|
ماركس وحقوق الانسان
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 4947 - 2015 / 10 / 6 - 12:34
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مدخل:
ان الخلط بين التحرر السياسي والتحرر الانساني هو أساس الخلط بين الانسان بوصفه كائن اجتماعي والانسان السياسي، ما يسمى المواطن. وان هذا الخلط هو أساس الخلط بين مهمات الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية. ان التحرر السياسي يفسر فقط بالعلاقة بالدولة السياسية، وأن الانسان السياسي، ثم حقوقه، غير موجود إلا في ظل الدولة. إذًا فالمطالبة بالتحرر السياسي، لا تعني التحرر الانساني، أي التحرر من الدولة بالذات، بل تعني التحرر من حاجز سياسي للدولة فقط. مثال: تحرر دين من دين الدولة، أي جعل الدولة علمانية. وهذا حق من حقوق البرجوازية، حقوق الانسان، الانسان السياسي بالمعنى التاريخي للعبارة. ومن وجهة النظر هذه، ينتقد ماركس الدولة السياسية والتحرر السياسي في بنيانها الدنيوي. فان التحرر من هذا الحاجز أو ذاك في ظل الدولة، لا يعني اطلاقا التحرر الانساني، أي التحرر من الدولة بالذات. وماركس يبحث التحرر البشري، أي التحرر من الدولة -كل دولة- في الحقوق السياسية، حقوق الانسان. ولكن لماذا تسمى حقوقه حقوق الانسان؟
حقوق الانسان:
يقول ماركس: ".. فإن كنتم تريدون أن تتحرّروا سياسياً دون أن تحرّروا أنفسكم إنسانياً، فإن النقص والتناقض ليس فيكم وحدكم، وإنما أيضاً في جوهر مقولة التحرّر السياسي. فإن كنتم مُشْبَعين بهذه المقولة، فإنكم تشاركون في الوهم العام .. ولنلاحظ، بادئ بدء، واقع أن حقوق الإنسان المتميزة عن حقوق المواطن، ليست إلا حقوق عضو المجتمع البورجوازي، يعني الإنسان الأناني، الإنسان المفصول عن الإنسان وعن المتَّحد. وعبثاً ينادي أكثر الدساتير جذرية، دستور سنة 1793: « المادة الثانية – إن هذه الحقوق (الحقوق الطبيعية، والتي لا يمكن فسخها) هي: المساواة، الحريّة، الأمن، الملكية». وفيم تقوم الحرية؟ « المادة 6 – الحرية هي القدرة التي يملكها الإنسان، القدرة على أن يفعل كل ما لا يَضُرُّ بحقوق الآخرين ». أو أيضاً، حسب وثيقة إعلان حقوق الإنسان الصادرة سنة 1791 « تكمن الحرية في استطاعة الإنسان أن يفعل كل ما لا يضرّ بالآخرين » .. "لنفحص حقوق الإنسان في شكلها الحقيقي، في الشكل الذي نجدها عليه عند مبتكريها، عند الأميركيين الشماليين، والفرنسيين!.. فحقوق الإنسان هذه هي، في شطر منها، حقوق سياسية، حقوق لا يمكن ممارستها إلا إذا كان الإنسان عضواً في مُتَحّد جماعة. المشاركة في الحياة السياسية العامة، في حياة الدولة، هذا هو مضمونها .. ولكن حق الإنسان في الحرية، لا يرتكز على علاقات الإنسان بالإنسان، وإنما في الأصح على انفصال الإنسان عن الإنسان.. فحق الملكية هو – إذن – حق الإنسان في التمتع بثروته والتصرُّف بها وفق مشيئة، دون الاهتمام بسائر الناس، وبصورة مستقلة عن المجتمع. إنه الحق في الأنانية، وهذه الحرية الفردية، مع تطبيقها، هي التي تؤلف أساس المجتمع البورجوازي. وهي تبيّن لكل إنسان في الإنسان الآخر، ليس تحقيق حريته وإنما تقييدها على الأصح. إنها تنادي بادئ بدء بحق الإنسان في « التمتع والتصرّف وفق مشيئته بأمواله ومداخيله وثمرة عمله وصناعته » .. الإنسان ليس منظوراً إليه، في هذه الحقوق، بمثابة كائن بشري اجتماعي، بل على العكس تماماً، فإن الحياة البشرية نفسها، أي المجتمع، تظهر بمثابة إطار خارجي عن الفرد، بمثابة تحديد حريته الأولية .. إن الحق بالحرية يكفّ عن أن يكون حقاً منذ أن يدخل في منازعة مع الحياة السياسية، على حين أن الحياة السياسية، ليست إلا الضمانة لحقوق الإنسان، لحقوق الإنسان الفردي .. إن إنشاء الدولة السياسية وانحلال المجتمع البورجوازي إلى أفراد مستقلين، تضبط الحقوق علاقاتهم .. إن الثورة السياسية تفكّك الحياة البورجوازية إلى عناصرها دون أن تُحدث الثورة في هذه العناصر نفسها أو تتناولها للنقد، فهي – أي الثورة السياسية – ترى المجتمع البورجوازي، وعالم الحاجات، والعمل، والمنافع الخاصة، والحق الخاص، كأساس لوجودها ..
وتبقى سائر حقوق الإنسان، المساواة والأمن. ليس لكلمة مساواة هنا مدلول سياسي. إنها ليست إلا المساواة في الحرية المُعَرَّفة في سطور سابقة: إن كل إنسان معتبر في آن واحد بمثابة ذرة مرتكزة على ذاتها. إن دستور 1795 يعين مدلول هذه المساواة « المادة الخامسة. إن المساواة تقوم في أن القانون واحد بالنسبة إلى الجميع، سواء حين يحمي أو حين يعاقب ». والأمن؟ يقول دستور 1793 « المادة الثامنة. يقوم الأمن في الحماية التي يمنحها المجتمع لكل من أعضائه لحفظ حياته وحقوقه ومُلْكياته ». إن الأمن هو أسمى مبدأ اجتماعي للمجتمع البورجوازي هو مفهوم الشرطة. إن المجتمع بأسره ليس موجوداً إلا لكي يضمن لكلٍ من أعضائه حفظ حياته وحقوقه وملكياته .. إن مفهوم الأمن لا يكفي، بعد، لكي يَسْمو المجتمع البورجوازي فوق أنانيته. فالأمن هو، بتعبير أصح، ضمان لأنانيته. فليس ثمة – إذن – أي حق من حقوق الإنسان يتَخَطى الإنسان الأناني، الإنسان كما هو، عضو المجتمع البورجوازي، يعني فرداً مفصولاً عن المجموع، ومنطوياً على ذاته، ومنشغلاً فقط بمصلحته الشخصية، ومستجيباً لحكمه الفردي الخاص". كارل ماركس، حول المسألة اليهودية
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حق تقرير المصير: بين لينين والاشتراكية
-
موقف لينين العدواني من ثورة السوفييتات عام 1905
-
لينين: رأسمالية الدولة في الاتحاد السوفييتي
-
ماركس ينتقد شيوعية إنغلز الشترنرية
-
الكومونة من وجهة نظر العلماء
-
لماذا تأخرت الثورة الاممية؟
-
بين الحلول الكينزية والاسلامية للازمة المعاصرة
-
التحام الماركسية والاناركية في كوباني
-
كردستان في لعبة أمريكا الداعشية
-
نحو تشكيل ميليشيات ثورية في كل مكان
-
الثورة المجالسية من روسيا إلى ايطاليا: 1917 - 1923
-
مسعود البارزاني: ممثل الطبقة البرجوازية
-
ها نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد!
-
لتعش الثورة الاشتراكية!
-
الطباق بين هيغل وماركس
-
من هو مؤلف (نقد برنامج غوته)؟
-
الكومونة والتعاونيات الأناركية الحرة
-
تونس ومصر: عاصفة من الاضرابات
-
ماركس وهيغل: الفلسفة مثالية كالدين
-
ماركس: أين نقف من ديالكتيك هيغل؟
المزيد.....
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
-
التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«
...
-
تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال
...
-
الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا
...
-
أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا
...
-
العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
-
بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين
-
عقار -الجنود السوفييت الخارقين-.. آخر ضحاياه نجم تشلسي
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|