أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - دلور ميقري - مدوّنات: أخباريون وقناصل















المزيد.....


مدوّنات: أخباريون وقناصل


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 15:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة:
معلوماتنا عن العصر العثماني، ندين بها بالدرجة الأولى للرحالة والقناصل الأوروبيين والوثائق الرسمية للدولة وسجلات المحاكم. إلا أنه ثمة مصادر لا تقل أهمية، وهي مدونات الإخباريين من أبناء البلاد، المعاصرين لتلك الحوادث؛ فمنهم من شارك فيها بنفسه، أو شهدها، أو نقلها من مصدر آخر.
وبخصوص أولئك الإخباريين، فما كان همّ الواحد فيهم على الأغلب كتابة التاريخ وفق منهج، بل سعى إلى تدوين ما جرى من أمور مدينته، أو ولايته، وكما لو أن الأمر يتعلق بمذكرات. على ذلك، سنرى الإخباريين الشوام يكتبون عن الشام، والحلبيين عن حلب، وعلى هذا المنوال. من ناحية أخرى، فقد تطرق آخرون إلى أعيان عصرهم ومشاهيره، فاهتموا بترجمة سيرهم.
الشيء الملفت، أن معظم هذه المدونات، بما فيها التراجم، قد كتبها أصحابها باللهجة العامية، أو غلبت الألفاظ المحكية على عباراتها فضلاً عن الكثير من الكلمات الكردية والتركية. كما أننا نلاحظ أيضاً، أن مدونات الإخباريين، سواء أكانوا مسلمين أو نصارى، ميّزت بدقة بين عناصر السكان الأثنية وكانت تسمّي حاراتهم وفرقهم العسكرية والحرفية والصوفية. هذا، بغض النظر عن نزعة التحامل وضيق الأفق والعصبية، المتسمة بها أحياناً بعض تلك المدونات. أما مدونات الأوربيين، من رحالة وقناصل، فإنها كانت غالباً ما تطمس الهويات الأثنية للسكان مكتفيةً بذكر أديانهم ومذاهبهم حَسْب؛ مثلما في إجمالها للمسلمين السنّة تحت اسم ( الأتراك ).

حوادث دمشق اليومية:
لعل هذه أقدم مدونة بين أيدينا، من تأليف الشيخ أحمد البديري الحلاق، وهيَ تسجّل حقبةً تناهز العقدين من تاريخ المدينة ( 1741 ـ 1762 ). ومع الأسف، فإننا لا نملك شيئاً من المعلومات عن سيرة صاحبها من خلال كتابه، كما أن أحداً لم يترجم له. سوى أنّ لقبه، " الحلاق "، قد يفيدنا بنوع المهنة التي كان يزاولها؛ وما عُرف عن كون دكاكين أصحابها بمثابة مراكز للأخبار الأهلية..!
هذا المخطوط، شاءَ أن يقعَ أولاً بيد مؤرخ آخر، هوَ الشيخ محمد سعيد القاسمي، الذي عمد إلى تهذيب لغته العامية. والمعروف، أن الشيخ القاسمي ( 1843 ـ 1900 )، له عدة مؤلفات ولعل أشهرها " بدائع الوصف في الصناعات والحرف ". المحقق، يذكر في بداية المخطوط أن " غالب حوادثه قد صار في أيام الوزيرين سليمان باشا العظم وأسعد باشا العظم، جمعها الفاضل الشيخ أحمد البديري الحلاق من سنة 1154 ـ 1175 هـ، وقد نقحتها ". ( 1 )
المدوّن، ينقلنا عَبْرَ عِبارته البسيطة، السهلة، إلى الأجواء المتجهمة، التي عايشتها مدينته في خضم صراعات الباشا وأصناف العسكر من جند ومرتزقة. بل إن الطبيعة، بكوارثها، تكاد تشارك الخلقَ في شؤونهم وشجونهم. هيَ ذي السنة الأولى من تأريخ الحوادث ( 1154 هـ )، تشهد اصطدام الوالي بالانكشارية القابيقول ( 2 ) وانتصاره عليهم. فما كادت الواقعة تنقضي، حتى عمّ البرد والصقيع والجليد لمدة خمس وعشرين يوماً: " هذا والشمس طالعة ولا يذوب وصار غلاء في الفحم ". إنّ القادمَ، ولا شك، لا ينبئ بخير. فها هيَ علامة من علامات القيامة: " وظهر الكوكب المذنّب من نصف الليل حتى طلوع الفجر ". فلم تمضِ برهة، إلا وفتنة كبيرة تقع في المدينة بين فرقتين من العسكر الكردي: " الدالاتية، التي يقودها المتسلم ابراهيم تمر آغا ( 3 )، اشتبكت مع لاوند الأكراد ( 4 ) وقتل من الفريقين جماعة وكان يوم جمعة، حتى بطلت صلاة الجمعة في كثير من المساجد ". وما كادت الأمور تهدأ في دمشق، حتى جاء خبر مروّع بأن قافلة الحج الشامي، وكانت في طريق العودة من الحجاز، قد داهمها سيل عظيم أخذ نصفها من الرجال والنساء والخيل والأحمال والأموال.
في حوادث سنة تالية، يذكر لنا المدوّن عن واقعة أخرى تواطأت فيها الطبيعة مع الظلم، الواقع على أهل الشام. فقد حصل " طوفان عظيم بسبب السيل وأثر على البيوت والدكاكين، حتى صارت المرجة ( 5 ) كالبحر وغرق الكثير. وقد زادت الدالاتية من الاعتداء، وخربوا البلاد والقرى، فكتب الباشا للدولة بشأنهم، فجاء مرسوم بإبادتهم ونادى المنادي بذلك. ولكن بعد عدة أيام ظهرت الدالاتية ولم يقع شيء لهم ". ويفرد المؤلف مساحة كبيرة من مدوّنته لأعمال الشغب، التي كان يقوم بها أكراد المدينة. فهو تارةً يدعوهم بحسب أصناف عسكرهم ـ من دالاتية ولاوند وسكمان ( 6 ) وغيرها ـ وتارةً يدعوهم ببساطة باسمهم: " في ليلة 24 رمضان بعد صلاة التراويح، قتل كردي في الحضرا يقال له كرا مصطفى ( 7 )، واتهم فيه رجلاً بغدادياً، فتسلحت الأكراد ونزلت صفوفاً وألوفاً ( 8 ) حتى وصلت إلى الدرويشية، فبهجوم الأكراد تفرقوا وهربوا العساكر البغدادية ودخل الخوف والرعب في قلوب الناس. وفي يوم الوقفة قتل الأكراد اثنين من البغّادة لأخذ ثأر القتيل الكردي، الذي قدمنا ذكره. فتسلّحت البغادة والموصلية وساعدتهم التفكجية ( 9 ) والقابيقول وطلبوا خان الأكراد، فرمى عليهم الأكراد طلق من الرصاص فقتلوا جماعة وجرحوا، فرجعوا على الأكراد ونهبوا بعض قهواتهم وأرادوا أن يعملوا جمهورية ( 10 ) ويقيموا فتنة في البلد، فنهاهم حضرة الوزير عن ذلك، ثم أطلق البغدادي الذي اتهم بقتل القرا مصطفى الكردي وكان بالقلعة وبعد اطلاقه قتل حمّارين وهو سكران ".
هوامش:
1 ـ حوادث دمشق اليومية، للشيخ أحمد البديري الحلاق ـ تحقيق ونشر د. أحمد عزت عبد الكريم، القاهرة 1959
2 ـ القابيقول ( حرس الباب )؛ هم أحد صنفيّ الانكشارية في دمشق، والآخر هو اليرلية ( المحلية ) المتكوّنة عناصره من أهالي المدينة.
3 ـ آل تمر آغا؛ أسرة عسكرية معروفة، ما تزال موجودة في حيّ الأكراد.
4 ـ لاوند الأكراد؛ هم أشهر أصناف العسكر المرتزقة في دمشق وعموم بلاد الشام. واسمهم يعني بالكردية " رشيق الجسم ".
5 ـ المرجة؛ كانت سابقاً جزيرة بمكان الساحة المعروفة اليوم، وقد اشتهرت في زمن الأيوبيين كمكان لرياضة رمي الصولجان.
6 ـ الدالاتية والسكمان؛ وهما أيضاً صنفان من العسكر المرتزقة، غلب عليهما العنصر الكردي. اسم الفرقة الأولى، تحريف عن الكردية ( تالاتي: نهّاب )، أما الثانية فهي تحريف عن الكردية ( سكفان: القناص ).
7 ـ كرا مصطفى؛ أي ابن مصطفى كما تلفظ بالكردية. وكان الكثير من الشخصيات، المذكورة في مدونات ذلك العصر، يُعرفون باسمهم الأول ( كرا ).
8 ـ تعبير " نزلت صفوفاً وألوفاً "؛ يدل من جهة على مكان سكن الكرد في سفح قاسيون، ومن جهة أخرى على عددهم الكبير حتى في ذلك الزمن المبكر من تاريخ السلطنة.
9 ـ التفكجية؛ هم فرقة نظامية من المشاة، حملة البنادق.
10 ـ تعبير " يعملوا جمهورية "؛ من المستغرب وروده في مدونة مؤلفها شخص عادي، خصوصاً وأنها مكتوبة قبل نشوب الثورة الفرنسية. على ذلك، فمن المحتمل أن المحقق الأول للكتاب ( الشيخ القاسمي ) هو من أدخل هذه الجملة في النص؟
* للبحث صلة..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصديقتان
- الغابة العذراء
- زجاجة مكياج
- الجرف
- الرئيس ونائبته
- كان ليبياً أفريقياً
- كان غريباً وغامضاً
- مجنون الجنائن
- مجنون المخيم
- مجنون المال
- النملة الحمراء
- فريسة سائغة
- خطوط حمراء وساحة حمراء
- مجنون الأرقام
- مجنون المقام
- مجنونة المدينة
- مجنونة الملجأ
- مجنونة الندم
- الببغاء
- مجنونة المهربين


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - دلور ميقري - مدوّنات: أخباريون وقناصل