|
المشيخة والعقدة المشيخية
ابراهيم محمود
الحوار المتمدن-العدد: 1359 - 2005 / 10 / 26 - 10:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أن تكون شيخاً، وأن تشدد على أن تصبح شيخاً، فرق كبير لافت: في الحالة الأولى، ربما يتوافر ما يمهد لتكون كذلك، ما يجعلك في مقام رجل متفقه في أمورالدين والدنيا( العبادات والمعاملات)، وما في ذلك من صراطيات متعددة الأسماء والتوليفات، والسلطة الرمزية للقائم بالمقام المشيخي، بفعلها الاجتماعي. في الحالة الثانية، لا توجد ربماغالباً، إنما ( غصبما- إن جاز التعبير)، حيث يكون تحوير وتجيير للمفهوم الديني الوجاهي في الأصل، وتوسيع لمداه دلالياً، كونه يشمل مناح ٍ مختلفة من الحياة، ويكون الأدب، بصفته : تهذيباً للنفس، وتربية للذات، وإرتقاء بمقامها، لتكون هي وليست هي، ذلك من جهة وساعةِ حدودها، بنوع من التفاني، كما يقتضي المعنى التاريخي واللغوي للكلمة، وليس أن يكون التهذيب المزعوم جسر عبور، وجعل الجبة مظلة للاستئثار، بما هو مشتهى، بالتفاف مدروس، لتكون اللغة محروسة ومحمية تحت الجبة، وتجب الجبة ما هو خارج منطوقها( نطاقها) المعنَّى، كما هو معهود لدى الكثرة الكاثرة من الذين يقدمون أنفسهم مشايخ دين متفقهين، وعبر التفقُّه يكون احتواء الآخر( أيَّاً كان)، كما لو أن الشيخ هو أول الكلام وتاليه، عطفه ومعطوفه، سره وجهره معاً، مدخلاً لاستمراء المزيد من المرغوب فيه، مما هو صعب تحصيله، خارج الحراك الظلي للجبة المشدودة إلى هامتها لوقار مرئي. وإذا كان الأمر خلاف ذلك، فلماذا هذا العدد اللامحدود، والمتزايد هنا وهناك، من المعتبرين أنفسهم مشايخ موقرين، ذوي حسب ونسب، متنافسين في اقتسام/ انتهاب شرف البيت جغرافية: آل البيت أو عتبته أوصدره أو عينه... الخ؟ في الوقت الذي نشهد نخراً مشيخي العلامة، مجتمعي المدى، وكان من المفترض أن يكون خلاف ذلك. لماذا المشيخية لم تعد قادرة على تحمل عبء دلالاتها، راهناً أكثر، على تحديد حركة موصوفها، وهي كانت سبب وجودها، من جهة تجاوزاتها الكثيرة لمبررات نشأتها الأولى، وهي ارتباطها بركيزة دينية طقسية: يكون لها أتباعها وأشياعها وما يخص مناسبات التأكيد على ذلك، ومحظوراتها ذات الطابع الدوري، لتعم، فتشمل كل ماهولصيق بالكائن في الوجود، ونفاذ تأثيراتها في صميم المعاش الاجتماعي والنفسي والتربوي والشخصي، بالمقاييس كافة للمرء: فيما يقول ويعمل، يتخيل ويتصور، يدرك ويستدرك.....؟ في المشيخة حضور التناقض : التباغض الجلي، إذ إنها في الوقت الذي تفضي بذاتها إلى مكان مشهود لـه بسمو قيمة، تكون منحدرة صوب الحضيض، حيث إن المشيخة تستشرف هاويتها، بصفتها بالغة من العمر ما يعرضها للتداعي تدريجياً. في العقدة المشيخية ثمة ضرب من ضروب الاستعلاء، الجهر بالسمو، وتجاهل التداعي: التلاشي، التصريح برحابة العالم المعرفي الممتلَك، وليس الخوف مما هو ممتلك، ومدى قابليته للتحدي، فالمشيخية هنا، طالما أنها تجبُّ ما قبلها وما بعدها كذلك، وما عداها، خارج محترفها المعرفي، تحيل المعروف إلى حوزة العلم الممهورة من لدنها، وتبقي المجهول في خانة ما لا يجب التوقف عنده، أو التفكير فيه، كونه البدعة الضالة والمضلة. أتحدث عن المشيخة ومرتجعاتها، وكيف تستجر وراءها ما لا حصر لـه من التداعيات والقوائم الاسمية المتفاوتة المقامات والقدرات، للذين يستمرئون الحياة في ظلها، بصفتها جرثومتها الناطقة الأولى، أسَّها، ومن الملفات والوثائق أو حيثيات الوقائع، التي تُري البعد الاحكتاري الطاغي وكذلك التدجيني لذات المرء، للمعرفة، من باب، لا يمكن أن يكون بابها البتة، إن أردنا الرفع من قيمة الكلمة وقوة منطوقها تاريخياً وثقافياً، وأعني بذلك الباب الابداعي قبل كل شيء، لأن الشرط الرئيس للمعرفة المتجددة، هو إلغاء لكل مشيخة، هي ذاتها إلغاء لذات العامل بها، أو المتحرك في ظلها، كونها تضفي من الوهم، بوصفه حقيقة على شخصيتها ما يحيلها إلى شبح، هوموجّه أمرها من الداخل، قبل ذوات الآخرين. لنحدد في ظل المشيخة ما يمكن أن يحصل: بروزفتوُّات( مشروع قبضايات رمزية استتباعية: فئوية أو استزلامية هناوهناك)، وزعامات تزعم بروحية تكوينها، وكأن الروحية تغدوفي حقيقتها الملموسة أو المحسوسة، توضعاً فردياً منتقى إلهياً، أوعائلياً اصطفائياً في لحظة غافلة من التاريخ، أو مختلسة، أو فئوياً هيرارشياً( تراتبياً) عبر أسماء لم تكن في يوم ما موجودة بالصورة التي تدعيها أو المزايا التي تنسبها إلى ذاتها. بروزاعتقادات بتأثير وتوجيه من تلك المشيخية كمجمع لتوزيع الأدوار والمهام، عبر الذين لديهم استعدادومزايا محددة، بتحويل المشيخيات تلك، إلى وقائع تاريخية سائرة إلى الأمام، والدفاع عنها، كما لو أنها حقائق مقدَّرة، حيث رموز المشيخية بتكاثرهم، وتكثيف جهودهم الممشيخة، لا يألون جهداً، في فبركة كل ما يمكن أن يشكل وقائع أو ودائع ذات ماركة ربانية أوليائية مزاراتية طفراتية، أوأمثولات بركاتية كراماتية، تستند إلى كم وافرنافر معاً من الأحبولات النفسية، والترويج الدعائي الضاغط، لإدامة المشيخة كما لوأنها التاريخ ذاته، في كل ما يخصها، حيث لا تخصُّصَ هنا ، طالما أنها تعلن سيطرتها الرمزية، وتمارس تشفير قدراتها في كل كائن معد لها. في النطاق المعرفي الملغَّم ذاته، ثمة تطويق للمعنى، وتطويب لها، باعتباره مجمع/ مستودع/ مخزن الحقائق السابقة واللاحقة، بنورانية مطالع القائمين بأمور المشيخة، فهي في اللحظة التي تبدو تاريخية، لأنها محكومة بواقع معين لا يمكنها تجاوزه عند توثيقه زمكانياً، تُظهِر تحجُّرها( موتها التاريخي والروحي النسبي)، ليكون الزمان " بضعاً " منها، ويكون الكلام الذي لا ينسلخ عن مرسله، ومرسله هنا لا ينفصل عن مكانه وزمانه الخاصين، مناط كل شاردة وواردة من حولها، حيث يكون الاتصال، من باب الوصال، بذوي النفوذأو الحظوظ، أو التزام الدوغمائية والبراغماتيكية في أكثر درجاتها مرونة وسفور قيمة العلامةالفارقة لها، استناداً إلى تاريخ متلون يتحرك على أكثر من صعيد، كما لو أنها إرث أوليائي، وتراث مجتمعي، وفولكلور الروح الجمعية، حيث كل جديد يُلحق بهاأو يُنسب إليها، أو تسعى إلى الالتفاف إليه في الغالب، مستثمرة طاقتها المشيخية في الجذب والنبذ، ورمي نردها العماماتي الداخلي في المساحة المتعددة الخانات، بفهلوة مشهود لها تاريخياً. وكما ذكرت، يكون الأدب، بصفته العلامة الفارقة للاستقلال الذاتي، وهو ما يمكن الاعتراض عليه، أوتسفيهه، أحد أكبر ضحايا المشيخية، إذ إنه في الوقت الذي يُبعِد الذات الخاصة بما هو أدبي عن كل تبعية، وتكون الاستقلالية مهبطها ومسرحها الرئيسين، يكون الأدب ذاك نفسه مُحالاً إلى خانة التصفية للأدب في طلاقة معناه، طالما أنه ممهور بالمشيخية بصورة ما أو بأخرى، وتكون الاستزعامية مداراً منظوراً، ليكون الدفاع عن الأدب هنا، دفاعاً عن نقيضه بصفته امتيازاً ليس إلا. ولعل التمعين في مشهديات الحياة اليومية للأفراد وفي مجتمعنا الذي يشهد تقاطع وتبضع مشيخيات متعددة المقامات فيه، أكثرها اعتدالاً: تعاليها على حقيقتها غالباً، يظهر مدى الانخراط الآفوي للمشيخة في صناعة ما يسمى بـ(رموزها) ومكوسها، بصفتها المفضَّلة على ما عداها في جديد بارز هنا، وفي الوسط الذي أعيش فيه تحديداً، ولهذا يبدو التعرض لهذه المشيخية الضاربة جذورها في تاريخ هو تاريخ ما تعتقده حقيقة تاريخ، وفي المجال الذي يعنيني أكثر، أعني الأدب، وقضية الأدب، ومدى صلته بالمشيخة، أو لنقل: تأثير هذه المشيخة فيه، وكيف يجري العمل بها، ليتم تزييف كل مغاير لـه، حتى لو أن فتاوى لا تصدر بهذا الصدد، لأسباب لا تخص البنية الذهنية لرموز المشيخة، أو لفضيلة منظورة فيها، وإنما لعدم امتلاكها رادعاً قطعياً ومدعوماً إلى الآخر بذلك، أي سلطة حافزة نافذة، فتكون التقية فعلاً محبوكاً في نجاعة معتمداتها النفسية، خصوصاً، في المناخات التي تبدو أكثر قدرة على استثمار المشيخة، كما لو أنها الفالحة في ذلك، وهي تؤكد حقيقة مرجعياتها، أعني كيفية اعتماد المشيخة، طالما أن ثمة نفوساً مأخوذة بسلطتها.
المشيخية الحسينية وفحوى الأدب أدرك أن العنوان من لحظة تثبيته، توريطي في بعض ذيوله، نظراً لجدته وخلافيته المضمرة، كما هو متوقع راهناً أكثر، وبصيغته السالفة، لابد أن يثيرحقيقةً، من الشبهات أكثر مما يثيره أي عنوان آخر: محلياً، من جهة العلاقة مع القارىء المحلي، لقربه من المعنيين بما أريد مكاشفته ومقاربته نقدياً، رغم أن بحثي ليس مكاشفة لجذور المشيخة( موضوع البحث)، ومدى مصداقيتها، وحقيقة أبعادها، وطبيعة دعاتها، ومسرحة تاريخها...الخ، وما يمتلكه القارىء هذا، من أفكار أو تصورات عما أنا متعرّض لـه، ومن أكون أنا في الحالةهذه، حيث الصورة المرتسمة قدتبدو فكاهية، استنكاتية، دالة في واقعها على الحقيقة المعمول بها تماماً عبرظاهرة المشيخية بالذات، استناداً إلى ما أثير بهذا الشأن، وما يقال أو يمكن أن يقال، سواء من جهة ردود أفعال الذين يمشيخون ذواتهم حسينياً، أويتمشيخون بحجة أو بدونها، من داخل عقدة المشيخية الحسينية الطابع، خصوصاً وأن العديد ممن يكتبون، وأحدد: ممن لهم علاقة بالأدب، ينافحون عن ذواتهم باعتبارها ذوات أدبية فارقة فالقة، والمنبت أو المستنبت الاجتماعي والتاريخي والتربوي والنفسي، لـه دور كبير ومؤثر في ذلك،لم يتوقف أحد عند هذا الموضوع باعتباره ظاهرة تستحق الدرس، بعيداً عن أي تحامل( فالوقائع ذاتها تشهد بذلك، والناطقون بالوقائع هذه هم أحياء)، ويكون الموضوع المثارهنا أكثر من كونه قضية الكتابة في الحيّز الأدبي، أكثر من اعتباره ما يكونه الأدب، وكيف يمكنه أن يكون، إنها قضية الأدب التي ما إن يتدخل المشيخي، أعني الكاتب الذي يكتب باعتباره مشيخي الطراز والعدة، أو ابن مشيخية أو محمياً في ظل من ظلالها، ومهما كان اعتقاده، طالما أنه محكوم بالمشيخية كعقدة، ومنسوب إليها، حتى يكون الأدب أو يصبح الأدب هذا في محل المدعى عليه، والمطالب بكشف حسابه الشخصي والاعتباري، وكيف أمكن لأدب أن يكون أدباً، وأي أدب يتحصل هنا.... أتحدث دون التعرض للذين يمارسون المشيخية الحسينية في المجال الديني أو الاجتماعي إلا بالقدر الذي يكون الحديث فاعلاً في استنباط الكلمة الأدبية، وما إذا كانت قادرة على ذلك أم لا، وفي الحدود الذي تكون الكتابة عن الأدب ضرورة لازمة، فيكون كل ذكر للمشيخة كمفهوم وكمعنى، تحديداً لمسار الأدب، أو الكتابة ذات المنزع الأدبي في الأصل، وليس من باب التعريض بالذين يعرفون بأنفسهم مشايخ حسينيين، وكيف هي سلوكاتهم في المجتمع، وعمايتساءلون عن الموقع الذي هم فيه، ومن هم الذين يتعاملون معهم، وكيفية تقويمهم لمحيطهم الاجتماعي، وتواصلهم مع الأحداث داخلاً وخارجاً.... الخ،كل ذلك، لا علاقة لي به، إن ما يهمني هو هذا الهم الكتابي الأدبي تخصيصاً، وكيفي يجري الالتفاف عليه، حتى لو برز المتأدب أو الكاتب الحسيني بالذات مشهوداً لـه ببراعة ما، طالما أنه يعزز موقعه حسينياً، وطالما أن هذا الاعتقاد: الارتداد المرجعي، محكوم بمنطق( هكذا كان أدبي)، وإن لم يُسمَّ، وطالما أن ثمة العديدين( هل أقول الكثيرين؟)، يتحركون باعتقاد منسوخ من اعتقادهم، ربما تبركاً تاريخي الإيحاء، أو تطفلاً على المائدة الأدبية المهزوزة، أو تنسيباً دعوياً إلى زعم/ ادعاء الشهرة الأدبية الزائدة بمسبحة مشيخية، وجبُّة مضخمة محمولة داخلاً، وهو ملحوظ كثيراً، لحظة القراءة لنصوص كثيرة، وطالما أن الحسيني ككاتب يتنفس الصعداء، كلما وجد نفسه في متاهة ما، ضمن واحة مستعادة مشيخية: حسينية تحديداً، لهذا يكون كل كلام هنا مركّزاً على الأدب، وكيف تتم مشيخته، أمام سمع وبصر الجمهرة الكبرى من الكتبة الذين يصيّرون أنفسهم كتاباً ظلياًكردياً تخصيصاً، ولا يعيرون التفاتة إلى العدوى المشيخية هذه، تجاوباً مع التربية الذاتية التي يتعرَّضون لها.
الحسينية: الاسم والعلامة والمآل الأدبي تحيل الحسينية لفظاًفي صورتها الأولى، المفهوم إلى تاريخ ديني معتقدي تشيعي، إلى صراع تاريخ في التاريخ وبالتاريخ بالذات، ولهذا تعرّفنا الحسينية بهويتها ذات الطابع الاحترابي، حيث تدل على جموح الانتماء المالي، إلى التمايز والتمترس خلف اسم بات جرثومة اعتقاد ورفضاً للآخر الذي يبدو مرفوضاً لصراع داخل المذهب الواحد. هنا يكون الحسين بن علي، اسماً مُسَينماً( سينمائي التكوين)، أكثر من كونه اسماً علماً،يخص شخصاً ما، ويكون التاريخ المدوَّن، والمعروف بإشكاليات كتاباته عبر مدونيه، حقل الرهان الكبير، بين طرف وأطراف أخرى، ويبرز الحسيني متقدماً بهوية انقسامية على تاريخها، وعلى ذاتها، لأنها( أي الهوية) دون المضمون الفعلي للمذهب، هذا الذي يعد واحداً( الاسلام)، وفي الصميم ذاته، تكون التقية، بصفتها شاهداً على تاريخ داخل تاريخ من الملاحقات والمشاكسات والمناوشات والالتفافات على المعنى، واستنطاق الباطن، علامة جلية هنا( لا أقول فارقة، من باب التحديد)، وفي ضوء ذلك، تكون التقية أكثر من كونها ممارسة نفسية أو ثقافية لحالة أصبحت ظاهرة، إنها متجذرة في الصميم المجتمعي، لتغدو سلوكاً ذا نزعة كليانية، إلى درجة الإطاحة بالمفهوم المعتبر أصلاً، انطلاقاً من إغواءات اليومي، ومتشهيات المستجدات، تعبيراً عن رغبة ملحاحة في توكيد الذات الشخصية ضمناً، وهي( أي التقية) تشهد تاريخياً، على التنوع الهائل في حقل المفهوم التيهي، وكيف يكون التوليف هائلاً، طالما المجال يكون مهيّئاً لذلك، وما يتبع ذلك من دس وتدسيس وتلفيق وتلثيم أو حجب مفاهيم وتواريخ أفراد وعائلات وأسر، عبر تحالفات أوتضامنات طرفينية، أورهانات سياسية وأهواء اجتماعية، يسمح الفضاء الديني بذلك كثيراً، وتاريخ الاسلام يؤكد هذا المنحى بقوة، حتى في الحيّز الفلسفي والفكري والأدبي، لأن صانع التقية هو ذاته فاعل في تنشيط وتوسيع رقعتها، بحسب الظروف ومؤثراتها المختلفة( للمزيد ، انظر مؤلَّف سامي مكارم: التقية في الاسلام، لندن 2004)، وكل ذلك يسمح بالتحدث عن تلك التوضعات الكبرى الخاصة بتصورات التقية، وكيف أن الحسينية، هي آخر ما يمكن التحدث عنه، بصفتها الغريبة عن أصلها، بسبب ما أضيف إليها من الخارج، وما تم تدوينه باسمه. هنا لا أعلق كثيراً على الحسيني: الكنية المعتبرة المعتمدة، لكل أولئك الذين ينتمون إلى تلك الأسرة التي قطنت عامودا ذات يوم، إلى جانب غيرها، قادمة من الشمال، ولست بصدد الحسينية كمفهوم ومدى دقته أو مصداقيته تاريخياً، فالأشخاص الأحياء داخل عامودا قبل سواهم، لا زالوا يؤكدون حالة التقية الموجودة في المعتبرين أنفسهم حسينيين، وهم بذلك يبعدون أنفسهم عما هو كردي، على الصعيد السياسي والثقافي، ليكون التنسيب متحركاً في المتن العربي أكثر. وما هولافت هنا، هو أن آل الحسيني، في حال جواز استخدام هذا المفهوم، يعتمدون التقية والأرضية المعتقدية والبراغماتيكية لها، ويعزز هذا الجانب: البعد الحركي القيمي لمدماك الكنية بالذات، جملة العلاقات الاجتماعية والدينية ومتتبعاتها الثقافية، في صميم المجتمع العامودي، إلى جانب آخرين، مختلفين عنهم، ممن يؤكدون هذا الجانب المشيخي أوالديني الكراماتي فيهم( القادري، الحامدي، الهاشمي ، مثلاً)، وكيف تتحرك عامودا تاريخياً عبر هذه الترسيمة التمذهبية في تفاوت حقائقها التاريخية، كما لو أنها قطع جليد عائمة على بحيرة لا يخفى عنفها التياراتي المذهبي داخلاً، ولا برودة مياهها بالمقابل. إذ برز الاهتمام بالجانب الديني الحرفي، الموائم لماهو سائد( فقه العبادات بالدرجة الأولى)، وبطريقة حفظية بعيداً عن روحه التاريخية ومقتضيات المعاش، العين الناظرة والأذن اللاقطة لذبذبات المتحولات، حيث إن الأحداث كانت تتقدم المعنيين بالفقه هذا، وما يصاحب ذلك، من قدرة ومقدرة مبذولتين، للتحرك في النطاق الفقهي المغلق من مواربة ومحاباة ومداراة للمعنيين بشؤون المجتمع. الذين يُعتبرون أسماء العلم الكبرى داخل عائلة آل الحسيني تجاوزاً، هم من يصادقون ذاتياً على هذا المنحى، وهم أخوة مشايخ معروفون في المحيط العاموداوي. والذين انحدروا من أصلابهم ممن تحولوا كتاباً: شعراء في المجمل، برزوا أكثر تأكيداً للحسينية المجتباة لسان حال معاش مطلوب، ومُجازى هنا وهناك، ولدي من الأمثلة ما يشير إلى ذلك، ولا أقول ما يؤكد هذا حرفياً، فالوقائع تلفت النظر، وبالتالي، فإن الذين يتحركون في المحيط الاجتماعي لآل الحسيني، ويُعرفون كتاباً بدورهم، إما أنهم أصيبوا بالعدوى الحسينية، أو أنهم استحالوا حسينيين، أوتلمظوا داخلياً، ومن ثم حبذوا التحرك حسينيين في الغالب، دون أن يكونوا منتمين في الأصل إلى هذه الدائرة المسماة السلوكيات المرافقة لها. بدايةً، أحيل إلى الكم الملحوظ واللافت، ممن أصبحوا كتاباً وفنانين من آل الحسيني، ولكنني مركّز على معتمدي الكلمة، أولئك الذين يعرفون بأنفسه طلائع التنوير الكردي، أو أولي أمر الأدب كردياً، حتى لو أنهم يكتبون بالعربية، أسمي هنا:توفيق الحسيني( الجامع بين الكردية والعربية أكثر) أحمد الحسيني( الشاعرأولاً والمترجم تالياً)، محمد نورالحسيني( الشاعر خصوصاً والمترجم عن الكردية قليلاً)، محمد عفيف الحسيني، عبدالمقصد الحسيني، عبدالرحمن الحسيني، عبداللطيف الحسيني...الخ، إنها أسماء ذكورية بامتياز، أعني عدم وجود كاتبات حسينيات، وهي حالة تخص البعد التربوي والاجتماعي للمعاش من الداخل. هو حضورلافت يستحق التقدير، لا بل إنني أتلمس في البعض المحدود منهم( أحمد الحسيني خصوصاً) الوجه الأكثر بلاغة في الممارسة الشعرية بالكردية، كما تحدثت عن ذلك في كتابي ( وعي الذات الكردية)، مثلما أنني لم أتجاهل يوماً المتخيل الشعري الموجود عن كل من محمد عفيف، ومحمد نور، وعبدالمقصد الحسيني،ثمة نزوع إلى التحليق، ولكن ثمة الكثير من الزحلقة الشعرية، والتباهي بالذات، انطلاقاً من ادعاء مزكَّى حسينياً، وهو ضرورة أن يقول الشعر أو الابداع بمثابة الحوزة الأدبية الحسينية، وضمناً تكون الريادة الشعرية وحتى في وعي المتحصل في المقام الحسيني، وهذا ما يمكن تتبعه، ومكاشفته في البنية الذهنية لمجمل كتاب الحسيني. يكون الشعر في بدايته الأولى، وكما هو متداول فناً بلاغياً استثنائياً، يكون امتداداً في سلطته للسطان الديني، فالمشيخي، هو المتفوه بصفته المفوَّض للـ( حكي)، والحكي ليس التعبير البلاغي المختلف، وإنما السير في ركب أسلاف معينين، شكلوا ذات يوم قدوة معتبرة، تحوز إرادات ونفوساً، يستهلكها الوله التديني، ليكون الشعر خادماً لمسيّرومنمّي الوله ذاك . وحين أقول : الشعر في بدايته الأولى، فأعني بذلك، بعد تحوله من المحلّق بجنِاحي الشاعر، رغم وجود بعد جماعي يتمرعى فيه، إلى المحلّق بجَناح شاعر مثقَل بأعباء الطقوس والشعائر التدينية، وتسييرالرغبات الخاصة بملة معينة، أو طائفة، أوحلقة ذِكرية، هنا يكون الشعر المشيخي مرصداً إضافياً من مراصد الأنا المضادة، في سوق المعاملات الوظيفية ذات الصلة بماهو إيماني موجه، وكل شعر يأتي مأخوذاً بسطوة المشيخية، حتى وإن برز شعراً نابت الخوافي والقوادم، لا يعدو أن يكون مقصوص الذنب، غير قادر على التحول يميناً أو يساراً، بقدر ما يكون متحوَّلاً لما يضاد طيران الشعري في الأساس. في المقاربة التاريخية لآل الحسيني يظهرون حرصاً على المحافظة، وربما التشدد في المذهب، بخصوص مفهوم الفقه، و نوعاً من التنوير التلفيقي على الصعيد الاجتماعي، دون التخلي عن نزعة المحافظة السالفة، وجنوحاً نحو الثورية والشطط الثقافي بالمقابل، خارج حدود البلد، كما حال لدى العديد من كتابهم. الكتاب الحسينيون هؤلاء!جلهم شعراء، حتى وإن بدا البعض منهم ميالاً إلى التنوع، أو التنويع في الكتابة الأدبية، ولكن المهبط الشعري، هو الذي يشكل قاعدة الانطلاق ومرتجع كل كتابة تجري في سياق المطاردة المشيخية لأفانين القول، كون الشعر يعيدنا إلى السلطنة المكشوفة في عالم الشفاهة، حيث الشيخ أو المشيخي لا يتحدث إلا وهو مرئي، وإن مارس الكتابة، فأمام ملأ من حوله( في التكية ومستتبعاتها)، وليس الشعرهنا إلا تسليفاً مشيخي المورد والمآل، حيث الشاعر، لحظة التجلي الشعر، يجسد شخصية مشيخية، أو يتقمص المشيخي، انطلاقاً من تربية راقت لـه، أو استعذبها بعد حين، والمفصح عن ذلك، هو تواصل الكاتب الحسيني( نسبة إلى الكنية أواللقب المتعزَّز به) مع حالته الشعرية بوصفه ربيب مشيخة أو شيخاً حسينياً، مع ما في ذلك من هدر لقيمة الشعر، وفرض قيمة برانية على الملفوظ شعراً، أو أدباً، كما يعلمنا بذلك أغلب الحسينيين، في حالة الارتكاس المستمرة فيهم، والإيحاء إلى العالم الخارجي على مقدار الحضور الأدبي الذي لا يجاري فيهم، وانتظار مديح الآخرين، وليس العكس، فالمشيخي، هو الذي يغذي فاعلية الأدبي، ويرسم حدوده. الحديث عن الكتاب من آل الحسيني( عن رموزجلية منهم طبعاً، يؤكدون حضورهم بقيمومات نفسية ودعوية، وبطرق شتى)، وكيف تبرز المشيخة معلماً توافقياً مع المعاش اليومي والبيئي، وما في ذلك من ضروب الالتفاف على الذات وعياً وتجلي أدوار، هو الذي يقاربنا مما نحن فيه، وما يلي الحديث من تشعب للداء المشيخي، والافتتنان به هنا وهناك، أعني تحديداً، ما تفضي به الحسينية كقيمة تسويقية للأدب في المجال الاجتماعي والاعتباري، بحسب الفرص وتلوناتها، إلى المضاد للأدب. توفيق الحسيني: لا أحد( لا أنا ولا غيري، كما أرى هنا) يمكنه تجاهل الدورالذي قام به الشيخ توفيق الحسيني، في المجال الأدبي، من جهة ترجماته على وجه التخصيص، وما يتطلب هذا الدور من استطاعة بذل جهد وتواصل مع الكلمة الأجنبية، ومتقابلاتها في الجانب الاخر من اللغة الأخرى، ثمة قرابةخمسين كتاباً، شهادة دالة على الباع الطويل لتوفيق الحسيني، من الكردية وغيرها إلى العربية. السؤال الذي يطرح هنا: أي عقدة مشيخية فيما تقدَّم؟ المطب الكبيرالحامل للعقدة، كامن في طريقة الترجمة بالذات، ما أعنيه، هو أن توفيق الحسيني متنقل بين لغتين على الأقل، ولكنه ليس مترجماً على الاطلاق، إنه لا يمتلك إرادة المترجم، حصافته، شفافيته، حرصه على اللغة، وروح المسؤولية المكلفة فيها أو إزاءها، بقدر ما يحوزحركية الناقل الموجَّهة، إنه ليس مترجماً محترفاً ومن ذاته، بقدرما يكون خلواً من الترجمان، ذاك الذي يتطلب ذائقة حية، وسلطة متجذرة في صميم الذات، ووعياً بالمادة المترجمة، والبعد الأدبي أو المعرفي لها، وتوجهاً دلالياً لما يترجَم، وباختصار، تتطلب الترجمة استقلالية ذات، وإيماناً معرفياً مدروساً بالمادة الجارية ترجمتها، والشيخ توفيق الحسيني، لا علاقة له بكل ذلك في الغالب . أقدّر ذلك سلفاً، مدى الألم الذي يمكن أن يسببه قول كهذا، بمثل هذا التحامل الظاهري على أكثر من صعيد، وحتى العدائية السافرة لرجل مضى عقوداً زمنية من عمره في مجال النقل( لا الترجمة التي أشدد عليها)، وتعديم كل قيمة أدبية لما قدمه . ما أقصده( وأشدد على النقطة هذه)، هو خلاف هذه الاعتبارات كلياً، إنني أحيي الرجل الحسيني فيما قام واستقام به، فيما بذله من جهد أو جهود في ميدانه الذي لم يدخله حتى الآن بحرفية مطلوبة وكما ينبغي، ولكنني، لا أتلمس فيه شخصية المترجم، ذاك الذي يقول لا، لنص، لا يريد أن يترجمه، لا أجد فيه كائن اللغة الأخرى، الذي يمكنه الحديث عن الترجمة بصفتها فناً أدبياً، وعملية تذويب للحدود بين اللغات، وفتحاً لمجاهيل اللغة هذه أو تلك، وذلك الواقف على المكوّن المعرفي للغة، وسلوك الرجل المترجم. ادفع بأي نص إلى مترجمنا( أقولها دائماً بتحفظ)، مقابل دفع مبلغ، أو بانتظار مبلغ، حتى تجده يسارع إلى البدء بالنقل اللغوي، داخل مشرحة نصية، تفتقد مرونة المترجم الحقيقية، يضاف إلى ذلك، اندفاعه في إطراء المنقول، تجاوباً مع رغبة صاحبه. عدم التدقيق في النص، التجاوب معه، أعني مع صاحبه، انتظار المردود المادي، تقريظ من ينقل له، علامات فارقة، تجلو شخصية توفيق الحسيني. ربما ينبري أحدهم/ كثيرون للقول، بأن المقصود هو تهمة الارتزاق، وأنا أقول مباشرة، ثمة شبهة في هذا المنحى، ولوكان الارتزاق قائماً بنصيته، لسمَّيته، ولكن الحسيني في مقامه، لا يغادرعقدة المشيخة، حين يترجم نصوصاً مختلفاً، ليس حباً في الاختلاف، كلا. إنما لأن المعروض عليه، هو هكذا، أو لأنه يرى في نص ممكن نقله مجالاً تسويقياً، جاراً شخصيته الاعتبارية: المترجمة خلفه، وليس العكس، كما يقول محيطه الاجتماعي الذي يتحرك فيه، فالأدب مأخوذ بالمجتبى المادي عنده، وهو إذ يتصرف هكذا فانطلاقاً من قناعة مشيخيته، وفحواها أن ما قام به جدير بالتقدير، والذين يحيطون به يدركون هذا الجانب، لا بل يطريه الكثير منهم، كما هو معلوم. يمكن البحث في مفهوم( التكسب)، والدور السلبي لـه، في إخراج النص المزمع ترجمته إلى لغة أخرى، من نطاق لغته، بكل دلالاتها وإيحاءاتها وأبعادها الفقه-فكرية، إلى نص يشهد مقتلاً للكثير من الأبعاد تلك، طالما أن القائم بعملية النقل، يهتم بكيفية إنجاز النقل في أسرع وقت ممكن، حيث التفكيرالنصي متخلف هنا، والتكسب بفهومه العبئي على النص، يُظهر حالة غرابة واستغراب بين القائم بالنقل، والنص المنقول، وأرى أن الحسيني في صميم الحالة هذه. لا أتحدث عن المسكنة التي تغلف شخصيته، وتأثيرها في عملية نقل أي نص كان، ولا عن الظروف الاجتماعية والمناخات النفسية التي يعيشها، بقدر ما أشير إلى كيفية التعامل مع النص، باعتباره جرت مساومة عليه، وإلى ضعف الانهمام الروحي به. ليس لدى الحسيني أي استراتيجية في وعي النص المنقول معرفياً وتقويمياً، الوعي الموقفي أو المبدئي الذي يجلو رؤيته المقدّمة للنص، ومدى إدراكه لما يقوم به، ثمة عمى ذاتي للنص المنقول من جهة سلعنته، والسلعة هذه لا تستحق أن تكون إلا في سوق( الجمعة) أو ( الأربعاء) أو ( الأحد)، كما يقال عندنا، وما فيها من شعبوية مستهلكة. لا حضور للحسيني كمترجم يُعتد به، نعم، هو مترجم، ولكنه خلاف اسمه الذي يروَّج له هنا وهناك، تأكيداً للنزعة الشعبوية التي تتملك أصحابها( على طريقة: عنزة لقت غطاها)، أي أن نصوصه المنقولة، تظل في خانة الاستهلاك المحلي الضيق في الحد الأقصى، في الوقت الذي نجد أن القائم بالترويج لشخصه امتداد لـه، أو يتكسب بصفة شعبوية في إثره، حيث المشيخية تغدو متجاوزة لحقيقتها، وفعلها المحوَّر تماماً، وهذا ما سأتعرض لـه في موضوع آخر، وعبر نماذج، تواجه قارئه وقارىء صاحب النص، وكيف تستحيل المشيخة شريطاً فيلمياً متقطعاً سيء المونتاج والدوبلاج! محمد نور الحسيني: محمد نور الحسيني، معروف كشاعر، ولكنه معروف لاحقاً كمترجم لبعض النصوص الكردية، وكتابات مقالات تقريظية في الغالب. ثمة مشيخة حسينية مائزة هنا! لا أتحدث عن نصه الشعري، ومدى دقة هذا المفهوم، فهو شاعر كعشرات الشعراء الكرد ممن يكتبون بالعربية قبل كل شيء، وليس هناك من فضل استباقي لما يكتبه شعرياً، ليحتفى به مجدداً في نصه الشعري، بالصورة التي يروّج لها، من لهم معه غرض، أو حين تكون العلاقة العِقدية هذه بادئة منه، وخاصة الترويج للذات، كما لو أنها في فتح الفتوح الشعرية. نعم، ثمة ما يمكن التوقف عنده، من جهة القول الشعري والمعتمد الرمزي وأرضيته المعتقدية، ولكن ذلك خارج ما أنا فيه، ما يهمني هنا، وبالنسبة لموضوعي، هو أن محمدنورالحسيني، يجذّر نوعاً من الحسينية في ذاته بجلاء. في الإشارات التي تخصه، تلك التي ترد في العديد من الحوارات أو المقابلات وسواها تلك التي تخص بالمقابل ابن عمه محمد عفيف الحسيني، بوصفه الكردي الاخر المدرك لحيوية وفذاذة كرديته أكثر من الكثيرين من مجايليه من الكتاب، ودائماً حسب زعمه بالتأكيد، نتلمس ما يوقظ ذلك الكائن المشيخي فيه، ما يبقيه متنبهاً لمايراد احتيازه، صاحب الجبة الشعرية أو الأدبية، ما يبقيه مسحوراً باللقب، ومعموراً بالقيمة المزكَّى بها. لم يقدم محمدنور ما يخالف ما قيل فيه، أو يعدّل فيه، ثمة وسط فيزيائي- مختبري مجهَّز كسبقاً، يبصر من خلاله معدنه المشيخي المعدَّ بالاتفاق، ما يحيله إلى مأخوذ ببريق المروَّج عنه. لم يكن محمد يوماً بالصورة التي يعرَّف بها، ومن قبل من يريد إيجاد شركاء مساهمين لـه في ( شركة الأدب المشيخي الحسيني: ذات العلامة الفارقةالشعرية بامتياز)، لإلضفاء قيمة تاريخية أدبية استثنائية في الوسط العاموداوي المتميز بتعددوتنوع الرموز المشايخية فيه، ولكن لا مشيخة تمارس خرقاً لتاريخها المولَّف، واتعماء لمحيطها مثلها، وأنا أتحدث عن علاقة الكتابة الأدبية بصاحبها، وكيف يتم تحريكهاوتحبيكها أو تشبيكها. لم تكن الكردية ذلك الهاجس الذي يشغله كما يريد أن يوحي إلى الآخرين، ممن لا يعرفون ( القواعد النصبية( لا المنصوبة) للعبة الاستغماية في الاسم وصناعته)، هذا ما أعرفه ويعرفه عنه جيداً، بقدر ماكان مع السائد، في مناخه المحافظ غالباً، وهو حين يقول في حوار معه منشور في موقع( Tîrêj) الذي يديره ابن عمه الأكثر استظهاراً لعقدة المشيخية الحسينية محمد عفيف ( الكتابة بالكردية حنيني الدائم وشوقي العارم، على هذه التخوم أنصب أفخاخي..)، فهو يدرك إلام يومىء، أو يرمي بسهمه الشعبوي الدعوي تحديداً، من جهة تعميم القول، وكأنه كان مكرهاً على الكتابة بالعربية، وأن الكردية هي الوجه الأكثرجلاء فيه، وكل ذلك يتبدى ممارسة للمراوغة الذاتية، وانسلالاً من تاريخ يقول خلاف ذلك، من جهة الموقف السابق بالذات( الشيوعية تحديداً، وذلك التبجيل للماركسية ضمناً)، وهذا ليس تجنياً على تاريخ شخصي، فنحن في الجوارالاجتماعي الثقافي وليس الجغرافي الحدودي فقط، وهذا غير موجود طبعاً، والعلاقة الشخصية بدورها قادرة على إبقائه داخل تاريخه، مثلما أحاول أن أكون مرتبطاً بتاريخي، كما كتبت في أكثر من مكان. فالعربية في الوقت الذي أبعدتني عن لغتي، إلا أنها أمدتني بالقدر الذي أبصرفيه نفسي، وأوصل صوتي إلى الآخر: العربي وسواه، ومحمدنور المعروف بالعربية أكثر، ليس نقصاً من قيمته أو نقضاً لها، وما عدا ذلك، فهو ضرب مغرض على وتر النزعة الكردوية، وفي هذا الوقت بالذات، حيث نجمها سطع لأسباب عديدة لست بصدد تفصيلها، وفي الوقت الذي لم أجد في محمد نور ما يؤكد تلك الكردايتية التي يغلف بها جبته الأدبية المشيخية، خصوصاً بعد أحداث 12 آذار، وهذا يحيلنا إلى الخاصية الكبرى للمشيخية، وكيف تبرز الايديولوجيا كبراغماتيكية فاعلة بغلالتها الدعوية، أكثر من الواقع المفنّد للواقعة المختلقة. يسبق الزعم النفسي الدعم الواقعي، إنه لازال يتحرك على تخوم المعتقد المقيم والفاعل فيه، يبحث عن المنابر التي تحيله إلى ابن مشيخة، تمركِز مكانته مشيخياً وليس أدبياً، والقليل الذي كتبه في الشأن الخاص بالكردية، وبالعربية تحديداً، لا يعتد به، لتأكيد زعم( حنينه الدائم)! بوسع محمد نور أن يكون أقل اندفاعاً في إشهار كرديته، تلك تتحرك في إثره، ولا تتقدمه، بتأثير متغيرات الحالة، ولا يوجد ما يدل على أنه قدم ما يجعله في مستوى مقول قوله، ثمة تجنٍّ على الحقيقة، حين أتقدَّم بتاريخ أكبر وأوسع مني، هو خلاف تاريخي، وقد كان بوسعه أن يضع نفسه داخل التاريخ: بمناقبه ومثالبه، ليكون شخصه مشجِعاً لنا على متابعته أكثر، من جهة التنامي الإيجابي على الصعيد الكتابي، وليس عبر الانغواء بالحالة المشيخية التي ينشدُّ إليها، لفعلها فيه! محمد عفيف الحسيني : يشكل محمد عفيف الحسيني الاسم الأكثر بروزاًً في آل الحسيني، وهو المعروف بالعربية شاعراً، وصاحب موقع انترنتي، مذكور سابقاً، وأكثر من مجلة لم تعمّرلأسباب لهاعلاقة بالبعد الدعوي المشيخي تماماً( أهمها حجلنامة)، وعندما أقول: الاسم الأكثر بروزاً، فمن باب التركيز على تلك الطاقة المستجمعة والجاري توظيفها عنده، لجعل مكتوبه معبراً، لتأكيد النزعة المشيخية الهائلة فيه، ويغدو الشعر خصوصاً، والذي يعرّفنا لحظة قراءته بالعديد من جماليات القول الشعري الجميل، ملحقاً بتكية المشيخية المتحركة داخله. كيف ؟ يمكن اعتبارما يقوله ويقوم به محمد عفيف، تجييراً لحقيقة بكاملها، حقيقة ما لم يكنه، وحقيقة ما يريد أن يكونه، وفي الحالتين، وهما وجهان لعملة واحدة، يكون عرَّاب الكتابة الحسينية بامتياز! كنت أتمنى على محمد عفيف الذي أعرفه أكثر من أيٍّ كان من آل الحسيني، أن يخفف من غلوائه، وهو يتحدث عن تاريخ لم يكون موجوداً، إلا داخل متخيل مختلق، ويدشن لتاريخ ليس بوسعه تدشينه لأن سابقه يكاشف سوأةلاحقه، أعرفه عبر غرفته الصغيرة والواطئة، التي لم تكن تتجاوز مساحةً تسعة أمتار مربعة، من خلال مجموعة الكتب الموزعة فيها: الدواوين الشعرية خصوصاً، وتلك الخاصة بالنقد الأدبي، والكتب الماركسية – الشيوعية، وذلك الحبرالأحمر المراق من لدنه، على العمود اليساري من الباب الخشبي الواطىء في الزاوية الشمالية من غرفته تلك، ذات العتبة/ الدكة المعروفة في كل عامودا، وعبر مدخلها الواطىء بدوره، وصورة غيفارا، وما كان يراهنه على ماهو ماركسي وشيوعي، إلى جانب البقية من الشباب الحسينيين من الكتاب، وتلك البعثرة التي يرينا بها شخصه، عبر مجلات ( الحرية الفلسطينية خصوصاً) وسواها، على أرضية غرفته الطينية، حيث كان يعتز بها، بصفتها دالة على حالة الجموح الشعرية، كما كان شأن أغلبية من يعتبرون أنفسهم شعراء بالدرجة الأولى، باعتبارها لسان حال الفقراء أو الطبقة العاملة أساساً وقتذاك، وعندما أتحدث بالصورة هذه، فليس من باب التشهير المتمادي بماض، معظمنا كنا في الحالة تلك نعيش، بل ربما كان وضعه داخل البيت وخارجه أفضل من وضعي، وما كان بيننا من حراك أدبي، ودون الدخول في (ديروك نامة) محمد عفيف، يشاء القدر( قدره الذي تلبَّسه والتبس عليه) أن يجاهد ارتحالاً نحو شمال آخر، نحو أوربا، وهو مسكون بتراجيديا مكتبته تلك، وتنقطع أخباره( عني على الأقل)، حيث الاطمئنان كان متقطعاً، لأسباب خاصة بالظروف ومتتبعاتها المختلفة. ما يمكن أن يقال هنا، هو أن الأيام التي أمضيناها معاً عبر لقاءات واستئناسات متبادلة، أنا وهو وآخرون كرداً وعرباً، تجذرت في الذاكرة، وما زلت أستضيء بها، كونها تقودني أنا على الأقل صوب مرحلة تؤازرني الآن أكثر من أي وقت مضى، للمقارنة بين سعادة الأيام تلك، رغم بؤسها، وتعاسة الأيام هذه، رغم السعادة التي يجلو بها محمد عفيف شخصه، ناسفاً تاريخه ذاك. الكردية لم تكن هماً من هموم محمد عفيف إطلاقاً، لا هو ولا أياً من آل الحسيني( أتحدث عن الكتاب منهم، وهم امتداد لمن يعتبرون أنفسهم منتسبين إلى آل البيت! أي بيت هنا ياترى؟)، وهنا بيت القصيد. بين دفاع المرء عن تاريخ يخصه بعجره وبجره، وتاريخ يتولف من قبله: أبيض أكحل براقاً، ثمة فرق كبير، هو الذي يفصل محمد عفيف الحسينيّ المكدود هماً، والمشغول بالصراع الطبقي، والأممية، والأخذ باللون الأحمر دلالة رمزية، وأشعار الثوريين: عرباً وأجانب، والاعتزاز بغرفته المؤكدة لانسحاقه اليومي، والذي يشده إلى الوراء، عن محمد عفيف الحسيني المتلون، كما لو أن سلسلة لامتناهية من المحمدات، في الجمع بين كردية قحة لم يعشها، وشيوعية عاشها نفسياً، وماركسية تماهى مع عناوينها الكبرى، والتواصل مع المكتوب العربي هنا وهناك، وراديكالية في تصور الذات، والقدرة على التلوين النفسي، ومنافسة الكردي المخضرم بجدارة فيما تركه، حقيقة من تاريخ حي، وإبرازالحسينية بصفتها تقية تبرر له ما يقوم به ويقوله. أتحدث عن الجامع بين زوجتين بينهما غاية التناقض، ليس لعلة فيهما وإنما لعلة في محقق أو منجز الجمع، بين سيدة كانت تجد عالمها وهو تتكلم العربية، وقد هام بها محمد عفيفنـ:نا، حباً، إلى أن تزوجته، ولا أقول تزوجها، بسبب الحب المذكور، وسيدة رأت فيه الشاعرالعفيف القادر بين حب كان معرباً، ربما، وحب أريد لـه أن يكون المرة هذه، كردياً صرفاً وفي محفل أدبي شعري، تأكيداً لكردية المرحلة المنشودة، وما يتطلب من تغيير إكسسوارات الحياة الشخصية المستجدة، هو ذاته الفرق داخل التقية المعلومة بباطنية تراوغ ظاهرها في الحالة الزوجية الأولى، وظاهرية تصارع باطنها في الحالة الزوجية الثانية،هوهذا البرزخ المصطنع، الفاصل بين مرحلة أبصر ذاته في ظل العربية التي آوته، حين كان داخل حدود آثر صمتاً لائقاً بسلوك التقوي، ومرحلة استوجبت مثل هذا الإدلاء والإعلام، أي أن يكون زوج كردية، لأن معجم الكردية متحرَّك أوربياً، وربما حين تقتضي الضرورة، ذات يوم، أن يكون زوج سويدية أو سواها، تحت وطأة زعم أنه في الأصل ينتمي إلى جذور موغلة في القدم، سويدية حقاً.. وفي الحالات كافة يكون محمد عفيف الحسيني الصديق والشاعر ذات يوم، طالما أن إخلاصاً قائماً للتاريخ ذاك يُعمَل به، والمنسلخ عن تاريخه ليظل الشاعر والكاتب الأهوائي الاستيهامي، كما هي التقية في أكثر أدوارها عصابية، وعندما أتحدث بالصورة هذه، فلأنني لا أجد نفسي بمعزل عن استحضار ما كان شخصياً، في المقاربة النقدية لما يندفع نحوه محمد عفيف الحسيني، وعقدة المشيخية الطاغية الطافية فيه! سيقال إن هذا يعُتبَرقمة الفظاظة والوقاحة، وربما تجلي الضغينة، في استثارة ما لايخص الأدب أو النقد عموماً. حسن! لكن ماالذي يشد الأدب إلى معناه ومقتضى العمل به؟ كيف يمكن العمل فكرياً، أو التفكير على الصعيد العملي، إزاء من يحتكم لاشعورياً إلى التناقض حقيقة كبرى مائزة لـه، فيما يكتبه وفيما ينتهبه؟ كيف تكون الكتابة قضية انبناء في العالم، في الوقت الذي يتمرجح العالم جنونياً بين الحد الأقصى من الامتداد في الواقع( واقع المرء حيث يعيش، وواقعه حيث يتخيل كواقع خاص به، ولكنه لا ينعزل عن الأول) والحد الأقصى من الانشداد إلى واقع افتراضي مستنسخ توهمياً؟ كيف يكون الرجل في مستوى ما ينسبه إلى نفسه توليفياً؟ أتحدث عن الصديق العزيز والشاعرالذي كان يتبصر ذاته، كغيره من أنداده، باسم الشعروعبر واقع لم ينفصل عنه، والكاتب : الشاعر والمشرف على موقع انترنتي وسواه، الذي أعلن حرباً ضروساً منذ أكثر من عقد على محمد عفيف الحسيني، لابس الجينزغير المكوي غالباً، والمنتمي إلى تلك الغرفة ذات العتبة أو الدكة الشاعرية فعلاً؟ قبل أقل من عامين، وفي البرنامج التلفزيوني الكردي الذي يعده الكاتب حليم يوسف(Gava sêyemîn)، كان لمحمد عفيف الرافض لمحمد عفيف الأول كلياً، ولكن كيف؟ عبر أقوال لافتة بحديتها: - أنا نادم، لأنني لم أكتب بالكردية. - كنت أنا ومحمد نور الحسيني،الأُوَل من جيلنا، ممن كتبوا عن مأساة الكرد، خلاف آخرين أمثال جميل داري وسواه، فهؤلاء شعراء عرب. - أنا ومحمد نوروسليم بركات، يكمل بعضنا الآخر. - خرجت من سوريا، لأن ماكتبته، لم توافق الرقابة عليه، حيث ذكرت كلمة الكرد وكردستان. - أنا معروف في الصحافة العربية كقارىء كردي. 1- إنها استعراضيات القوة المطلقة الوهمية، وتعبيرأقصوي عن تدليس المعنى. في الحالة الأولى، ماالذي يظهره الندم، سوى محاولة لفت نظرالقارىء الآخر، القارىء المتصابي حباً في شهرة متفقعة ليس إلا، إيحاء إلى تاريخ لا يمكن الخروج منه بالصورة السافرة تلك، وفي الحالة الثانية يكون الندم شبح ذات، وهمها. في مادته الغرائبية، والتي تتضمن بعداً ثقافياًعصامياً في المظهر( دهوك: ثلاثمائة شاعر) المنشورة في أكثر من مكان( في موقعه الانترنتي على الأقل)، حيث يستكثرهم، غير مدرك لدلالة وجودخمسة شعراء حسينيين على الأقل، يدافع عن الكتاب الكرد الذين جسدوا كرديتهم بالعربية، وهو في معرض المناقشة مع القيمين على مهرجان دهوك، وهو قول جميل رغم تناقضه الفاضح، كما سنرى، ومن جهة تركيزه على سليم بركات، وفعله الكتابي الرائد، في جعل الكردية كتجسيد، محلقة في فضاء تاريخ اللغة الأخرى، وهو ضمناً ملحَق به. الندم، يعني ضرورة التخلي عن الكتابة بالعربية،يعني أنه ناقم على تاريخه ذاك، ويعني أنه كان على بركات وغيره، أن يكتب بالكردية الصرفة، وهذا يشكل سدرة منتهى التخبط المشيخي! محمد عفيف، لو لم يكتب بالعربية، لما عرف كما هو الآن، ومحمد عفيف، حين يعنف هذا الجانب فيه، فليس من باب الندم بالمعنى السيكولوجي الاعتباري، فهو ندم توظيفي، إنما لتأكيد الكردية التي نمت وتجمهرت شعابها وهضابها وقبابها وحرابها فيه، إنما خارج حدودها في غرفة العناية المشددة نفسياً، أعني بها تقوياً، مع ما يتبع ذلك من انقلاب ساحق ماحق على الذات، وكان عليه ألا يقول بالمقابل، وبنوع من الخيلاء الفارطة، أنه هو ومحمد وبركات يكملون بعضهم بعضاً، بصدد الحديث عن العربية المنبوذة هنا عنده. ثمة استهتار بوعي القارىء، حتى ذاك الذي يعتقد بصوابية ما يذهب إليه العراب الحسيني، من أقصى ذاته الفارطة إلى أقصى ذاته المنفرطة، وهو يعيد ترتيب مفرداته داخل جملة مفيدة خارج أي اعتبار قواعدي تاريخي قيمي. رجوعاً إلى الوراء قليلاً، لستُ نادماً على كتابتي بالعربية، إنما الندم هو أن أقول ذات يوم قادم أنني نادم، ولايعود الندم مجدياً، إنه تاريخي الذي أوصلني باللغة التي تقربني مما أنا فيه، لا مما أجهر به خلاف ما أنا عليه، ضحكاً على لحية القارىء! 2- في ممارسة الكذب، ثمة ما يقال عن التناقض الودي، كأن أقول عن أنني على ما يرام ولست كذلك، كأن أقول إنني أنتمي إلى عائلة معروفة، والوضع خلافي قليلاً! في حال محمد عفيف، ثمة التناقض الودي، بين الانتماء إلى عراقة العائلة( دون الطعن في العائلة: في آله، إنني أتحدث عن الولد المستثمر لمشيخة الأب إلى أقصى درجة ممكنة فيها) والارتقاء إلى عراقة المكانة الأدبية، والانتشاء باللقب الحسيني وجملة المفردات البركاتية الصرفة، دون القدرة على تغييب الأصل المقلَّد، لنكون في الحالة هذه إزاء الكذب الصراح، في تزييف الذات والكتابة والتاريخ.. الخ. الادعاء أنه وهو ومحمد وبركات ثالوث الابداع الكردي بالعربية، تجديف ابداعي قح، في الوقت الذي يفصح عن ندم قح، لأنه كتب بالعربية، فإذا كان لـه هذا التسامي/التعامي الأدبي، لماذا الشعور بالندم؟ لماذا هذالتحليق في فضاء اللغة الأخرى، وهي غير مرغوبة؟ لماذا الاتجار ببركات، وهذا صامت، وهو خلافه، وكأن الكردية وعياً وأدباً وسلوكاً اعتبارياً وجدت ضالتها في الحسيني هذا! في الحد الأدنى، بالنسبة لمحمد عفيف هنا، أن يتعلم من بركات: اللقب الذي اختاره لنفسه، التحول الذي ارتضاه، وبعده الدلالي والرمزي، عندما أحال( سليم ملا حسين) الاسم والكنية وما بينهما من حضورللكائن الديني المقلق لذاته، إلى ( بركات)، كما أشرت إلى ذلك في دراستي عنه في كتابي( وعي الذات الكردية)، إيقظاً لذاته المرتحل إليها، وتنبيهاً لقارىء العربي قبل الكردي كاريزمية التحول ذاتياً هذه، لكن المأخوذ ببركات، لا يريد تحولاً داخل الكنية التي يحرص على بقائها والتدرُّع بها، لأن ( أل) التعريف ، قبل شيء، شفيع رمزي عند الذين يعرفهم، وأكد انتماءه إلى داخل البيت البعيد عنه. نعم، إن البركاتية غدت وتغدوهنا( الركَّاتية) حسينياً! 3- لمن يوجه كلامه محمد عفيف، حين يعرف بنفسه وابن عمه رائدين في الكتابة بالعربية، وفي وعي الكردايتي، وهو ما لم يكوناها إطلاقاً؟ كان عليه أن ينتظر الآخرين من حوله، أو في محيطه أن يبت في ذلك، أم أنه يتصور حسداً متحفزاً في جواره الزمكاني، من قبل كل حامل قلم وكائن انترنتي، يحول دون هذا الاعتراف( الميليسي) الطابع؟ ثمة رجوع إلى شعراء النقائض الكرد الحسينيين هنا، إزاء البقية وهم الكثرة الكاثرة ممن لم يهتدوا إلى سواء سبيل كرديتهم أو يبلغوا مشارفها؟ رجوع إلى التقية في طبعتها المشيخية التي تحوز ملكية ما عداها، تتويجاً لوقار ذاتي نسجته خيالات المهزوم أمام تاريخه، ذاك الذي يخلو من كل إشارة إو إمارة لافتة تمس ما شدد عليه، خيالات متراوح ِ بين ذات موسوسة تتعالى على تاريخها الشخصي، ونفس لوامة مقبوض عليها بجناية تضليل تاريخها الأدبي. سأصغي إليه في الحالة هذه، على طريقة( هذا الطاس وهذا الحمَّام)، حين يؤكد تلك الهبة الكردية النافحة فيه، قبل خروجه بدليل ملموس، وبشكل أدق، هو والذين يتدعمون بالكنية: المتراس حسينياً، حين يفصحون عن الكردية المحلقة الظاهرة فيه وفي سواه، بعد أحداث 12 آذار، لا يء لافت في هذا المضمارالمرصود، فبأي آلاء كردية تبهرج ذاتاً ضالعة في نبذ حقيقتها؟ إنه إفلاس مدقع معلوم به، هو وأغلبية الحسينيين من الكتاب، حتى وهو في أورباً، لأن ثمة حسابات أخرى، كما تابعت موقعه وموقع سواه. 4- هذا يعمّق ذلك الالتفاف على حقيقة تاريخ، يأخذه في خناقه، والمتعلق بـ( هجرته): هجيره من بلاد الضاد، إلى بلاد التضاد كردياً، لأن الروح الكردية، لا بل والكردستانية، هي التي دفعت لأن يترك بيته الشاهد المأسوي عليه، والذاكرة التي سعى تدريجياً إلى التخلص منها، ولا وجود لأي أثر يفصح عن هذا الادعاء المرَضي البتة. كنت أتمنى أن يكون محمد عفيف، وليس محمد عفيف الحسيني( حيث يجري التركيز على التقية المتعددة الأبعاد والمسارات)، متواصلاً مع ذاته، تلك التي تشكل الأرضية الداعمة لشخصه الفعلي، أن يكون ذلك الكائن العاموداوي المأخوذ بهم مجتمعي كالكثيرين من مجايليه، وليس أن ينسف عاموداالواقع، ليركب عاموداالموقع، ويجرد الذين سبقوه في الكتابة، والذين كانوا من جيله، من ذلك الحضور الكتابي، لتكون الكردية ماركة مسجلة حسينية! احذر التقليد إذاً! ( يمكن هنا الرجوع إلى ماقاله الاستاذ دحام عبدالفتاح، وهو مواطنه العاموداوي ويكبره عمراً، وذكره عنه في مقال لسالارصالح؟؟ منشور في موقع(Seyda) الكردي الانترنتي، وتحت عنوان ( المثقف الانتهازي)، حيث كان على دحام أن يعمق موضوعه أكثر من ذلك، وأن يتخلص من تلك المشيخية التي تلبسته أو استهوته منذ زمن ملحوظ، لربمالأن المشيخة تمارس غوايتها، ولها فتنتها، ليكون لها كل هذا الرنين والطنين، ومن خلال صمت غير مبرر لعبدالفتاح إزاء أمور كثرة، خصوصاً في السنوات السالفة. هذا يأخذ بنا حول تحديد الانتماء الجنسي( أنا معروف في الصحافة العربية كقارىء كردي) خلاف الكثرة الكاثرة ممن لا يريد ذكرهم، ممن يكتبون بالعربية، وكأننا بذلك إزاء فتح معرفي وقومي لا يجارى، إذ في أوربا كلها، كل كردي يخرج هارباً بجلده، أو لأسباب عديدة، يعرّف بنفسه كردياً، وما يقوم به ليس إبداعاً يستحق التقدير. حيث يكون الكردي، يعرف بالمكان الجغرافي: سوري، عراقي مثلاً، لأن تحديد الانتماء يرتبط بمكان محدد، غير أن محمد عفيف، يستثني ذاته فيما يذهب إليه، لا غرابة في تلك ، فالتقية الفارطة هي المعنية بما تقدم. في السياق ذاته، وهو يظهر مكنونه مخزونه، لمقدم البرنامج المذكور، لا يجد غضاضة في تمريرالأقوال هذه، أو لايجدما يمنعها من البث دون تعليق، لأن مواطنه العاموداوي الآخر، يمتلك الكثير من المواهب التي تفصح عن تقية من نوع آخربدوره، وهو عارف به أكثر من خارج محيط المدينة، وهذا ما يتجلى في الكثير من الأسماء التي يستضيفها، تلك تستهويه ليس إلا، ووفق صلات خاصة. أشدد في الجانب الآخر من التقية التي يجلو بها محمد عفيف شخصه، من خلال مادته المثيرة حقاً، وأعني بها معجمه: ملجمه الطيري( الطيور) والمنشورة في موقعه قبل عدة شهور. ثمة ذكاء في اختيار الطيور، في تتبع مناقيرها وأجنحتها وريشها وسيقانها وطريقة طيرانها وبعض مما تيسر من طباعها قزوينياً عصريا من نوع مختلف، كما لو أن النص احتفاء من نوع متمايز بالطير، لكنه ذكاء يودي بصاحبه في النهاية، طالما أن الذين، ممن يجدهم خصومه الألداء من الكتاب الكرد ، أو خارج الفعل المؤثر كتابياً، هم وحدهم من يمكنهم أن يدرَجوا طيورياً، طيوراً كرتونية. لا أتوقف عند هذه المادة والتفكيرالظني المتجني في العمق، حيث القضية خلافية تماماً وليس اختلافية، تبداً من ماهية الكتابة، وتنتهي حيث يبقى الكائن المختلف كتابياً! القشمرالذائع الصيت متحرّك متبرّك في صميم المادة، ومن تمت قشمرتهم، وحالة الاغتياب في ذلك. ولو أن أي امرىء يتمتع بأدنى درجات الذكاء العادي، بوسعه أن ينسل ويفهرس طيوراً، على وزن طيوره وبالتناظر. إذ ما موقع طيوره التي يراهن عليها، لأنها تقل عنه تقية، وليس زئبقية؟ ما موقع الطيور التي ينشر لها في موقعه، تلك التي تعصف بذاتها، وتشهر عداءها لمن يعتبرهم خصومه( أنا وغيري) رغم أن العدائية غير قائمة هنا، حيث تتسلسل نصوصهم: لصوصهم، مع صورهم الممسحجة، دون أي تدقيق في التسفيه المتجلي فيها، وهي الطيور التي أعلنت مواتها، وربما موتها الروحي كردياً، خصوصاً عقب أحداث 12 آذار بدون استثناء، ولو أن محمد عفيف الذائع الصيت كردايتياً، كان يمتلك الحد الدنى من الشعور بالانتماء الكردي( وأقولها بصراحة مسموعة، من خلال مجريات الأحداث، وحيثيات الوقائع)، والذائقة الشعرية الفعلية، لامتنع عن نشر(زرق) طيوره في (خنه) الأنترنتي، على الأقل تعبيراًعن تقية مقبولة بصورة ما، لأن واقعاً يستوجبها، ولكن التقية بصفتها في حالتها الاستعدائية القصوى تلك، تستحيل مرضاً عصابياً مستحوذاً على كيان صاحبها، دفعت به، ليكون الجامع بين طيورميتة لا تحلق، محنطة في ذهنه، وطيوراختلى بها في ذهنه الاخر، ليكون الرمزالعتيد لها. وأنا أكون طيراً لا بأس بذلك، فكلنا طيور بأرواحنا، أما أن أكون الطير الممسوخ، فقط لاسترضاء الذات الحسينية، وفي ظل ووطأة الأحداث الساخنة، فهذا شيء آخر. أن أكون ابراهيم المحمود، وليس ابراهيم محمود، كما يزيف الاسم عصابياً، تجاوباً مع زيفه الداخلي، وإلحاقاً لـ( أل) التعريف، بـ( أل) التعريف الذي ينتشي به، بصفتي منزوع الكردية، فهذا غاية التدليس والتبليس، ليظل الكردي الوحيد وليس غيره، وفي الوقت نفسه، يبرزني تالياً ( المسعور) المتهجم على موقعه، لأسباب لها علاقة بقضية الكتابة، وموقفي أنا بالذات من المحيط الذي أعيش فيه، وخصوصاً بعد نشر كتابي( صورة الأكراد عربياً) وتجاهل الوسط السياسي الكردي قبل الثقافي به محلياً، وذلك لأسباب لها علاقة مباشرة بالدوغمائيات الحزبوية القائمة كردياً، رغم تأكيد أهميته، وما في ( المسعور) من استحضار البهائمية، التي تفصح عن تقية ناهشة في روحه، إذ لا يقول : المسعور، إلا من يعانيه، في الوقت الذي حاول مناشدتي في بريدي الخاص لأكتب له، وبود استعراضي، كما يذكر قبل ذلك( حيرانو قربانو)، ليكون ابراهيم محمود( حيرانوقربانو) ابراهيم المحمود الدخيل على الكردية، هرطوقياً في المنطوق الحسيني. بخصوص المادة الطيرية، يمكن التوقف عند الحالة النفسية، البحث في الطائر العاري الذي يكونه محمد عفيف، في سلوكه الوطواطي، حيث الوطواط طائر هجين ممسوخ،فهوصنافة: ليس بطائر، ولا بكائن أرضي، يمكن تصنيفه نوعاً، إنه موزع دون انتساب إلى حقل كائني محدد، ولهذا يكون الليل مقامه ومرامه، ليخفي عريه وجلده المسموط، نعم، الوطواط كائن منزوع الانتماء، ربما لأنه يعيش، أو عاش في زمن ما، إن اهتدينا قليلاً بمقبوس فضيلة حسينية، سلوكاً غير مقبول لا من صنف الأرضي أو الفضائي، بسبب تركيبته، فتكون التقية في وجه سافرلها نشاطاً وطواطياً ليلي الإطار. أقول هذا، دون أن ألصق الوطواطية بمن أتحدث عنه، رغم أنني أشرت إلى السلوك لا الشخص هنا، لأن التقية تظل في حيّزها التاريخي فعلاً إنسياً متعدد المرامي والغايات والتوجهات... الخ. في المسرى ذاته، وكما نوهت إلى ذلك، عندما يناقش القيمين على النشاط الثقافي في مهرجان دهوك الأخير، يندفع، وهو على صواب، ليؤكد أن معيارالأدب، لا يتحدد تزكية، أوسواها، ويدافع عن الكاتب الكردي ، وهو المعروف بالعربية، ويذكر أسماء، البعض منها لا يستحق الذكر، لعدم وجودتاريخ كتابي، يمكن التوقف عنده، مقارنة بالآخرين، ولكن تشاء ذاكرة، منافحنا أن تتجاهل أسماء لا هو ولاغيره بقادر على تجاهلها، بقدر ما أنه هو نفسه، على الأقل، يحتاج شهادة من أريد التذكير بهم( ابراهيم اليوسف وأحمد حيدرو وأنا على الأقل)، كما يتصرف آخرون مصابون بالعاهة ذاتها. في غمرة انخراطنا(وأدع الأسماء لذاكرة القارىء التاريخية والحية) في تداعيات أحداث آذار،وكما تبدى لاحقاً، كان الشغل الشاغل الأهم لمحمد عفيف، هو كيفية تسقُّط أخبارنا( أنا كمثال هنا)، في محاولة لانتقام مما أثير حوله، من جهتي في كتابي المذكور، والمنشور حلقات انترنتية، اعتماداً على مجموعة/ جوفة طيورجوارح مسلوبي الجوارح، كما يظهر، ممن استشعروا انتقاصاً من قيمتهم فيما ذهبت إليه نقدياً، حيث لم يكن لأي منهم أي مساهمة تذكر في غمرة الأحداث الساخنة، كان همهم كهم محمد عفيف، هو إثبات كردية معاكسة، لازالت قائمة حتى اللحظة هذه . في المضمار نفسه، لو لم يكن مأخوذاً بعدوى الاستهواء بالاسم المنشود، لما قدم اسمه على اسم سليم بركات، حين يتحدث عن شرف العضوية في اتحاد كتاب دهوك الكردي بنوع من الترويج الدعائي للاسم في سياق المناقشة: المهارشة، وكأن بركات في حاجة ماسة إليه، ليأتي في إثره، في الوقت الذي يكون الحديث عن العربية بنشوة ملحوظة، حالة عمى ونسيان لما أشار إليه بداية، وهو يعزز الشعور الذاتي بالكردية، وفق سياقات مأزومة فكرياً. تتحول آية( إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، بعد تحريف مضمونها، وعلى الوزن الحركي نفسه( إن أكردكم عند الله أشقاكم)، ويبدو أن محمد عفيف بوعيه الشقي مسكون بهذا الإيحاء. أحمد الحسيني: كما تحدثت في دراستي عن الشاعر المتميزأحمد الحسيني، في كتابي ( وعي الذات الكردية)، بصفته أحد أهم رواد الحداثة الشعرية الكردية في منطقتنا( بالنسبة لكرد سوريا)، يمكنني أن أجدد هذا التنويه، وفي الوقت نفسه، أشدد على براعته في كتابة القصيدة الكردية. في إطار التواصل، أشير إلى ذلك الود الملحوظ الذي تلمسته فيه، أثناء زيارتي الأخيرة إلى أوربا، في الشعر السادس من هذا العام، ونحن نتجاذب أطراف أحاديث كثيرة في بلجيكا وألمانيا، عدا الحوارالثقافي والأدبي المطول في برنامجه ( Dengvedana peyv) التلفزيوني. كان ثمة اختلاف في شخصه خلاف البقية ممن تحدثت عنهم، وفي الوقت نفسه، كان ما أثير عن البعد الإشكالي والمحبط لأي توجه ثقافي أو إرادة أدبية فعلية، بخصوص ) Qeşmerok)، ومن الذي يحرك خيط القشمرة، ويلفه على مغزله الذاتي المدبب والناتىء، وحالة السخف التي تجلى بها قشمرياً، وما كتبته نقدياً في هذا المنحى، كان لـه صلة قوية بالمشيخة الموسومة. وهنا يبلغ الأسف منتهاه المثير للتهكم والمفارقة اللاذعة. أتحدث عن علاقة الكتابة بالسلوك، عما يضعه الكاتب نصب عينيه، وهو يكتب نصوصاً مختلفة، وهو يقيم علاقات شنى مع الكتاب، وهو ينظر إلى ما يقوم به بطريقة مشيخية. ما كتب ونشر في كل من موقع ( Tîrêj) و( Amûda. Com) والموقع المهين والمخجل بما ينشر فيه، ومن قبل أسماء مستعارة في الغالب، والمشهد التسفيهي التقريعي التحاملي المظهِرلكاتب الموقع البذيء بامتياز( Tefşo)، شكل أكثر من مادة حوارية ساخنة أحياناً، إنما بقي الود، ولازال بيننا، وهو ود لا أفتقده حتى إزاء أياً كان، آخر، من آل الحسيني أو سواهم ، عندما أتعرض بالنقد النصي السلوكي، ما يمكن أن يتشكل به موقف القارىء الفعلي، تجاه ما ينسبه الكاتب ( الحسيني هنا) إلى نفسه، وما يتمظهر به سلوكياً. لاحظت تلك الإرادة الماضية في تأكيد وجهة نظرها، بخصوص قشمروك، وليس ما أثيرعبر بافي قشمروك، وتجاهلاً لما أثيرمن سوقيات الكلم في ( تفشو)، وهي الحالة التي لفتت نظري في أحمد الحسيني، في تحفظه عليها، كان ثمة دفاع ما، ضمني، عن التسفيه المبذول ضد هذا أو ذاك، من الكتاب، رغم تشديده على ضرورة الابتعاد عن ممارسات من النوع المذكور، ولكن الظاهرة لم تتوقف، وكان بإمكانه أن يكتب صراحة، وهو قادرعلى ذلك، في معرض الحديث عن أخلاقية الكاتب كرديا، رافعاً النقاب عن دينامو القشمرة اسمياً، وفي هذا الوقت بالذات، وكان ذلك بمثابة دعم لوجستي مرئي ومسموع، لمآلات محمد عفيف نفسه، أكثر من يحرك ويتبنى الحالة هذه، هو وحليم يوسف، اللذين برزا في أكثر من موضع متنافسين على احتياز ألقاب ، ركيزتها الكتابة الأدبية، ومختتمها التضحية بالأدب ذاك. هذا يحيلنا إلى ما ساند هذا الموقف المقشمر، وتجلياته النفسية المشيخية عموماً، والصفة المريدية لها، من قبل آخرين، كما في حال أحمد عمر( المستعرب الذاتي داخل بيته) كما هو معروف، والذي لم يجرؤ على التصريح بكرديته من خلال مجريات أحداث آذار، وهو يضفي بعداً أدبياً، وطفرة تاريخية استثناسية على القشمرة كتهكم وسخرية مطلوبين وموجودين في آداب وثقافات الشعوب، دون معرفة، أو تحديد فعل القشمرة البذاءاتي. كان على أحمد عمرحامل مشيخة مستعارة في ذاته، ومتنكب التقويل والتهويل للمعنى، أن يتمعن في حدود المثار ثقافياً، والمدوَّن أدبياً، وهو قاص موهوب( في بدايته الأولى، كان الوضع كذلك أكثر، لأن ثمة ما تغير، ثمة حسابات تدخل في خانة المشيخة والتلذذ بالكتابة أو الإقامة فيها. أحمد الحسيني، رغم حضور القامة الشعرية الباسقة فيه، يخلط جلياً بين مهنية الكاتب، وحرفية المشيخي المكتسبة أو الموروثة، أو الجاري تقليدها عند سواه، وبوسعه أن يتجاوز هذا المهبط الضيق المساحة، بعيداً عن تلك النزعة الحسينية وأخلاقية الإطراءات المنشودة هنا وهناك. عبدالمقصد الحسيني: هذا هو اسم آخر في دائرة المشيخة والعقدة المشيخة، وليس الاسم الأخير، فثمة أسماء حسينية لا أتعرض لها، لأن موضوعي يطال أهم النماذج فيها. عبدالمقصد الشاعرالذي لازال متخلفاً عن ركب الذين لم يلتحقوا بأوربا، لازال مقيم عامودا، يعنى بالشعر، ويعيش هاجس كتابة الرواية، انطلاقاً من المستجدات، وحاجة النفس الخاصة به إلى السكنى في العالم المنشود. ما يتطلبه الموضوع، هو التالي: دققوا فيما يكتبه ويقوله ويعتمده سلوكياً، تجدوا المشيخي عن قرب، إن مجريات الأحداث، أبقته بعيداً، وبرغبة مدركة منه وفيه، أراد أن يكون هكذا! في حوار معه، منشور قبيل سنة تقريباً، وفي موقع( Tîrêj)، من بين ما يقول الآتي: لم آت من عمامة أحد- أيقظني التشرد- لم أختر الحروف العربية طواعية- لم أهجر الحروف الكردية طواعية أيضاً، في في وقتنا كانت الثقافة الكردية شبه معدومة، وممنوعة وإلى الآن... طبعاً لا تبرير، لكل من يقول بأنه لم يكتب الكردية للأسباب السالفة الذكر، لأن ثمة من كتبوا ولازالوا يكتبون، رغم حالة الحظرالنسبية لذلك، والثقافة الكردية بدورها كانت ثقافة المنفى داخل وطنها، وكان الذين يعلمون ويتعلمون الكردية داخل حجرات مغلقة، لم يختفوا يوماً وفي عامودا بالذات، إن أردنا حديثاً عن مقام الثقافة الكردية وتجلياتهاوسطوعها في ناحية عامودا، والأكثرتوضيحاً لموقف يضاد موقفه وتبريره اللامبرر، هو أن عمه توفيق سابقه، متنقل بين أكثر من لغة، والكردية بالدرجة الأولى، فعبارةالطواعية إذاً مردودة ومظنونة في ذاتها! يعني ذلك، أن بلاغة الكلم التفاف على المقصود، ودفع بالمقلق ناحيته إلى الوراء، لئلا يُنظَر فيه، حيث تكمن الضرورة الاحترازية في قول ما يبعد النفس( الشاعرة) هنا، عما يقض مضجعها، هذا إذا كانت مأخوذة بالقلق ذاك إلى هذه الدرجة، ثمة استبعاد لما يراد التفكير فيه، لأن الإرادة غير مهيأة لأن تكون بتلك الهيئة الكردية، التي تعرّف به خارج دائرة المشيخة. نعم، لم يأت عبدالمقصد من عمامة أحد، ولكنه يعتمر العلامة المشيخية العائلية، على الأقل من خلال طبيعة التعامل مع الحراك اليومي، وكيفية تأثره بمستجداته، والتجلي شهرياً أو أدبياً، وبصورة خاصة عقب أحداث 12 آذار، وفي ناحيته قبل غيرها، حيث كانت مسرحاً فجائعياً. لا تكمن الطواعية في قول الملزَم به، وإنما في قول ما تُلزَم النفس به، ولا أظن أن عبدالمقصد في مستوى قول إلزام النفس ( نفسه) بإظهارذاته الواعية لتلك الكردية التي يتحدث عنها، كما لو أنها عينه التي يبصر بها، ولكنها مرمَّدة وموجوعة فعصبها، وإذنه الصاغية، ولكنها ملتهبة من الداخل، فسد مدخلها ذرائعياً، أعني بذلك أن ثمة ماهو جلي فيما يعتمده عبدالمقصد، وفيما يقتصده في التحرك داخل أو خارج مايريد ومالايريد، لأن ثمة توازنات، رهانات مشيخية يعيشها من الداخل، ومن خلال مسيرة آلية( من الآل) كاملة، ويقيني لو أنه كان خارج حدود الضاد، خارج بلده ، وفي أوربا تحديداً، لربما أفصح عن تاريخ متخيَّل هناك، وهو أنه يعرف الكردية جيداً، ولديه منها الكثير، وأنه كان مهمَّشاً كثيراً كونه عاش هاجس الكردية بالعربية، لأن الوضع مختلف، والذي يبرزه الآن، وفي علاقاته المحددة، مع الذين يمكن أن يشكلوا علامة على حالة السترة المجتباة كردياً، وممن يفكرون مثله،وكأن الكردية عبء عليهم، فيلجؤون إلى التحايل على الذات، وتوليف وقائع لا وجود لها، هو الذي يدفع بنا إلى مدى حضور المشيخية فيه. ليس قول الشعر هو أن تؤكد نباهتك الشعرية فقط، وإنما أن تشكل تاريخك الشعري في تاريخ لاينفصل عنه، إذ لاقيمة للشاعرالذي ينفخ في روح شعره بينما روحه تفتقد أصالة الروح الفعلية. هنا أتذكر ما عليه جكرخوين، ذاك الذي برز أكثر من الكثيرين مما كانوا يعيشون في زمنه، ولكن شعره وسلوكه، كانا بمثابة التوأم، كان سلوكه مهبط شعره وفضاءه، ولهذا كانت شعبيته، ولازالت الشعبية هذه، حتى اللحظة هذه قائمة. في حال عبدالمقصد وغيره، من آل الحسيني من الكتاب، يريدون مجداً أدبياً، خارج العالم المكشوف والمحفوف بالمخاطر، خارج المعاناة، التي يمكن أن تحيل أياً كان إلى كائن وقح، أو عتريس، أومتشدد فيما يذهب إليه، أو حتى مستبد في بعض تصرفاته، أوحاد الطباع ... الخ، ولكن الصفات، أو مشهديات السلكوك والتصرفات الشخصية هذه، تكون مبرَّرة في الكثير من الحالات، إن لم تكن دائماً، كون صاحبها يرتكز إلى ذخيرة من الوقائع الحية التي تشفع له، خلاف من يريد إظهار فروسية، وهولا يتقن ألفبائها فعلياً. قولي هذا، ليس نقداً موجهاً إلى عبدالمقصد حرفياً، أو سواه، إنما إلى أولئك الذين يصورون أنفسهم شعراء دون دفع أي استحقاق، رواد كلمة وشهود حقيقة، وهوفي غيهب ذواتهم، مأخوذين بذوات مركَّبة، عبر الالتزام بخط رفيع يجنبهم الوقوع في تهلكة، أو السؤال عما هم عليه... ليس لدى عبدالمقصد ما يعزز مكانته بصفته شاعراً أو روائياً لأن لديه رغبة بذلك، وهو قابع في بيته، أو يتحرك طوع حركة الخيط الرفيع الذي يعفيه من أي سؤال عما يجري، ودائماً تكون متغيرات ومستجدات الواقع هي مرجعيتي المثلى، ومن يقول خلاف ذلك، ما عليه إلا أن يثبت بطريقة، أنه لازال الكائن الاجتماعي والنفسي والثقافي والأدبي نفسه، قبل أحداث 12 آذار، عليه أن يظهر للملأ، لنفسه، أن الحقيقة هي أن تعيشها، كما لو أنها طوع أمرك في التشكل.... تبدو المشيخية والعقدة المشيخية إن رمنا توسيعاً لها: دلالات وإشارات، أكثر من كونها ممارسة مذهبية أو توظيفية، إنها نوع من الاحتراف، بعد إتقان اللعبة، بعد بلوغ الجودة، والذين تحدثنا عنهم من آل الحسيني من الكتاب، أرادوا، وبتفاوت في الدرجات، ويريدون حتى اللحظة، أن يكونوا مشيخيين عبر جملة سلوكيات ذات صبغة حرفية متقنة في أداء مهماتها الأدبية. وهذا ينطبق على الذين يتلمسون فيهم( ممن ذكرناهم، ومن يرادفونهم في تحبيذ السلوك المشيخي)، وكيف أنهم ينتشون بمقامهم الرمزي، كلسلطة اعتبارية تُمنَح لذات، تعيش طمأنينتها بحصانة لها وجاهتها الشعبوية، وهذه المرة تكون شعبوية الأدب، عبر( مفارزها) الشخصية متنوعة ومتعددة، ويمكن لأي كان: عاموداوي المكان قبل سواه، تتبع هذا المنحى هنا وهناك، ليس من باب اعتبارآل الحسيني مسؤولين عما تقدم، وإنما باعتبارهم شكلوا ويشكلون المثال الأكثر بروزاً ولفتاً للنظر في هذا المجال الثرّ برموزه، وتلوينات الرموزهذه!
#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-سردية بلا ضفاف- سليم بركات في رواية : ثادريميس
-
إبراهيم اليوسف الكردي الممنوع من الصرف
-
رسالة عزاء إلى الارهابيين ومن معهم من إرهابي مضاد ... على خل
...
-
بين حجب الموقع وحجب الانسان
-
سلامات يامحمد غانم ولكن
-
من يثير الدولة في سوريا:في ضوء أحداث القامشلي؟
-
القامشلي،وحدث القامشلي
-
محمد غانم يأكل من خبزالتنور الكردي
-
عزائيات لكاوا والأم الكرديين
-
من يحدد مصير الشعوب؟
-
فتنة المثقف الصدامي
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|