|
آفة الصحراء والبداوة
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4958 - 2015 / 10 / 17 - 08:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أربعة عشرة قرنا من الزمن، ولم يتمكن الإسلام من تغيير الثقافة الجاهلية، ولم تهذب الشعوب البدوية التي آمنت بالغزو مبدأً للعيش، والسبي دافعا للقتل. فإما الإسلام وقرآنه تحافظ على تلك الثقافة بطريقة ما، وتعزز هيمنتها، رغم آيات السلم في بعض سورها، أو أن الثقافة الجاهلية والأعراب كانت أعمق من أن تتمكن مفاهيم الإسلام على تهذيبها، وفي الحالتين، تظهر أن الطفرات الإرهابية المتتالية والحروب الدامية لم تخمد يوماً، منذ وفاة الرسول وحتى يومنا هذا، إلى جانب النسبة العالية من الاغتيالات والقتل بين المسلمون وخلفائهم والبالغة 70% منهم، تعكس أن في الإسلام ضعف في السلام وهيمنة في رفع شأن العنف والقتل، وما يقال من الرحمن والسلام ليست سوى مفاهيم عابرة لا تؤخذ بها ولم تكن قابلة للتطبيق، وظلت الثقافة الجاهلية مسيطرة ولم تخسر عناصر ديمومتها، حب القتل والسبي واستخدام العنف كمبدأ للتعامل مع الأخر المخالف، ومن آمن وطبق الإسلام كدين سلام لم يتمكنوا من الظهور على الساحة العملية منذ ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا. ليست البداوة بناقصة، ولا طرق المعيشة في الصحراء، فهي مرحلة تسبق الحضر، والمدنية، بحث فيها العديد من المفكرين وبينهم أبن خلدون، وتعمق فيها. وقساوة الحياة محل فخر واعتزاز المجتمعات، حتى الحضارية منها، وأغلب القبائل الصحراوية خرجت من جغرافيتها، مدمرة للحضارات، وخالقة للكوارث في الأطراف، بسبب نوعية الحياة التي تعلمتها، وتربت عليها، وهي الغزو والعيش من ورائها إلى جانب الرعي، بل الرعي كطريقة وحيدة للعيش فرضت عليهم منطق الغزو ذاته. وقد اشتركت في هذه العادات القبائل العربية الجاهلية مع القبائل التركية والتركمانية والمغولية، رغم البعد المكاني بينهم، فظروف الحياة لقنتهم أساليب التعامل اللاإنساني، وتفاقمت عند اجتياحاتهم للشعوب الغنية المجاورة. اختلفت القبائل العربية عن الأخرين، لحملهم كتاب فرض عليهم تقديسه قبل الخروج من صحرائهم، والآفة المعنية ليست هي نوعية الحياة وجلافة الإنسان بسبب الظروف البيئية والمعيشية والمعتمدة على الرعي وحده للعيش، فالبيئة تلك فرضت عليهم العديد من الخصال المنفرة كالغزو ومنطق السبي وعدم الثقة بالآخر، والقيمة، كإكرام الضيف وتحمل قساوة الحياة. نوعية الثقافة، وطرق فرضها على الشعوب المجاورة، عن طريق الغزوات تحت غطاء الدين المراد منه إسلامهم وتهذيبهم، وتفضيل السيف على القلم والمعرفة، والغزو على الزراعة، هي الآفة التي نبحث فيها. ففي المراحل التي تلاقت فيها هذه القبائل بالمعالم الحضارية، لم يستفيدوا منها، بل غيروا من ماهيتها وفرضوا على شعوبها ثقافتهم وطرق تعاملهم مع المرأة ورؤيتهم لها، سادت بينهم قبل الإسلام تفضيل السيف على العلم، وكانت رائجة بشاعة العلاقات الاجتماعية والتعامل الفج بين بعضهم، واستمرت بعدها، وسادوا على الشعوب ومعهم تلك الثقافة، فانتشرت الآفة، وأخمدت الروح الحضارية في البقع الجغرافية المحتلة، والتي كانت منبعا للحضارات على مدى الألاف التي سبقت اجتياح القبائل العربية والتركية لها. خرجت القبائل الجاهلية الإسلامية من عمق المجاعة، حاملين ثقافة الغزو قبل الإسلام، يتقدمهم منطق الغنائم والقتل والسبي، مستندين على تضاربات فكرية، بين ثقافتهم الجاهلية ونصوص قرآنية تحرض على قتل الآخر بحجج تسبقها، وهي كانت قد ظهرت في الأصل لتليين جلفهم وأساليب معيشتهم، تلقفتها القيادات الحاكمة بعد محمد وشرائح من حولهم، للسيادة على القبائل المحاطة بالمدينة والمكة، وبعد حروب الردة توسعت مطامعهم لتشمل أطراف الجزيرة العربية، فكلما كانت تزداد غنائمهم وتكثر سباياهم كانت تتوسع طموحاتهم، ومن حينها فتحت أعين القبائل الجاهلية، على غنى الأمصار، حتى تلك التي لم تكن قد أعلنت إسلامها بعد، كما حدثت أثناء هدمهم لعاصمة الإمبراطورية الفارسية، المدائن. الفروقات بين صحرائهم ورفاهية الشعوب المجاورة، انتشرت بين القبائل، وحرضتهم على الغزو بدون تلكؤ، أراد قادة الإسلام تحميلهم الإلهامات الفكرية ونقلها إلى جغرافيات العالم، كتجارة، مقابلها الغنائم والسبايا والعبيد، أو الإمات، فحملوهم تعاليم القرآن العربي إلى خارج الصحراء، والتي نادرا ما كانت الشعوب المحتلة تفهم أو تعرف معانيها كلغة أولا وكثقافة ثانية، ولم تتلاءم قوانينها ومفاهيمها وثقافة الحضارات، مع ذلك سادوا تحت صفحاتها، وطبقوا عوضا عنها الثقافة الجاهلية وعاداتهم السائدة. وبعد قرون من الزمن استلمتها منهم، قبائل لا تقل عنهم مجاعة وفقراً وشراسة وتخلفا فكريا وجلافة وإجراماً، قبائل خرجت من أعماق صحراء غوبي وأسيا الشرقية، قبائل التركمان والترك، والتي لم تكن تعرف من اللغة العربية إلا السلام، باستثناء قلة نادرة، لكنهم أدركوا حقيقة مهمة، وهي أن الإسلام وقرآنه العربي، الراية الوحيدة التي بإمكانها أن تساعدهم على السيادة والطغي وتشريع غزواتهم ونهبهم واحتلالهم للشعوب، قبائل سميت فيما بعد على أسم سلطانهم، العثمانيين، وعلى الركيزة الإسلامية بنوا إمبراطورية دون حضارة، وأتوا على نهاية الحضارة البيزنطية ودينها في المنطقة. قبائل تركية لم تكن قد تعرفت على المعالم الحضارية يوما ولم تتمكن من استيعابها، إلا من خلال السيف والقتل، وهي التي قضت في فترات زمنية متعددة على حضارات الصين المتتالية، كما وتمكنت من تحريف الإسلام العربي وخلق مذهب جديد فيه تتلاءم وثقافتهم، مثلما فعلها الشعب الفارسي، والشعوب الأخرى التي تنبت الإسلام ومعظمها لا تفهم من القرآن ولغتها إلا الفتات. العديد من الباحثين والمفكرين، يطرحون مفهوما قلما يتقبله المسلمون، وهو أن الإسلام ظهر للقبائل العربية دون الشعوب الأخرى، مستندين على بعض الآيات القرآنية ذاتها والكتب السماوية الأخرى، وعلى مبدأ أن الله يرسل لكل شعب نبياً من لدنهم، ليهديهم، مثلما فعلها مع قوم لوط، وإسحاق، وغيرهم، وللفساد المستشري بين القبائل العربية الجاهلية، والذين من بين بشائعهم، وأد الفتيات، ولو استمرت العادة لانقرضوا لغياب المرأة من المجتمع، وفي طرف آخر كانوا يقدمون نسائهم لرجل مميز ليولد لهم بصفاته. فلتهذيب هذه القبائل ظهر نبيهم، أراد إهدائهم إلى طريق الصواب، وعلى أسسها تكلمت الآيات القرآنية إليهم، وجلها موجهة إلى القبائل الجاهلية، الإعراب، لتثقيفهم، وتغيير عاداتهم المنفرة للإنسانية حتى في منطق تلك الفترة الزمنية. وقد كانت خروج تلك الثقافة بدون تهذيب، ومفاهيم القرآن الملائمة لمفاهيمهم، من جغرافية الصحراء إلى حيث الحضارات، كارثة بشرية، يدفع ثمنها كل الشعوب التي تستعمرها العرب اليوم تحت الغطاء الإسلامي، تأخرت عن الركب الحضاري قرون، ولم تخرج المنطقة وشعوبها من رحم الحروب الطائفية والأهلية منذ طغيان ثقافتهم، كما وأدت إلى ظهور صراعات متواصلة بينهم وبين الشعوب المستعمرة، رغم اعتناقهم للإسلام واندماج الأغلبية ببعضهم، وابشعها التناقضات الثقافية المستدامة والتي لم تلان سلبياتها حتى هذه اللحظة، فالتضاربات عميقة بين مفاهيم وضعت لتثقيف قبائل صحراوية جاهلية، وثقافة شعوب لهم تاريخ عريق وخلفيات حضارية عميقة. وما يجري اليوم في المنطقة من الحروب الطائفية والأهلية، وفي سوريا والعراق وليبيا بشكل خاص، هي نتيجة تراكمات قرون من آثار تلك الآفة، حيث الجاهلية القبلية، والتخلف الحضاري، والتي خلقت شرائح من الغزاة، برز بينهم طغاة يكرهون الوعي والفكر، وهي نفسها اليوم وبنفس الأبعاد الفكرية والتعامل اللاإنساني والدونية الأخلاقية، والإجرام المتشابه بكل طرقه، طغاة بنفس الصفات، كبشار الأسد حفيد الحجاج، والمنظمات الإرهابية، كداعش والنصرة وغيرهما، تستخدم نفس الأساليب التي اتبعتها القبائل العربية والتركية والتركمانية، بين بعضها ومع الشعوب التي اجتاحتها، أنه منطق الصحراء حيث الغنائم والسبي، والقتل، ورفض منطق الحوار والتعامل الفكري، يستخدمون نفس المبادئ وبالطرق العصرية، لاحتلال الشعوب، وسبيهم، ونهبهم، ورفض حقوقهم ومحاولات إزالة ماهيتهم، وهم لا يترددون من التباهي بمنطقهم الهمجي ذاك، حيث الغاء الأخر، وفرض سيادتهم، ولا يتقبلون التعامل مع الأخرين بالطرق الحضارية، والعيش بسلام، ولا يريدون تعلم محبة الأخر، ولا يقتنعون أن الجغرافية المسماة بتركيا أو سوريا والعراق كانت ملك للشعوب المستعمرة الأن، ويجب العيش ضمنها معا بالمساواة. وهذا ما تتبجح به رؤساء الدول العربية وملوكهم، كدول الخليج وسوريا وغيرهم، والأغرب معظم المعارضة السورية العروبية الإسلامية، وداعمهم خادم الحرمين، ومنظماتهم الإرهابية، وتركيا بزعامة أردوغان وحزبه الإسلامي جدلاً، ومعه أحزابه الطورانية، وأئمة ولاية الفقيه وشيعتهم. رفضهم للأخر بلغت حد تقليب القيم الإنسانية، فالحرية أصبحت مطلباً منبوذاً، وحللوا مكانها منطق السيادة المطلقة، ويتهمون مطالبي التحرر بالخيانة، ولا شك هذا هو منطقهم منذ أن خرجوا من الصحراء غزاة، فمن يحلل السبي لا بد وأنه سيحلل الاستعمار بكل أشكاله، فلا عتب عليهم فهم يعبدون ثقافتهم ويحاربون من أجل مصالحهم، بل العتب على الشعوب التي تخلت عن حضارتها ولغتها وتقبلت مفاهيمهم وثقافتهم وفضلتها على ثقافتهم، وطبقتها على ذاتها وقدستها. د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية [email protected] 10-16-2015
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دم السوريين أرخص من البنزين
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء الأخير
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء السادس
-
استراتيجية الإنترنيت الأمريكية
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء الخامس
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء الرابع
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء الثالث
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء الثاني
-
من الإسلام إلى التعريب - الجزء الأول
-
الخلاف والاختلاف في الحركة الكردستانية - الجزء الأخير
-
الخلاف والاختلاف في الحركة الكردستانية - الجزء الثاني
-
مؤسسات مثقفي غربي كردستان
-
الخلاف والاختلاف في الحركة الكردستانية - الجزء الأول
-
من طمر الثورة السورية
-
دور الحركة الثقافية الكردستانية - الجزء الثاني
-
سذاجة النقد - الكاتب إبراهيم إبراهيم مثالا
-
دور الحركة الثقافية الكردستانية - الجزء الأول
-
عمر حمدي-مالفا-الفنان
-
بين الإلهين - الجزء الثاني
-
بين الإلهين - الجزء الأول
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|