حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 18:39
المحور:
الادب والفن
للأماكن والأشخاص روائح خاصّة تستدعي الذكريات..
كالكثير من الناس ، لم أفكر قط في أهمية حاسة الشم وتأثيرها على الإنسان ، وما مدى ارتباطها بعاطفته وسلوكياته ، وكنت كغيري كثير ، أقلل من الدور الكبير الذي يلعبه الأنف في حياة البشر ، عدى عملية التنفس التي يتيحها لهم ، رغم تأكيد الباحثين على أثره الكبير والواضح على صحة ونفسيته ، وعلى قدرات التأثير على ذاكرته ، من تهدئة الأعصاب والشعور والمزاج ، وتأجيج العواطف ورفع المعنويات وتنشيط الجسم ، وبث الطاقة والحيوية فيه ، إلى إنعاش الذاكرة ، لارتباط الروائح -في عموميتها أو في خصوصية روائح معينة - بحوادث وأماكن وأشخاص معينين ، كما أثبتت الدراسات والتجارب العلمية أن للحوادث والأماكن والأشخاص روائح خاصّة ، تظلّ عالقة في الروح ، مغروسة في الذاكرة ، متعلّقة بالنفوس ، مهما تنقّل الفؤاد حيث شاء ، والتي كلّما اشتمّها المرء ، عادت به إلى ماض بعيد ، مستدعية ذكرياته القديمة التي تعود لسنوات الطفولة الأولى التي غادرها ، وكأنه لم يتركها للحظة ، حتى لو مرّ على ذلك سنوات ، وعقود عديدة ، فيذكر على الفور بالكثير مما عاشه خلالها من المواقف المرادفة والذكريات السابقة ، ويدخل فورا في مزاج جديد يؤجج عواطفه وينشط جسمه ، ويرفع معنوياته ، ليس بفعل الذكريات التي تمثل اللحظات السعيدة فقط ، بل حتى تلك التي كانت تبدو مريرة وقاسية ساعة حدوثها ، والتي يتدخل العقل في تصفيتها مما يكدرها ، فتبدو أجمل مما كانت عليه في الزمان البعيد ..
فعلا ، لم أهتم قط بقدرة جزيئاتها الروائح الذائبة في الهواء على استدعاء الذكريات القديمة ، وإعادتها إلى الحياة ، كلما تسربت إلى الأنوف ، ولم أربط بين استيقاظ ذكريات الأشخاص الذين عرفتهم بحينا الشعبي فاس الجديد ، وأحداث الطفولة والصبا التي عشتهما به ، وبين بعض الروائح المميّزة التي أشتمها هنا أو هناك ، فتذكرني بتلك الشخصيات والأحدات التي ارتبطت بنكهات الروائحه المميّزة للأكلات الشعبية الشهية المختلفة التي كان يستقبلنا بها فاس الجديد ، الي كانت تشدنا التوابل التي كان تملأ المكان العتيق بسحر شذى "القزور" وفوح "المعدنوس" وعبق الزعفران ، وروائح أخرى زكية نفاذة للأطايب والمآكل الذيذة ، المنبعث من مطابخ المنازل في الأحياء والحواري الشعبية ، والتي كانت تقتحمنا أينما وجّهت أنفك..
حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟