حمار الرئيس
_ قصة في حلقات ( 1 إلى 9 )
ديباجة
حدث هرج ومرج
كبير بين الناس في بلاد الأنهار و الفخار أوائل العقد الأخير من القرن الماضي
،كان سببه سقوط الحمم والنيران من السماء على البلاد لمدة أربعين يوما ، هاج بعدها
الناس و ماجوا .انتشروا في المدن يعيثون في الأرض فسادا ، حتى أنهم هاجموا كل
بنايات الحكومة ودخلوها عنوة ، وكانت بناية أسرار الدولة قد استبيحت فدخلها الغوغاء
ونهبوا خزائنها وملفات أسرارها ، وكان من بين ما نهبوا هذا الملف الغريب الذي يحمل
عنوان : مذكرات حمار الرئيس ، وفيه كل ما يتعلق بالحمار المخصص لرئيس
البلاد .
-1-
ولدت ونشأت حمارا مع لداتي الحمير ، نمرح ونعنفص طوال النهار . عشنا
مع أسرة من البشر كانوا يقدمون لنا العلف إضافة إلى ما نحصل عليه من نباتات وحشائش
منتشرة في أرجاء القرية ، نشرب الماء من جدول رقراق يمر من أمام منزل صاحبنا
البستاني . كان أولاد البستاني يلعبون معي ويقفزون فوق ظهري ويداعبوني حتى أن إحدى
الفتيات الصغيرات كانت تقبلني من وجناتي بحرارة .
- 2 -
اعتادت أمي الأتان أن
تقص لي قصة قبل أن أنام ، بعض قصصها كانت جميلة مازلت أذكرها والبعض منها حزين .
روت لي كيف أُجبرت على نقل الأحمال كل يوم حتى أثناء حملها بي ، وقالت إن هذه
البردعة التي على ظهري صارت جزء مني رغم كرهي لها . كما روى لي أبى قصة استغلاله من
قبل البستاني، رغم أنه من عشيرة الحمير الحساوية التي اشتهرت بنبلها وقوة أبدانها
وبياض بشرتها ، فهو حساوي معروف بأصله ونسبه كما أن أمي ابنة عمه أيضا ، فهما من
أرومة وعشيرة واحدة . علمت من حكاياته التي كان يقصها علي حين نسير في طريقنا إلى
البستان لجلب المحاصيل ، أن هناك ظلما كبيرا حل به .
-3 –
ما أن بلغت الحلم
وفهمت ما يدور حولي ، حتى جاءني البستاني بالبردعة وشدها على ظهري ، قفزت وعنفصت
ولكن بلا جدوى فقد كانت محكمة الشد .
- 4 -
خلال معاشرتي لأولاد البستاني
وأطفاله وأولاد القرية ، استطعت تعلم لغتهم ، وأخذت أتفاهم معهم بالإشارات والأصوات
والحركات التي أقوم بها ، فمثلا إذا أعجبني قول جميل منهم أو إطراء ، كشرت لهم
تكشيره كبيرة ، وإذا أعطاني أحدهم شيئا أو طعاما لذيذا ، هززت لهم ذيلي ومسحت رأسي
بأكتافهم ، وإذا قال أحد الأطفال قولا جميلا أو روى طرفة جميلة أعجبتني ، أقوم
بأداء قفزات قصيرة و أدور حوله ، أما إذا سألني أحدهم عن رأي بالذهاب إلى مكان ما ،
وكان هذا المكان من الأماكن الجميلة التي أعرفها ، كثيرة العشب ، فيها جدول عذب
المياه ، ترتاده الحمير وبعض الأتن الجميلة ، سارعت بهز رأسي موافقا و أطلقت صوتا
رقيقا يشبه صوت المرأة العاشقة ، أما إذا أغضبني أحد الأطفال، فازعل عليه ،أذهب
بعيدا ، لا أصفح عنه أو أكلمه إلا بعد أن يمسح على رأسي ويطلب العفو مني . بعض
الأحيان يغيظني صبي ما من صبيان القرية ، فاغضب عليه وأدير له كفلي لأضرط عليه، أما
إذا كان رجلا وأتى بأمر لا يروق لي أو ضربني ، فلا أكتفي بذلك بل أضربه بقدميّ
الخلفيتين ضربة تحذير ، كي لا يكرر السخافات التي لا يعرف عقباها.والغريب أن نساء
القرية وبناتها كن يعرفن التعامل معي بحنان ولا يأتين السخافات مثل رجال القرية
الذين كانوا يغضبون علي بسرعة حين أمزح معهم ، أو حينما لا أريد الذهاب إلى حيث
يشاؤون. فما زلت اذكر تلك الفتاة ذات القوام الرشيق الشبيه بقوام أختي الحمارة
البنية ذات العيون السود ، كانت الفتاة تدللني كثيرا وتتقاسم معي خبزها الحار الذي
تأخذه معها إلى حقل الطماطم والخيار .
ولا أنسى أن بعض الأولاد كانوا قساة معي
فأضطر أن أعضهم أحيانا
-5-
سمعت الأولاد يوما يتحدثون عن إرسالي إلى المدينة
، قالوا إنها العاصمة ، لا أعرف ماذا تعني العاصمة ، هل هي حقل أم بستان في المدينة
، قد تكون حقلا كبيرا لأنهم يتحدثون عنها باحترام كبير ، قالوا سأذهب هدية للرئيس ،
ولم أكن أعلم أيضا ما هو الرئيس ، ظننته كبير قومنا ، أو حمارا كبيرا له جثة عظيمة
.
قالوا إن رجال الرئيس وعيونه ، علموا بذكائي ، ومقدرتي على التفاهم مع البشر ،
لذلك اقترحوا اسمي ، على رئيس البشر ليضمني إلى اسطبله .
في صباح يوم مشرق ،
بينما كنت أنعم بمضغ العلف الأخضر اللذيذ ، في الحقل القريب من بيت البستاني جاء
رجال الرئيس . نقلوني إلى عربة أنيقة لم أركب مثلها من قبل ، أغلقوها على وسارت بي
إلى مكان بعيد ، بكيت لفراق أحبابي الأولاد ، وفراق أمي العزيزة وأبي الطيب
.
حين أنزلوني من العربة في مرعى واسع جميل ، بكيت بصوت عال ، توسلت إليهم ،
تمردت ، تمرغت على الأرض ، رجوتهم أن يعيدوني إلى مكاني ، لم تنفع توسلاتي ،
حملوني وجروني بقسوة إلى الإسطبل وتركوني هناك . لماذا لايفهم هؤلاء البشر ما نريد
بينما نفهم ما يريدون ، حين لا أفهم بعض ما يريدون يوسعوني شتما وضربا ، عجيب
أمرهم كم هم أغبياء ، لا استغرب أن يقول الحمير في المستقبل حين يرتكب حمار ما
خطأ :
يالك من حمار غبي كأنك إنسان من فصيلة البشر .
- 6
–
من خلال أحاديثهم علمت أن الرئيس يريد ركوب حمار رصين فاهم ذكي ، يعرف إشارات
البشر ويفهم لغتهم . عجبت من غباء هذا الرئيس ، وتساءلت ؛ إذا كان الرئيس
بحاجة إلى من يحمل هذه الصفات فلماذا لا يركب واحدا من هؤلاء البشر ماداموا يعدون
أنفسهم أذكياء ،بل أذكى منا نحن فصيلة الحمير،لابد أن في الأمر ما يريب .
- 7 -
ربطوني في الإسطبل مع الخيول ، وقالوا هذا إسطبل
خيول الرئيس ، كان إسطبلا غنيا بالعلف ، تحيط به المروج الخضراء ، ولكن
المعيب فيه أنه محاط بسياج من خشب ، خلفه أسيجة أخرى من مشبكات حديد تجعل فراري
وعودتي إلى أهلي ومكاني الأول مستحيلة ، سأحاول توطين نفسي على قضاء أوقاتي مع
الخيول ، رغم أنها لا تفهمني بشكل جيد ، مع ذلك فهي تفهم لغتنا أفضل من البشر ،
سأتحدث إلى تلك الفرس ، أحاول أن أعلمها لغة أجدادي فهي قريبة من لغة الخيول ،
تبدو فرسا جميلة وذكية ، لاقترب منها واحتك ببطنها لاجعلها تشعر برغبتي في
الحديث إليها ، سأغني لها أغنية :
نحن الحمير نفعنا
كبير …
- 8 –
حدثـتـنـي
زميلتي الفرس الساحرة عن الرئيس ، قالت إنه شخص كبير الجـثـة ، منتفخ البطن ثقيل
الوزن ، لا يعرف ركوب الخيل، لذلك فهو يجلس في عربة ذهبية كبيرة تجرها الخيول
.
إنه لا يعرف غير الهذيان ، لا نفع فيه ، حتى حين يصعد العربة يأتي بأربعة
أشخاص لمعاونته على الصعود ، إنه لا يستطيع حمل عدل واحد مما يحمل أصغر حمار
.
- 9–
أخذوني يوم أمس للمستشفى الرئاسي وقصوا أذني ، قالوا إنهما
كبيرتان ، يجب أن تكونا مثل أذني الحصان ، وأضافوا باروكة شعر إلى ذيلي ، ربطوا
إليه جديلة شعر طويلة ، علمت أنها جديلة شعر جلبوها من سيريلانكا ، استوردوا منها
مجموعة لي خصيصا وأودعوها لدى حلاق خاص يقوم على زينتي وقص شعري و
مكياجي.....
* * *
إلى اللقاء في الحلقة
القادمة