|
مدخل لفهم الجماعات الإسلامية
محمد السباهي
(Mohamed Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4958 - 2015 / 10 / 17 - 14:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن هذا البحث ليس منصباً على نقد هذه الحركات، بقدر ماهو]مدخل[ لقراءة أفكارها لفهم العقيدة والرؤى الفكرية التي تبنتها هذه الحركات وقامت عليها عند التأسيس. آخذين بنظر الاعتبار المنهج الوصفي. حيث أن الغاية من هذا العمل هو، عرض ]المفاهيم[ الأساسية التي تأسست عليها، وليس دراستها دراسة نقدية تعنى بإصدار أحكام على هذه الحركات. وفي جهدنا المتواضع هذا عرضنا لمفاهيم مثل؛ ]الحاكمية/ الجاهلية/ الهجرة/ التكفير.[وأخير الخلافة التي أصلت هذه المفاهيم لخدمتها وابرازها كأساس فكري وخاتمة لظاهرة (الاغتراب) التي تمرّ بها الأمة. حيث يمثل العودة للنموذج الأول والأرقى للنظام الإسلامي. يعتبر مفهوم (الخلافة) هو الباعث والمحرك لجميع الحركات الإسلامية لاستلام السلطة. وذلك إنهم يؤمنون أن التغيير الحقيقي يتم من خلال الإمساك بالسلطة، ويستدلون على هذا بالحديث النبوي: (إن الله يوعز بالسلطان مالا يوعز بالقرآن). وبذا تكون الخلافة (نتيجة) لهذه المفاهيم وعلة لتأسيس هذه الجماعات. ولا يخفى على أحد ان عمل جميع هذه الحركات متجه نحو استلام السلطة-بغض النظر-عن البواعث التي تلبست بها هذه الحركات مثل؛ إحياء الشريعة، بعث الإسلام المحمدي الأصيل، إحياء دولة الخلافة. وما إلى ذلك من مسميات كوسيلة لبلوغ أهدافها. ولا مشكلة في ذلك طالما أن جميع الأحزاب والحركات والتيارات تسعى لاستلام السلطة من أجل تطبيق الأيديولوجية التي تؤمن بها. و(الحركات الإسلامية المعاصرة: هي الأحزاب والجماعات والتكتلات العاملة في الساحة السياسية العربية والإسلامية، التي تتبنى الإسلام عقيدةً ومنهجاً وسلوكاً وفكراً، إلا أنها تختلف فيما بينها في الرؤية والأسلوب والتحليل، كالك فقه الأولويات أصولا وفروعا وتؤمن بالعمل الحركي كصيغة لإعداد الطليعة وتربية القاعدة لتنوير الأمة لأداء دورها الرسالي، ولها تسميات عدة منها: الإسلام السياسي، الأصولية الإسلامية، الصحوة الإسلامية، الإسلام الريدكالي، الجماعات الإسلامية، التيارات الإسلامية ... الخ وبعبارة ادق بي مجموعة التنظيمات المتعددة والمنتسبة إلى الإسلام، والتي تعمل في ساحة العمل السياسي الإسلامي لإحداث النهضة التجديدية الكاملة في كل مجالات الحياة) (1) وقبل الدخول في البحث نحب أن نقول: إن أغلب الباحثين الإسلاميين الذين يسعون لاستلام السلطة، أو الذين استلموا السلطة (كلياً/ جزئياً)، وفشلوا (كلياً/ جزئياً). يرون أن سبب فشل هذه الأحزاب والتنظيمات الإسلامية في تطبيق رؤاها وأفكارها (المقدسة) يرجع لأسباب، منها: 1- جاهلية المجتمعات. حيث أن مجتمعات اليوم، مجتمعات جاهلية، شكلاً ومضموناً. 2- غياب الرجال القادرين على حمل هكذا مشروع رسالي. بمعنى لم يعد المجتمع الجاهلي الذي سيطر على كافة مناحي الحياة على إنجاب جيل رسالي قادر على النهوض بأعباء هكذا مهمة رسالية، مثل الجيل الأول، جيل الصحابة. (تخطئة التطبيق وليس النظرية). 3- الاستشراق وموجة الحداثة وما بعدها. أدت إلى ابتعاد المسلمين عن مساجدهم وهجرهم لدينهم ولكتابهم الحنيف،-;- وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا 30-;- الفرقان
جمع الكثير من علماء الاجتماع على أن الحركات الاجتماعية تعتبر بوجه عام ردود فعل لتغيرات بنائية في المجتمع، ومن ثم تكون مرتبطة بمتغيرات أخرى مثل التحولات في الاقتصاد والسكان والتكنولوجيا وبنية النظام السياسي ذاته؛ ويؤكدون أنه سواء تم النظر للحركات الاجتماعية على أنها عنصر هدم أو عنصر بناء في المجتمع، أو من زاوية المنهج الوظيفي أو منهج الصراع، فهي في جميع الحالات نتائج للاختلالات الاجتماعية داخل النظام. (2) من مدخل الهوية يمكن فهم البواعث التي أدت بهذه الجماعات إلى التشكل والتكوين. يطلق مفهوم الهوية على نسق من المعايير التي يُعرَف بها الفرد ويُعرّف، وينسحب ذلك على هوية الجماعة والمجتمع والثقافة... فالهوية ليست كياناً يعطى دفعة واحدة وإلى الأبد. إنها حقيقة تولد وتنمو، وتتكون وتتغاير، وتشيخ وتعاني من الأزمات الوجودية والاستلاب) (3) وإذا كان مفهوم الهوية الإنسانية – كما قال أليكس ميكشيللي – يكافئ من حيث المبدأ الوجود الإنساني عينه. لذا يُعتبر فقدان الهوية أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تكوين الحركات الإسلامية التي فقدت وجودها الإنساني بفقدان هويتها الإسلامية. وهذا يعتبر محل اتفاق بين كثير من الباحثين. وفقدان الهوية بشقيها (العربي-الإسلامي) لم يكن وليد العصر الحديث. لكن العصر الحديث كان هو نهاية لهذا المسلسل الطويل من الإخفاقات وعلى مختلف الصُعد. والتي أدت بالكثير من الدعاة ورجال الدين إلى البحث عن مخرج لهذه الأمة (العربية/ الإسلامية)، وهو بتعبير محمد أركون: (صحوة التوجه الديني وانتشاره). والهوية هي مركب من المعايير، الذي يسمح بتعريف موضوع او شعور داخلي ما. وينطوي الشعور بالهوية على مجموعة من المشاعر المختلفة، كالشعور بالوحدة، والتكامل، والانتماء، والقيمة، والاستقلال، والشعور بالثقة المبني على أساس من إرادة الوجود) ( 4) لقد مرت الأمة (العربية-الإسلامية) بمراحل تراخي وتراجع وانهيار لمنظومة الدولة وشكلها. لكن لم تتعرض فيها منظومة القيم إلى ما تعرضت له في العصر الحديث مع دخول موجة الحداثة. ف(المغول) لم تكن لهم قيم ونظم معرفية أكثر مما كان عند العرب المسلمين، بل إنهم تأثروا بهذه المنظومة – بغض النظر عن هذا التأثر-كونه عن اعتقاد ويقين أم كان عن مصلحة وسياسة وتدبير. كذلك لم تكن الحملات الصليبية التي تعرضت لها الدولة العربية الإسلامية ذات أثر واضح في خلخلة منظومة القيم الموجودة في المجتمعات المسلمة. بسبب التشابه الكبير بين الديانات السماوية. كذلك الأمر نفسه، مع حملة نابليون على مصر. وان اختلف بعض الشيء عن الصليبيين والمغول كونه أدخل الكثير من مستلزمات الحياة العصرية وفنونها. تعتبر الحرب العالمية الأولى الأثر الكبير والحدث الخطير في حياة الأمة (العربية –الإسلامية). حيث قام المنتصر بوضع خريطة جديدة للعالم. حيث تم تقسيم الوطن العربي إلى دويلات بعد اتفاقية (سايكس-بيكو). ومكمن الخطورة هو في نشوء الدولة الحديثة (الدولة القطرية-القومية) بمعزل عن الأمة بكامل كيانها (العربي-الإسلامي). يضاف إليها وقوع هذه الأمة التي كانت في يوم من الأيام تحتل ثلاث قارات تحت الاستعمار. أي إنها أصبحت خاضعة لقوة خارجية كانت في يوم من الأيام تدفع لهذه الدولة الجزية ويأتي من أرضها الخراج! والأمر الثاني الخطير والذي ساهم بتكوين وتشكل هذه الحركات هو إلغاء نظام (الخلافة) على يد كمال أتاتورك سنة 1924. وتكمن خطورة هذا الأمر في كونه كان يحمل في المتخيل صورة الخلافة الإسلامية في ازهي عصورها، إلا وهو عصر (الخلافة الراشدة). وهو (العصر الذهبي) الأول، حيث يصبح الأسطورة المؤسسة للتاريخ الفعلي، أي للإسلام، بتعبير عليّ الكنز(5). وإلغاء الخلافة يفترض تحويل شكل الدولة وصبغة الدولة (أيديولوجيتها). لأن (الخلافة) تستبطن إطاراً دينياً وتشريعياً يشعر معه الفرد المسلم بالنفحات الإيمانية والاشراقات السماوية، إضافة لمفهوم الوحدة الإسلامية. (وكانت جماعة "شباب محمد" تؤمن أنه لا سبيل لنهضة الأمة الإسلامية و الخلاص من مشاكلها إلا بإقامة الخلافة الإسلامية والعودة للإسلام الصافي كما كان عليه النبي (ص)، و هي في ذلك مثل سائر الجماعات الإسلامية السابقة و اللاحقة لكنها زادت عليهم شيئا) (6) وما تذهب إليه الجماعات الإسلامية في سعيها الحثيث لاستلام الحكم هو تطبيق أو إيجاد مخرج لتطبيق حديث الرسول (ص) الوارد عن حذيفة بن اليمان: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاء أَنْ يَرْفَعَهَا ،ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ سَكَتَ)(7) والأمر الثالث الخطير، هو اغتصاب فلسطين وإعلان الدولة العبرية، دولة (إسرائيل) على التراب الفلسطيني، وهزيمة العرب في معاركهم مع إسرائيل، مع فشل ذريع لمشروع الدولة القومية التي صورت على إنها المنقذ والحل والوحيد لمشكلة الأمة، ظنّاً أن النجاح الذي حققه (أتاتورك) يمكن ان يؤتي ثماره في هذه الأرض. ومع فشل هذا المشروع الذي واكب ظهوره، ظهور الانقلابات العسكرية، بدأ من انقلاب (الضباط الأحرار) في مصر 1952 الذي شكل وطبع الدولة بالطابع المدني (العلماني). فأصبح هناك تلازم بين الدولة القومية والمشروع الناصري في معظم البلدان العربية. هذه الأمور مجتمعة، أدت إلى دخول الأفكار الوافدة (الدخيلة) عن منظومة القيم الإسلامية الموروثة. فدخلت لنا الأفكار العلمانية، (الليبرالية –الديمقراطية) وتحول شكل الحكم من (شورى) إلى (مشروطية وانتخاب). وافترض هذا تحول حق (التشريع والحكم والاصطفاء) من (الله والنبي والكتاب) إلى (حكم الشعب). وتم تنظم شكل الحكم مؤطر (بدستور) هيئاته الثلاث (تشريعية-قضائية-تنفيذية). فبدلاً من تكون السماء مصدر السلطات أصبح الشعب هو مصدر السلطات وهو الحاكم الفعلي للناس في ظل غياب تام لدستور السماء وحاكمية الكتاب. والتعويض عنه بقانون وضعي أصبح هو الحكم في جميع قضايا الناس. هذه الأمور مجتمعة كما قدمنا سارعت ساهمت بفقدان (الهوية الإسلامية). وقد يؤدي فِقدان الهُوية أي الاغتراب – كما يقول حسن حنفي-إلى ردّي فعل متضادّين مثل العزلة والانطواء أو الانتشار والعنف. (8) وساهمت بتقديم أفكار وتصورات توازي وتواكب ما حدث وما قد يحدث في قادم الأيام. ولأن الهوية وجود –كما تقدم-يؤكد حسن حنفي. إن الهوية الخاوية من المضمون بعد ان ضاع مضمونها. تصبح في حالة كمون دون ان تضيع. تنتظر الفرصة حتى تتخارج وتنطلق وتأخذ طريقها الثاني، طريق العنف والعدوان. (9) وقد تم تناسي أو ذوبان الهوية (العربية) في بوتقة الهوية الأكبر (الإسلام). وأصبح هم (الدعاة/ المصلح/ المفكر) إيجاد مخرج يقي هذه الأمة من الانزلاق في منحدر الأفكار الدخيلة التي تبعدهم عن منظومة القيم السماوية التي جاء بها الدين الحنيف. وإلى هذا ذهب صاحب (المنار) محمد رشيد رضا في (مناره): ((إلى ضرورة مقاومة الاستعمار/ استعادة مجد الأمة/ إرساء أسس الشورى وإصلاح الحكم/ إصلاح الدين وتجديد الدين). الجماعات الإسلامية (الأفكار) -;- حينما يفترض أو يُفكر مُفكر (عربي/ مسلم) بإنشاء (حكومية إسلامية)، فهذا يفترض وجود حكومة غير إسلامية، بدليل المخالفة – بغض النظر عن رؤيته لشكل الدولة الإسلامية ونظامها-وبالتالي اعتبار هذه الحكومة غير مؤهلة لقيادة الجماعة / الدولة / الأمة. وهذا (الفرض) يذهب بعيداً حينما يقرن هذه الحكومة وفق رؤية تاريخية بحكومة الرسول والخلفاء الراشدين، وبالتالي يُسقط الحوادث التاريخية (عصر التأسيس) على عصر (الحداثة وما بعد الحداثة) ويخلص إلى نتيجة مؤداها، بإن هذه الحكومة غير إسلامية. وهو هنا، لا يكتفي بطلب (أسلمة) أجهزة الدولة، وإضفاء الشرعية عليها، بل يسعى حثيثاً بقطيعة تاريخية ارتدادية نحو (عصر التأسيس) لتكوين (الحكومة الإلهية) التي تعتبر السماء هي المحرك والباعث على تكوينها. وهو هنا لا يكتفي باستصحاب التاريخ ليثبت صحة الدعوى، بل يستصحب النصوص (المقدسة) ويعطيها حمولة معرفية تسير بنفس الاتجاه التاريخي.. من هنا يمكن الدخول لمفهوم (الحاكمية). يُعد مفهوم الحاكمية من أول وأخطر المفاهيم التي تشكلت على أساسها الجماعات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي. ومفهوم الحاكمية الذي أسس له أبو الأعلى المودودي في كتابه "المصطلحات الأربعة في القرآن" وهي الإله، والرب، والعبادة، والدين، وهي التي يقوم عليها الإسلام كما يقول. وهذا ما يراه بعض الباحثين على اعتبار ان كل (مفهوم) إنما هو طرح إيديولوجي. والأيديولوجية هي (تزييف وعي) ومن هنا تنشأ خطورة هكذا طرح. والمقصود من (تزييف الوعي) أو الأيديولوجيا، أن من طرح هذا المفهوم بشكله النظري أو العملي. لم يكن يمتلك الرؤية لتطبيق هذا المفهوم على الواقع. ولم يمتلك الأدوات المساعدة، لا على الفهم والتوصيل فضلاً عن الإجراءات والتطبيق. (من هنا تتج خطورة المفهوم، والتأسيس على البناء المطلق، في حركة استيعابية للفكر الإنساني، الهدف منها تزييف الوعي، وممارسة الوصاية عليه بعناوين مطلقة (خلافة / حاكمية / شرعية / الشورى / العدل)، ليس هل بعد ذلك انقياده لشكل دولة دينية بالأساس، تتغيّا المفاهيم المعاصرة، من أجل الالتفاف على السّلطة، ومن ثمّة تعود بنا إلى عصور الخلافة، والمُلك المطلق، والنّيابة عن الله) (10) ثم شرع أبو الأعلى المودودي في وضع (دستور للجماعة الإسلامية) في الهند. لكن فيما بعد أصبح هذا الدستور منهلاً لكل الجماعات الإسلامية، نهلت منه في وضع اساسات (حركية) لعملها. وهنا مكمن الخطورة الحقيقي الذي توجس منه خيفة وخشية الكثير من الباحثين في الشأن الديني من تطور هذا الفكر بانتهاج العنف طريقة لتطبيق الشريعة، وبالتالي (شرعنة) هذا العنف. قد يرى بعض الباحثين ان مصطلح (الحاكمية) مأخوذ من فكر(الخوارج)، وأنهم اول من أسس له. لكن، الحق ايضاً ان فكرة (الحاكمية) وهي من المصادر الصناعية. قد أُسس لها على إنها مفهوم (قرآني). وإلى هذا ذهب (المودودي/ عبد القادر عودة / سيد قطب/ عبد السلام ياسين..). ومن خلال ربط فكرة (الحاكمية) بالتاريخ، نرى ان مفهوم (الحاكمية) مأخوذ من فكر (الخوارج). الذين خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب ورفضوا التحكيم في معركة (صفين)، وقالوا قولتهم الشهيرة: «لا حكم إلاّ لله». وهي كلمة حق -كما قال الإمام علي-أريد بها باطل، ولذلك رفضه بعض العلماء، وقد أورد الشهرستاني قول الخوارج: (قالوا: أخطأ في التحكيم، إذ حكم الرجال ولا حكم إلا لله، لهذا. قال عليّ كلمة حق اريد بها باطل، انما يقولون لا إمارة ولا بد من امارة بر أو فاجر). (11) ولو رجعنا لما قاله الإمام علي، نرى أنه يقول: لابد من أمير (بر او فاجر). وهو هنا يحاول أن يُعطي تحديد لشكل الدولة أو شكل الحكم الذي ينادون به. فهو بتعبير دقيق يقول: (إن حكم الله) الذي ينادون به، لابد له من تطبيق بشري حتى تتضح صورته ويتجلى شكله. لكنهم دعوا إلى (حكم الله) دون مفاهيم نظرية لتطبيق هذا الفهم والرؤية على أرض الواقع. وأطلق عليهم (المُحكمة)، و(جماعة المؤمنين أو الجماعة المؤمنة) – كما أطلقوا هم على أنفسهم. وينطلق هذا التوصيف من أن الحق بيْن والباطل بيْن فلماذا (نُحكم) الرجال فيما حكم الله به. على رغم أنهم منْ اجبر علياً على التحكيم! والتسمية (الخوارج) عملة واحدة بوجهين، الأول: إن التسمية (الخوارج) أطلقها عليهم خصومهم لخروجهم – في رأي خصومهم-على أئمة الحق والعدل، وثوراتهم المتعددة. الثاني: إنه ولما شاع هذا الاسم، قبلوا به ولكنهم فسروه على أنه: خروج على "أئمة الجور والفسق والضعف" وأن خروجهم إنما هو جهاد في سبيل الله. وتطور مفهوم الحاكمية علي يد سيد قطب وهو من الرعيل الثاني لجماعة (الإخوان المسلمون). والذي كان مجايلاً لأبي الأعلى المودودي وقد تأثر كثيراً بما كتب. حتى أن عنوان كتابه معالم في الطريق مأخوذ بالنص من (دستور الجماعة الإسلامية) الذي وضعه المودودي. (كما انه تّم كل ذلك في ضوء الدستور الذي وضعته الجماعة الإسلامية معالم طريقها وملامح السائرين فيه منذ أول خطوة خطتها نحو غايتها). (12) وقبل الدخول في البحث ينبغي علينا معرفة العوامل التي أدت إلى تبني الجماعات الإسلامية لهذا الفكر والنهج والسير على ضوئه. كما ينبغي أولاً بيان أدلة الحاكمية التي أنطلق منه فكر الجماعات الإسلامية والتعريف به وعلاقته بمصطلحات (الخلافة/ التكفير/ الجاهلية/ الهجرة). وأدلة الحاكمية كثيرة، لكننا سنقتصر على الأهم منها والذي اعتمدته الجماعات الإسلامية كسلاح ي وجه من يحاول مناظرتهم فكرياً. 1--;-وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون 44 -;- المائدة 2--;-مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ40-;- يوسف 3- -;- ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون 14-;- يونس. 4- -;-و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 129 -;- الأعراف. وهناك الكثير من الآيات التي تتكلم عن الحكم وطبيعته، منها: 1- -;-يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ-;- فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ 26-;- ص 2- -;-كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس213-;-البقرة 3- -;- ذلكم حكم الله يحكم بينكم 10-;- الممتحنة 4- -;- لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز 25الحديد. 5- -;- أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة 89-;- الأنعام. على ما تقدم تكون أدلة الحاكمية مشرعة بالنص في القرآن الكريم، بحسب المنظرين لها. ويذهب جُلّ الباحثين إلى ان (المودودي) هو أولَ من نظّر لهذا المفهوم في كتابه (المصطلحات الأربعة في القرآن)، ثم جاء من بعده (سيد قطب) واسس له من خلال كتابه (معالم في الطريق). لكننا نرى ان هناك الكثير من الباحثين والدعاة قد مهدوا الأرضية لإنبات هكذا غرس في الوسط العربي والإسلامي، ونخص منهم، (دعاة الإصلاح)، الشيخ جمال الدين الأفغاني ((الذي طرح تساؤلات حول فهم الدين، والتي رددها بعض معاصريه وكثيرون بعده، وتركز معظمها حول ضرورة إعادة النظر في المفاهيم الدينية السائدة، والرجوع إلى أصل الإسلام الناصع كما عرفه السلف الصالح ...ويكاد يكون هناك ما يشبه الإجماع بين المحللين في هذا المجال في نسبة الحركات الإسلامية المعاصرة إلى الجهدي الفكري والإصلاحي الذي بذله جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده (1849- 1905) حيث أبرز السمات التي ستميز الحركات الإسلامية فيما بعد، وبخاصة تأثرها بالحداثة مع رفضها لها في آن معاً. بل إن بعض منتقدي الحركات الإسلامية الحديثة يرون ان النسبة إلى الأفغاني تتجاوز التراث الفكري إلى استخدام الأساليب التي ينكرونها على هذه الحركات. ووفق أحد هؤلاء المنتقدين، وهو كاتب إسرائيلي معروف، فإن الأفغاني سنَّ للحركات الإسلامية سنّة انتهاج العنف، كما سنَّ لها سنة المراوغة واستخدام العنف)) (13) وتلميذه الشيخ محمد عبده من خلال جريدة (العروة الوثقى) التي أعلنوا عن تشكيل تنظيم عالمي بالاسم نفسه، (العروة الوثقى). ومحمد رشيد رضا صاحب جريدة (المنار). ثم تابعهم الشيخ (حسن البنا) من خلال تأسيس (جماعة الإخوان المسلمون) التي مهدت لرسوخ وإنبات المفاهيم الإسلامية في الواقع العربي والإسلامي من خلال طرح شعار: (الإسلام: دين ودولة).
التعريف بالحاكمية -;- يرتبط مفهوم الحاكمية بجملة من المفاهيم التي قام وتأسس عليها. ويرتبط معها ارتباطاً عضوياً. فلا يمكن أن نتصور مفهوم الحاكمية دون الرجوع لمفهوم (الجاهلية) الذي قام مفهوم الجاهلية وتأسس عليه، ومفهوم (الجاهلية) يؤدي بالضرورة عند سيد قطب وعبد الرحمن شكري إلى مفهومي (التكفير والهجرة) على التوالي. من خلال دستور الجماعة الإسلامية الذي نظّر لمفهوم (الحاكمية) يمكن الانطلاق لخلق تصور واقعي حول تعريف (الحاكمية). ومن خلال المادة الرابعة منه نرى الهدف من وراء تأسيس الجماعة. (المادة الرابعة: إن غاية الجماعة الإسلامية ومناط جميع جهودها هو: إقامة دين الله (أو إقامة " الحكومة الإلهية" أو " إقامة النظام الإسلامي" واقعاً وكسب مرضاة الله والنجاة في الآخرة أصلا). ثم يشرع المودودي في بيان هذه المفاهيم (دين الله/ الحكومة الإلهية/ النظام الإسلامي) ووحدتها: بيان ذلك: إن " الدين" او " الحكومة الإلهية" و"النظام الإسلامي" للحياة" كل تلك الكلمات تعبر عن مفهوم واحد لدى الجماعة الإسلامية. فإن المعنى الذي عبر عنه القرآن الكريم بكلمة: " إقامة الدين" ("إن الدين": سورة الشورى: 13) تعبر الجماعة الإسلامية عن نفس المعنى بكلمات: "الحكومة الإلهية" (إن الحكم إلّا لله: سورة يوسف40) أو إقامة "النظام الإسلامي للحياة" فإن مغزى تلك الكلمات واحد. وهو أن يخضع الإنسان للشريعة التي انزلها الله بالوحي، عن طواعية النفس في نطاق حياته الذي منح الله فيه الحرية والخيار، على غرار ما تخضع كل ذرة في الكون للنواميس الإلهية الكونية رضيت ام أبت (أي القوانين الطبيعية التي سنها الله للكون). والخضوع للشريعة الإلهية يتمثل في منهج للحياة يعبر عنه "بالدين" وهو المراد مما يصطلح عليه" الحكومة الإلهية" أو "النظام الإسلامي للحياة")) (14) وبما أن الجماعة الإسلامية قد أوضحت غايتها واتضحت مراميها من (إقامة الحكومة الإلهية) فلابد من وضع الأسس النظرية لهذه الجماعة. وهل هناك أفضل من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لهذه المهمة الشاقة والعسيرة، والتي تحتاج لدفاعات ومقومات مقدسة تمنع من النقد والتجريح أو التوهين، وهو من الأيديولوجيات الأقرب لقلوب الناس وعقولهم-بتعبير بعضهم-؟ حيث شرعت الجماعة بانتخاب الآيات المساعدة للتدليل على صحة المفهوم. نعم كان اعتماد الجماعة الإسلامية في انتخاب القرآن الكريم كمعين ورافد لهذه النظرية قد أتى أكله وجنيه سريعا. على رغم ان النص القرآني يعتمد التأويل ويحتمل أكثر من قراءة (زمكانية) للنص الواحد. لكن الجماعة قد قررت اعتماد وانتهاج رؤية أحادية لتطبيق (النص) على (الواقع). ومن ثم الانتقال من (النص إلى الواقع) ومحاولة تذليل الصعوبات من خلال الاعتماد على الوقائع التاريخية. ومما ساعد أكثر وجود نصوص مساعدة واعتماد المنظرين على مفهوم (عدالة الصحابة) لتأكيد صحة استشهادها بالتاريخ على الواقع. ولو رجعنا لمراد الجماعة الإسلامية لرأينا، إنها تتبنى رؤية ومنهاج أوسع يشمل جميع مناحي الحياة. ((وليس المراد من إقامة دين الله إقامة جزء معين منه. بل إقامة دين الله كاملاً غير منقوص، سواء فيما يرجع إلى الحياة الفردية، او الحياة الاجتماعية، أو الصلاة والصيام والحج والزكاة، أو إلى الاقتصاد والاجتماع والمدنية السياسية. إذ ليس في الإسلام ولا جزء بسيط منه يُعتبر غير ضروري. فالإسلام كله ضروري. وعلى المؤمن ان يبذل جهده في إقامة الإسلام كاملاً بدون ان يقسمه إلى أجزاء. فالجزء الذي يتعلق بحياة المؤمن الفردية يقيمه في حياته بصفة فردية. والجزء الذي لا تتم إقامته إلا بالكفاح الاجتماعي على المؤمنين أن يكونوا لإقامته نظاماً جماعياً ويبذلوا جهوداً متضافرة)) (15) وإلى هذا ذهب سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق): ((والقاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام-على مدار التاريخ البشري-هي قاعدة: ((شهادة أن لا إله إلا الله) أي إفراد الله – سبحانه – بالإلوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية. . إفراده بها اعتقاداً في الضمير وعبادة في الشعائر، وشريعة في واقع الحياة. فشهادة ان لا إله إلا الله، لا توجد فعلا، ولا تعتبر موجودة شرعاً إلا في الصورة المتكاملة التي تعطيها وجوداً جدياً حقيقياً يقوم عليه اعتبار قائلها مسلما وغير مسلم)) (16) ولبيان رؤية الجماعة الإسلامية نطرح بعض النصوص التي أوردها مؤسس الجماعة، أبو الأعلى المودودي في بيان رؤيته لتطبيق (الشريعة الإسلامية) والتي من خلالها يمكن الانطلاق لتطبيق الحكومة الإلهية. ((إن الأمر الأساسي الذي عرضه الرسول عليه الصلاة والتسليم هو: إن السلطة العليا المطلقة ليست إلا لله سبحانه وتعالى. فالأرض أرض الله. وكل ما نعيش عليه من ماء وهواء وضوء وما إلى ذلك هو ملك لله سبحانه وتعالى. هذا الجسم الذي نعيش به، والقوى الكامنة فيه، وأعضاءه، وجوارحه هو وهبنا إياها. ولا يحق لنا ابتداء أن ندعي لنفسنا السلطة المطلقة، او نعترف بها لأحد يدعيها من دون الله. سواء أكان ذلك المدعي شخصاً أو حزباً أو فئة أو مؤسسة فأول شيء عمقه النبي -;- في أذهان البشر ودعا الناس إلى الإيمان به هو: إن الملك لله تعالى، والحكم له، ولا يجوز لأحد أن يشرّع للناس قانونهم)) (17) لكن الفهم المجرد لمفهوم الحاكمية في حقيقتها: يقتضي إن لا حاكم وأن الناس سواسية. وتنبه سيد قطب لهذا الأمر فقال: (ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم-هم رجال الدين-كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة، كما كان الحال فيما يعرف باسم " الثيوقراطية" أو الحكم الإلهي المقدس!!-ولكنها شريعة الله هي الحاكمة، وان يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة) (18) المنهج الحركي للدين (الإسلام) -;- إذا كان أبو الأعلى المودودي قد وضع الأسس النظرية (للجماعة الإسلامية)، فإن سيد قطب قد وضع الأسس الحركية للجماعات الإسلامية. في (معالم على الطريق) يبدأ سيد قطب بوضع الأسس الحركية لعمل الحركات الإسلامية وفق نظرية (التدرج والترتيب) التي تحدث عنها ابن القيم في كتابه (زاد المعاد)، (فصل ترتيب هديه مع الكفار والمنافقين من حيث بعث إلى حين لقي الله عز وجل). حيث بين أحوال النبي – التي هي أحوال الإسلام -وطريقة تعامل النبي مع الكفار والمنافين. ومن خلال هذا المنهج الحركي للدعوة النبوية، يشرع سيد قطب في وضع هذه الأسس والتي أسماها ب(السمات). ((السمة الأولى: هي الواقعية الجدية في منهج هذا الدين. فهو حركة تواجه واقعاً بشرياً.. وتواجهه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي. إنها تواجه جاهلية اعتقادية تصورية، تقوم عليها أنظمة واقعية عملية، تسندها سلطات ذات قوة مادية.. ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه.. تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها، تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان للمعتقدات والتصورات، وتخضعهم بالقهر والتضليل وتعبدهم لغير ربهم الجليل .. السمة الثانية في منهج هذا الدين: هي الواقعية الحركية.. فهي حركة ذات مراحل، وكل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية، وكل مرحلة تسلم المرحلة التي تليها .. فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة. كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة..)) (19) يبين سيد قطب في هذه (السمة) وبوضوح تام رفضه لمقولة (الجهاد الدفاعي). ويعلن بوضوح ان منهج هذا الدين، (هو إزالة جميع الطواغيت من على وجه الأرض). ((ويقولون-وهم مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين. إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع! ويحسبون إنهم يسدون إلى هذا الدين جميلاً بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً، وتعبيد الناس لله وحده، واخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد. لا بقهرهم على اعتناق عقيدته، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة.. بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة، أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها)) (20) ((السمة الثالثة: هي أن هذه الحركة الدائبة، والوسائل المتجددة، لا تخرج هذا الدين عن قواعده المحددة، ولا عن أهدافه المرسومة. فهو – منذ اليوم الأول – سواء وهو يخاطب العشيرة الأقربين، أو يخاطب قريشاً، أو يخاطب العرب اجمعين، او يخاطب العالمين، إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة، أو ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد هو اخلاص العبودية لله، والخروج من العبودية للعباد. لا مساومة في هذه القاعدة ولا لين.. ثم يمضي إلى تحقيق هذا الهدف الواحد في خطة مرسومة، وذات مراحل محددة، لكل مرحلة وسائلها المتجددة. السمة الرابعة: هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى. وقيام ذلك لضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفئ إليه، أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي، أو قوة مادية، وأن تخلي بينه وبين كل فرد، يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته، ولكن لا يقاومه ولا يحاربه! فإن فعل ذلك أحد كان على الإسلام ان يقاتله حتى يقتله أو يعلن استسلامه! ((ومن أجل هذا التخليط، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة! – يحاولون ان يحصروا الجهاد في الإسلام بما يسمونه اليوم: ((الحرب الدفاعية) ).. والجهاد في الإسلام أمر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، وتكييفها كذلك.. أن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة ((الإسلام)) ذاته ودوره في هذه الأرض، وأهدافه العليا التي قررها الله)) (21) نلاحظ هنا، دعوة سيد قطب إلى رفض دعوى (الجهاد الدفاعي) التي ألصقت بالإسلام المعاصر-الحديث، والتمسك بنص القرآن الكريم الذي لا يمكن ربطه بمرحلة زمانية او حالة تمرّ بها الأمة. لأنه يؤمن أن النصوص لا تموت، وهي ليست مرتبطة بزمان أو مكان محدد. بل يعتبر سيد قطب أن دعوة (الحاكمية) ان هي، أعلان عالمي لتحرير ((الإنسان)) من العبودية للعباد، وهي في نفس الوقت، أعلان استرداد (ربوبية الله) وحده للعالمين. (أن هذا الدين اعلان لتحرير((الإنسان)) في ((الأرض)) من العبودية للعباد-ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد – وذلك بأعلان إلوهية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها واوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في ارجاء الأرض، الحكم فيه للبشر بصورة من الصور .. او بتعبير آخر مرادف: الإلوهية فيه للبشر في صورة من الصور.. ذلك أن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر، ومصدر السلطات فيه هم البشر، هو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله. أن هذا الأعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله، وطرد المغتصبين له، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم، فيقومون منهم مقام الأرباب ويقوم الناس منهم مكان العبيد .. أن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض)) (22) وأظن أنه بالجمع بين ما قاله (المودودي) وما فعله (سيد قطب)، يتحقق لنا ما قاله حسن حنفي في كتابه (من العقيدة إلى الثورة). (( ((إن هذا الأعلان العام لتحرير ((الإنسان)) في ((الأرض)) من كل سلطان غير سلطان الله، بأعلان إلوهية الله وحده وربوبيته للعالمين، لم يكن أعلاناً نظرياً فلسفياً سلبياً .. إنما كان أعلاناً حركياً واقعياً إيجابياً .. أعلاناً يراد له التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله، ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك .. ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل ((الحركة)) إلى جانب شكل ((البيان)) .. ذلك ليواجه ((الواقع)) البشري بكل جوانبه بوسائل مكافئة لكل جوانبه)))) (23) ((وبعبارة أخرى الحاكمية هي سلب نظري لسلطة البشر على شئون حياتهم، هكذا بإطلاق، وتفريغ إرادتهم نفسها، وتحويلهم نظريا إلى أدوات في يد مطبقي الشرع الإلهي حسب وجهة نظر هؤلاء. وعلى ذلك فالكفر هو كل خروج على السلطة الإلهية، وهو خروج يتحقق بمجرد اللجوء إلى أية سلطة بشرية عدا سلطة مطبقي الشريعة الإلهية)) (24) -;-أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا 60 -;-ا لنساء وأظن أن الفقه (السني/ الشيعي) يتجه نحو هذا الأمر ومنهلهما هو آية سورة النساء المتقدمة. وأظن ان (الحكومة الإسلامية) التي نظّر السيد الخميني لها والتي عرفت فيما بعد ب(ولاية الفقيه) ومن قبله المحقق (الكركي) والعلامة (النراقي) تنطلق مما سبق وقد عضدها دليل آخر فيما ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، فيما عرفت عند الفقهاء ب(مقبولة عمر بن حنظلة): (سألت أبا عبدالله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة، أيحل ذلك ؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال تعالى: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ قلت: فكيف يصنعان ؟ قال: ينظران إلى ما كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله) (25) ونلحظ التقارب في المباني (حد الشرك) في مقبولة (ابن حنظلة) هو (الجاهلية والتكفير) عند سيد قطب. -;-وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون 44... أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ 50 -;- المائدة. وعليه تكون مباني (الحكومة الإلهية) عند أبي الأعلى المودودي وسيد قطب هي عين المباني في (الحكومة الإسلامية) عند السيد الخميني، و(ولاية الفقيه) عند الكركي والنراقي.
الجاهلية قال -;- : (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا). قال تعالى: -;- أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ50-;- المائدة ينطلق سيد قطب في فهمه (للحاكمية) من المنطلق القرآني الذي يعتبر أن مناط الحكم بيد الرسول، وان بيده فصل الحكم والخطاب. -;-وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم48 -;- المائدة. وأن حكم النبي أن هو إلا حكم الكتاب وما أنزل بالكتاب إن هو إلا حكم الله تعال. وفعليه يكون حكم النبي هو حكم الله. ومن هنا شرع مفهوم (الحاكمية) الذي هو مفهوم متلازم مع مفهوم (الجاهلية والتكفير والهجرة)، كما سبق. فمفهوم (الحاكمية) يتحقق بوجود المجتمع الجاهلية. ومع انتفاء المجتمع الجاهلي لا يوجد مكان أو مجال لتطبيق الحاكمية أو السعي لتطبيقها. لذلك نرى أن النبي قد جاء بأحكام الشريعة لتطبيقها في المجتمع الجاهلي وليس في المجتمع المؤمن الذي يعي دوره ويعرف مسؤولياته. أو بتعبير سيد قطب، (الجماعة المؤمنة). وسيد قطب يرى أن كل المجتمعات المعاصرة (الإسلامية وغيرها)، هي مجتمعات جاهلية. لأنها تعمل بالأحكام الوضعية ولا تفرق بين حكم الله وحكم البشر! وإلى هذا أشار (الندوي)، إلى أن العالم متجه بأسره نحو الجاهلية، ومنها العالم الإسلامي(26). وهذا ناشئ من افلاس في القيم على حد تعبير سيد قطب في (معالم في الطريق). وهو يرى أن الأوان قد حان لإيجاد قيادة جديدة للبشرية، تزودها بقيم جديدة جدّة كاملة-بالقياس إلى ما عرفته البشرية-وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته. والإسلام-وحده – هو الذي يملك تلك القيم وهذا المنهج. وهو بعد يؤكد على ((إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال..لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست مادياً أو ضعفت من ناحية القوة العسكرية.. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيداً من ((القيم)) يسمح له بالقيادة)) (27) ويمكن دعم هذا القول (جاهلية القيم) بأدلة قرآنية. حيث شرعت القوانين، وأصبحت المحاكم تُجيز الزواج (المثلي)، وأعطيت التراخيص بفتح الخمارات ودور البغاء حتى في البلاد التي يظن أنها بلاد مسلمة! من هنا، ساوى سيد قطب في شمول مفهوم (الجاهلية) للبلاد المسلمة وغيرها. 1- -;-ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تُبصرون54 أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قومٌ تجهلون 55 فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم اناسٌ يتطهرون56-;- النمل 2- -;- قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ-;- وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ 33 -;- يوسف وهو هنا يطرح مفهوم المجتمع (المسلم) في مواجهة المجتمع الجاهلي الذي يسود في عصرنا هذا، (وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني . أي في مجتمع مسلم. إن العالم يعيش اليوم كله في ((جاهلية)) من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تخفف منها هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق!)) (28) ثم يبين سيد قطب مفهوم الجاهلية. فهي ليست جاهلية تقليدية عرفتها الأمة في طور من أطوار حياتها كما هي الجاهلية الأولى التي هي جاهلية عبادة أوثان. الجاهلية اليوم أشدُّ خطراً من تلك الجاهلية. إنها مشاركة (الرب) في أخص خصائصه، إلا وهي (التشريع). فيكون المشرع (البشري) في قبالة المشرع السماوي (الله) وهي مشاركة تستدعي خلق أرباب / أنداد لله لم يخلقوا كخلقه، قال تعالى: -;- وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ 165-;- البقرة. وسيد قطب هناً يحذر المجتمع الجاهلي من أن يتخذ لله أنداداً قال تعالى: -;-فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ22-;- البقرة ((هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الإلوهية.. وهي الحاكمية.. إنها تسند الحاكمية للبشر، فتجعل بعضهم لبعض أرباباً، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن فيس صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله.. فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله الاعتداء على عباده)) (29) (( نحن اليوم في جاهلية كاملة كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً .. هو كذلك من صنع الجاهلية!!)) (30)
الهجرة (إلى المهاجرين عن الذات... نحو الذات... إلى طلائع الإصلاح في عالمنا العربي). هذا هو الإهداء الذي تقدم به صاحب كتاب (إمكان النهوض الإسلامي) الدكتور أحمد جبرون. يعتبر مصطلح ومفهوم (الهجرة) من المصطلحات القرآنية التي ولدت مع عصر النبوة وبدت بوادرها في التطبيق العملي في العهد المكي عندما هاجرت جموع من المسلمين بقيادة ابن عم النبي (جعفر بن عبد المطلب) إلى بلاد الحبشة التي كانت تُدين بالديانة النصرانية. وكان (النجاشي) هو الذي يحكم في تلك الفترة، وأتسم عهده بالعدل. ثم بدأ التطبيق العملي بصورة أكثر وضوحاً وتجلى في هجرة النبي محمد وأصحابه إلى (يثرب). حيث بدا هذا أوضح مصداق لهذا المفهوم في شكله النظري، حيث وضعوا أساس مشروع (الدين- الدولة). قال تعالى: -;- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 40-;- التوبة. قال الجوهري: الهجر: ضد الوصل. والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية. والتهاجر: التقاطع. والهجرتان: هجرة إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة. (31) الهجرة في أصل اللغة: الترك، ثم غلَبت على الخروج من أرض إلى أرض، وقد شاعت في انتقال المسلمين الأوَّلين من مكة إلى المدينة، فلا يكاد يُفهَم عند إطلاقها غيرُ هذا المعنى؛ فإذا أُطلِق ذِكْر الهجرتين، فالمراد بهما هجرة الحبشة والمدينة. لكن الحقيقة. إن أول المهاجرين هو نبي الله لوط (عليه السلام) قال تعالى: -;- فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 26 -;- العنكبوت وفي القرآن الكريم آيات تحث وتشجع على الهجرة لإبطال دعوى (الاستضعاف)، بل أكثر من هذا. فإن في الهجرة (سعة) و(مراغماً) لأنوف الطواغيت، بل الأكثر أن من لم يدرك مكان الأمن ودار الإيمان فقد وقع اجره على الله. وفي هذا قمة العطاء والإغراء بالخروج والهجرة من دار(الكفر) إلى دار(الإسلام). يقول المنقري: لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْـلِـهَـا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجـالِ تَـضـيقُ 1-;- - إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا 97 ... وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا100 -;- النساء 2- -;-وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ 59 -;- الحج 3- -;- فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ..195-;- آل عمران ذهب الكثير من الفقهاء إلى رفض الهجرة واعتبار من يدعو لها مخالفاً لقول النبي (ص) محمد يوم فتح مكة: ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفِروا)) (32) عن مجاشع ابن مسعود قال:( جاء مجاشع بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا مجالد يبايعك على الهجرة فقال: (لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن أبايعه على الإسلام) (33) وعن السيدة عائشة قالت: (حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عبد الله: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرو وابْنُ جرَيجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقَولُ: ذَهبْتُ مَعَ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ إِلَى عَائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ مجَاوِرَةٌ بِثَبِيرٍ، فَقَالَتْ لَنَا: «انقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ منْذُ فَتَحَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – مكَّةَ)) (34) لكن هذا الحديث معارض بحديث: (لا تَنقطِع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تَطلُع الشمس من مغربها) (35) ورواه أحمد بلفظٍ مختلف، عن ابن السعدي: (لا تنقطع الهجرة مادام العدو يقاتل)(36) كذلك هم يستشهدون بالحديث النبوي: (أنا بريء من كل مسلم يُقيم بين أظهر المشركين) (37) فضلاً على (الهجرة) المراد منها بقول الرسول (ص): (لا هجرة بعد الفتح)، المراد منها الهجرة من مكة إلى المدينة، وليس مطلق الهجرة. ويذهب الفقهاء إلى إنه لا إشكال ولا شبهة في إقامة المسلم في بلاد الكفر إذا كان قادراً على المحافظة على دينه. وبخلافه تصبح الهجرة أمراً واجباً. لأن مقتضى الحكمة هي الفرار بالدين. فمن امن على حياته ودينه لا هجرة. ومن بخلافه فهجرته واجبة. يتبقى هناك آيات تحدثت عن إخراج المؤمنين من ديارهم بالقوة. وهذا هذه الآيات تختلف (مصداقاً) و(مفهوماً) عن مفهوم الهجرة (الطوعية) تحت ظروف موضوعية قاهرة. قال تعالى: -;- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ191-;- البقرة. وقال تعالى: -;- لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ9-;- الممتحنة كذلك يختلف مفهوم (الاعتزال) عن مفهوم (الهجرة) الذي دعا إليه عبد الرحمن شكري. قال تعالى: -;- قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا50-;- مريم -;-وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا 10-;- المزمل -;-وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ5 -;-المدثر على ما تقدم. يتبين لنا أن النبي (ص) قد نهى عن الهجرة. لأن الدار أصبحت كلها (دار إسلام) بعد فتح مكة. لكن في الحقيقة أن دلالة (دار الكفر/ الجاهلية) تبقى ملازمة مصداقاً للمجتمعات المعاصرة. لذلك سعى بعض المفكرين والدعاة إلى إحياء مفهوم (الهجرة) برؤية جديدة لا تجعلهم في تضاد مع صريح حديث النبي (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفِروا). فهم لا يختلفون مع صدر الحديث المتقدم، لكن ذيل الحديث لا ينسخ (الجهاد) الباقي إلى يوم القيامة. ومفهوم (الجهاد/ النفرة) يقتضي الانتقال من دار إلى دار (ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفِروا). وعليه لا مشكلة في تطبيق (المفهوم) على ال(المصداق) لكن بطريقة أخرى لا تعارض حديث النبي (ص). ولا تخلو هذه الرؤية من مقبولية ولها من القرآن الكريم مؤيدات. حيث نرى تلازم مفهوم (الهجرة) مع مفهوم (الهجرة). حيث نرى أن مفهوم (الهجرة) يتلازم مع مفهوم (الجهاد). قال تعالى: -;-إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) ... وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 75 -;- الآنفال -;-الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ 22 -;- التوبة -;-وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)... ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ 110-;- النحل ومفهوم الهجرة عند (الجماعة الإسلامية) أو ما سُميت ب(جماعة التكفير والهجرة) التي أسسها شكري مصطفى هو: اعتبار أن الهجرة من دار الكفر (كل الدول لا تحكم بالشريعة) هي واجب شرعي حتمي، ولذلك سعت جماعتهم لإيجاد مكان للهجرة فيه و اعتزال المجتمع . ويبين لنا عبد القادر عودة، أحد القيادين والمنظرين في (جماعة الإخوان المسلمين) السبب وراء هذه الاعتزال والهجرة، قائلاً: ( فإن المسلمين في كل انحاء العالم قد جهلوا الإسلام وانحرفوا عن طريقه الواضح، حتى لم يعد في الدنيا كلها بلد يقام فيه الإسلام كما انزله الله، سواء في الحكم والسياسة، أو الاقتصاد والاجتماع، او غير ذلك مما يمس مصالح الأفراد والجماعات، ويقوم عليه نظام الجماعة ويدعو إلى صلاحها واسعادها) (38) (( يفرّ المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر ولا لإيذاء، ولكن يعبد الله وحده ولا يُشرك به شيئاً وبدلاً من أن يكون مستضعفاً في الأرض أصبح عزيزاً بعزة الله، وبدلاً من أن يُجبر على فعل ما حرّم الله في أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ... إن تجمّعُ المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال، أو بطن وادٍ من الأودية، وتحاكمهم إلى كتاب وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام)) (39) وتتوافق جماعة مصطفى شكري (الجماعة الإسلامية-التكفير والهجرة) مع الشيعة في أمور منها: 1- عدم إيمانها بمبدأ (عدالة الصحابة. (قول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين). تستثني الشيعة مهذا القول الإمام علي. 2- قالوا بترك صلاة الجمعة. لأن المساجد كلها ضرار. وذهبت (الشيعة) لترك صلاة الجمعة زمن (غيبة) الإمام المهدي، بدعوى عدم (بسط اليد). 3- يزعمون أن أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق عل يد محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور الإسلام على جميع الأديان وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد أن تدمّر الأرض بمن عليها.. ). وإلى هذا ذهبت الشيعة حيث إنهم ينتظرون الإمام (المهدي) ليملأ الأرض قسطاً وعددلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا.
التكفير يعتبر التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعات. وهو من المعتقدات القديمة التي ولدت مع الخوارج وماتت معهم وتم إحياؤها مع انتشار ظاهرة الجماعات الإسلامية التي اعتبرت كل المجتمعات جاهلية. فبدأت بتكفير الحكام ثم تدرجت بالتكفير فكفروا المحكومين الذين رضوا بقبول الحكام، فضلاً عن تكفير العلماء عملاً بالقول: (من لم يكفر الكافر فهو كافر). وتكفير مرتكب الكبيرة من أساسيات هذه الجماعات. وبما أنهم قد حكموا على المجتمع بالكفر. فقد حكموا على من ترك جماعتهم بالردة. لأن الانضمام لجماعتهم يعني لدخول في الإسلام. فمن خرج فهو مرتد، مهدور الدم. كذلك من بلغته دعوة الجماعة ولم يبايع فهو كافر. والتكفير هو نوع من إصدار حكم بالإعدام الأدبي أو المادي- حسب الأحوال- على رافض الأصولية.. ذلك أن الأصولية لا تحارب أصلاً بالمنطق، بل هي تطالب الناس أولاً وأخيراً أن يحصروا استخدام العقل في تأويل النصوص. وهي في مطالبتها هذه لا تستند إلا إلى سلاح التكفير الذي يفترض بالضرورة رفض المناقشة أصلاً. (40) من خلال الاستقراء لمجمل الآيات الواردة في (الحكم) نرى ان هناك تلازماً بين (الحكم- الحاكمية) وبين (الكفر). قال تعالى: 1- -;- وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ44-;- المائدة 2--;- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا60-;- النساء ومن باب الأنصاف نقول: إن الجماعات الإسلامية في أدبياتها قد تبنت مفهوم (التبيين) الذي استخدمه (الخوارج) مع مجهول الحال. ومصطلح (مجهول الحال) هو المسلم الذي لم يتبنَ فكر الجماعت الإسلامية. لأنها لم تعرض عليه. فإذا عرضت عليه (تبين) حاله. اما مع الجماعة وأما ضد الجماعة في حال رفض فكرها وتوجهاتها. و(الكافر) – في نظر الجماعات - هو كل من لم يتبنَ فكر الجماعة. بغض النظر عن كونه مسلم أم غير مسلم. وتجري عليه أحكام الكافر.
أسئلة في العقيدة بدا الكثيرون في العالمين العربي والإسلامي بطرح أسئلة واقعية أصبحت مثار لغط كبير بين المشتغلين في حقل الجماعات الإسلامية، منها: 1- لماذا يقوم الفلسطيني بتفجير نفسه في البلاد العربية والإسلامية ولا يفعل ذلك مع إسرائيل المحاذية له؟! يأتي الجواب من القرآن الكريم مصداقاً لقوله تعالى:-;- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ 123 -;- التوبة. ولن المجتمعات – بنظرهم- كلها مجتمعات جاهلية (كافرة). فإن مقاتلة العدو القريب أولى بالجهاد من العدو البعيد. 2- لماذا يترك الرجل أهله وعياله ويأتي من بلاد بعيدة (أمريكا/ بريطانيا/ الشيشان/ ... ليقاتل في بلاد هي في الأصل ليست بلاده؟ ويأتي الجواب. إن على المسلم المنتمي للجماعة الإسلامية أن (يفرّ) بدينه من دار الكفر لدار الإسلام، حفاظاً على دينه. يهاجر من دار الكفر لدار الإيمان، مصداقاً لقوله تعالى: -;-وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ 59 -;- الحج 3- لماذا تقوم الجماعات المسلحة إرهابية بالغة القسوة؟ حيث تقوم بذبح وحرق ضحاياها بمنتهى الوحشية؟ والجواب هنا. قال تعالى: -;-سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ 151 -;- آل عمران . ثم إنهم يؤولون قول النبي (ص) نصرتُ بالرعب مسيرة شهر. على هذا النحو من القسوة. لذلك تراهم يقولون أن مدينة الموصل والرمادي والرقة لم تسقط بقتال، بل سقطت بالرعب. قال النبي -;- (أُعْطِيتُ خمسًا، لم يعطهن أحد قبلي: نُصِرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة) (41) 4- لماذا يكون الأمير في الجماعات الإسلامية من جنسيات مختلفة؟ لأنهم يؤمنون أن الحاكمية (اصطفاء) من الله. قال تعالى: -;- يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه 26-;- سورة ص يقول سيد قطب لهذا الأمر فقال: (ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم-هم رجال الدين-كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة، كما كان الحال فيما يعرف باسم " الثيوقراطية" أو الحكم الإلهي المقدس!!-ولكنها شريعة الله هي الحاكمة، وان يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة). قال تعالى: -;- ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير13-;- الحجرات (إنما المسلمون أخوة، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى). قالَ رسولُ اللهِ "صـلى اللهُ عليهِ و سلـم " : ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ) صدقَ رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- أ.م.د. فكرت رفيق السيد، مجلة العلوم السياسية، الاختلاف حول مفهوم الجماعة، دراسة في الفقه الحركي الإسلامي، العددان 38-39. ص90 2- http://thepersiangulf.weebly.com/1047107210831080107410981090-1080-10571074107710901072/2 3- أليكس ميكشيللي، الهوية، توطئة، ص 7 4- ن/م، ص 15 5- عليّ الكنز، الإسلام والهوية، ملاحظات للبحث، الهوية وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، ص176. 6- عبد المنعم منيب، خريطة الجماعات الإسلامية، ص38 7- مسند أحمد (4ت:273) 8- حسن حنفي، الهوية، ص25 9- ن/م، ص25 10- د. يوسف هريمة ،السيادة العليا في مشروع الإسلام السياسيّ، الحاكميّة إنموذجا ص9 11- الشهرستاني: محد بن عبد الكريم: الملل والنحل، تحقيق محد سيد كيلاني، بيروت: دار المعرفة 1402 ه - 1982 م،.117- ص 116 12- أبو الأعلى المودودي، دستور الجماعة الإسلامية بباكستان، توطئة صفحة (ي)، ن: دار العروبة للدعوة الإسلامية، المنصورة، لاهور، باكستان، نقله للعربية: خليل أحمد الحامدي. 13- عبد الوهاب الأفندي، الحركات الإسلامية وأثرها في الاستقرار السياسي، ص21- 23 14- الدستور، م/ س، ص7-8 15- ن/من ص9 16- سيد قطب، معالم في الطريق، ص48.دار الشروق، الطبعة الشريعة السادسة 1399هـ -1979م. 17- حول تطبيق الشريعة في العصر الحديث، المودودي، ص2- 3. 18- سيد قطب، المعالم، ص60 19-- ن/م، ص 56- 57 20- سيد قطب، م/س، ص58-59 21- ن/م، ص59-60 22- المعالم، م/س، ص60 23- ن/م، ص 24- شريف يونس، سيد قطب والأصولية، ص 205 25- محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، الأصول، 26- أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، 27- المعالم، م/س، ص 4 28- المعالم، م/س، ص 8-9 29- ن/م، ص 10 30- ن/م، ص17- 18 31- الجوهري، الصحاح، 32- صحيح البخاري (3077)، 194- باب لا هجرة بعد الفتح. 33- ن/م، ح (2078-3079). 34- ن/م، ح (3080). 35- مسند أحمد (4: 98) (16906). 36- ن/م 1/192 37- أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، والنسائي (4780). 38-عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، ص5 39- شريف يونس، سيد قطب والأصولية الإسلامية، ص 8 40- براق زكريا، الدولة والشريعة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، ص385
#محمد_السباهي (هاشتاغ)
Mohamed_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شؤون وشجون التظاهرات
-
الهبوط في القرآن الكريم/ قراءة في منهج التغافل والتفريغ
-
بيان ختامي
-
التغافل والتفريغ/ تقديم، القراءة الجديدة للنص الديني،
-
السجود وصراع الخلافة
-
الدين وتحولات المنطقة
-
الخبز والحرية
-
عقم زوجات الأنبياء... سارة/ أليصابات/ عائشة
-
ترسيس الهوية الشيعية
-
موسى والقوم الظالمين
-
في البلاغة العربية
-
قريش... صفوة شعب الله المختار
-
أقليم البصرة
-
الدولة الشيعية
-
النص والنص الموازي
-
الموصل ... ما أشبه الليلة بالبارحة!
-
الخطاب الموازي، الإسراء والمعراج إنموذجاً.
-
شيزوفرينيا..
-
الاحتضار السياسي/ معاً للهاوية ...
-
البؤساء
المزيد.....
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|