|
الناقد عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: أنا أول من يخوّل سنان أنطون لأن يتحدث بلغة الجمع وليس بصيغة الإفراد
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1360 - 2005 / 10 / 27 - 13:10
المحور:
مقابلات و حوارات
قدّمت لي الباحثة عالية مالك عدداً من الأسئلة والاستفسارات التي تتعلق بتجربة الشاعر والروائي والمخرج السينمائي سنان أنطون. ونظراً لأهمية هذه الأسئلة فقد وجدت من المناسب أن نخصص هذا اللقاء لقرّاء " لحوار المتمدن " لكي يطلعوا على تجربة هذا الأديب المغترب في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعد أطروحة الدكتوراه هناك. * أتستطيع أن تقيّم مساهمات الكاتب العراقي سنان أنطون ودوره في الأدب العربي؟ - تُعَّد تجربة الشاعر والروائي العراقي سنان أنطون، بالرغم من قصر عمرها الزمني، من التجارب المهمة في الأدب العربي. فلأول مرة نقرأ نصاً أدبياً عراقياً يجمع بين دفتيه هذا المزج الفني العجيب بين التراجيديا والكوميديا، وهذه اللغة الساخرة، المتهكمة التي انتهكت كل شيء بدءاً من اللغة نفسها، مروراً بالثيمات التي عالجها، وانتهاءً بالمعطيات السياسية الفجة التي تستصغر المواطن العراقي المغلوب على أمره. وهذا الخرق أو الانتهاك اللغوي موجود ليس في تجربته الشعرية والروائية حسب، بل هو موجود حتى في المقالات التي يكتبها بين حين وآخر أو الحوارات الصحفية التي تجريها له بعض الصحف والمجلات الأدبية. وهذه السمة لوحدة تشكل امتيازاً وإضافة جدية للأدب العربي الذي يعاني من نقص فظيع في هذا المضمار. *هل نعزو الاهتمام الذي يحظى به الشاعر والروائي سنان أنطون اليوم إلى كونه عراقياً؟ -إن الاهتمام الذي يحظى به سنان أنطون ليس متأتياً من كونه عراقياً يعاني بلده من احتلال إنكلو- أمريكي لا يمكن تخيله في بداية الألفية الثالثة. صحيح أن هناك تعاطفاً مع الأدباء أو الفنانين العراقيين في مختلف أنحاء العالم بسبب هذا الاحتلال المفجع واللاإنساني، والذي جاء تحت أسباب واهية وكاذبة لعل أبرزها البحث عن أسلحة الدمار الشامل، أو دمقرطة العراق، والشرق الأوسط الكبير لاحقاً، أو " جلب الغذاء والدواء والحرية " كما يدعون. وإذا كان هذا التعاطف موجوداً مع بعض الشخصيات الأدبية والفنية العراقية التي تحضى بالرعاية والاهتمام والجوائز وما إلى ذلك، فإن سنان أنطون لا ينضوي تحت هذه اليافطة، فهو كاتب روائي مبدع أنجز نصاً روائياً فريداً اسمه " اعجام "، ويتميز بلغة ساخرة، ثرة، وعميقة، كما يتصف ببنية دائرية درامية استطاعت أن تصوّر هول المأساة التي كان العراقيون يعانون منها وهي هيمنة الجو الدكتاتوري التسلطي، وغياب الحريات، وتهميش الحضور الإنساني النبيل وما إلى ذلك. كما أنه شاعر مجوّد، متمكن من فنه، ومطوِّر لعدته الفنية، ويكتب شعراً بذات اللغة اللاذعة التي أشرت إليها قبل قليل، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى هذا " العطف المزيف " الذي يحصل عليه بعض من الأدباء العراقيين لا لشيء إلا لكونهم عراقيين قادمين من بلد محتل الآن من قبل الجيوش الأمريكية والبريطانية وبقية الدول التابعة لهم والدائرة في فلكهم.
*كيف تصف المنجز الأدبي لسنان أنطون؟ - كما أشرت آنفاً إن رواية " اعجام " هي واحدة من أبرز الروايات العراقية التي صورت الوضع السياسي والاجتماعي والفكري العراقي على حقيقته، وانتهكت خطابه الفج الذي هيمن على الذاكرة العراقية، مع الأسف الشديد، لعقود ثلاثة أو يزيد. فهذه الرواية فضحت أشياء كثيرة كانت محجوبة أو منزاحة عن المشهد العام. كما أنها صوّرت بأمانة نادرة ما يحدث في السجون والمعتقلات العراقية، وبالذات الأمنية والاستخباراتية منها، حيث يُعذب الضحايا، ويُغتصبون، وتمسخ أنسانيتهم في كل لحظة. كما أنها كشفت ولأول مرة عن سذاجة الخطاب البعثي الشوفيني، وعرّته أمام الجميع، وجعلتنا ننتبه إلى المفارقة الكبيرة التي تجعل أناساً بسطاء وسذجاً يتلاعبون بمصائر العراقيين جميعاً ولمدة خمس وثلاثين سنة ومن دون أن نحرّك ساكناً، بل كنا نتباكى كما المساكين الذين لا حول ولا قوة لهم، وكنا نرسم صورة متقنة، معبِّرة لعجزنا عن إسقاط هذا النظام الفاشستي بحيث أوجدنا الذرائع والمبررات للإدارتين الأمريكية والبريطانية كي تقوم بإسقاط النظام بالنيابة عنا نحن العاجزين. من يقرأ رواية " اعجام " يكتشف خيوط اللعبة برمتها، وسيصطف إلى جانب الكاتب المبدع سنان أنطون، ويشاركه الرؤية والتوجه والمنظور الذي يتبناه ويرى من خلاله هذا العالم الأهوج. *هل يمثل سنان أنطون شريحة محددة من العراقيين؟ - على الرغم من أن رواية " إعجام " تتناول شخصيات بعضها كلداني، وبعضها الآخر من شرائح عراقية أخر، إلا أن هذا النص برمته هو نص عراقي بامتياز، أعني أنه لم يسقط ضمن الحدود الضيقة لشريحة اجتماعية محددة كأن تكون كلدانية أو آثورية أو كردية أو تركمانية وما إلى ذلك. فالنص يصوّر معاناة العراقيين خلال تلك الحقبة الضبابية المؤسية. وصادف أن تكون بقعة الضوء مسلّطة على أسرة كلدانية بسيطة تتألف من طالب جامعي، وأم عجوزة طاعنة ليس في السن حسب وإنما " في الخوف " من النظام السابق. هذا التركيز لا يعني أن سناناً معني بالطائفة الكلدانية فقط، بالرغم من حقه الطبيعي أن يكون ممثلاً لهم لو أراد، ولكن رؤيته الفنية والفكرية والأخلاقية هي أعمق من التمثيل البرلماني لهم. فإذا كان الممثل البرلماني يعبّر عن آراء شريحته وأفكارهم وتصوراتهم فإن الأديب فقط هو من يستطيع التعبير عن " وجدانهم " وهذا هو امتياز الأديب عن غيره من الناس، فلقد عبّر سنان عن ضمير العراقيين ووجدانهم، وغاص في دواخلهم، وأعماقهم، ونبش في الجزء المحجوب والمغيّب من ذاكرتهم. من هنا يمكننا القول بأن سناناً كان إنساناً أولاً بالمعنى الكوزموبوليتي، وعراقياً ثانياً، وكلدانياً ثالثاً. وعلى هذا الأساس فأنا أول من يخوّله لأن يتحدث بلغة الجمع وليس بصيغة الإفراد. *هل تعتبر أعمال سنان أنطون عالمية؟ - إن رواية كـ "اعجام "بهذا الامتياز لا يمكن أن تكون إلاً عملاً عالمياً بكل المواصفات التي نعرفها عن طبيعة العمل العالمي. وأحياناً يكون الغوص في الأشكالات المحلية هو الخطوة الأولى نحو العالمية. ولو تجاوزنا الحس المحلي الذي يشير إلى بلد مثل العراق، فإن هذه الرواية بحد ذاتها تطرح إشكاليات عويصة مثل القمع، والتسلط، والاضطهاد، ومصادرة حقوق الناس، وتغييبهم، وقتلهم أو إبادتهم بشكل جماعي، وهذه الأطروحات برمتها هي سمات وخصائص عالمية، أي أنها موجودة في مختلف بقاع العالم بما فيها أمريكا وإنكلترا وغيرها من الدول المتحضرة التي تدعي أنها راعية لحقوق الإنسان، ولكنها تقتل على وفق مبدأ الشبهات كما حصل بعد تفجيرات لندن، إذ أطلقت الشرطة البريطانية النار على مواطن بريء بحجة الظن بقيامه بعمل إرهابي، و ما تقوم به أمريكا في سجونها ومعتقلاتها غني عن التعريف. هذا النَفَس العالمي أو الإنساني إن صح التعبير موجود في ذهنية سنان أنطون وطريقة تفكيره وتعاطيه مع الموضوعات التي يعالجها ليس في الرواية فقط، بل في الشعر، والسينما أيضاً. وأن كل من يرى فيلمه التسجيلي الموسوم بـ " حول العراق " سيكتشف أن هذا المخرج المبدع يريد أن يعّري، ويكشف، وينتهك لكي يصل إلى الحقيقة أو إلى جزء منها في الأقل. وفيلم " حول العراق " يصل من خلال رؤيته التسجيلية الواقعية الخالية من الكذب والزيف إلى حقيقة الدوافع الأمريكية التي حرضتها لإحتلال العراق بعد أن انتهى الدور الذي كان مناطاً بصدام حسين الذي فقد صلاحيته تماماً أو تجاوز مدة نفاذ الصلاحية المقررة له بسنوات عدة بحيث بات التعاطي معه غير ممكن في ظل الظروف والمتغيرات الجديدة.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المخرج المسرحي المغربي الزيتوني بو سرحان ل - الحوار المتمدن-
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر سنان
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية - الحلقة الثان
...
-
الروائي العراقي محمود سعيد ل -الحوار المتمدن -:الرواية الجيد
...
-
الروائي محمود سعيد ل - الحوار المتمدن -: المقلٍّد دون المقلّ
...
-
اعتقال سبعة أشخاص بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في هول
...
-
لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتل
...
-
البرلمان الهولندي يدرس اقتراح منع ارتداء الحجاب الكلي في الد
...
-
وزيرة الهجرة والاندماج الهولندية تقترح منع ارتداء البرقع
-
مسجد الحسن الثاني تحفة الدار البيضاء
-
الشاعر والروائي فاضل العزاوي: المنفيون ذخيرة احتياطية كبيرة
...
-
المخرج الأرميني أتوم إيغويان، الباحث عن المساحات المحجوبة في
...
-
الفنان - التعبيري التجريدي - آرشيل غوركي وتقنية الرسم الآلي
-
المخرج سيرغي باراجدانوف: ساحر السينما الروسية الذي أثار المش
...
-
تركيا والطريق الطويلة إلى الاتحاد الأوروبي أو الجنة المفقودة
-
قراءة نقدية للملحمة المُضادة - هكذا شطح الكائن مستقبلئذ - لل
...
-
الناقد السينمائي عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: من غي
...
-
هل أن المثقف العراقي مُطالب بأن يذهب إلى حتفه بقديمه؟
-
المخرج باز شمعون ل - الحوار المتمدن -: أعشق سينما الحقيقة، و
...
-
المخرج السينمائي قاسم حول لمجلة - العربي -: السينمائي يحتاج
...
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|