|
بمناسبة ثورة 25 أكتوبر 1917
فلاديمير لينين
(Vladimir Lenin)
الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 9 - 09:54
المحور:
الارشيف الماركسي
بقدر ما يبتعد عنا هذا اليوم العظيم، بقدر ما يزداد دور الثورة البروليتارية في روسيا اتضاحا و بقدر ما نتأمل بمزيد من التعمق أيضا تجربة نشاطنا العملية، مأخوذة بمجملها.
و من الممكن عرض هذا الدور و هذه التجربة بلمحات في غاية الإيجاز – هي بالطبع أبعد من أن تكون كاملة و دقيقة – على النحو التالي.
إن مهمة الثورة في روسيا، المباشرة و القريبة، كانت مهمة ديموقراطية برجوازية قوامها القضاء على بقايا القرون الوسطى، و إزالتها إلى الأبد، و تنظيف روسيا من هذه البربرية، من هذا العار، مما كان يعيق إلى ما لا حد له كل ثقافة و كل تقدم في بلادنا.
و من حقنا أن نفتخر لكوننا قمنا بهذا التنظيف بأكثر بكثير من الحزم و السرعة و الجرأة، بأكثر بكثير من النجاح و الشمول و العمق، – من حيث التأثير في جماهير الشعب، في أعماقه، – مما فعلت الثورة الفرنسية الكبرى منذ أكثر من 125 سنة.
لقد قال الفوضويون و الديموقراطيون البرجوازيون الصغار (أي المناشفة و الاشتراكيون الثوريون، بوصفهم الممثلين الروس لهذا النموذج الاجتماعي العالمي) و لا يزالون يرددون كثرة كثيرة من الآراء المشوشة بصدد العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية و الثورة الاشتراكية (أي البروليتارية). و حول هذه النقطة، تأكدت كليا، خلال أربع سنوات، صحة مفهومنا للماركسية، صحة استعمالنا لتجربة الثورات الماضية. و لقد سرنا، كما لا أحد، بالثورة الديموقراطية البرجوازية إلى النهاية. و بكل إدراك، و بخطى ثابتة، و دون أي انحراف، نسير إلى أمام، نحو الثورة الاشتراكية، عارفين أنها غير منفصلة عن الثورة الديموقراطية البرجوازية بسور صيني، عارفين أن النضال وحده هو الذي سيقرر مقدار التقدم الذي سنتمكن من تحقيقه (في نهاية الأمر)، مقدار القسم الذي سننفذه من مهمتنا اللامتناهية الكبر، مقدار الجزء الذي سنوطده من انتصاراتنا. و من يعش ير. و لكننا نرى منذ اليوم أن عملا جليلا – بالنسبة لبلد خرب، منهوك، متأخر – قد أنجز فيما يتعلق بالتحويل الاشتراكي للمجتمع.
و لكن لننه عرضنا حول مضمون ثورتنا الديموقراطي البرجوازي، يجب على الماركسيين أن يفهموا ما يعنيه هذا. و على سبيل التوضيح، لنأخذ بضعة أمثلة عملية.
إن مضمون الثورة الديموقراطي البرجوازي، هو تصفية العلاقات الاجتماعية (النظم، المؤسسات) في البلد من خصائص القرون الوسطى، من القنانة، من الإقطاعية.
أيا كانت أهم الظاهرات، البقايا، الرواسب من القنانة في روسيا عشية 1917؟ الملكية، الفئات المغلقة الحاكمة، التملك العقاري و التمتع بالأرض، وضع المرأة، الدين، اضطهاد القوميات. خذوا أيا من “إسطبلات أوجياس” هذه المتروكة، و نقول هذا للمناسبة، إلى حد ملحوظ، غير منظفة بصورة تامة من قبل جميع الدول المتقدمة حين قامت بثورتها الديمقراطية البرجوازية، منذ 125 سنة و 250 سنة و أكثر (1649 في انجلترا)،– خذوا أيا من إسطبلات أوجياس هذه، تروا أننا نظفناها كليا. ففي نحو عشرة أسابيع، لا أكثر، منذ 25 تشرين الأول – أكتوبر (7 تشرين الثاني – نوفمبر) 1917 حتى حل الجمعية التأسيسية (5 كانون الثاني – يناير 1918)، فعلنا في هذا المضمار ما يزيد ألف مرة عما فعل الديمقراطيون و الليبراليون البرجوازيون (الكاديت) و الديمقراطيون البرجوازيون الصغار (المناشفة و الاشتراكيون – الثوريون) في ثمانية أشهر من حكمهم.
إن هؤلاء الجبناء، هؤلاء الثرثارين، هؤلاء النرجسيين المشفوفين بأنفسهم، هؤلاء أشباه هملت من قياس مصغر، كانوا يلوحون بسيف من كارتون، – و لم يقضوا حتى على الملكية! لقد أفرغوا الزبالة الملكية كما لم يفعل أحد في أي وقت مضى. و لم نترك حجرا على حجر، و قرميدة على قرميدة، من هذه العمارة التي دامت قرونا و قرونا، عمارة نظام الفئات المغلقة (إن أكثر البلدان تقدما، كانجلترا و فرنسا و ألمانيا، لم تتخلص بعد حتى الآن من بقايا هذا النظام!). إن أعمق جذور هذا النظام، أي بقايا الإقطاعية و القنانة في تملك الأرض، إنما استأصلناها كليا. “يمكن الجدال” (ففي الخارج ما يكفي من الأدباء الكاديت، و المناشفة، و الاشتراكيين – الثوريين للدخول في هذا الجدال) حول معرفة ما سينجم “في آخر المطاف” من الإصلاحات الزراعية التي تقوم بها ثورة أكتوبر الكبرى. إننا لسنا اليوم على استعداد لتضييع وقتنا على هذا الجدال، لأننا بالنضال نحل هذا الجدال و كل طائفة الجدالات التي تتوقف عليه. و لكنه لا يمكن الجدال ضد واقع أن الديمقراطيين البرجوازيين الصغار “قد تفاهموا”، طوال ثمانية أشهر، مع الملاكين العقاريين حفظة تقاليد القنانة، بينا كنسنا نحن كليا خلال بضعة أسابيع هؤلاء الملاكين العقاريين و جميع تقاليدهم على السواء من على وجه الأرض الروسية.
خذوا الدين، أو غياب الحقوق للمرأة ، أو اضطهاد القوميات غير الروسية و عدم مساواتها في الحقوق. و كلها قضايا تتعلق بالثورة الديموقراطية البرجوازية. إن تافهي الديموقراطية البرجوازية الصغيرة قد ثرثروا حول هذه الموضوعة طوال ثمانية أشهر. و ليس ثمة بلد واحد، بني أرقى البلدان في العالم، حلت فيه هذه المسائل إلى النهاية في الاتجاه الديمقراطي البرجوازي. أما عندنا فقد حلها إلى النهاية تشريع ثورة أكتوبر. لقد حاربنا الدين و نحاربه حقا، و منحنا جميع القوميات غير الروسية جمهوريات أو مقاطعات مستقلة ذاتيا خاصة بها. و لم تعد روسيا تعرف هذه السفالة، هذه الشناعة، هذه الدناءة، ونعني بها انعدام الحقوق أو عدم المساواة في الحقوق بالنسبة للمرأة، هذه البقية المنفرة المتبقية عن الإقطاع و القرون الوسطى، و المرممة في جميع بلدان الكرة الأرضية، دون أي استثناء، من جانب البرجوازية الجشعة و البرجوازية الصغيرة البليدة و المذعورة.
هذا هو مضمون الثورة الديموقراطية البرجوازية. منذ مائة وخمسين سنة و مائتي وخمسين سنة، وعد زعماء هذه الثورة (و هذه الثورات ، إذا تناول الكلام كل نوع قومي عن نموذج مشترك) التقدميون الشعوب بتحرير الإنسانية من امتيازات القرون الوسطى، و عدم مساواة المرأة ، و الصلاحيات الممنوحة من جانب الدولة لهذا الدين أو ذاك (أو “لفكرة الدين” ، “النزعة الدينية” بوجه عام)، وعدم المساواة بين القوميات. وعدوا، ولم يفوا بهذا الوعد. و لم يكن في مقدورهم أن يفوا به، لأنه حال بينهم وبني الوفاء به “احترام”… “الملكية الخاصة الكلية القداسة”. إن ثورتنا البروليتارية لم تكن هذا “الاحترام” الملعون لهذه البقايا من القرون الوسطى، الملعون ثلاث مرات، و لهذه “الملكية الخاصة الكلية القداسة”.
و لكنه، توطيدا لمكتسبات الثورة البرجوازية الديموقراطية في صالح شعوب روسيا، كان يتعين علينا أن نمضي إلى أبعد. و هذا ما فعلناه. فقد حللنا قضايا الثورة البرجوازية الديموقراطية عرضا، خلال السير، بوصفها “نتاجا ثانويا” لعملنا الرئيسي و الحقيقي، لعملنا الثوري، البروليتاري، الاشتراكي. فالإصلاحات، كما قلنا دائما، نتاج ثانوي للنضال الطبقي الثوري. و الإصلاحات الديموقراطية البرجوازية، كما قلنا و أثبتنا بأفعالنا – نتاج ثانوي للثورة البروليتارية، أي الاشتراكية. و نقول بالمناسبة أن جميع إضراب كاوتسكي و هلفردينغ و مارتوف و تشيرنوف و هيلكويت و لونغه و ماكدونالد و توراتي و سائر أبطال الماركسية “الثانية و النصف” لم يستطيعوا إدراك هذه العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية و الثورة البروليتارية الاشتراكية. إن الأولى تتحول إلى الثانية. و الثانية تحل، عرضا، قضايا الأولى. و الثانية توطد عمل الأولى. و النضال، النضال وحده، هو الذي يقرر إلى أي حد تنجح الثانية في تجاوز الأولى. (…)
لينين – 14 تشرين الأول – أكتوبر 1921
——————————————————————————–
#فلاديمير_لينين (هاشتاغ)
Vladimir_Lenin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أية تحسينات يجهد الاشتراكيون-الديموقراطيون للحصول عليها من أ
...
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل الثامن
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل السابع
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل الخامس
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل الرابع
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل الثالث
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل الأول
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا - تقديم
-
أسلوبان للجدال والصراع - لينين - مقال مترجم
-
تطوّر الرأسمالية في رُوسيَا: الفصل السادس
-
المفهومان الليبرالي والماركسي عن الصراع الطبقي
-
حول الديالكتيك
-
التحريض السياسي و-وجهة النظر الطبقية- - لينين - مقال مترجم
-
الموقف من الدين
-
الإشتراكية والدين
-
دروس الثورة
-
أستاذ الانتهازية الكبير ... برنشتاين .. أو - إن التمرد فن -
-
الاشتراكية ليست سرابا
-
من تقرير في المؤتمر الثاني لعامه روسيا للمنظمات الشيوعيه لشع
...
-
تقرير اللجنه المختصه بالمسأله القوميه و مسأله المستعمرات
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|