أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد دامو - آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية














المزيد.....

آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية


محمد دامو

الحوار المتمدن-العدد: 4957 - 2015 / 10 / 16 - 13:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ليس من عادة المواطن الجزائري ،رفض القانون الذي غايته تنظيم شؤون حياته ،او الرفع من شأن العادات والتقاليد الحميدة في مجتمعه ،اوترقية اسلوب حضاري في التعامل بين الناس،..هذه الحقيقة باتت معروفة عن ذهنية الانسان الجزائري ،عندما يلمس جدية في الفعل والممارسة ،وهذا ما تؤكده شواهد حية في تاريخ الجزائر المعاصر والحديث.
بدأت الحكاية ،لحظة وافق اول رئيس للجزائر المستقلة ،الراحل احمد بن بلة، على تلبية دعوة تلقاها لحضور مسرحية "ورود بيضاء لاجل امي" للفنان حاج عمر، في اول عرض لها بقاعة (بيار بورديس) ،كما كانت تسمى وقتذاك قاعة ابن خلدون الحالية. اثناء العرض المسرحي ،لم تتمكن السيدات ،وسط الحضور، من كبت دموع الاسى ولا من حبس شهقات التأثَر البالغ باحداث المسرحية ،التي تناول موضوعها ،حال طفل بائس ،اضطر لامتهان حرفة "ماسح احذية"، لكي يتمكن من توفير الدواء لوالدته المحتضرة. والمسرحية ،كما يوحي عنوانها ،كانت تنقل بامانة ،واقعا معاشا ،وسردا حيا لوقائع يومية فئة من اطفال الجزائر الرازحة تحت نير الاستعمار ،او (ماسحي الاحذية) المنتشرين في الساحات العامة للمدن الجزائرية ،وقلب العاصمة بشكل اخص، والذين كانت اصواتهم تردد جملة واحدة:..سيري موسيو،..سيري موسيو. وهي تكسير لجملة فرنسية بمعنى:..تمسح سيدي. والمقصود طبعا مسح حذاء السيد الفرنسي ،وليس التفاخر بلغته ،كما اتهم الشاعر أحمد شوقي الشعب الجزائري ،على حدَ ما ذكره في مذكراته ،ويتناقله عنه المثقفون الجدد. فيومها ـ عشرينيات القرن الماضي ـ لم يكن في الجزائر من سيد لمسح جذائه سوى الكولونيالي المستعمر دون سواه.
وبالعودة للعرض المسرحي بحضور رئيس الدولة الفتية ،يبدو ان الاقدار تدخَلت لتضيف الى النص الاصلي، فصلا رابعا من بطولة الرئيس نفسه ،الذي بادر، بعد انتهاء العرض، الى أعتلاء خشبة المسرح ،وليعلن امام الحضور عن تعهَده بوضع حدَ لظاهرة "ماسح الاحذية" ،ومنع ممارسة حرفة العار تلك ،واستئصالها من كافة انحاء التراب الوطني، مرة والى الابد.
بعد ايام معدودة ،حضرت جموع الاطفال ماسحي الاحذية ،الى فضاء مجاور لاسوار العاصمة ،ومعهم صناديق "عدة العمل" الخشبية المميزة، التي توحي باحتراف مهنة العار، رموا بها في الموضع المخصص ،لتشكل كومة هائلة ،سرعان ما اضرمت فيها النيران ،لتلتهم الصناديق ،ومعها عار وحرفة العار . ومن يومها انقرضت مهنة مسح الاحذية من الجزائر ،ولم يعد لها ذكر ،اللهم إلاَ باعتبارها ذكرى مؤلمة من ذكريات سنوات الجمر.
ما يهمنا هنا ،ليس استجابة رئيس الدولة لدعوة حضوره عرض مسرحي بقاعة عامة ،ولا استجابته للوعة السيدات والسادة الحضور ،تأثرا باحداث المسرحية ،مما دفعه لاعلان أمره الشهير بحظر حرفة ماسح الاحذية ،..إنَما يهمنا التركيز على استجابة المجتمع الجزائري لتنفيذ قرار الرئيس ،والالتزام به ،دون ادنى محاولة لخرقه او تجاوزه ، بحيث نجحت العملية بالشكل الذي ادهش العالم ،وبما لم تتوفَق في تحقيقه لمعالجة نفس الآفة والوصول لذات الغاية، مئات الدول والمجتمعات في مختلف ارجاء العالم،..
من الامور الملفتة في تقارير سلطات الهجرة والاستيعاب في بلدان الهجرة والاغتراب ،ان المهاجرين الجزائريين من بين كل ضيوفها الاجانب ،هم الاكثر استجابة لاستيعاب واحترام العادات والتقاليد المحلية والقوانين والاجراءات المرعية ،بين غيرهم من المهاجرين والضيوف الاجانب، وقد اجمعت تلك التقارير على ان الانسان الجزائري ،مولع بتطبيق قوانين النظام العام في حال وجودها ،وهو الاكثر التزاما باجراءات التنفيذ والانضباط في حال اظهرت السلطات جدية في تطبيق نصوصها وتنفيذ بنودها.
بعد نصف قرن ونيَف ،لم يعد بالامكان رؤية ماسح احذية واحد في طول وعرض القارة الجزائرية ،لقد انقرضت ظاهرة ماسح الاحذية واندثرت الى الابد..ترى، ماذا لو صدر ،في يومنا هذا، امر مماثل بخصوص الشعوذة والمتاجرة بالدين ،المشينة لتاريخ المحروسة وتاريخها ،ألن يكون ذلك بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على حرف الدمار الشامل ،على غرار "الامام ـ القديس" المزيَف، والمشعوذ المستتر في جبة المهابة الدينية ،وتاجر الدين الدين المتواري وراء قناع الهداية المريبة، والفقيه الرابض خلف الفتاوى المشينة لحاجة في نفسه المريضة، والسياسوي الجاهل المتمترس في خندق الـ"لا يجوز"، و"عليها نحيا وعليها نموت"؟..ثم ماذا ،لو ان الجدية ذاتها ،طالت مهنة الرقية والطب السحري ومشافي بول البعير وعيادات العلاج بالكي وغير هذا من حيل اصحاب الهراء والافتراء ،الذين استمرأوا اسلوب الكسب السهل والسريع ،عن طريق التحايل واستغفال العامة..
قد يقول قائل ،ان ترسانة المنظومة القانونية تشتمل فعلا على تشريعات رادعة لمثل هذه الظواهر السلبية البذيئة ،وان في الافق ما يشير الى وجود ارادة سياسية لتطبيق قوانين الجمهورية بحق قطعان المشعوذين وتجار الدين ،وبما يؤدي لانقراضهم.
..هراء ،فليس في الافق ما يشير لمثل هذه الارادة ،وبالجدية اللازمة والكافية ،ما لم يسبقها جمع ادوات واقنعة الانبياء المزيَفين ،من مشعوذين وتجار دين،..فيصار الى تكديسها في كومات وحرقها علنا ،خارج اسوار المدن والبلدات، فيكون مصيرها شبيها بمصير صناديق ماسحي الاحذية في الازمان الخوالي، زمانات الجدية والجد ،تلازما مع المبادرة الجدية والمثابرة المجدية.
على ان الطامة الكبرى ليست في غياب الارادة السياسية لمحاربة آفة الحرف المسيئة ،بل في وجود رغبة جامحة لحماية الآفات جميعها ،وفي مقدمتها تشجيع ،دعم وحماية جماعات التضليل والتجهيل، وكل ادوات استغلال الدين لاخضاع جموع المؤمنين ،تدجينهم والعبث بمصائرهم،..طامة كبرى تقوم على فظائعها ارادات وسياسات اكثر اساءة وبذاءة مما عرفته المحروسة ،عبر تاريخها الطويل وحتى يومنا هذا.



#محمد_دامو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزامير حروب الشرق و..الامر المحسوم سلفا
- الملكية الفكرية او..أكسير الخلق والابداع
- هيئة الامم ..سلبا وإيجابا
- الهلال الخصيب في..زمن عقوق ونكران بني الانسان
- -دياسبورا- الهلال الخصيب و..متطلبات الشرق الاوسط الجديد
- العربية في..اسفار المأساة اللغوية الجزائرية


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد دامو - آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية