|
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية - الحلقة الثانية - الروائي برهان الخطيب: لم أغادر وطني لأني أحمله في قلبي دائماً2-15
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:53
المحور:
مقابلات و حوارات
الروائي برهان الخطيب: لم أغادر وطني لأني أحمله في قلبي دائماً أعد الاستفتاء: عدنان حسين أحمد / أمستردام لم يشهد الوسط الثقافي العراقي على مر السنين هجرات جماعية، ونفياً قسرياً للأدباء والفنانين والمفكرين، كما حدث للمثقفين العراقيين خلال حقبة الحكم الدكتاتوري البائد الذي جثم على صدور العراقيين طوال خمس وثلاثين عاماً، مسَّ فيها الضر كل العراقيين الذين لم ينسجموا مع سلطة البعث القمعية، ولم يتماهوا مع نظامها الفاشستي، والذي حاول بالترغيب والترهيب أن يروّض الذاكرة الجمعية للناس ويدمجها في مشروعه القمعي القائم على مُصادرة " المُعارِض "، وتهميش " المُختلِف " وإقصاء " الكائن غير المُدَجّن " والعصي على الذوبان والانصهار في الفكر الاستعلائي " الشوفيني " الذي كان يراهن على خلخلة الثوابت الأخلاقية، والإجهاز عليها، ومحوها من الوجود، ليؤسس لتقاليد " قومية " عدوانية، متعصبة، ضيقة الأفق، لا تقبل بالتنوع، ولا تستسيغ الاختلاف، الأمر الذي أفضى إلى شيوع ظواهر قمعية متعددة في آنٍ معاً، منها النفي، والاقتلاع القسري، والتهجير العرقي وما إلى ذلك. ولم تقتصر الهجرة أو اللجوء على المثقفين العراقيين حسب، وإنما امتدت لتشمل قرابة أربعة ملايين مواطن عراقي لم يستطيعوا " التكيّف " مع أطروحات النظام الشمولي الذي سرق الوطن في رابعة النهار، وزجّ العراق في سلسلة من الحروب العبثية، وأثث الفواصل الزمنية بين حرب وأخرى، بالمقابر الجماعية، والاغتيالات، والتصفيات الجسدية، فلم يكن أمام المثقفين العراقيين سوى الهجرة واللجوء إلى المنافي الأوروبية والأمريكية والكندية والأسترالية. إن نظرة عجلى إلى ضحايا الأنظمة النازية والفاشية والشمولية تكشف لنا عدداً قليلاً من الكتاب والأدباء المنفيين الذين اضطروا لمغادرة أوطانهم أمثال برتولد بريشت، وتوماس مان، وهاينرش مان، وأينشتاين، وأنا سيغرز الذين فروا من نازية هتلر، ورافائييل ألبرتي، وبابلو بيكاسو، وفرناندو أربال الذين هربوا من فاشية فرانكو، وسولجنستين، ونابكوف الذين تملصوا من النظام الشيوعي الشمولي، وهناك أسماء أُخر لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة غادروا أوطانهم بسبب القمع والمصادرة الفكرية أمثال الصيني غاو سينغ جيان، والتشيكي ميلان كونديرا وسواهما. أما المثقفون العراقيون من قصاصين وروائيين وشعراء وفنانين ومفكرين وإعلاميين فقد بلغ عددهم بضعة آلاف غادروا العراق مضطرين إلى المنافي البعيدة تحت مسميات عديدة من بينها، لاجئٌ، و مُهاجِرٌ، ومهجَّرٌ،، ومُغتربٌ، ومنفيٌّ، وهاربٌ. وللوقوف عند هذه الظاهرة ارتأت " الصباح الجديد " أن تقوم باستفتاء عدد من الكتاب والأدباء العراقيين الذين يعيشون في مختلف المنافي العالمية لاستجلاء أبعاد تجاربهم الأدبية، وما تمخض عن التلاقح بين الثقافة العراقية والثقافات الأخر الآوية للمثقفين العراقيين. *أتصنِّف نفسك أديباً مُهاجِراً، أم مُهجَّراً، أم مُغترباً، أم منفيّاً، أم لاجئاً، وهل أن ما تُنجزهُ من نصوص إبداعية، مُستوحىً من الوطن أو" عش الطفولة، ومستودع الذكريات " بحسب غاستون باشلار، أم ناتج عن المخيّال الإبداعي للمكان الجديد بوصفة مَهجراً، أو مُغترَباً، أو منفىً لا يعتمد على صياغة المفهوم القائل " هذه بضاعتكم رُدّت إليكم "؟ وكيف تتعاطى مع مخزون ذاكرتك الفردية الماضوية " القبْلية " المُهدَدة بالتلاشي والانطمار نتيجة لتراكم الذاكرة البعْدية التي تتأسس في المنافي أو المُغترّبات الجديدة؟ -معلوم عام 1968 أحلنا إلى محكمة مع المطبعي ومعلة بسبب قصتي " الشرف". قبلها سرحت من دورة ضابط الاحتياط مع مجموعة من اليسار. عام 1969 أصاب خال الرئيس والدي بطلقة. في نفس العام أعادت مصلحة السينما مخطوطتي " شقة في شارع أبي نؤاس " إليّ مع نصيحة رغم الإعجاب بها لتفادي المتاعب الجدية والكتابة بطريقتي فيها، منعوا الرواية بعد ذلك رسمياً واحتججت برسالة مفصلة إلى الإعلام، فدعاني صديق برئاسة نقابة الصحافيين لمغادرة البلد حفاظا على نفسي. كنت أوفدت مهندسا إلى الخارج واستقلت من هناك من وظيفتي والتحقت بمعهد أدبي لدراسة الأدب أكاديميا وكذا لعدم قدرتي الذوبان في مجتمع الحزب الواحد الجديد آنذاك في العراق وإخضاع قلمي لرقيب، هكذا بدأت قصتي مع الهجرة، الغربة، المنفى، سمها ما شئت. عام 1973 كتبت أنا لم أغادر وطني لأني أحمله في قلبي دائما. مناي ظل عندي شرفة أطل منها عليه، لهذا حضرت شؤونه في جميع كتاباتي. هناك أسباب أخرى طبعا لذلك التنائي والتداني، الزوابع لا تنشأ من عامل واحد، قلة الفسحة الاجتماعية الممنوحة لفتى سعى لتحقيق ذاته ومعرفة عالمه الرحب عن كثب، بتجربته لا من كتب رغم قيمتها العالية ولا من كلام آخرين رغم حصافته أحيانا، ثمة أسباب سياسية واجتماعية ووجودية إذن وراء خروجي من عالمي الصغير إلى العالم الكبير. سؤالك متشعب أحاول الإحاطة به. الوطن، الخارج، الذاكرة، التجارب الجديدة، القبل والبعد، تمتزج وتترك آثارها في النص، الطفولة لا ينظر إليها من منظارها الخاص بل من منظار الرشد، أكتب نصي من عدة زوايا في آن، رُميت إلى الوجود وبالكتابة رددت الوعي به إليه، حاولت جعل رواياتي بانوراما بحجم المشهد الذي كان أمامي، كل منا ينظر بطريقته الخاصة طبعا، نظرتي إليه لم تكن من زاوية محلتي سوق الدجاج، وإلاّ قلدت عنتر وعبلة، ولا من الزاوية المعاكسة، من أعلى الكون، وإلاّ بقيت أكتب رسائلي إلى البرنامج العلمي عن وزن الضوء، ولا من زاوية أمتي فقط، وإلاّ كنت حذوت تولستوي وكتبت الحرب والسلام عربية، ولا من زاوية طبقية وإلاّ اتكأت على غوركي، ولا حسية وإلاّ جريت مع اندريه جيد وبروست. تأثير والدي وعمي وعائلتنا الدينية كان حاسما في تكوين مذهبي الانساني مبكرا ونحت تصوراتي عن ضرورة النشاط والفعالية والحياد واليقظة الدائمة لأوجد وأَخلق بجدوى، ساعدتني دراستي العلمية والأدبية في رؤية الأمور كما هي لا كما أتصورها، واستمر حواري مع الواقع مثمرا أزعم. الوطن والخارج يكملان أحدهما الآخر إذن، بهما يرتقي الإبداع وينصقل بالموهبة. *كونك لاجئاً أو منفياً أو مُقتلعاً من الجذور، كيف تقيّم علاقتك بالوطن أو المعادل الموضوعي للمكان القديم، هل هي " علاقة ثأرية قائمة على التشفّي، وتصفية الحسابات " كما يذهب الدكتور سليمان الأزرعي، أم هي علاقة تفاعلية قادرة على تحويل التجارب السابقة واللاحقة إلى وعي حاد يتخلل تضاعيف النص الإبداعي المكتوب في الأمكنة الجديدة؟ - رغم قبولي لاجئا سياسيا في السويد لم أشعر مطلقا أنني لاجئ، أو مغترب، ليس بسبب نعومة المنفى كلا، لم يكن ناعماً، لكن بسبب إيمان بأن أمي الأرض وأبي السماء يأخذان يدي دائما إذا تعثرت، تحركت دائما حتى في أسوأ الأوقات والأماكن مواطنا عالميا من الدرجة الأولى لم يقتلع من جذوره، شنيعة هي الزوابع التي أرادت اقتلاعي منها، إنما كانت وظلت ضاربة بعيدا عميقا في أور وبابل ونينوى وغيرها من شوامخ عراقنا، صدقني لم أشعر باهتزاز حتى في أشد أيام العصف عليّ وأنا وحيد، في زنزانة حيناً، في شارع، وفي مواجهة عقلاء تصرفوا بحماقة، ومجانين تصرفوا بمنتهى الرصانة، جابهت أنواع الاستلاب وخرجت غانماً قيمي، والمستلِب مفلساً حتى من قيمه، هذا لا يعني نفسي لم تعش الاغتراب، بلي عاشته، معنوياً، لا جغرافيا، قبل أن أغادر وطني إلى يوم عدت إليه، الاغتراب الحقيقي حين تفشل في التفاهم مع الآخرين، مع القريبين خاصة. انعدام التفاهم هو المنفى الحقيقي، مرض العصر، ليست مصادفة موضوعة " التوحد " الأكثر انتشاراً في أدب الغرب، العراقيون اليوم يعيشون جميعا المنفى مع الأسف بهذا المعنى. مقابله كيف هي صورة الوطن إذن ملهمتي في ذهني وأعمالي، لا بد أن تكون الأبهى رغم كل أوصابه، لأنه كان وظل المنقذ، المخلّص الحقيقي. المعادل الموضوعي للمكان القديم نتاج كلينا، لمعادلة صحيحة، وضعت كمتتالية، شملت العديد من العوامل المؤثرة، لا ما ينتمي فقط إلى الموجب والسالب، منهين هكذا بالحساب علم الرياضيات الفسيح، الشبيه بعلم السياسة، والأدب عموما، معادل صريح مفتوح مثل الوطن حين يكون مفتوحا لخيرين مغلقا نابذا لأشرار، هنا قد نختلف على معنى الخير والشر، تلخيصه مغامرة، لاحظ أنك لا تستطيع تعريف أي منهما من غير الآخر، وجود الأضداد ضروري لمعرفة حقيقة، لنقل إذن: الخير لا تؤذ غيرك، نقيضه الشر. هل نذهب لتعريف ما الأذى؟ سنجد معنى آخر نختلف عليه، هكذا هو التفكير، وطالما حصرنا الاختلاف ضمن حدود البحث عن المعنى، للتفاهم، تحركنا ضمن دائرة الخير. نتضارب يضيع التفاهم ونصبح أشرار، جميعاً، أهي مصادفة عكس التفكير التكفير، هذا درجات أيضاً، تبدأ من احتكار الحقيقة إلى إلغاء الخصم. إذن معادل المكان القديم واحة أرضية حقيقية ولو بدت افتراضية على طريق سفر إلى أماكن جديدة، لا فردوس موعود ونهاية مقام، ترى انعكاسه في جميع أعمالي الروائية، سوق الدجاج في " بابل الفيحاء " شارع القناة في " ليلة بغدادية " محطات المنافي في " الجنائن المغلقة " وهكذا، وهو طبعا في المخيلة ليس مكانا جامدا بل متحرك، نرى فيه مشاكل اليوم، وصور المستقبل. هكذا يصبح المكان القديم ومعادله زمكانا، لأنه يستوعب الوقت الآتي أيضا، كل هذا لا يتحقق من غير وعي بمشاكل عشناها ونعيشها. الرواية ليست عرضحال طبعا إلى رب العالمين ليجلي بصيرتنا بها، ولا منهجاً لنجاح، أو مذكرة تعيين وزراء وسفراء، هي لا تخلو بالنسبة لكاتبها من تضرع إلى الوجود، ليرفع بعضا من أثقاله عنا، جميلة، قبيحة، وللقارئ صلاة في محراب لتناغم مفقود حوله عادة، تجمع متناقضات في كل منسجم، في كشف جمالي، وموسيقى كلمات، وألوان مرئية وغير مرئية، ومعان منشودة وربما مستحيلة. هي الحلم الفالت المعقول داخل الفوضى. هكذا يصبح " سوق الدجاج " جزء من شارع الشانزيليزيه، وشارع القناة مدرجا لمطارات العالم. لاحظ قلت قبل قليل انعكاس المعادل، أقصد بالانعكاس الحالة الثالثة من تحولات المكان، الصالحة برأيي لتغذية كتابة ابداعية حقيقية. أوضح: الصحافي ينقل مباشرة عن المكان، من حالته الأولى. الكاتب المنتقم ذو النفور ومعه العاطفي ذو الحنين، أي كاتب المنفى، المغترب عموماً، يكتب من حالته الثانية، من ردود فعله على حالة الاغتراب. غالبية كتاب الخارج من النوع الفائت. أما المبدع الحقيقي فهو يكتب من حالته الثالثة، بعد هضم ردود فعل الاغتراب السلبية والايجابية، أي من إلهامه وعقله. وهو نادر جدا حسب ملاحظتي. *هل تعتقد أن اللاجئين والمهجرين والمغتربين في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا قادرون على التماهي، ثقافياً، في المجتمعات الجديدة الآوية لهم، أو التكامل معهم من دون أن يتعرضوا إلى مسخ مدروس أو تشويه متعمد أو تذويب قسري أم أن المرء ينقلب إلى غيره، أو " يزدوج ويفقد وحدته النفسية" كما يعتقد المفكر عبد الله العروي؟ كيف تقيم تجربتك الخاصة في هذا الصدد؟ -هذا سؤال أحلم في كتاب عنه لكبره وتشعبه! باختصار كل شخص حالة في ذاتها، لاختلاف المؤثرات على هذا وذاك واختلاف ردود الأفعال حسب تركيب الشخص، هناك مؤثرات مشتركة طبعاً، صدمة الجديد، نوع استيعابها يختلف، بعضهم يرفض الجديد، آخر يأخذ ويرفض، آخر يقبل كل الجديد. الغالبية تأخذ وترفض بنسب مختلفة حسب معرفتي، يتأقلمون، المكاسب الملموسة تعوض المعاني المفقودة، يغيرون معانيهم تحت ضغط الحاجة، أو يتهربون من تحديدها بالضبط لأن المسألة أكبر من قدرتهم الذهنية والمادية على إيجاد حل، تعارض بين ما يؤمنون به وما هم قادرون عليه يتناسوه عموما، المسلم الأوربي مثلا كيف يجابه ابنته التي تعيش مسيحيا رافضة وصايته؟ هو قد يغض النظر لو فعل ابنه هذا، مع ابنته يصطدم، أو يتعايش مضطرا، أو مضطرا يصل إلى قناعات جديدة، هكذا ينحت الواقع أفكارهم ويغيرهم، قلة تحاول فرض القديم على الجديد، تحدث مشاكل، تصل بعدا مأساوياً أحيانا. هذا يدخل ضمن دائرة تفاعل الحضارات والثقافات. هناك مؤثرات أخرى تأتي من خارج تلك الدائرة للبعض، حسب المكان والزمان والانتماء، خاصة لمشتغل في صحافة وثقافة، تصيبه نفعاً أو ضررا حسب فهمها واستعداده لهضمها أو نبذها. بالنسبة لي تحدثت قليلا بسبب ضيق المجال عن هذا الجانب في تجربتي بحوار سابق، المجال هنا أضيق، لو عرضته بالتفاصيل المطلوبة لإيضاحه لا يضيئ هذا رغم وهجه الشديد شيئا في ظهيرة هذا العالم المعرية لأكبر المعاني وأصغرها. المشكلة كل منا يرى تلك المعاني بطريقته الخاصة، حتى كأنه لم تعد لوسائل الإيضاح والكلمات الملاح جدوى، يجري التلاعب بالكلمات كما لم يجر من قبل في تأريخ البشر. ليس هذا تهرباً من رد صريح بسبب سعة المعنى وضيق العبارة، بل لأمر أهم من المعنى. تحديدا لم أزدوج ولم أفقد وحدتي النفسية، حتى بشهادة طبيب نفسي، لكن أزدوج المنفى وفقد وحدته النفسية أمامي رأيت في بعض رموزه، كان على طرف مر بوهاد وفخاخ مواجها بلدوزر لا تسمع التنحى ولو مؤقتا عن طريق ضيق رغم رحابته، الفسح لتمر من دون اشتباك مع معدن أصم، هكذا ملت إلى وحدتي أرقب منها كيف يذري جنزيرها الطين في وجهي. *على مدى خمس وثلاثين سنة شهد العراق في حقبة الحكم الدكتاتوري البائد ثلاث هجرات ثقافية كبيرة، هل تعتقد أن المشهد الثقافي العراقي قد أثرى من خلال هذه الهجرات، وأفاد منها، أم أنه فقد بعض خصائصه، وسماته، ونكهته المحلية، وما الذي أضافه المبدع العراقي المنفي إلى المشهد الثقافي العراقي؟ -مثقف الخارج أثرى إلى حد، نعم. نفسيا ومعرفياً. أفاد من ذلك؟ لا. أنفق الثروة على موائد قمار السياسة غالبا. ظهرت جمهرة كتاب لو تأنت قدمت إبداعا ذا قيمة، استسهلت الكتابة وانخرطت في عملية ثقافية غير ذات جدوى لهوان خطابها موازية للعملية السياسية، إلاّ ندرى من خريجي معاهد، علمية خاصة، انطوى تفكيرها وتعبيرها على رؤية واقعية لمشاكلنا. على العموم قد تترك هذه الهجرات تأثيراً إيجابيا على الثقافة العراقية على المدى البعيد. المنظور يتسع بمواصلة الاطلاع على الجديد فاكتشاف الغث في ثقافتنا ونبذه. كل شئ يعتمد على أصحاب المواهب. هم قلة. الغالبية تكتب لأنها لا تجد شيئا آخر تفعله، بعضها بذمة، وبعضها من غير ذمة، بالكتابة تحصل على مكاسب، مادية، معنوية، هذا النوع من المثقفين جزء كبير من الحركة الثقافية العراقية اليوم. رغم كل هذا وذاك ظهرت أفضل الأعمال الأدبية العراقية في الغربة، البياتي، والسياب، والجواهري نتاج الغربة، فرمان، الخطيب، عبد الرحمن الربيعي، العزاوي، علي بدر، والي، هدية حسين، ابراهيم أحمد، الصائغان صادق وعدنان، الأنباري، حلاوي، الزبيدي، كاصد، وآخرون، ساعدتهم الغربة في نسج أحلامهم على الورق وتقديمها للقارئ بضاعة فنية ذات قيمة أدبية ثقافية عالية حينا على هذا المستوى أو ذاك. شتاتنا الثقافي لم يضع إذن، لا تنس أن هجرة المثقفين العراقيين هي أوسع هجرة مثقفين في العالم، الروس ومن أوربا الشرقية خرجوا أفراداً، من لبنان، وسوريا، وأمريكا اللاتينية قلائل أيضاً، نحن خرجنا زرافات زرافات. لكي نثمّن إضافة المبدع العراقي المنفي إلى المشهد الثقافي ينبغي مقارنتها بما أضافه المبدع في الوطن الجغرافي، وكذلك بما قدمه مبدعو الدول الأخرى الذين هاجروا من بلدانهم أيضاً، إلى آداب بلدانهم، سولجنيتسن مثلا، ناباكوف، ماركيز، جبران، معلوف، غاو جيان، كونديرا، وغيرهم. بالنسبة لثقافة الأشقاء كانت تحت ضغط رقيب الحزب الواحد، هذا يترك أثره على النمو الثقافي، كالحذاء الضيق المشدود حول الفتاة الصينية لتكون قدمها صغيرة جميلة، لكن التكرلي قدم أعمالاً طيبة، هو نموذج حسن لتعايش أديب مع سلطة مستبدة، الركابي أيضاً، إضافة إلى قلة أخرى. إذن استطاع أدباء الخارج، لكثرة ما قدموه وجودة بعضه، مقارنة بأخوتهم أدباء الداخل، ونتيجة تفوقهم بالظرف قبل كل شئ، أن يقطعوا شوطاً في السباق أبعد منهم. لكن هل كانت إضافتهم بالمستوى المنتظر منهم لو قارناها بما قدمه أدباء روسيا وأوربا الشرقية واللاتين المهاجرين من بلدانهم؟ ظاهراً لا قطعاً. بين أولئك كثيرون حصلوا على نوبل، ولم يحصل واحد منا عليها. قد لا ينفع هذا للقياس، الدواعي السياسية وراء العديد من الجوائز معلومة، إنما من حقنا التساؤل، لماذا هذا؟ ولماذا ترجم الأدب المكتوب من أقراننا إلى جميع لغات العالم، ولم يفز منا بها أحد، ولا ترجمت أعمالنا إلى لغاتهم سوى شواذ؟ ليس صحيحاً عدم وجود أدب صالح عندنا للترجمة إلى اللغات الأوربية هو السبب. الأستاذة مارينا ستاغ وبروفسور ششتين أكسل اللتان كانتا وراء فوز محفوظ بنوبل لهما رأي إيجابي جداً بأعمال عربية معينة، لكنها لم تحظ باهتمام لائق لأسباب يعرفها العارفون. ستاغ ثمنت عاليا " الجنائن المغلقة " مثلاً على صفحتها الأخيرة العربية، إذن نحن لم نقصر، التقصير جاء من الطرف " العادل " .. هنا لا حق لأحد قول لا تعلقوا اخفاقاتكم على شماعات الآخرين، لسنا نحن مَن يعلق هنا إخفاقاً، لم نخفق باختصار، ليبحث المنصف في حيثياته إذا كان مهتما بالأدب حقاً. أضيف، أكثر من عامين ومخطوطتي "على تخوم الألفين " وهي أول رواية عن العهد الجديد في عراقنا المحتاج للأدب حاجة المريض إلى الدواء موعودة بالنشر من وزارة ثقافتنا العتيدة، لكن لا خبر لا جفيه، صح النوم يا وزارة. الكاتب في سطور -من مواليد بابل، العراق عام 1944. -صدر له أكثر من ثلاثين كتاباً في الترجمة والقصة القصيرة والرواية، ومن بين أعماله القصصية والروائية " خطوات في الأفق البعيد، الشارع الجديد، ضباب في الظهيرة، شقة في شارع أبي نؤاس، الجسور الزجاجية، نجوم الظهر، سقوط إسبرطة، ليلة بغدادية، بابل الفيحاء، الجنائن المغلقة. " وله قيد الطبع " غراميات بائع متجول، على تخوم الألفين، وليالي الأنس في شارع أبي نؤاس " وكتاب نظري بعنوان " رواياتي حياتي ". يقيم في السويد
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائي العراقي محمود سعيد ل -الحوار المتمدن -:الرواية الجيد
...
-
الروائي محمود سعيد ل - الحوار المتمدن -: المقلٍّد دون المقلّ
...
-
اعتقال سبعة أشخاص بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في هول
...
-
لا بد للديمقراطية أن تنبع من الوطن ذاته، لأنها ليست حبة نبتل
...
-
البرلمان الهولندي يدرس اقتراح منع ارتداء الحجاب الكلي في الد
...
-
وزيرة الهجرة والاندماج الهولندية تقترح منع ارتداء البرقع
-
مسجد الحسن الثاني تحفة الدار البيضاء
-
الشاعر والروائي فاضل العزاوي: المنفيون ذخيرة احتياطية كبيرة
...
-
المخرج الأرميني أتوم إيغويان، الباحث عن المساحات المحجوبة في
...
-
الفنان - التعبيري التجريدي - آرشيل غوركي وتقنية الرسم الآلي
-
المخرج سيرغي باراجدانوف: ساحر السينما الروسية الذي أثار المش
...
-
تركيا والطريق الطويلة إلى الاتحاد الأوروبي أو الجنة المفقودة
-
قراءة نقدية للملحمة المُضادة - هكذا شطح الكائن مستقبلئذ - لل
...
-
الناقد السينمائي عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: من غي
...
-
هل أن المثقف العراقي مُطالب بأن يذهب إلى حتفه بقديمه؟
-
المخرج باز شمعون ل - الحوار المتمدن -: أعشق سينما الحقيقة، و
...
-
المخرج السينمائي قاسم حول لمجلة - العربي -: السينمائي يحتاج
...
-
مسرحية - سنغافورة - للمخرج البرتغالي باولو كاسترو: كل المُتل
...
-
- الدودة الصغيرة - المسرحية الراقصة للمخرجة الفنلندية إيفا م
...
-
شرودر يرفض الإقرار بالهزيمة، وأنجيلا تطمح أن تكون أول مستشار
...
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|