القطع الجائر الذى إنعكس سلباً على التربة ومعدلات هطول الأمطار بمناطق الزراعة المطرية؛ بيد أن هذا الغطاء قد أخذ، طبقاً لكلام مؤسسة الحكم السودانية، فى الآونة الأخيرة يَسترد عافيته إلى حد ما بفعل معدلات الأمطار الوفيرة فى السنوات الأخيرة؛ مما أدى إلى تَحسّن نسبة الإنبات الطبيعى لبذور الأشجار والشجيرات مع تكثيف الحماية والتشجير والذى أتى بالتوازى مع ارتفاع معدلات الوعى بأهمية الأشجار وحمايتها نتيجة لحملات التوعية والبرامج الإرشادية بقيادة الرأسمال الدولى، الساعى دوماً إلى البحث عن المواد الأولية وعن البدائل، فى الوقت نفسه. وبمناسبة البدائل تلك(24)، وبمناسبة الحديث عن القطاع الزراعى فى الهيكل الاقتصادى السودانى كاقتصاد يُمثّل أحد الأجزاء المتخلفة مِن الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر؛ يُمكن القول إن منذ بداية الستينات مِن القرن الماضى، وفى ظل الثورة العلمية والتكنولوجية والتدويل المستمر للإنتاج، تلاحقت الظواهر المتناقضة فى المجال الزراعى؛ فمِن جانب، حدث تطور كبير فى أساليب الزراعة, بحيث تَضَاعف الناتج المادى الزراعى فى السبعينات أكثر مِن مرتين. ومِن جانب آخر فقد تزايد نقص الغذاء فى أغلبية البلدان النامية فى الوقت الذى تضاعف عدم المساواة فى توزيع موارد الزراعة بين الدول. وبفضل مُنجزات الهندسة الوراثية المتلاحقة والتقنية الهائلة فى ميدان الزراعة التى سُميت بالزراعة الكثيفة والتى تزامنت مع تدفق الرأسمال، وعُززت بسلطان الدولة ودعمها المستمر فى الأجزاء المتقدمة مِن الاقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر, نجد أنفسنا بصدد ظاهرة تُسهِم وبفاعلية فى تغيير النمط الراهن لتقسيم العمل الدولى فى الإنتاج الزراعى على الصعيد العالمى, وهو الأمر الذى أفضى فى النهاية وبعد التطورات التي حدثت فى الستينات ثم السبعينات إلى البدء فى عملية إعادة نشر الزراعة عالمياً ونقل قطاعات منها مِن الجنوب الى الشمال وهى العملية التى أخذت فى التشكل مع مطلع الثمانينات مِن القرن الماضى؛ فمن المعروف، على سبيل المثال، أن حبوب الكاكاو تُنتَج فى كُل مِن أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، وهى مُكوِن هام (إضافة إلى استخدامها فى التجارة العالمية للشيكولاته) فى المنتجات الدوائية وصناعة أدوات التجميل باهظة الأثمان فى الغالب؛ وبدلاً مِن استيرادها يجرى الآن البحث (وقد نَجح ذلك فعلاً) عن إمكانية تخليق نوعية أرقى منها معملياً, كذا هو حال، وكما سنرى أدناه، مختلف أنواع الصمغ العربي الآخذ فى التدهور كماً وكيفاً. (1) الغابات 91% من غابات السودان مملوكة ملكية عامة. وتُعتبر الغابات مورداً طبيعياً ثرياً ومتعدداً, وتُغطى تلك الغابات أكثر مِن 120 مليون فدان مِن مساحة السودان الكلية (67.546 هكتار طبقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة2009) وتقوم بدور متعاظم فى حماية الأراضى الزراعية، وبخاصة فى إقليم دارفور وكردفان، كما تؤدى دوراً مهماً فى حماية مناطق الزراعة جنوب النيل الأبيض، والقضارف والنيل الأزرق. وتُعتبر الغابات موئلاً للحياة البرية التى يُعتبر السودان مِن أهم مصادرها؛ فمحميات الدندر، على الحدود السودانية الإثيوبية، والردوم الواقعة جنوبى دارفور تُعتبر مصادر لأنواع مِن الحيوانات ذات العائد الاقتصادى كالأفيال والأسود والنمور، التى أخذت أعدادها فى التناقص الشديد، وبصفة خاصة الأسود فى إقليم دارفور؛ نتيجة العدوان المنظَم على الطبيعة والتهديد المستمر للحياة البيولوجية بالصيد والقنص الجائر فى سبيل الحصول على العاج أو الجلود، التى كانت لوقت قريب، وربما حتى الأن، تطرح فى السوق العالمى, كسلعة باهظة الثمن, وتتهافت عليها الصفوة, وقد خفت حدة هذا الطلب على العاج والجلود، تماشياً كذلك، مع حملات حماية حقوق الحيوان فى المجتمعات الغربية. ويُسهم قطاع الغابات بحوالى3% مِن الناتج المحلى الإجمالى (طبقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة 2009 تظهر مساهمة قطاع الغابات 0.3% من إجمالى الناتج المحلى) وتُرسخ الغابات قواعد العمل التقليدية (وتسودها علاقات أقرب إلى السخرة أو إلى القُنونَة) لدى سكان الريف (المنهكين والمأجورين غالباً) خاصة فى مناطق الزراعة التقليدية، كذلك تُعتبر الغابات المرعى الطبيعى والدائم للثروة الحيوانية فى البلاد؛ حيث توفر حوالى 70% مِن الغذاء للحيوانات. المهم أن نشير أخيراً إلى أن تقرير منظمة الأغذية والزراعة 2009 أظهر أن هذا القطاع لا يستوعب قوة عاملة تُذكر إذ جاء بالتقرير أن قطاع الغابات يعمل به 0.0% من إجمالى القوة العاملة! (2) الصمغ العربى يعتبر الصمغ العربى أحد المنتجات الرئيسية للقطاع الغابى فى السودان، وتُشرف على العملية الإنتاجية (هيئة حكومية) وهى الهيئة القومية للغابات، وذلك بمتابعة الإنتاج وتجميعه الذى يُباع مُباشرة لشركة الصمغ العربى المحدودة (تأسست فى عام 1969 على يد حوالى خمسة آلاف مِن المساهمين السودانيين، بالإضافة إلى وزارة المالية السودانية التى تملك 30% مِن رأسمال الشركة) وعلى حين يتوقف دور الهيئة القومية للغابات فى السودان، كجهة حكومية، عند الإشراف والتجميع, تَنهض شركة الصمغ العربى بعملية التسويق بتعامل مباشر مع السوق الدولية. وقد بَلَغت جُملة مشتريات شركة الصمغ العربى مِن الهيئة القومية للغابات (التى تملكها الحكومة. حكومة مَن؟) حوالى 15.864 طن وشملت حوالى 7.953 طن مِن الهشاب(25)، و7911 طن مِن الطلح، وتعدّ الصحراء بيئته الطبيعية، فى عام 2004 مقابل 15838 طن فى عام 2003 بنسبة زيادة قدرها نحو 0.2% وقد بلغت جملة صادر الشركة مِن الصمغ العربى حوالى 13.994 طن فى عام 2004 مقابل 30.285 طن فى عام 2003 بنسبة نقصان 53%. حيث بلغت جُملة الكميات المصدَرة مِن صمغ الهشاب حوالى 9.364 طن، وهى تُعادل حوالى 66.9 % مِن صادرات الصمغ العربى أما صمغ الطلح فقد بلغت الكمية المصدَرة منه حوالى 4.630 طن أى ما يُعادل حوالى 33.1% مِن جُملة الصادر. وفى تصورى أن الحديث عن إنتاج الصمغ العربى والتجارة فيه غير ممكن من دون الوعى بعدة أمور: - انخفاض مستوى الاستهلاك العالمى فى ظل ظهور البدائل الصناعية, إذ كان حوالى 60 ألف طن فى الستينات، وانخفض الآن إلى حوالى 40 ألف طن نتيجة لتلك البدائل الصناعية المنتَجة بتكنولوجيا الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى. - المنافسة الخارجية؛ حيث زادت حصص الدول الأفريقية الأخرى المنتِجة (وكذلك التى كانت غير منتِجة!) والمعروفة بتجارة وإنتاج الصمغ العربى مثل (تشاد، ونيجيريا، وإثيوبيا، وإريتريا) بِفعل تدخل الرأسمال الدولى؛ حفاظاً على إنهيار ثمنه العالمى المستمر. - الأسعار المنخفضة التى يعرضها المصنعون السودانيون المحليون لمنتجاتهم بالخارج؛ عِلماً بأن السوق الخارجى للصمغ، كسلعة دولية، إنما يُسيطر عليه عدد محدود مِن الشركات وهو ما يُشكل نوعاً مِن المضاربة الخاسرة غالباً، وضغطاً على أسعار الصادر مِن تلك السلعـة. أضف إلى ذلك التهريب والضرائب والرسوم: الاتحادية والولائية والمحلية. - انخراط السودان فى معاهدات دولية تضع مواصفات قياسية جديدة للمادة الخام؛ ولم تكن تلك المعاهدات ولا المواصفات القياسية الجديدة فى صالح السودان إطلاقاً؛ إذ وقع السودان على إتفاقيات فى صالح الدول المنتِجة للأصماغ الأقل جودة؛ الأمر الذى طُرحت معه كل الأمور على نحو معكوس؛ وربما غير مسبوق على صعيد التبادل الدولى، الذى هو غير متكافىء من جهة التسرب فى القيم. والمقصد المباشر مِن وراء ذلك هو كسر الميزة النسبية التى يَتَمتع بها السودان فى التبادل على الصعيد الدولى. وهو الأمر الذي يسعى الرأسمال الدولى إلى تحقيقه دوماً عبر سلسلة طويلة ومتصلة ومُنظمة مِن عمليات خَلق بؤر التوتر، وإيجاد دائم للبدائل، والحفاظ على انهيار أسعار المواد الأولية، ومنها الصمغ العربى، المركَب الرئيسى فى المشروبات الغازية التى تنتجها كبرى الشركات دولية النشاط. والآن، وبعد تَوتر العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، المستهلك الأكبر، وهو ما أدى إلى انخفاض عائدات الصمغ مِن 19 مليون دولار فى عام 2005 ، بعد أن حقق 53 مليون دولار فى عام 2002. وبعد أن بات حصاد الصمغ العربى فى غرب السودان أمراً أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلاً. فالأسر التى إضطرت للنزوح بسبب النزاع المستعر فى إقليم دارفور تقطع أشجار الهشاب بغرض استخدامها كحطب للوقود، وبعد انخفاض المقابل الذى تدفعه الحكومة للمزارعين إلى أرقام هزيلة، بعد ذلك كله، لا شك فى أن الصمغ العربى السودانى يواجه حالة من الخطر، علماً بأنه مستَثنَى من عقوبات الحظر الدولية المفروضة على الخرطوم؛ لأهميته الكبرى بالنسبة إلى الأجزاء المتقدمة مِن الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر. (3) الثروة الحيوانية ساهم قطاع الثروة الحيوانية بحوالى 19.8% فى إجمالى ناتج القطاع الزراعى، وذلك فى السنة الأخيرة مِن سنوات الفحص إلى جانب مساهمته فى تحقيق الأمن الغذائى السودانى بتوفير اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك والألبان، الأمر الذى يجعلنا نتعقب النمو فى حجم القطيع القومى السودانى: إذ شهدت الفترة محل التحليل؛ نمواً فى القطيع القومى واستقراراً فى حجمه مع الرعاية البيطرية التى شملتها حملات التطعيم والتقصى الحقلى للأمراض ووفرة الدواء البيطرى العلاجى (الذى جلبه الرأسمال الدولى) لدى شركات القطاع الخاص، الأمر الذى ساهم فى الحد مِن الوبائيات عبر الوحدات البيطرية المتحركة، والممولة مِن الرأسمال الدولى كذلك، فى سبيل ضمان سلامة وجودة الثروة الحيوانية المصدَرة إلى الأجزاء المتقدمة، إذ يعد السودان بالنسبة لتلك الأجزاء مزرعة كبيرة! فالارتفاع الذى شهده القطاع إنما يُعزى بالضرورة إلى الرأسمال الدولى، وكما سنرى، فالسودان يستورد غذاءه! وقد زادت أعداد القطيع مِن 133.6 مليون رأس فى عام 2003 إلى 135.9 مليون رأس فى عام 2004 بزيادة قدرها 0.2% وحافظ إنتاج اللحوم الحمراء على مستواه مِن 1663 ألف طن فى عام 2003 إلى 1672 ألف طن فى عام 2004 بنسبة 0.5% وقد ساهمت الثروة الحيوانية فى سد حاجات البلاد (طبقاً لأرقام مؤسسة الحكم) مِن اللحوم الحمراء والألبان ومشتقاتها بجانب منتجات الدواجن والأسماك؛ إذ بلغ الصادر مِن الحيوانات الحية خلال عام 2004 حوالى 750 رأس مِن الأبقار فقط (وترجع تلك الضآلة إلى الأهمية الشديدة للأبقار فى الذهنية السودانية، وبخاصة فى الجنوب) و1595723رأس مِن الضأن و95066 رأس مِن الماعز و117044 رأس مِن الإبل، بينما بلغت صادرات اللحوم حوالى 5661.9 طن. (4) إعادة إنتاج التخلّف فى القطاع الزراعى فى الواقع، إن حال هذا القطاع الزراعى حال باقى القطاعات الاقتصادية، إذ هو يَعكس جميع مظاهر التخلف، بمفهومه التقليدى، على النحو التالى: (أ) عدم إجراء مسح شامل للثروة الحيوانية منذ عام 1975- 1976 وكان المسح فى ذلك العام قد أُجرى عن طريق المسح الجوى (العشوائى والبدائى) ولم يتم التدقيق فى بياناته. يُضاف إلى ذلك تدهور المراعى الطبيعية وانكماشها، وعدم توافر مياه الشرب الصالحة للحيوان، واندلاع نيران الحروب من أجلها بين القبائل المتناحرة، وبين القبائل وبين السلطة المركزية. وهو الأمر الذى يتضافر مع مشاكل حيازة الأراضى، وغياب سياسات تنظيم استخداماتها, وما يَستصحب ذلك مِن إثارة إشكالية الصراعات القبلية وبسط النفوذ(على الأرض بما فيها وبمَن عليها) فى مرحلة أولى؛ كى تطرح فى مرحلة أولى، مكرر، إشكالية الصراع بين الطبقات المكوّنة للقبيلة ذاتها. (ب) الاعتماد الكامل تقريباً، مع الإتجاه إلى تحديث الزراعة والإنتاج من أجل السوق، على وسائل إنتاج(جرارات، محاريث، حصادات، هراسات، مضخات، مجموعات الرى، محركات،... إلخ) منتَجة فى الأجزاء المتقدمة أو الآخذة فى طريقها إلى بلوغ تلك الأجزاء (كاتربلر، فورد، ماسى فيرجسون، هيتاشى، كوماتسو، ميتسوبيشى، ياماها،... إلخ) الأمر الذى يعنى تسرب القيمة الزائدة إلى الخارج من أجل شراء أدوات العمل، بالإضافة إلى السلع الاستهلاكية والغذائية، المنتَجة فى الأجزاء المتقدمة. (ج) انتشار الفقر (57% من سكان الريف تحت خط الفقر) والأمراض المستوطنة والوافدة. والتاريخ المرضى للجنوب السودانى زاخر بالمأسى بعد تدمير الانعزال الصحى الطبيعى مع أول تعارف عدائى مع الرأسمال الدولى، الأمر الذى تساوق مع استمرار وجود الآفات الزراعية والأمراض الحيوانية، وعدم اعتماد برامج وقائية للحماية منها. (د) ضعف آليات ومصادر التمويل الوطنية، (تدعم الحكومة الزراعة بخمسين مليون دولار، فى حين تدعم البنزين بـ 300 مليون دولار) مع ارتفاع كُلفة التمويل وقصر مدته واقتصاره على تغطية عمليات الإنتاج على الإنتاج مِن أجل التصدير. أى مِن أجل السوق العالمى؛ وبالتبع الاندماج المباشر فى منظومة الأسعار الدولية، وإنما ابتداءً من تسرب القيمة الزائدة المنتَجة بسواعد أبناء الأجزاء المتخلفة إلى الأجزاء المتقدمة. فكما ذكرنا أن التسرب يسبق التبادل، بل ذهبنا إلى أبعد من ذلك، لأننا نرى أن ما يُنفق من أجل إنتاج عامل بريطانى يفوق ما يُنفق من أجل إنتاج عامل سنغالى مثلاً، ومن ثم يكون من المنطقى أن يعوَض بالأجر المختلف عن هذه النفقات المختلفة. ونفس الأمر ينطبق على العامل/الفلاح السودانى، الذى لا يتكلف إنتاجه (كعامل/فلاح) سوى لُقيمات قليلة وكساء متواضع وشربة ماء ملوثة! فهو تقريباً بلا ثمن! للأسف! (ه) ارتفاع كلفة الإنتاج، مع ارتفاع نسبة الفائض، إضافة إلى الأعباء الضريبية السائدة على المدخلات وتعدد الرسوم (ضرائب العبور)، والجبايات على حركة الحيوان. كُل ذلك مِن جهة، ومِن جهة أخرى: انخفاض أسعار بعض المنتجات الزراعية، وهو ما يَنعكس سلباً على قرار الإنتاج فى ذاته. وكذلك ارتفاع أكلاف وسائل الإنتاج، وانخفاض مُعدلات مستوى الميكنة الزراعية. (13.8 جرار لكل 100 كيلو متر، على الرغم من تدفق الاستثمارات السعودية، والإمارتية، والكورية الجنوبية، وتخصيص آلاف الأفدنة لتغذية شعوب هذه الدول) أضف إلى ذلك عدم توافر التقاوى والبذور المحسنة والمبيدات بالشكل الكافى (7.9 كيلو جرام سماد لكل هكتار) مع استمرار الضعف فى البُنىَ الخدمية والتسويقية للنشاط الزراعى. أضف إلى ذلك انعدام الارتباط بين القطاعات الاقتصادية وضعف تنظيم الأسواق، وضعف القدرة على تطويرها، وانعدام آلية التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية وذات الصلة بالثروة الحيوانية (المراعى، المياه، الأبحاث... إلخ) (و) تأثير الوضع الأمنى المرتبك فى دارفور؛ حيث إن فى إقليم دارفور أكثر مِن خُمس الثروة الحيوانية فى السودان. (ز) ونذكر أنه فى بداية عام 2008 تسبب ارتفاع سعر النفط فى زيادة أسعار الغذاء العالمية، مما دفع العديد من الدول العربية والأسيوية إلى التوجه للبحث عن الأراضى الزراعية من أجل إنتاج المحاصيل الزراعية الأساسية، وبالفعل وقع اختيار عدة دول عربية، مثل المملكة العربية السعودية (لم يُعلَن حجم الاستثمارات السعودية)، والإمارات المتحدة (400 ألف هكتار)، وكذلك كوريا الجنوبية(690 ألف هكتار)، على الأراضى السودانية من أجل تأمين احتياجات شعوبهم الغذائية، الأمر الذى استصحب تلقى السودان مجموعة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاع الزراعة. وهو ما يعنى فى النهاية المزيد من إنتاج القيمة الزائدة بفضل يد الفلاح السودانى، والمزيد من تعميق حالة التخلف، كصراع ما بين الابقاء على معدلات القيمة الزائدة المرتفعة بل والعمل على رفعها، والضعف المزمن فى آليات إنتاجها (وبسبب تحديث الزراعة تأخذ إنتاجية العامل الزراعى إتجاهاً عاماً نحو الارتفاع من890 دولار عام 2000، إلى 918 دولار عام2003، ثم 929 دولار عام 2008، ثم 995 دولار عام 2010) ولأن السودان سوف يستكمل نزيف الماضى الاستعمارى؛ لأنه سيُنتج لغيره، ويرهق تربته الخصبة، ولا يستخدم الفائض، إن وجد، من أجل سد حاجات الشعب السودانى، وإنما من أجل تغذية الشعوب الشقيقة فى قارة أسيا! فسوف يكون مشروعاً السؤال عن المستفيد من هذا الريع الناتج عن تأجير أرض الوطن للدول الشقيقة! بمعنى أدق ما هى الطبقة المهيمنة التى ستفرض، وفى الواقع هى تفرض الآن، سطوتها على الريع الناتج عن إنهاك التربة، وضخ المزيد من القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد الفلاح السودانى نحو خارج الوطن؟ (ح) وأخيراً نذكر عدم استقرار سعر صرف العملة الوطنية بالنسبة إلى الدولار الأمريكى، الأمر الذى ينعكس على المدخلات بشكل رئيسى. (ب) القطاع الصناعى يُمكن القول، طبقاً للأرقام (الحكومية والدولية) المعلَنة، بكونه قد شهد مُعدل نمو إيجابى بلغ 13% فى العام 2004 مقارنة بمُعدل قدره 10.5% فى عام 2003 وقد تولد ذلك بصورة خاصة مِن النمو الذى تحقّق فى قطاعات التعدين والصناعة التحويلية والبناء والتشييد والكهرباء، وهو النمو الذى يرجع، لا إلى تنمية مستقلة، وإنما إلى المزيد مِن سيطرة الرأسمال الدولى على هياكل تلك الشركات العاملة فى تلك الحقول الصناعية, وقد ارتفعت مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى إلى حوالى 25.4% عام 2004 مقارنة بنسبة قدرها 24.1% عام 2003. ( 29,4% مع أرقام 2009) ويشمَل القطاع الصناعى(معقل إنتاج القيمة الزائدة، بكل قوانينها السابق شرحها وافتراضها) كُلاً مِن الصناعات التحويلية، والكهرباء، والتعدين، والتشييد والبناء. وتشمل القطاعات الفرعية التالية: الصناعات الغذائية، والغزل والنسيج، ومنتجات الجلود، والصناعات الكيماوية، وصناعة مواد البناء، والأخشاب والمواد الخشبية والأثاث، والصناعات الهندسية، والطباعة والتغليف والورق والمنتجات الورقية، والصناعات المعدنية الأساسية، والصناعات التعدينية غير الأساسية، وصناعة الآلات والمعدات، وصناعات تحويلية أخرى. وفى كل فرع من هذه الفروع المنتمية إلى قطاع الصناعة يمكننا أن نرى بوضوح كيف تُنتج القيمة الزائدة، بمفهومها السابق تحديده، وكيف يحدث التناقض بين مكوناتها العضوية. نرى كيف التناقض، حينما نحلل الإنتاجية والأجر، بين القيمة الزائدة الأولية وقيمة قوة العمل. نرى التناقض، حينما نحلل التركيب التكنيكى للرأسمال، بين القيمة الزائدة الأولية والرأسمال الكلى. كما يمكننا أن نرى وبوضوح كيف تتسرب تلك القيمة إلى الخارج، من أجل شراء الألات والمعدات والمواد المساعدة اللازمة لتجديد الإنتاج الاجتماعى فى مصانع هذه الفروع، فلن يمكن للمصنع فى فرع النسيج مثلاً، أن يُنتج إلا بأدوات عمل مصنّعة فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى. (1) صناعة السكر استطاع السودان أن يزيد من إنتاجه من قصب السكر بنسبة تعادل تقريباً خلال العقد الأول من القرن الحالى، وقد استثمرت حكومة السودان الكثير من الأموال لتنمية زراعة قصب السكر والصناعات المرتبطة به، فى عام 1999 قامت الحكومة ببناء مصنع للسكر بتكلفة 500 مليون دولار بتمويل من الصين، وكان هذا الاستثمار هو السبب الرئيسى فى زيادة إنتاج السودان من السكر. وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمصانع السكر فى السودان مجتمعة نحو 655 ألف طن تمثل شركة سكر كِنانة نسبة 45.8% منها أى أكثر مِن 300 ألف طن، وبوجه عام فقد شهدت صناعة السكر نمواً مضطرداً خلال المواسم 1999- 2000و2003- 2004 حيث بلغت جملة إنتاج السكر للموسم 2003- 2004 حوالى 755 ألف طن مقارنةً بحوالى 728 ألف طن للموسم 2002- 2003 بنسبة زيادة بلغت حوالى 4% أَنتجت منها شركة كِنانة حوالى 398 ألف طن فى موسم 2002-2003 مقارنةً بحوالى 428 ألف طن فى موسم 2003- 2004 بنسبة زيادة بلغت 7% وذلك نسبة إلى ارتفاع الإنتاجية. كما بَلغ إنتاج الشركة السودانية لإنتاج السكر حوالى 327 ألف طن فى موسم 2003- 2004 مقارنةً بحوالى 330 الف طن للموسم 2002-2003 بنسبة نقصان بلغت 1%. وقد تأسست شركة سكر كنانة عام 1975، وبدأت نشاطها الإنتاجى عام 1981، وتقوم بزراعة قصب السكر وتصنيعه لإنتاج السكر الأبيض المكرر، بالإضافة إلى عدد من المنتجات الأخرى مثل المولاس والعسل، ويساهم فى الشركة كل من: حكومة جمهورية السودان (35,33%) الهيئة العامة للاستثمار/الكويت (30,64%) حكومة المملكة العربية السعودية (10,97%) الشركة العربية للاستثمار(6,99%) مصرف التنمية الصناعية (5,69%) الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعى (5,59%) مجموعة البنوك التجارية السودانية (4,47%) شركة الخليج للأسماك (0,16%) شركة نيشو إيواى (0,16%). ونذكر أن وسائل الإعلام أعلنت أن الرئيس عمر البشير افتتح مصنعاً جديداً للسكر يوم 8 يوليو2012، يستطيع إنتاج 450 ألف طن سنوياً، ومن المتوقع، فى التقارير الدولية، أن يُسهم هذا الاستثمار فى جعل السودان أكبر منتج للسكر فى أفريقيا والعالم العربى. ولا يجب أن ننسى أن هذا المصنع إعتمد فى قيامه على خبراء "أجانب"، دُفع لهم من عرق الشغيلة، وألات صنعها "أجانب"، دُفع لهم من عرق الشغيلة، ويتم نقل المنتجات من خلال وسائل نقل "أجنبية" الصنع، تم إستيرادها بالدفع من عرق الشغيلة، وهؤلاء الشغيلة إنما يأكلون ويلبسون سلعاً أنتجتها المصانع التى يملكها "أجانب". مصنع السكر المذكور إذاً، طالما أنشىء برأسمال أجنبى، وإستقدم خبرة أجنبية، وإستعمل ألات أجنبية، وأنتج من أجل السوق الدولية، ووفقاً لقوانين السوق الرأسمالية الدولية، وإستخدم مصارف دولية كى يودع لديها عوائد نشاطه،... فنحن، مباشرة وباختصار، أمام مشروع يجدد إنتاج التخلف، مع كل كيلو يُنتجه. (2) صناعة الأسمنت تُعتبر صناعة الأسمنت مِن الصناعات المهمة والرئيسية، حيث يَتَركز الإنتاج، من أجل السوق الدولية، فى مصنع عطبرة الذى أنشىء عام 1947 كقطاع خاص، وذلك بشركة مساهمة برساميل أغلبها أجنبية. وفى عام 1970 تم تأميمه وضمه إلى مؤسسات القطاع العام الصناعى. ثم صدر قرار جمهورى عام 1983 بتحويله إلى شركه خاصة سميت"شركة ماسيبو للأسمنت". ومن ثم خبراء أجانب، ووسائل إنتاج أجنبية، وأسواق أجنبية. وفى أواخر العام 2002 "خُصخصت" الشركة وتم بيعها للشركة الأفريقية للتنمية والاستثمار، ومقرها دبى ويملكها سليمان الراجحى، وصالح كامل، وإبراهيم الأفندى. وفى أواخر العام 2003 بيعت الشركة الأخيرة لسليمان الراجحى؛ ومِن ثم آلت الشركة إليه. وإلى جوار مصنع عطبرة هناك مصنع ربك. وقد بلغت جُملة إنتاج المصنعين حوالى 170 الف طن، 199 ألف طن، 205 ألف طن، 265 ألف طن للأعوام 2001، 2002، 2003، 2004 على التوالى، هذا وقد شَهدت الأعوام الأخيرة التالية لأعوام حقل التحليل سعى الرأسمال الدولى لرفع إنتاجية المصانع، مع البدء فى تنفيذ برامج تأهيل مصنع عطبرة. وتُشير التقارير الرسمية إلى أن تلك الصناعة تواجهها مشكلات ومعوقات عدة تَتَعلق بضعف آليات النقل البرى، والمناولة بميناء بورسودان، وبُطء وتعثر (الواردات) مِن قطع غيار ومُدخلات الإنتاج عبر ميناء بورسودان ومطار الخرطوم ذى الإمكانات الضعيفة. (3) الصناعة الدوائية وهى من الصناعات التى تعجز عن تلبية حاجات الشعب السودانى المحلية، إلا فى بعض الأنواع مِن الأدوية التقليدية، أو التى سَمَحت الشركات الرأسمالية العملاقة بإمكانية إنتاجها محلياً. وتبلغ كُلفة استخدام السودان للدواء فى العام الواحد 250 مليون دولار، أى ما يُمثل 3% مِن جملة استخدام الدواء فى العالم، حيث يَبلُغ استخدام الفرد نحو 4 دولارات فى العام. (4) الغزل والنسيج نتيجة للهشاشة الهيكلية، وضعف القدرات التنافسية فى الأسواق العالمية، وارتفاع كُلفة الإنتاج؛ فقد ظل الإنتاج فى قطاع الغزل والنسيج فى تدنٍ مُستَمر, عاكساً صورة واضحة لتخلف نُظم الاستغلال فى الأجزاء المتخلفة مِن الاقتصاد الرأسمالى الدولى, فبعد مرحلة طويلة مِن النسج اليدوى، دخلت صناعة النسيج فى مرحلة ثانية بإنشاء مصنع النسيج السودانى فى الخرطوم عام 1961 بتمويل أمريكى، كما تم إنشاء شركة الخرطوم للغزل والنسيج. وكان المصنعان بمثابة المتكفل الرئيسى بكساء الشعب السودانى بنسبة كبيرة جداً مِن الأقمشة الشعبية والدمورية والدبلان والملايات المطبوعة، وغيرها من الأقمشة. تم بيع المصنعين لشركة كويتية. وتوقف إنتاجهما قبل تطبيق الخطة الخمسية 1970-1975، التى شملت إنشاء المصانع الحالية للغزل والنسيج فى القطاعين العام والخاص، وقدّرت الكلفة الإجمالية لهذه المصانع بمبلغ 3 مليارات دولار ككلفة إنشائية آنذاك، وتبلغ الطاقة التصميمية لهذه المصانع 60 ألف طن مِن الغزول، و350 مليون متر فى العام، وكانت تؤمّن الاكتفاء الذاتى مِن الأقمشة الشعبية، وأغلب هذه المصانع اليوم متوقف، ولا تتعدى إنتاجية ما يعمل منها نسبة الـ5% على الأكثر، أى أن السودان يزرع القطن لكنه يستورد سلعاً قطنية مصنعة!(26) (5) النفط يسيطر على هذا القطاع "كونسرتيوم"مكوَن مِن شركات عدة (صينية 40%، وماليزية 30%، وكندية 25%، إضافة إلى الحكومة السودانية 5%) بعد إنسحاب شركة "شيفرون" فى العام 1984، التى كانت تملك حقوق امتياز الاستخراج منذ عام 1974(فى أثناء حكم جعفر النميرى) وقامت بحفر 90 بئراً فى مساحة قدرها 42 مليون هكتار. بلغ إجمالى إنتاج النفط السودانى نحو 105 مليون برميل خلال العام 2004، وبلغ نصيب الحكومة منه حوالى 74.9 مليون برميل بنسبة 71% مِن إجمالى الخام المنتَج، بعد أن كان الإنتاج الكلّى مِن الخام خلال العام 2003 حوالى 95.7 مليون برميل، وكان نصيب الحكومة منه 62.1 مليون برميل بنسبة 65% مِن إجمالى الإنتاج. وتُعزى الزيادة الملحوظة فى نصيب الحكومة خلال العام 2004 (من 62,1 مليون برميل إلى 74,9 مليون برميل) إلى الارتفاع فى حجم الإنتاج الكلّى مِن الخام وأسعاره، حيث بلغ متوسط الإنتاج اليومى حوالى 287 ألف برميل مقابل متوسط يومى 263 ألف برميل خلال العام 2003. إضافة إلى الارتفاع الكبير فى الأسعار العالمية خلال العام 2004، وهو ما كان له الأثر فى توزيع الأنصبة. ولقد زادت عائدات صادر النفط الخام فى عام 2004 بنسبة قدرها 53%. أما البنزين (المدّعم من الحكومة) فقد زاد بنسبة قدرها 70%، والغاز المخلوط بنسبة 100%، بينما انخفض الغاز الطبيعى بنسبة قدرها 43% مقارنة بالعام 2003. تحتل صادرات النفط المرتبة الأولى فى هيكل الصادرات؛ إذ يُمثل 78% مِن إجمالى الصادرات خلال العام 2004(الأمر الذى يُذكّرنا بتاريخ طويل مِن السلعة الواحدة، مثل جمهوريات الموز، والكاكاو، والأنانس) ويستدعى إلى الذهن جدلية الصراع بين "الربح" الذى تحصله الشركات الإمبريالية، وبين"الريع" الذى تتحصل عليه الحكومة المركزية. كما يستدعى الوعى بمدى الاعتماد فى تجديد إنتاج النفط، بوجه خاص، على وسائل الإنتاج والتقنية المنتَجة فى الخارج من خلال قيمة زائدة منتَجة فى الداخل بعد تحويلها إلى الشكل النقدى فى سبيل استيراد تلك الوسائل وباقى السلع الغذائية والاستهلاكية والرأسمالية الكثيفة الرأسمال والتكنولوجيا. وقد بلغ إجمالى العائد المقدّر مِن الكميات المصدرة لصالح الحكومة خلال العام 2004 نحو 1876.0 مليون دولار أمريكى، والجدول أدناه يوضح حجم كل من الناتج اليومى والناتج الكلّى وكذلك نصيب الحكومة من الجهة الكمية والجهة النسبية، وذلك خلال شهور العام 2004. الإنتاج الكلى من النفط خلال العام 2004برميل الشهر الإنتاج اليومى الإنتاج الكلى نصيب الحكومة الكمية النسبة المئوية يناير 262.205.0 8.128.355 5.905.193 73% فبراير 276.730.0 8.025.170 5.590.209 70% مارس 273.225.0 8.469.975 6.203.880 73% أبريل 274.209.4 8.226.282 6.024.819 73% مايو 276.697.0 8.577.607 6.109.627 71% يونيو 291.647.0 8.749.410 6.349.880 73% يوليو 296.932.0 9.204.892 6.344.825 69% أغسطس 315.117.0 9.768.627 6.982.955 71% سبتنمبر 307.945.5 9.238.365 6.719.018 73% أكتوبر 298.676.0 9.258.956 6.661.908 68% نوفمبر 280.020.0 8.400.600 5.795.974 69% ديسمبر 292.498.0 9.067.438 6.298.417 69% الإجمالي 287000 105.115.677 74.986.705 71% المصدر: المصدر نفسه. هذا وقد مرت عمليات الاستكشاف النفطى بمرحلتين رئيسيتين: - المرحلة الأولى (1959-1974) ترجع بداية عملية الاستكشاف فى السودان إلى عام 1959 عندما منحت شركة أجيب تراخيص استكشاف على ساحل البحر الأحمر فى المنطقة الممتدة من محمد قول شمالاً إلى منطقة طوكر جنوباً. وفى الشمال الغربى من السودان قامت شركة شل بمسوحات أولية لا تزيد مدتها على خمسة أشهر، وكان تقويمها سلبياً. وفى عام 1968 قامت شركة كونتنتال، وفيما عدا ما قامت به شركتا شل وكونتنتال فإن الفترة ما بين عامى 64و74 اتسمت بالركود فى مجال البحث عن النفط فى السودان. - المرحلة الثانية (1974- ) فى عام 1974 وبعد صدور قانون الثروة البترولية لعام 1972 ولائحة الثروة البترولية لعام 1973، تقدمت العديد من الشركات بطلبات على تراخيص استكشاف فى الأراضى السودانية. وبناء على تلك الطلبات منحت تراخيص استكشاف لعدة شركات تابعة للأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى، وهى: شركة أوشيانك، وشركة بول أندكولنز، وشركة أميركان باسفيك، وشركة شفرون، وشركة توتال، وشركة تكساس ايسترن، وشركة يونيون تكساس(27). ويمكن ملاحظة النمو الكبير الذى طرأ على أداء صادر خام النفط خلال العام 2004 مقارنةً بالعام 2003، ويرجع هذا إلى: ارتفاع نصيب الحكومة مِن الكميات المصدّرة مِن 42.2 مليون برميل فى عام 2003 إلى 50.8 مليون برميل فى عام 2004، بمعدل نمو بلغ 20%. والواقع أن نصيب الحكومة لا شك رقمياً، ولكن تلك الزيادة ليست نتاج صراع جدلى مع الشركات المستثمرة بقدر ما هى نتاج طبيعى للزيادة المضطردة فى إنتاج الزيت نفسه. ويُمكننا هنا إضافة سبب آخر وهو ارتفاع مستوى الأسعار العالمية، آنذاك، مِن 27.8 دولار أمريكى للبرميل فى المتوسط فى عام 2003 إلى 38.6 دولار أمريكى للبرميل. وطبقاً لأرقام حديثة نسبياً، يُمكن القول إن الاقتصاد السودانى شهد، حتى النصف الثانى مِن عام 2008، زيادة ملحوظة فى إنتاج النفط، تزامنت مع ارتفاع سعر النفط العالمى، وشهد أيضاً تدفقات كبيرة مِن الاستثمار الأجنبى المباشر. ولقد بدأ السودان بتصدير النفط الخام فى الربع الأخير مِن عام 1999. الجدير بالذكر أنه برغم الزيادة المطردة فى إجمالى قيمة الصادرات الناتجة عن مبيعات النفط خلال العقد الماضى لم يستطع السودان أن يقلل من قيمة العجز التجارى بسبب زيادة قيمة الواردات فى نفس الوقت بصورة لا علاقة لها بتمويل استثمارات جديدة محركة للنمو، وإنما بسبب انفجار الاستهلاك الحكومى والخاص، بما يعنى أن عائدات النفط ذهبت لتمويل الاستهلاك وليس الاستثمار وتطوير الاقتصاد. كما فشلت الحكومة فى تحقيق فائض فى ميزانيتها خلال العقد الماضى. إذ لم تكن الثروة النفطية كافية خلال العقد الماضى من أجل تحقيق فائض، سواء كان فى ميزان المدفوعات أو فى ميزانية الحكومة. وبموجب المادة رقم (191) من الدستور الانتقالى(28)، تم الاتفاق على إنشاء المفوضية القومية للبترول، كما تم الاتفاق على تكوينها على النحو التالى: 1- رئيس الجمهورية، ورئيس حكومة جنوب السودان رئيسان مشتركان. 2- أربعة أعضاء دائمون يمثلون الحكومة القومية. 3- أربعة أعضاء يمثلون حكومة الجنوب. 4- ما لا يزيد عن ثلاثة أعضاء غير دائمين يمثلون الولاية أو الولايات التى سيجرى فيها استثمار البترول. وطبقاً لنص الفقرة (3) من المادة نفسها، فإن اختصاصات المفوضية تم تحديدها كما يلى: - وضع السياسة العامة والموجهات المتعلقة بتنمية وإدارة قطاع البترول. - رصد وتقويم تنفيذ السياسات المذكورة فى الفقرة (1) من المادة نفسها، والتى تنص على: - التأكد من أنها تخدم مصالح الشعب السودانى. - وضع استراتيجيات وبرامج قطاع البترول. - التفاوض حول عقود استكشاف واستثمار البترول. - إعداد لوائحها وإجراءاتها الداخلية. وطبقاً لبروتوكول "نيفاشا" لاقتسام الثروة، قنن الدستور الانتقالى فى المادة(194) عملية اقتسام ثروة الجنوب، وهو ما فقده الشمال بعد الانفصال، على النحو التالى: أ- ينشأ حساب استقرار إيرادات النفط، وتورد فيه صافى إيرادات النفط الحكومى التى يتم تحصيلها من مبيعات الصادر الفعلية فوق السعر القياسى المقرر الذى يجدد سنوياً ضمن الموازنة القومية. ب - يخصص 2% على الأقل من عائدات النفط للولايات المنتجة للنفط حسب الكمية المنتجة فى الولاية. ج - بعد الدفع لحساب استقرار إيرادات النفط والولايات المنتجة، يخصص لحكومة جنوب السودان ابتداءً من أول الفترة قبل الانتقالية (1/يناير/2005) 50% من صافى عائد النفط المستخرج من الآبار المنتجة فى جنوب السودان، وتخصص نسبة 50% المتبقية للحكومة القومية وولايات شمال السودان. (6) الكهرباء شهد التوليد الكهربائى خلال الفترة المعنية نمواً مضطرداً، حيث وصل التوليد الكهربائى الكلّى حوالى 3279.9 جيجا واط/ ساعة فى عام 2003، منها حوالى 3074.1 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة، وحوالى 205.8 جيجا واط /ساعة خارج الشبكة. وارتفع التوليد إلى حوالى 3794.7 جيجا واط/ ساعة فى عـــام 2004 بزيادة قدرهـا 15.7% مقارنـــة بعام 2003 منها حوالى 3505.9 جيجا واط/ساعة داخل الشبكة وحوالى 288.8 جيجا واط/ساعة خارج الشبكة. وبلغ استهلاك الكهرباء للعام 2004 حوالى 2496.2 جيجا واط/ساعة بنسبة زيادة بلغت 8% عن العام 2003 والذى بلغ حوالى 2391.6 جيجا واط/ساعة. وترجع هذه الزيادة إلى زيادة الاستهلاك فى القطاعين السكنى والصناعى. ويتم عادة حصر أزمات قطاع الكهرباء فى أمرين هما: ضعف تمويل صناعات قطاع الكهرباء. واتساع الإقليم السودانى؛ الأمر الذى يزيد من كلفة صناعة الكهرباء مِن جهتى التجديدات الطويلة للشبكة والتوليد عند الأطراف البعيدة. ووفقاً لأرقام حديثة نسبياً، يُمكن أن نذكر أن الإنتاج بلغ 4341 مليار كيلو واط (2007) والاستهلاك: 3438كيلو واط (2007). (7) التعدين تقوم الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية فى السودان بإجراء البحث والتنقيب (لاحظ: البحث والتنقيب,لا الاستخراج) عن المعادن. كما تقوم بإعداد الخرائط الجيولوجية (بمعاونة الخبراء الأجانب بالطبع) وتُهيمن على هذا القطاع، بطبيعة تكوّنه التاريخى، الشركات الدولية العملاقة على الصعيد العالمى، وهو ما يُثير من تلك الوجهة تساؤلات حول هوية مَن يَستأثر بناتج الأرض. وللسؤال وجاهته مِن جهة أنه يُثير بالتوازى عدة أسئلة جوهرية, وربما حساسة, مِن قبيل مَن هو صاحب الأرض؟ ومَن هو صاحب الدولة؟ ومَن الذى يسيطر على ثروة الوطن؟ ومَن هو صاحب الشركة المستخرِجة لما فى بطن الأرض السودانية؟ وأين عائدات هذه الثروة؟ وهل تلك هى حقاً اللحظة التاريخية التي يَطفو فيها على السطح، كما الشأن فى فنزويلا، ونيجيريا، وغيرهما... وإن كان مِن زاوية مختلفة نسبياً، الصراع بين الريع (كظاهرة تاريخية) وبين الربح (كظاهرة تاريخية مقابلة)؟ (ج) القطاع الخدمى يستوعب هذا القطاع نحو 7 % من القوة العاملة، وفقاً لأرقام 2002، بعد أن كانت النسبة 13% فى العام 1998، وعلى الرغم من ذلك فقد تمكن هذا القطاع، طبقاً لقانون الإنتاجية كقانون عام فى الرأسمالية، فقد تَمكن هذا القطاع مِن تحقيق مُعدل نمو بلغ نحو 6.6%، ونسبة مساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى قدرها 30.1% عام 2004؛ ثم ارتفع ليُحقق مساهمة قدرها 38,5 % مع أرقام 2009، ويرجع ذلك، كما يَتردد فى دوائر الحكم، إلى بعض النمو الحاصل فى القطاعات الخدمية مثل النقل والاتصالات والخدمات الاقتصادية الأخرى. وتنحصر جُل الخدمات التى تستحوذ على الإنفاق الحكومى على المرافق العامة فى الشمال (حيث النخبة)، فى حين يعانى الجنوب أزمات متصلة فى المرافق الاجتماعية ابتداءً من التعليم والصحة، ومروراً بخدمات النقل والطرق والجسور، وانتهاءً بخدمات السكن والأمن، وبالنسبة إلى الأخيرة، أى خدمة الأمن، فإن السلطة المركزية توجّه جُل نفقاتها فى الشمال من أجل ترسيخ وجودها هى شخصياً، وفرض هيمنتها. تاركة الجنوب فى صراعه وانفلاته الأمنى! (1) الطرق والجسور لا ريب فى أن قطاع الطرق والجسور يؤدى دوراً مهماً فى عملية التنمية الاقتصادية (على الأقل كما تطرح نفسها فى مرحلة التعليم الأساسى) حيث أنه يربط مراكز الإنتاج بتجمعات الاستهلاك وموانئ التصدير ويساعد على تنمية (وإن كانت تنمية غير متوازنة كقانون رأسمالى عام) المناطق التى تَمُر بها الطرق, ويَشمل هذا القطاع الطرق القومية العابرة لأكثر مِن ولاية، والممولة تمويلاً غالباً ما يكون أجنبيا،ً بيد أن شُح الموارد (كما يتردد فى لغة الخطاب الرسمية) إضافة إلى الأبعاد الأمنية للرأسمال الدولى، يقفان عائقاً أمام ربط أقاليم السودان ربطاً حديثاً مِن خلال شبكة طرق تَتَكفل بذلك. (2) النقل والاتصالات ويَضم قطاع النقل فى السودان كل من: هيئة السكة الحديد وهيئة النقل النهرى وهيئة الموانى البحرية وشركة الخطوط البحرية السودانية وشركة الخطوط الجوية السودانية وهيئة النقل البرى. ويُمكن القول أن هذا القطاع الجزئى إنما يُكرس، أيضاً، جميع مظاهر إعادة إنتاج التخلّف، بمفهومه التقليدى، فوسائل النقل ذاتها متهالكة، والطرق غير معبدة، والمطارات تفتقد التنظيم، وكذلك الموانىء. أضف إلى ذلك عدم فاعلية القطاع فى ربط أجزاء الإقليم بعضها ببعض. (أ) الشركة السودانية للاتصالات(سوداتل) استمرت الشركة السودانية للاتصالات (سوداتل) فى تحسين وتطوير خدماتها منذ تأسيسها فى عام 1993. وصارت مِن أكبر الحقول الاستثمارية فى السودان، حتى أُدرجت أسهمها فى الأسواق المالية الدولية. كما تُعتبر أسهمها الأكثر تداولاً فى سوق الخرطوم للأوراق المالية منذ العام 1997. وأُدرجت الشركة أيضاً فى سوق البحرين للأوراق المالية فى 6/11/2000، وسوق أبو ظبى للأوراق المالية فى 31/3/2003. وبجانب خدمات الهاتف تقوم الشركه بتقديم خدمات المعلومات الأخرى مثل خدمات شبكة الإنترنت والدوائر المؤجرة والتجارة الإلكترونية...إلخ. ونذكر أن 56% من المواطنين فى السودان يستعملون الهواتف المحمولة. بيد أن أستخدام الإنترنت لم يزل محدوداً للغاية. فهل هذا هو السبب فى تأجيل ما يسمى الربيع العربى فى السودان؟ ويَشهد حقل الاتصالات صراعاً جدلياً بين قوى الرأسمال الدولى فى سبيل السيطرة على الجديد فى عالم التكنولوجيا, الأمر الذى يَعنى، كما ذكرنا سلفاً، أن تطور المجتمع السودانى، وجميع المجتمعات، مِن تلك الوجهة إنما يَرتبط بمدى التطور الحاصل فى الصراع الاجتماعى مِن أجل الحصول على الجديد فى مجال التكنولوجيا وليس مرتبطاً بالتطور الحاصل فى مجال التكنولوجيا نفسها, أى العكس تماماً لما هو سائد, على الأقل, فى الفكر الأكاديمى... ولكن الفكر الأكاديمى، كما قال د. محمد دويدار، ليس بالضرورة هو الفكر الصحيح. (ب) مشروع الكيبل البحرى شرق وجنوب افريقيا (EASSy) تأسس هذا المشروع من خلال شراكة بين مجموعة دول شرق أفريقيا وجنوبها، منها السودان، وجيبوتى، والصومال، وكينيا، وأوغندا، وموزمبيق، وجزر القمر، ومدغشقر، وجنوب أفريقيا. وقد تم تنفيذه عبر شركة "ألكاتل" الفرنسية، دولية النشاط. بدىء تشغيل الكيبل فى يوم 1/أغسطس2010 ويهدف هذا المشروع إلى توفير الربط البينى بين إحدى وعشرين دولة أفريقية، بالإضافة إلى ربط هذه الدول مع باقى دول العالم. كما سيتم تزويد هذه الدول المستفيدة من هذا المشروع بخدمة إنترنت ذات جودة عالية. وتُعتبر سوداتل ثالث أكبر مالك فى هذا المشروع الذي يمتد من بورتسودان حتى جنوب أفريقيا، بطول 11.000كم. بيانات وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية ومِن جهة أخرى مُكملة للاستعراض الرقمى والإحصائى السالف الذكر، يَجدر بنا السير خطوات أكثر تقدماً فى سبيل إختبار صحتها النسبية، بمعاينتها، وتحديثها، فى ضوء تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية (CIA) الذى جاء بموقعها الإلكترونى(*)، والذى جاء فيه: الناتج المحلى الإجمالى (تعادل القوة الشرائية) : 92 بليون دولار أمريكى (2009) الناتج المحلى الإجمالى (سعر الصرف الرسمى) : 54 بليون دولار أمريكى الناتج المحلى الإجمالى ( معدل النمو الحقيقى) : 4,2 % (2009) الناتج المحلى الإجمالى/ للفرد (تعادل القوة الشرائية) : 2300 دولار ( 2009) الناتج المحلى الإجمالى -- التكوين حسب القطاع : (2009) الزراعة : 32,1 % الصناعة : 29,4 % الخدمات : 38,5 % القوى العاملة : 12 مليون(2007) القوى العاملة وفقاً للهيكل : الزراعة : 80 % (2009) الصناعة : 7 % (2009) الخدمات : 13 % (1998) معدل البطالة : 18,7% (2002) السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر: 40% (2004) الاستثمار (الإجمالى الثابت) : 20,7 % من الناتج المحلى الإجمالى (2009 تخمين) الدين العام : 103,7% من الناتج المحلى الإجمالى (2009) 100% من الناتج المحلى الإجمالى (2008) معدل التضخم (أسعار المستهلك) : 11,2 % (2009) المخزون النقدى : 62.56 مليار دولار (31 ديسمبر 2008) المخزون من أشباه النقود : 42.64 مليار دولار (31 ديسمبر 2008) الزراعة: القطن والفول السودانى، والذرة الرفيعة والدخن، القمح، الصمغ، وقصب السكر، والكسافا (التابيوكا) والمانجو، والبابايا، والموز، والبطاطا الحلوة، والسمسم؛ والأغنام والماشية. الصناعات: النفط، وحلج القطن، والمنسوجات، والأسمنت، والزيوت الصالحة للأكل، والسكر والصابون، والأحذية، والمواد الصيدلانية، والأسلحة. معدل نمو الإنتاج الصناعى : 3,2% (2009) النفط -- الإنتاج : 486700 برميل/ يوم (2009) نفط -- استهلاك : 84000 برميل/يوم (2009) النفط -- الصادرات : 303800 برميل/يوم (2007) نفط -- احتياطيات: 68 بليون برميل (1يناير2009) الغاز الطبيعى -- الإنتاج : (0) متر مكعب (تقديرات 2008) الغاز الطبيعى -- الاستهلاك : (0) متر مكعب (تقديرات 2008) الغاز الطبيعى -- الاحتياطيات المؤكدة: 8495 مليار متر مكعب (يناير 2009) الصادرات :10.500(أرقام صندوق النقد الدولى2010) 7.56 مليار دولار (2009) 11,60 مليار دولار (2008) الصادرات -- السلع: النفط، ومنتجاته، والقطن والسمسم والفول السودانى، والثروة الحيوانية، والصمغ العربى، والسكر. صادرات -- أهم الشركاء: الصين 58,29% ، اليابان 14.7%، 8,83 %، إندونيسيا والهند 4,86% (2009) الواردات : 9.960 (أرقام صندوق النقد الدولى2010 ) 8,253 مليار دولار (2009) الواردات -- السلع: المواد الغذائية، والسلع المصنعة، والسلع الرأسمالية، والسلع الاستهلاكية، ومعدات التكرير والنقل والأدوية والكيماويات والمنسوجات والقمح. الواردات -- أهم الشركاء: الصين 21,87 %، المملكة العربية السعودية 7.22 %، مصر 6,1 %، الهند 5,53 %، الإمارات العربية المتحدة 5،3 % (2009) الاحتياطيات من النقد الأجنبى والذهب: 879 مليون دولار (2009) الدّين الخارجى : 36,27 مليار دولار (2009) أسعار صرف العملات: جنيه سودانى (جنيه) لكل دولار أمريكى: 2.34 (2009) ، 2.1 (2008) ، 2.06 (2007) ، 2.172 (2006) ، 2.4361 (2005) الحد الأدنى للأجر : 124 جنيهاً سودانياً، ووفقاً لقرار حكومة البشير فقد تم رفع الحد الأدنى للأجور، ابتداءً من العام 2013، إلى 425 جنيهاً سودانياً (96.5 دولار أمريكى) بيد أن الحد الأدنى المذكور لا يفى إلا بـ 22% من تكاليف المعيشة. التفاوت فى الدخل بين المناطق فى السودان (بالدولار الأمريكى) المنطقة الدخل 1967/1968 الدخل 1982/1983 الخرطوم 236 283 الوسطى (بما فى ذلك النيل الأزرق) 183 201 الشرقية (بما فى ذلك جنوب كردفان) 180 195 كردفان 153 164 المنطقة الشمالية 124 130 دارفور 98 102 الانحراف المعيارى 44,5 57 المصدر: محمود ممدانى، دارفور: منقذون وناجون، السياسة والحرب على الإرهاب، ترجمة عمر سعيد الأيوبى؛ مراجعة منى جهمى (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010) ، ص208. مؤشرات الاتجاهات العامة للاقتصاد السودانى من عام 2000 حتى عام 2010 البند 2000 2005 2007 2008 2010 الاستثمار الأجنبى المباشر (مليون دولار) 392 2.304 2.425 2.511 2.063 تحويلات المواطنين بالخارج (مليون دولار) 640 1.016 1.769 3.100 1.973
الصادرات % 1.834 1.806 (أرقام بنك السودان) 4.938 9.263 12.163 11.658 الواردات % 2.013 1.552( أرقام بنك السودان) 9.904 10.661 10.848 11.160 التضخم 8.03 8.51 7.98 14.30 12.98 عجز الانفاق الحكومى (مليار جنيه سودانى) 1.236 2.712 4.941 3.92 5.42 المصدر: World Bank, World Development Indicators, IMF World Economic Outlook 2012 بناء على تلك البيانات، يمكننا إبراز الملاحظات الآتية: - تهيمن الزراعة على مجمل الهيكل الاقتصادى، ومع ذلك يظهر فى بند الواردات أن السودان يستورد الغذاء، وعلى رأسها القمح. 49% من إجمالى استيراد السودان عام 2010 كان فى صورة مواد غذائية! - نصف الشعب، تقريباَ، فقير(يعيشون على أقل من دولار فى اليوم) وتلتهم الديون (40 مليار دولار) الناتج المحلى بنسبة 100%. - ظاهرة التفاوت فى الدخول، تضرب بجذورها فى الماضى، بما يعكس الإهمال القديم من قبل السلطة المركزية لباقى الأجزاء وبصفة خاصة الجنوب. ونضيف أيضاً أن 60% من شعب الجنوب، قبل الانفصال، لم يكن يستطيع الحصول على أى نوع من الرعاية الصحية، وأكثر من نصف الأطفال فى سن التعليم الإبتدائى لا يحصلون على أى نوع من التعليم، بينما 73% من البالغين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة. ويعيش نحو 3.3 مليون شخص فى حالة مجاعة جزئية بجنوب السودان وفقاً لإحصائيات منظمة الغذاء العالمية. - كما الحال بالنسبة لجميع الدول الريعية تقريباً بوجه عام، والأجزاء المتخلفة بوجه خاص، تتسرب القيمة الزائدة المنتَجة بداخل الاقتصاد القومى إلى الخارج، فى سبيل شراء السلع التى لا يُنتجها الاقتصاد القومى، وعلى وجه الخصوص السلع التى تستخدم فى سبيل إنتاج النفط (صوارى الحفر ومواسيره ومصاطبه"البرية والبحرية"، والروافع، والمناضد، والدوارات، والكلابات، والحفارات، والمضخات، والمحركات، والأنابيب، ... إلخ) - تسرّب فى العام 2009، مثلاً، نحو مليار دولار إلى خارج الاقتصاد هى قيمة الفارق بين الصادرات والواردات. ولقد سبق وأن ذكرنا أن طرحنا الرئيسى يبدأ من حيث فهم وتحليل نمط الإنتاج الرأسمالى كنمط لإنتاج سلع وخدمات من أجل السوق. وليس ذلك فقط، وإنما كنمط لإنتاج القيمة الزائدة، وطالما كانت (آليات) إنتاج تلك القيمة الزائدة ضعيفة، بغض النظر عن كل شىء أخلاقى، عُدّ الاقتصاد ضعيفاً ومتخلفاً بالتبعية، بسبب تدهور تلك الآليات، فى حين يُصبح هذا الاقتصاد قوياً إذا ما كانت تلك (الآليات) قوية، بما يلزم ويكفى لتخفيض معدل إنتاج القيمة الزائدة، وعلامات قوتها تتبدّى فى النظر إلى حجم وقيمة (كما سنرى فى الخاتمة) ونضيف هنا، ونوع المنتَجات التى تُمثل إجمالى الناتج القومى. ولنعُد إلى مثلنا التقليدى الذى ضربناه من البداية؛ فإذ ما إفترضنا؛ لاعتبارات التبسيط، أن السودان بدأ سنة إنتاجية معينة بـ 30 مليار وحدة، أى بواقع 10مليارات للزراعة و10مليارات للصناعة و10مليارات للخدمات، وتوزع تلك الوحدات بداخل كل قطاع وفقاً لما يلى:(5 أدوات الإنتاج) + (3 مواد إنتاج) + (2قوة عمل) فإنه فى نهاية الفترة محل التحليل، وبإفتراض أن معدل القيمة الزائدة 100%، سيكون لدى السودان 6 مليارات وحدة زائدة ومن ثم يصير لدينا 36 مليار وحدة، موزعين كالأتى: 30 مليار أصل المبدوء به الإنتاج، و6 مليارات قيمة زائدة، بإفتراض أنها معدل إنتاجها100%، فوفقاً للبيانات المتاحة لن يقوم السودان بإستخدام الـ 6 مليارات قيمة زائدة فى سبيل التراكم الرأسمالى المطلوب للخروج من حلقة تجديد إنتاج التخلف؛ إذ سيقوم بضخ تلك القيمة الزائدة فى مسام الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى الذى يعتمد عليها فى المواد الغذائية والسلع المصنعة، ونصف المصنعة، ومعدات التكرير، والنقل، والأدوية، والكيماويات، والغزل، والمنسوجات، والقمح. وأدوات الإنتاج بوجه عام؛ أضف إلى ذلك بعض المظاهر الأخرى التى تُعتنق على أساس مِن كونها التخلف بعينه، وما هى سوى مظاهر، كبدائية أساليب الإنتاج وأدواته مثلاً. معنى ذلك أن القيمة الزائدة المحققة اجتماعياً خلال فترة زمنية معينة لا يستفيد بها المجتمع المنتِج لها، وإنما تستفيد بها الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى الدولى، الأمر الذى يدعونا إلى تكوين الوعى بشأن الاطار العام والشروط الموضوعية التى تحكم ظاهرة تسرب القيمة الزائدة التى ينتجها المجتمع، ومن ثم يتعين أن نكون الوعى بشأن البعد الجغرافى، وهو ما يعنى الإنتقال إلى الجزء الثانى من خطوتنا الفكرية والتى سننشغل فيها بفحص الكُل الجغرافى. هكذا ننتهى مِن الجزء الأول مِن خطوتنا الفكرية الأولى، بإتمامنا التعرف على مُجمل الهيكل الاقتصادى، وصولاً إلى تكوين الوعى حول "الاقتصاد" فى السودان، مِن حيث هيمنة الزراعة عليه، إذ يُعد الاقتصاد السودانى اقتصاداً زراعياً مِن الدرجة الأولى، وتخلفه وتبعيته وبدائيته خصائص جوهرية واضحة، لا لغلبة قطاع الزراعة على القطاعات الأخرى، وإنما لارتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة المتناقض مع الضعف المزمن فى أليات إنتاجها؛ بما من شأنه السماح لنمط الإنتاج السائد وعلاقاته بتسرب القيمة الزائدة مِن الريف إلى المدينة، فى مرحلة أولى، ثم مِن داخل السودان إلى خارجه، فى مرحلة ثانية، نحو الخارج، على نحو لا يَسمح بتراكم رأسمالى يوظَف بداخل الاقتصاد السودانى، ويتبدى ذلك فى هيمنة الزراعة، والفلاحة وما يتصل بهما، على مُجمل النشاط الاقتصادى فى المجتمع، وذلك دون ارتباط ما بين قطاع الزراعة هذا وبين القطاع الصناعى تحديداً، الأمر الذى يَجعل السودان أحد المتخصصين فى إمداد الأجزاء الأخرى (والمتقدمة بصفة خاصة) بالمواد الأولية المحمَلة بقيمة زائدة، مِن نفط وصمغ وقطن تحديداً، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية. تلك السلع حينما يجرى تصديرها؛ محمّلة بقيمة زائدة. عمل مُكدّس، لتغذية صناعات مختلفة فى بلدان أخرى أكثر تعقيداً وتطوراً فى الغالب، فإنما تتم مِن خلال عملية مُنظمة للتسرب فى القيمة الزائدة المنتَجة بسواعد أبناء الأجزاء المتختلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر. (2) الجغرافيا : يَحتل السودان الجزء الشمالى الشرقى مِن قارة أفريقيا. بين دائرتى4 و 22 شمال خط الاستواء وخطى الطول 22 و 38، ويمتد طول الحدود البحرية على ساحل البحر الأحمر إلى حوالى 670 كلم2. تحده دولتان عربيتان (مصر وليبيا)، و7 دول أفريقية (تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، وإريتريا) ولقد ساعد هذا الموقع الوسطى السودان كى يكون المعبر الرئيسى بين شمال أفريقيا العربى وجنوبها الأفريقى. كما أن الإقليم كان حتى منتصف القرن التاسع عشر، الممر الرئيسى لقوافل الحجاج إلى أماكن الحج فى الشرق العربى، وكذلك الممر الرئيسى للتجار مِن غرب أفريقيا إلى شرقه.
الموقع الجغرافى والحدود السياسية قبل انفصال الجنوب http://www.kermaonline.com/vb/showthread.phpt=11660 تَبلُغ مساحة السودان حوالى 2.5 مليون م2، وهو بذلك أحد أكبر الدول العربية والأفريقية؛ كما يأتى فى المرتبة الحادية عشرة بين بلدان العالم الأكبر مساحة. ونتيجة لكبر المساحة هذه تباينت بيئات السودان وتنوعت ثرواته وموارده الطبيعية، كما تعددت أجناس سكانه وأعراقهم وثقافاتهم ودياناتهم، وستكون تلك الحقيقة التاريخية محوراً رئيسياً فى مجرى تحليلنا؛ من جهة تكوين الوعى بصدد دمج عدة قبائل وأعراق وثقافات وديانات مُختلفة (عربية عاربة، ومستعربة، وإثيوبية، ومسيحية، وإسلامية، وزنجية، ووثنية) ومتناقضة، فى قطعة جغرافية واحدة وإحاطتها بسياج استعمارى يُفرض، بعدما افترض دون وعى أو سبب، إمكانية اندماج تلك الأعراق والقبائل بعضها فى البعض، بتنازل كُل منها عن قدر مِن سيادتها ونفوذها وعاداتها ودياناتها وثقافاتها! ومِن قبله تنازل عن كُل ذلك للمستعمِر! سيكون مِن العسير للغاية محاولة فهم القانون الموضوعى الحاكم لتجديد إنتاج التخلف، وإشكاليات الانفصال، والصراعات القبلية، من دون فهم تاريخية ترسيم الحدود الاستعمارية. الحدود التى وضعت قبائل وديانات وأعراق وثقافات مختلفة، لا رابط فعلى بينها، فى قفص صيد كبير! انها الحدود التى صنعت الوطن الزائف، وإن موقع السودان، إضافة إلى كونه من أسباب الثراء مِن جهة الموارد الطبيعية، فإنه وبال على السودان مِن جهة أخرى، إذ سيجعله أحد محاور التنافس الاستعمارى القديم فى أفريقيا. ولن يَختلف الأمر كثيراً مع "الاستعمار المنهجى الحديث" إذ لم يَزل السودان يُمثل أحد أطماع الاستعمار الحديث، خاصة بعد أن أخذت موارد العالم الطبيعية فى التناقص الشديد، وأصبحت مشكلة الغذاء فى المستقبل هاجساً يؤرق العالم الرأسمالى المعاصر(بشقيه المتقدم والمتخلف).
(أ) السكان أتصور أن الفصل الثالث هو المكان المناسب، منهجياً، لتحليل التركيبة السكانية وعلاقات التناقض بداخلها، وإنما أكتفى هنا بإبراز مجموعة من الخطوط العريضة والتى ستكون محل تحليل موسع فيما بعد، ويمكن القول بوجه عام أن أول تعداد للسكان كان عام 1956، وقدر هذا التعداد، بما يكتنفه من بدائية وعشوائية، أن عدد السكان يبلغ 10 مليون نسمة، ويُلاحظ أن معظم سكان المدن النيلية بل وسكان المدن الكبرى فيما بين الخرطوم وحلفا يرجعون فى أصولهم إلى مصر وفى مدينة دنقلة دماء تركية مصرية(29). وعن النشاط الاقتصادى فإن السكان يشتغلون بالزراعة أو الرعى؛ ففى السودان الشمالى نجد الجماعات الحامية كالنوبيين حول النيل من حلفا إلى دنقلة يشتغلون بالزراعة، فى المساحات الضيقة حول النيل، أو التجارة، ومن الحاميين الجماعات الموجودة فى شمال شرق السودان البجا ومنهم قبائل الهدندوا والبشاريين ينتشرون من عطبرة إلى الحدود المصرية السودانية، ويشتغلون بتربية الإبل والأغنام وقليل من الزراعة فى بطون الأودية، وقد اختلط البجا والنوبيون بالعرب وتأثرت لغتهم بالكثير من المفردات العربية. أما السودان الأوسط فيسكنه العرب الذين يتركزون فى دارفور وكردفان والخرطوم والنيل الأزرق والأجزاء الجنوبية من كسلا، وفى هذا الوسط العربى توجد عناصر أخرى غير عربية كقبائل الفور والمساليت فى غرب السودان. ويشتغل العرب بالزراعة حول النيل ويرعى الإبل فى شمال كردفان ودارفور ويرعى البقر"البقارة"فى جنوب كردفان، وبينما يتنقل الإبالة"رعاة الإبل"، وأهم قبائلهم الكبابيش، فى الشمال حيث البيئة صعبة من حيث قلة الماء، فإن البقارة حياتهم نسبياً أيسر لوفرة المطر. وسوف نرى فيما بعد كيف كان الصراع، وربما لم يزل، مريراً مستعراً بين قبائل البقارة وقبائل الإبالة. أما قبائل جنوب السودان من الدنكا والنوير والشلك حيث مناطق العشب وروافد النيل العديدة فمراعيهم غنية، وإنما تاريخهم حافل بمآسى القنص والاسترقاق، فدائماً أمام الأبناء تاريخهم الزاخر بالألم والإستعباد الذى تعرض له الأجداد على يد البيضان غالباً، ثم التهميش والاقصاء فى العقود التالية من قبل مؤسسة الحكم النخبوية فى الخرطوم. وأخير نجد فى أقصى الجنوب الغربى قبائل الازاندى الذين يحترفون الزراعة بالقرب من حدود الكونغو. (ب) نهر النيل(30) يَتميز نهر النيل وروافده بموارد مائية هائلة تُغطى حوالى 25000 م2ويُقدر الإيراد السنوى لنهر النيل بحوالى 58.9 مليارم3 يُساهم فيه النيل الأزرق بحوالى 58.9%، والنيل يؤدى دوراً حيوياً فى حياة السكان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفى علاقات السودان الخارجية خاصة مع دول حوض النيل. تُستغل مياه النيل وروافده فى الرى وتوليد الكهرباء مِن خزانات الرصيرص وسنار وخشم القربة، وفى الملاحة وصيد الأسماك. وبموجب إتفاقية مياه النيل لعام 1959(التى جاءت فى غير مصلحة السودان) مُنحت مصر55,5 مليارم3 سنوياً مِن مياه النيل، والسودان 18.5م3! مِن جهة أخرى يُعد النيل أهم ظاهرة جيمورفولوجية (أى العِلم الذى يدرس شكل الأرض، والتغيرات التى تطرأ عليه لتبيان التاريخ الجيولوجى) فى السودان ويمتد حوالى 1700 كلم مِن الجنوب إلى الشمال، كما يُغطى حوض النيل وروافده فى السودان حوالى 2.5 مليون هكتار. أما تضاريس النيل فهى تتشكل عبر سبعة أقاليم، خمسة منها عبر السودان: (1) هضبة البحيرات الإستوائية: ويبلغ متوسط ارتفاعها 1300م، وتنحدر فى جملتها نحو الشمال إلى سهول جنوب السودان، وبهذه الهضبة المجارى العليا الاستوائية لنهر النيل. (2) سهول السودان: ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالى 400م عن سطح البحر، وهى تلك الأراضى المترامية الأطراف التى تمتد من سفوح هضبة البحيرات فى الجنوب إلى نهر عطبرة فى الشمال. (3) هضبة إثيوبيا: وتلك أكثر ارتفاعاً من هضبة البحيرات حيث يتراوح متوسط ارتفاعها بين 2000 و2500م فوق سطح البحر، وهى تنحدر نحو سهول السودان. وفوق هذه الهضبة توجد بحيرة تانا التى تجمع أكبر قدر من المياه، وحيث ينبع النيل الأزرق. (4) مرتفعات خط تقسيم المياه بين النيل والكونغو: ويتراوح ارتفاعها فى المتوسط بين 600 و900م، ومن هذه المرتفعات تنحدر نابعة معظم روافد بحر الغزال فى جنوب غرب السودان. (5) مرتفعات دارفور وكردفان وجبال النوبة: وتتكون من هضبة قليلة الارتفاع حيث تتجاوز قمة جبل مرة 3000م، وتكثر فى جنوب هذه المرتفعات الأودية التى تفيض بالمياه فى موسم الأمطار وتجف فى فصل الجفاف. (6) مرتفعات البحر الأحمر: وتمتد بموازة الساحل الغربى للبحر الأحمر، حيث تكون الحافة الغربية للشعبة الشرقية من الأخدود الأفريقى العظيم. (7) الحوض الأدنى فى مصر: ويشمل وادى النيل ودلتاه فى مصر، بالإضافة إلى معظم الصحراء الشرقية المصرية وأجزاء يسيرة من الصحراء الغربية، وهى تلك المطلة على وادى النيل. (ج) التربة وتتكون سهول السودان مِن أنواع مختلفة مِن التربة أهمها: - التربة الرملية فى إقليم الصحراء وشبه الصحراء فى شمال وغرب السودان وهى تربة هشة قليلة الخصوبة تُستغل فى زراعة الدخن والفول السودانى والسمسم، كما تُعتبر من المراعى الهامة للإبل والضأن والماعز. - التربة الطينية فى أواسط وشرق السودان، وهى تُمثل أهم مناطق زراعة القطن. ومعظم إنتاج السودان مِن الذرة، الذى يُعد المحصول الغذائى الرئيسى يتم فوق هذه التربة . - مجموعة التربات الحديدية الحمراء فى جنوب السودان، وتَتَميز بانخفاض خصوبتها. لذلك فإن نَمط الزراعة المتنقلة ظل أكثر نُظم استخدام الأرض مُلائمة لهذه التربة. - مجموعة التربات الرسوبية السلتية على ضفاف الأنهار والأودية ودلتا طوكر والقاش وتَتَميز هذه التربات بخصوبتها العالية لتجدّدها السنوى. - التربة البركانية الخصبة فى جبل مرة. بالإضافة لمنظومة النيل؛ يَزخر السودان بالعديد مِن البحيرات الداخلية والأودية الموسمية التى تلعب دوراً مهماً فى حياة السكان الاقتصادية، خاصة فى شرق البلاد وغربها. ويُقدّر مخزون المياه الجوفية بحوالى 9000 مليارم3 تَتَوزع بين حوضين جوفيين. يستغل السودان حاليًا حوالى 2 مليارم3 مِن المياه الجوفية لأغراض الرى والاستخدامات المدنية. ويُعتبَر البحر الأحمر منفذ السودان الملاحى إلى العالم الخارجى (يعنى الانفصال حتمية مرور الجنوب فى أرض الشمال، وصولاً إلى البحر) وبه موانىء بورسودان وسواكن وأوسيف بالإضافة إلى مراس أخرى صغيرة متعددة. وبهذه المناسبة نذكر أن السودان يمُلك ثروة هائلة مِن الأسماك؛ إذ فى الإمكان إنتاج أكثر مِن 140.000 طن سنوياً منها 35.000 طن مِن البحر الأحمر و100.000 طن مِن نهر النيل وفروعه، و5.500 طن مِن بحيرة النوبة. ووفقاً للتقسيم، تبعاً للأقاليم الجغرافية، فيُمكن تصنيف الأقاليم السودانية على النحو التالى: - المنطقة الصحراوية: وهى تَقع شمال خط عرض 16، وتُقدر بحوالى 30% مِن المساحة الكلية ويندر فيها هطول الأمطار، وتنحصر الزراعة على جانبى النيل برفع المياه بالمضخات ورى الحياض واستخدام محدود للمياه الجوفية. وتسود زراعة النخيل، والقمح، والبقوليات، والخضر، والفاكهة، والتوابل. - المنطقة شبة الصحراوية: وهى تمتد بين خطى 14و16 شمالاً وتُقدّر بنحو 19.3% مِن المساحة الكلية، وتتميز بالغطاء النباتى الضعيف، كما تتسم بتقلبات الأمطار مما يعرضها لموجات مِن الجفاف والتصحر، وتصلح لمرعى القطعان المتحركة. - منطقة السافنا خفيفة الأمطار فى الأراضى الرملية: وتقع بين خطى عرض 12و14 درجة شمالاً، وتتفاوت كمية الأمطار فيها، وتغطى حوالى 13% من المساحة الكلية للبلاد، وتتعرض تلك المنطقة عادة لموجات مِن الجفاف والتصحر، ويتكون الغطاء النباتى فيها مِن النباتات الرعوية الحولية والمعمرة وبعض الأشجار، كما تَسود فيها الزراعة التقليدية المروية بمياه المطر. - منطقة السافنا متوسطة الأمطار فى الأراضى الطينية: وتمتد بين خطى 10و12 درجة شمالاً لتشمل السهول الطينية الوسطى فى مساحة تقدر بنحو 14.3% مِن المساحة الكلية، وتتفاوت الأمطار فيها بين 400و880 ملم، وتُمَارس فيها الزراعة المطرية الآلية والزراعة التقليدية والإنتاج الغابى، وبصفة خاصة: الصمغ العربى. - منطقة السافنا غزيرة الأمطار: تمتد بين خطى 4 و 10 درجة شمالاً وتشكل 14% تقريباً مِن المساحة الكلية وتتفاوت الأمطار فيها مابين 800 و 1500 ملم، ويمكن القول بأن تلك المنطقة بها مساحات واسعة لغابات أشجار الأخشاب القيمة كالماهوجنى، ومساحات رعوية كبيرة وأراضى تصلح للتوسع الزراعى. - المناطق البيئية المتميزة: وتشكل نحو 9.6% من المساحة الكلية، وتشمل جبل مرة، والأماتونج، والدونكوتانا، وهضبة الالوم التى تصلح لزراعة البن والشاى، وغيرها مِن المحاصيل الاستراتيجية، وتشمل أيضاً حوض نهر النيل ومنطقة السدود. وبوجه عام، تُقدر المساحة الصالحة للزراعة فى السودان بحوالى200 مليون فدان (84 مليون هكتار)، يستغل مِنها حالياً 40 مليون فدان، يُسقى منها 4 ملايين فدان بالرى الصناعى، و36 مليون فدان بمياه المطر. النظم البيئية فى السودان البيان المساحة بالفدان النسبة من إجمالي المساحة البيئة الصحراوية 181 30% شبة الصحراء 115.7 19.3% السافنا الرملية 77.6 13% السافنا الطينية 85.5 14.3% السافنا مرتفعة الأمطار 81 13.5% الفيضانات والسدود 57.7 9.6% مناطق جبلية 1.5 0.3% الجملة 600 100% المصدر: وزارة المالية والاقتصاد الوطنى – الإدارة العامة للسياسات الاقتصادية والبرامج وبالنسبة إلى المُناخ: يسود السودان مناخ مدارى، يَتميز بارتفاع درجات الحرارة فى مُعظم أيام السنة، وبتدرج مِن جاف جداً فى أقصى الشمال إلى شبه رَطب فى أقصى الجنوب. وتَصل درجات الحرارة أقصى مُعدلاتها فى فصل الصيف، حيث يَصل المعدل اليومى فى شهرى مايو ويونيو إلى أكثر مِن43 درجة مئوية، تقريباً، فى شمال السودان، وإلى حوالى 34 فى الجنوب. وتنخفض درجات الحرارة خلال فترة الصيف فى شهرى يوليو وأغسطس بمعدل مِن 5:8 درجة، بسبب هطول الأمطار. وتصل درجات الحرارة إلى أدنى مُعدلاتها فى شهرى ديسمبر ويناير. يقتصر هطول الأمطار على فصل الصيف، وتسود سمات الصحراء فى أقصى الشمال حيث يَقل المطر السنوى 50 ملم، وتزيد كمية الأمطار وفترة هطول المطر الزراعى تدريجياً نحو الجنوب، حيث يصل المتوسط السنوى للأمطار 1400 ملم وطول الموسم الزراعى فى أقصى الجنوب. يعتبر هطول الأمطار المتقطع وتكرار موجات الجفاف، التى تتفاوت فى طولها وحدتها، خاصة فى الأجزاء الوسطى والشمالية، أحد الخصائص المناخية الهامة فى السودان. ولقد كانت أقصى موجات الجفاف فى القرن الماضى هو جفاف الساحل فى الفترة 1968-1974، والجفاف فى الفترة 1983-1985 الذى كان له بُعد مأساوي وآثار شملت البيئة الطبيعية والبنى الاقتصادية والاجتماعية. وأخيراً نذكر أنه طبقاً لنص المادة رقم (108) مِن الدستور السودانى(1998) تُقسم جمهورية السودان إلى 26 ولاية، ولكُل ولاية عاصمة؛ وذلك على النحو التالى: ولاية أعالى النيل وعاصمتها ملكال. ولاية البحر الأحمر وعاصمتها بورسودان. ولاية بحر الجبل وعاصمتها جوبا. ولاية البحيرات وعاصمتها رمبيك. ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدنى. ولاية جونقلى وعاصمتها ملكال. ولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا. ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلى. ولاية الخرطوم وعاصمتها الخرطوم. ولاية سنار وعاصمتها سنجة. ولاية شرق الاستوائية وعاصمتها كبويتا. ولاية شمال بحر الغزال وعاصمتها أويل. ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر. ولاية شمال كردفان وعاصمتها الابيض. ولاية الولاية الشمالية وعاصمتها دنقلا. ولاية غرب الاستوائية وعاصمتها يامبيو. ولاية غرب بحر الغزال وعاصمتها واو. ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة. ولاية غرب كردفان وعاصمتها الفولة. ولاية القضارف "سنار" وعاصمتها القضارف. ولاية كسلا وعاصمتها كسلا. ولاية نهر النيل وعاصمتها الدامر. ولاية النيل الأبيض وعاصمتها ربك.ولاية النيل الأزرق وعاصمتها الدمازين.ولاية واراب وعاصمتها واراب. ولاية الوحدة وعاصمتها بانتيو. الولايات السودانية وحدودها http://www.sudanesehome.com/forum/showthread ولكُل ولاية والٍ يَنتخبه الشعب لمدة أربع سنوات، وذلك بعد ترشيح رئيس الجمهورية، طبقا لنص المادة رقم (56) من دستور(1998) ومسئولية الوالى فردية (م 61 ف 4) ويُسأل مباشرةً أمام رئيس الجمهورية (م 62) ويَقوم الوالى مَقام رئيس الجمهورية، كما يَقوم الوزير الولائى مَقام الوزير الاتحادى، وتَسرى على كُل مجلس ولاية الأحكام الدستورية السارية على المجلس الوطنى (م 98). (د) الأرض أرض السودان عبارة عن سهل رسوبى مُنبسط قليل الانحدار تَتَخلله مُرتفعات تُغطى أقل مِن 5 % مِن مساحته الكلية، وأهم هذه المرتفعات: - جبال الأماتنوج فى الجنوب، مع الحدود الأوغندية، وهى المنطقة التى اصطدمت فيها طائرة الهليكوبتر التى كان على متنها جون قرنق، بحسب البيان الرئاسى، وتلال البحر الأحمر فى الشرق. - جبال النوبة فى جنوب كردفان. فى عام 2002طالب سكان منطقة جبال النوبة فى السودان بحكم ذاتى فى منطقتهم لمدة 6 سنوات يتقرر بعدها مصير المنطقة بين الانفصال أو البقاء ضمن حدود السودان مثل ما تم الاتفاق عليه فى هذا الشأن بالنسبة لسكان الجنوب. - جبل الميدوب: الذى يبلغ ارتفاعه حوالى 6,000 قدم، ويَعيش فيه مجموعات بدوية أو شبه بدوية تَعتمد فى حياتها على تربية الإبل، وتتوجه بإبلها جنوباً، وصولاً إلى الوديان العظيمة لـغربى دارفور، مثل وادى أزوم ووادى بارى، حيث تتوفر المياه فى مواسم الجفاف، كما إنها ترتحل شمالاً إلى التربة الرملية حيث تنمو، بعد سقوط الأمطار فى المنطقة المعروفة بـ الجزو،أنواع مِن العشب جيدة تستمر مُخضرة حتى شهر ديسمبر،وتُمثل هذه المنطقة بيئة صالحة لرعى الإبل من دون الحاجة لمياه إضافية. - جبل مرة(31) : وهو يَقع جنوب غرب السودان فى ولاية غرب دارفور، ويَمتد مئات الأميال مِن كاس جنوباً إلى ضواحى الفاشر شمالاً، ماراً بدارزغاوة" أقصى شمال دارفور" وُيغطى مساحة 12,800 كم2، ويُعد ثانى أعلى قمة فى السودان إذ يَبلغ ارتفاعه 10,000 قدم فوق مستوى سطح البحر، ويَتكون مِن سلسلة مِن المرتفعات بطول 240 كلم2 وعرض 80 كم2، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية. وكانت أرض السودان الخصبة، المترامية الأطراف على نحو لا يتوافر فى جميع الأقطار العربية، دائماً ما تُترك بلا زراعة، إذ أن الاشتغال بالزراعة كان فى الضمير الجمعى عملاً خاصاً بالعبيد فقط، الأمر الذى قد يُبرر ربما من زاوية ما الحاجة إلى العبيد واعتماد العملية الإنتاجية على عملهم غالباً، كما كان من الأسباب الرئيسية سبب تقنى هو تخلف أساليب الإنتاج، وتأخر تقنية الأدوات والألات التى يمكن من خلالها زراعة تلك المساحات الشاسعة من الأرض الخصبة الوفيرة الإنتاج. إلا أن تدخّل الاستعمار الراغب فى المنتجات الزراعية على اختلاف أنواعها، ثم بسط الحكومة المركزية هيمنتها، بعد ذلك، على الأرض، واستقدام بعض وسائل الإنتاج التى يُمكن اعتبارها حديثة، استصحب نوعاً ما من تقنين الاستخدام فى ضوء علاقة تبادل غير متكافئة بين الريف وبين المدينة، إذ تعتبر المدينة بوابة الوصول، فى الغالب إلى السوق العالمى لمختلف المنتجات المرتبطة بالأرض من زراعات إلى ماشية وأغنام تحتل بشأنها السودان مركزاً مهماً فى حجم التجارة العالمية. ولم تكن الأرض جميعها ذات طبيعة قانونية واحدة، إذ تنوعت صور الحيازة والملكية، وإنما ظلت الأرض فى مجموعها، فى عهد الحكم المصرى، ملكاً للحكومة، وهى التى تملك الحق فى التوزيع كماً وكيفاً، على من تراه من المشايخ والقادة العسكريين، ومهندسى البحث عن المعادن، والأثرياء الراغبين فى زراعة مساحات من الأرض البور، كذلك وجدت أراضى الأوقاف التى أوقفت لخدمة المساجد والمدارس، إذ قام المسجد آنذاك مقام المؤسسة التعليمية، وما يزال له الدور نفسه فى بعض أجزاء الشمال. بالإضافة إلى ذلك، وهذا مهم، وجدت أراضى الحكومة، وهى تلك الأرض التى احتكرتها الحكومة لنفسها وقامت باستصلاحها وزراعتها لحسابها الخاص، ببعض المحاصيل الزراعية كالنيلة وقصب السكر والقطن، فالنيلة، كما هو معروف، كانت فى أيام محمد على، خاضعة للاحتكار الحكومى، بينما كان قصب السكر والقطن من المحاصيل التصديرية المهمة، سواء فى مصر أو السودان، ومن ثم كان من المتعيّن إخضاع بعض الأراضى للإشراف الحكومى المباشر؛ ضماناً لاستمرار عملية تصدير تلك المنتجات إلى الخارج، فى إطار علاقة تبادل غير متكافئة وإنما لصالح حكومة محمد على المركزية، التى ترتكز على السيطرة على"القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً"باستخدام تلك القيمة (من خلال التفاعل مع السوق الدولية) فى سبيل بناء دولة استعمارية توسعية فى طريقها للسيطرة على شروط تجديد إنتاجها وبناء قوتها على الصعيد الاقتصادى والسياسى والعسكرى، وهو الأمر الذى استصحب بالضرورة العمل على تحويل الاقتصاد السودانى إلى اقتصاد زراعى متطور يتم الاعتماد عليه فى سبيل تحقيق تلك الأهداف، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بإعادة طرح فكرة العمل الزراعى كأحد سبل التنمية فى المجتمع، فأصبحت مصر بالنسبة إلى السودان مركزاً مهماً للتعليم، فكان يوفد إليها المئات من السودانيين كى يتعلموا فنون الزراعة وأصول الفلاحة، ثم يعودوا إلى بلادهم لنقل تلك العلوم وتطبيقها فى مجال الزراعة السودانية، وقد تلاقت نية الحكومة المركزية فى مصر فى تنمية الاقتصاد السودانى على نحو زراعى متطور مع رغبة شعبية فى نفس الغرض التنموى الذى يفضى فى النهاية إلى إحداث نقلة نوعية فى مجمل الهيكل الاقتصادى السودانى. فلما أدرك السودانيون، وفقاً لأغلب الأراء المثالية، أن محمد على، قد قرر على أرض الواقع جعل الاقتصاد الزراعى اقتصاداً زراعياً متطوراً، بادر بعض المشايخ من تلقاء أنفسهم إلى تقديم الطلبات للحكومة فى مصر يلتمسون فيها السماح لأبنائهم بالسفر إلى مصر لتلقينهم فنون الزراعة. ولم تتوقف الحكومة عند حدود التعليم، وإنما تعدى الأمر ذلك إلى تقديم البذور للمزارع السودانى بأسعار رخيصة، مع تحصيل أثمان تلك البذور عقب جنى المحصول، بالإضافة إلى استخدام الحكومة المركزية فى مصر السياسات الضريبية فى سبيل التشجيع على الزراعة، وبصفة خاصة فى عهد خورشيد باشا، والذى عمل على إعادة الفارين إلى الأرض، وترغيب هاجريها فى الرجوع إليها وزراعتها، وهو ما يضمن تنفيذ السياسة العامة للحكومة المركزية فى القاهرة. نعود إلى الأرض، وبصفة خاصة أرض الجنوب: ثمة نقطة أعتقد فى أهميتها كذلك فى مجرى التحليل، كما سنرى، فلم يتعرف المجتمع الجنوبى على الملكية الفردية، وقبل أن تبسط الحكومة المركزية سطوتها على الأرض، لم يكن للأرض مالك سوى القبيلة التى تحيا فوقها، إذ كانت الملكية المشاعية هى الشكل الوحيد لملكية الأرض، وحينما ظهر الاستعمار والحكومة المركزية، لم يكن ليُفتت تلك الملكيات المشاعية وإنما ينظمها لضمان انسياب الفائض، بما يتضمنه من قيمة زائدة، نحو الخارج، مع الظهور بمظهر المالك الشكلى للأرض، وبصفة خاصة فى الجنوب. وقد كان لتلك الصورة من صور الملكية القائمة على الشيوع الفضل الرئيسى فى عدم تكون طبقة كبار ملاك الأراضى، على الأقل فى الجنوب وبصفة أخص القبائل المستقرة (البقارة فى معظمها) فى أقصى الجنوب. والأرض السودانية ليست جميعها ذات طبيعة جغرافية واحدة، ولا تروى جميعها بطريقة واحدة، وذات أبعاد مترامية، الأمر الذى مثل صعوبة كبيرة لمحمد على، فى حصر الأراضى وتقسيمها؛ فقد وجدت أراضى الجروف، وهى التى تقع على ضفاف النيل وتعتمد على مياه النيل بعد الفيضان فى الرى، كما وجدت أرض الجزائر وهى التى يغمرها الفيضان ويتم زرعها عقب انحساره، أيضاً أراضى المتره وهى الأرض التى تروى من خلال السواقى التى تُقام على حفرة واسعة من الأرض يتسرب إليها ماء النيل، ثم هناك الأراضى المطيرة والتى تعتمد على مياه الأمطار وتكون تلك الأراضى فى الغالب الأعم بعيدة عن مجرى نهر النيل أو أحد فروعه. بعد عرضنا خطوتنا الفكرية الأولى، بجزأيها، ومعالم "اقتصاد" البلد مِن جهة، وجغرافيته مِن جهة أخرى، وهى المعالم التى تُمكننا، ولو مرحلياً، مِن استيعاب السودان كأحد الأجزاء التابعة والمتخلفة مِن الاقتصاد الرأسمالى العالمى، يتضح فى ظل استقراء الأرقام والإحصاءات المذكورة أعلاه، أن الاقتصاد السودانى اقتصاد هش، زراعى متخلف، متآكل الهيكل، تابع بكُل ما تَفرضه وتعنيه الكلمة؛ لا تقيم قطاعاته الاقتصادية فيما بينها أى نوع مِن المبادلات، أضف إلى ذلك قيام السودان باستيراد الطعام، على الرغم مِن اعتباره مِن أكبر الدول العربية من جهة الهيكل الزراعى، الأمر الذى يجعلنا نفتش فى التاريخ للبحث فى جذور هذا التخلف وآليات تجديد إنتاجه بالانتقال إلى الفصل الثانى الذى هو بمثابة خطوتنا الفكرية الثانية والتى سننشغل من خلالها "بالكل التاريخى".
#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوزيع عند الكلاسيك وماركس
-
النظرية العامة للتوزيع في الاقتصاد السياسي
-
الخلاصة في المسألة السودانية
-
الموجز في تاريخ الاقتصاد القياسي
-
نقد الاقتصاد السياسي: مقدمة الطبعة الخامسة
-
ما القيمة؟
-
أقدم ديموقراطيه في التاريخ، للباحث محمد عبد الحق
-
هيكل الصناعة العسكرية في إسرائيل، للباحث هاني محمد وصفي
-
نماذج تجديد الإنتاج عند كارل ماركس، للباحثة سحر حنفي محمود
-
الاقتصاد في العالم الشرقي القديم، للباحث محمد عبد الحق
-
لماذا اتخذ ماركس من إنجلترا حقلاً للتحليل؟
-
الشركات دولية النشاط، للباحث أحمد مجدي الشرقاوي
-
مقال: المقريزي، للباحث محمد جابر عامر
-
ألفريد مارشال
-
جون مينارد كينز
-
الخلاصة في الإقطاع شرقاً وغرباً
-
منهجية فهم التاريخ الاقتصادي
-
التكون التاريخي لتخلف أمريكا اللاتينية
-
تاريخ ضائع
-
التبادل متكافيء
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|