حلوة زحايكة
الحوار المتمدن-العدد: 4964 - 2015 / 10 / 23 - 20:55
المحور:
الادب والفن
حلوة زحايكة
سوالف حريم
بستان الحاج علي
بينما كنت أهم بالعودة من بيت العزاء عند جيراني الذين لا يفصلني عنهم غير بستان الحاج علي حمدان، قلت في نفسي لا اريد ان أعود طريق الشارع حتى لا احتك بالجنود المتربصين فيه وبأسفل البستان سوف اسلك طريقي من وسط البستان في طريق العودة، نزلت الحائط الحجري، بدأت بالسير فيه، سرت شاردة الذهن لما آل اليه البستان، لقد تحطمت الجدران الحجرية وجفت الأرض والأشجار، كان هذا البستان ينعم بالعديد من الأشجار مثل اللوز والبرقوق الأصفر والاحمر المعطر وبوز العجل والتفاح والدراق والعنب والتين واشجار الزيتون، كل شيء تغير في هذه البقعة، هنا لعب الشهداء غسان وعدي وعلاء أبو جمل في طفولتهم وأكلا من ثماره، وكذلك سبقهم ابي الشهيد، وجاري عبد وراد الذي استشهد في مجزرة الأقصى عام 1990 فهذه العائلات الثلاث تحيط بالبستان من جهاته الثلاث، كل منهم له حكاية مع هذا البستان، وقفت ونظرت الى حجر كبير...جلست عليه اتفقد الاشجار حولي، فأنا اعرف كل شجرة فيه وكل صخرة، غاب بصري يبحث عن صاحب هذا البستان الذي افنى عمره فيه إنه الحاج علي حمدان صاحب القامة القصيرة، ذو العيون الزرقاء والبشرة الشقراء التي لفحتها اشعة الشمس ولم تعد تعرف تصنيفها، كان يلبس قنبازا اسودا يرفع اطرافه ويشكها في طرف سرواله الأسود، ويعتمر الكوفية الفلسطينية على رأسه، يحضر كل يوم مع حمارة بعد ان يقوم ببيع الحليب على زبائنه في بلدة جبل المكبر، فجميع من بالبلدة يعرفونه، يضع على ظهر الحمار خرجا فيه فطورة من الزيت والزعتر والخبز وحبة بندورة، ويقود حمارة الى ان يصل البستان ويتركه فيه يرعى من عشب الأرض، ويبدأ هو بتنظيف الأرض من الأعشاب والعناية بالاشجار وفي المساء يعود الى بيته يملأ خرج الحمار بالاعشاب للأبقار.
اغمضت عينيّ ورحت ابحث لعلني استطيع ان اسمع صوته وهو يصرخ بالأطفال وينادي بأعلى صوته "هي ولد هي "ها انا قادم وقد عرفت من تكون، او ينادي عليّ فانا صديقته الصغيرة التي يتهمني دائما بأكل جميع ثمار اللوز خاصته وقد اطلق علي اسم "اللجاة" كنت اضحك منه كثيرا واحلف أيمانا غليظة كثيرة بأنه ليس أنا من يأكل ثمار شجراته، بالفعل انا لا احب الفاكهة ولا حتى اللوز، لكنه كان لا يصدق وانا دائما اضحك منه، فأنا لي مكانة خاصة عنده، يمازحني ويلاعبني كأنني أحدى حفيداته، او لأنني يتيمة لم اعرف حنان الأبوة يوما، لقد رحل الحاج علي ورحلت ازهار هذا البستان، ولم يبق غير جنود الاحتلال يجوبونه ليلا باحثين عن أطفالا مروا من هنا.
#حلوة_زحايكة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟